العَقلُ و كُنْهُ الهُوِيَّةِ المُطلَقُ – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

العَقلُ و كُنْهُ الهُوِيَّةِ المُطلَقُ

العَقلُ هوَ تَعيِّينٌ في التَّوَهجِ القُدرَويِّ لِكُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ، فهوَ مَكنونٌ في الذاتِ المُطلَقةِ مِنْ كَونِه عَينٌ ثَابتةٌ في مَعلُوماتِ الذاتِ، ولَكِنَّهُ يَظهرُ مِنْ بَقيَّةِ الظهُورَاتِ مَعَ تَوَهجِ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ بِقُدرةِ الحَيِّ المَانِحِ لِطَاقةِ الحَياةِ، ولِذلكَ لَمْ يَتصفِ العَقلُ بِالمُطلَقِ لِكَونهِ لَمْ يَظهَرْ إلَّا في التَّوَهجِ عَنِ الحَياةِ .

لِذلكَ نَرَى في الحَياةِ المَشهُودةِ ظاهِراً حَياةً في إنسَانٍ مَجنُونٍ لا يُوصَفُ بِالعَقلِ، ولا نَرَى عَقلَاً في إنسَانٍ غَيرَ حَيٍّ .
فَالحَياةُ لَها وَصفُ الوجُودِ بِلَا عَقلٍ، وَلَكِنْ ليسَ لِلعَقلِ وجُودٌ بِلَا حَياةٍ فهوَ لايُوصَفُ إذاً بِالمُطلَقِ، وَكُلُّ مَنِ ادَّعَى تَألِيهَ العَقلِ وَوَصفَهُ بِالمُطلَقِ فَقَد ظَلَمَ وتَعدَّى على الحَقِيقةِ. لأنَّه أثبَتَ زَوَالَ الأُلُوهيَّةِ بِزَوالِ العَقلِ، وَهذَا غَيرُ صَحيحٍ فإنَّ الأُلُوهيَّةَ بَاقيَةٌ رَغمَ زَوَالِ العَقلِ، والوجُودُ بَاقٍ حتَّى مَعَ ذَهَابِ العَقلِ .

فَالعَقلُ مَوجودٌ عَنْ سَريَانِ الحَياةِ بِعِلمِها الذاتِيِّ بِالمَعلُوماتِ .

وَعَنْ هذَا الإدرَاكِ الفَعَّالِ الذاتِيِّ لِلمَعلومَاتِ كَانَ وجُودُ العَقلِ، أَلَا تَرَى أنَّ فِقدَانَ المَعلُوماتِ يُزِيلُ التَّعَقُّلَ .. وأنَّ التَّعَقُّلَ إنَّمَا هوَ حَركةٌ في كَمِّ المَعلُوماتِ .

إذاً : نَستطِيعُ أنْ نَجزِمَ أنَّ العَقلَ وَصفٌ يَسبِقُه الإدرَاكُ الفَعَّالُ، وَلَمَّا عَلِمنَا أنَّ الإدرَاكَ الفَعَّالَ إنَّمَا هوَ حَدُّ الحَياةِ عَلِمنَا أنَّ الحَياةَ سَابِقةٌ على العَقلِ، وكَذلكَ التَّأثِيرُ والفَاعِليَّةُ إنَّمَا هيَ سَابِقةٌ على وجُودِ العَقلِ، وهذَا إنَّمَا هوَ في الظاهِرِ أمَّا في الباطِنِ فَلَا تَقسِيمَ بَل مَحضُ وجُودٍ، فَلَا يُوصَفُ بِسابِقٍ ولا لَاحِقٍ، وذَلكَ لِأحدِيَّةِ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ . 

 


( من كتاب الهوية للمفكر الإسلامي الشيخ د. هانيبال يوسف حرب ) .


 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى