حرف السين

سر وجودنا في عصرنا هذا

موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

سِرّ وُجُودِنا في عَصْرنا هذا حصراً لا قَبْلهُ و لا بَعْدهُ

 

قال المُجَدّدِيّ : وليعْلَم وليّي في الله أنّ سرّ وُجُوده في عصره هو سرّ خُلُق كُنْ في استعداده وهذا ما فتح الله عليَّ به مِنْ هذا الخُلُق ، حيث طلبتُ البَارِئ البديع الفتّاح العَلِيم المُبِين طلب حالٍ وسؤالٍ ليفيضَ عليَّ مِنْ أسرار كَوْنِي في عصري ، فما كنت مع القَرْن الأوّل ولا كنتُ مع القَرْن الأخير حيث قرن الساعة قيام القيامة ، فأيّدني الله تعالى بهذا السرّ النُّورِي مِنْ قَبْلُ وها هو ذا يَرِدُ عليَّ أُخْرى مع وارِد هذا المُؤَلَّف ، وإليك سرّ وُجُودي و وُجُودك في حالِك مِنْ آنِك كَوْنَك أهل عصرك ، فقد قال الله تعالى : كُنْ فكُنتُ وكُنتَ وكُنَّا و كانَ و كانتْ و كانَتا و كُنْتُما و كُنْتُم ، كلّ ذلك بأمرٍ مِنَ الآمِر الحَكِيم الذي أرادَ فقال ، وبكُنْ كانَ ما كانَ، ولمّا كانَ ما كانَ في أبدعِ إمْكَانٍ ، مَدَّتْ كُنْ الحَقّ كَوْن الخَلْق ، فتسارعتْ المَعدومَات إلى الإجابة على قدر ما فيها مِنَ الاستعداد طالبةً مِنْ كُنْ الحَقّ الاستمداد ، فكان الخَلْق المُتَمَكِن في الحَقّ أسرع خَلْقٍ في الظُهُور إلى الوجود بعِزّته ، فمَنْ أجاب على وجه السرعة ظَهَر أولاً ، و مَنْ كان أقلّ سرعة في الاستجابة كان ظُهُوره ثانياً ، وهكذا تَقَسَّمَ ظهور كُنْ مِنْه على معادلة الزمن السريع مِنْ اسمه تعالى السَّريع ، فمِنْ اسمه هذا ظهر قانون السرعة الفيزيائيّ ( سرّ ) ، وهذا القانون ” سين ره “ بُنَي على أصْلَين، الزاي و السين ، و الزاي عندنا عنوان الزمن عند الفيزيائيّين ، والسين عندنا عنوان المسافة عندهم ، فمُعادلتهم بين الـسرعة ” سرّ “ والزمن ” زاي “ و المسافة ” س ” ، و هذا القانون الفيزيائيّ ثلاثيّ الأبعاد فمِنَ السرعة و الزمن تُعرَف المسافة ، ومِنَ المسافة و الزمن تُعرَف السرعة ، و مِنَ المسافة و السرعة يُعرَف الزمن ، وهذا القانون سُنّة مِنْ سُنَنِ الخَالِق بـ كُنْ ، و أشار إلى الزمن بلفظ ” إذا “ ، وفي آخَر أضاف لفظ  ” قضى “ فقال : { وإذا قضى أمراً  } [1] .

ولا يَعْرِفُ هذا العلم الغامض ذَوْقاً ، و الذي أوضح مَعالِمه – لمَنْ بعدنا مِنَ الأنْفَاس المُتَعَشّقَة لكلام الله تعالى و لمعرفة أسراره و مَكنوناته – بذَوْقٍ مُجَدّدِيٍّ ، إلا مَنْ ذاق خُلُق كُنْ مِنْ باب اسمه المُرِيْد في حَضْرة السّريع :

( و يمكنه الاستفتاح بالفُصُوص الأكْبَريّة الفَصْ الخاصّ بعِلْم التّكوين ) .

فيا وليّي في الله تعالى ( كُنْ ) مِنْه أساس عِلْم الاقْتِدار الإلهيّ ، كما كانَتْ أساس معرفة عِلْم التّكوين ، وفيها كلّ الاقْتِدار ما دامتْ مِنْه ، والمَخْلوق ليس له كلّ الاستطاعة لتحمّل تجلّي هذا الكُلّ الاقْتِداري ، فقضى بحكمته أنْ يجعل استجابة المَخْلوق على قدر استعداده ، فكان أخذه مِنْ كُنْ الخُلُق الاقْتِداري الكُلّيّ على حسب وِسْعه كمَخْلوق ، و عليه لما كان وجودي على قدر استعدادي ظَهَرتُ في هذا العالم تحت رِقّ هذا الزمن المُعَبَّر عنه بالقَرْن الخامس عشر .

فلي نِسْبَتان من هذا الاعتبار ، نِسْبَة إلى كُنْ الحَقّ ، و نِسْبَة إلى العالَم المَوجُود فيه حالياً ، أمّا الثانية فقد كنتُ أسرع في إجابة كُنْ مِمَن سيأتي بَعْدي ، و أبطأ في إجابة كُنْ مِمَنْ كان قَبْلي ، و أمّا الأوّلى فإنّي في نِسْبَتي إلى كُنْ الحَقّ في درجٍ هو فوق رِقّ الزمان و المكان في عينٍ ثابتةٍ ؛ اللهُ تعالى معي فيها أقرب إليّ مِنْ حبل الوريد بعد وُجُودي ، و عين كُنْ مِنْه قَبْل كَوْني بحبل وريدٍ مَوجُود و ذلك حال عدمي في العدم [2] .

و قد ذكرت في كتاب السين كيف احتوت السين الإمداد الزمني و حَاكِميّة السين على الزمن فلينظر هناك .

أما بعدَ هذا المبْحَث فإنّي أدعو إلى العُرُوج نحو تطبيقٍ أعمق كمثال مِعْرَاجي لكلّ راجي .


[1] بعض من الآية /117/ سورة البقرة .

[2] عدمٌ مجازيٌّ فيكفي أنْ أكون معلومة في علم الله تعالى ليكون لي وجود يكسر العدم في حَضْرة الأزل .

 


( من كتاب‏‏ نبوغ المجددية في تطوير الأذواق العرفانية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


زر الذهاب إلى الأعلى