الانتِظَامُ الكَونِيُّ النِّسبِيُّ – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

الانتِظَامُ الكَونِيُّ النِّسبِيُّ

كُنْهُ الهُوِيَّةِ المُطلَقُ هوَ ذُروَةُ الحَقِيقةِ لِكُلِّ مَا هوَ مَوجودٌ .

اِعلَمْ يَا وَلِييِّ في اللهِ تعَالى أنَّ لِكُلِّ شَيءٍ في الكَونِ انتِظامَاً نِسبِيَّاً، ولَكِنَّ الحَقِيقةَ هيَ أنَّ كُنْهَ الهُوِيَّةِ المُطلَقَ الأبدِيَّ، الذِي هوَ مَحضُ الحَياةِ البَاطِنةِ، تُعبِّرُعَنْ مَكنُونِ ذاتِها بِتجلِّياتٍ مُختلِفةٍ، وتُحافِظُ على ثُبوتِ كُلِّ مَا هوَ مَوجودٌ في كُنْهِهَا .

إنَّ الوجُودَ المُطلَقَ والنِّسبِيَّ همَا التَّجلِّيان الذَّاتِيان لِكُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ الأزَلِيِّ الأبدِيِّ : إنَّهُما كِلَيهِما  وَجهَا المُطلَقِ والنِّسبِيِّ .

يُمكِنُ لمَجْدِ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ – كَونُها الحَقِيقةُ الحَياتِيَّةُ الابتِدَائيَّةُ النِّهائِيَّةُ – أنْ يُفهَمَ جَيداً بِواسطةِ الاختِبَارِ المُباشَرِ، عِندَما يَختبِرُ العَقلُ الحالةَ المُرهَفةَ لِلصَّوتِ أوِ الفِكرةِ، يُمكِنُ أنْ يَتَّجِهَ بِشكلٍ مَنهَجيٍّ إلى ألطَفِ حُدودِ الاختِبَارِ، وبِتجَاوزِه لِهذَا الاختِبَارِالمُرهَفِ لِلطبَقةِ النِّسبِيَّةِ، يُمكِنُ لِلعَقلِ الوصُولَ إلى حَقلٍ قَد نُسمِّيهِ الحَقلَ النِّهائِيَّ، أو عَتبَةَ النِّهايَةِ .

إنَّ الحَياةَ القَيُّومِيَّةَ هيَ تَجلِّي كُنْهِ الهُوِيَّةِ الأزَلِيِّ الأبدِيِّ في تَجلِّيهِ لِلوجودِ المُطلَقِ والنِّسبيِّ .

إنَّ وَحدَانيةَ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ ظاهِرةٌ في تَنوُّعِ مَظاهِرِ الحَياةِ، وكُنْهُ الهُوِيَّةِ المُطلَقُ الذِي لا يَفنَى هوَ مُوجَدُ الكَونِ الفَانِي الدَّائِمِ في تغيره .

وَلَكِنَّ هذِه الدَّيمُومةِ لَيسَت بِعشوَائِيَّةِ الوجُودِ، فَلَا نَفْهَمْ مِنْ كلمةِ المُطلَقِ مَعنَى العَشوَائيَّةِ وعدمِ الحِكمَةِ في الاستِرسَالِ بِمُفعَمِ الحياةِ الذاتِيَّةِ، بَل الوجُودُ الحَقُّ أصلاً لايَكونُ حَقَّاً فَيَّاضَاً لِلحياةِ إلَّا بِانتِظامِ تَوَهجِ الحَقيقةِ البَاعِثةِ لِلتَّجلِّياتِ ( الهُوِيَّةِ ) ، وإلَّا فَإنَّنَا لانَستطِيعُ عِندئِذٍ أنْ نَصِفَ الهُوِيَّةَ بِحيَاتها السَّاريَةِ في التَّجلِّياتِ بِالبَدِيعَةِ، فإنَّ العَشوَائِيَّ في فَيضِهِ ليسَ بَدِيعَاً، وخُصوصاً في كَثرَةِ التَّجلِّياتِ التِي نَشهدُها في الكَونِ، فإنَّ كَثرَةَ التَّجلِّياتِ إذا انبَثَقَت عَنْ عَشوَائيَّةِ ظُهورٍ تَلَاشَتِ الظهُورَاتُ نَتِيجةَ تَضَارُبِها بِفَوضَى وُجُودَاتِها، وبِمَا أنَّ الكَونَ مُستَمرٌّ مُتمَاسِكٌ لِلعَيانِ فَقَدعَلِمنَا أنَّ حَقَّاً بَدِيعَاً بَاعِثاً لِلحياةِ قد نَظَّمَ ظُهورَ تَجلِّياتِه الحَياتِيَّةِ، فَوَهبَها بِذَاتيَّةِ سَرَيانِهِ فِيها نَسَقَاً تَرتِيبِيَّاً تَنتَظِمُ وَفْقَهُ المَظاهِرُ صَافَّاتٍ صَفَّاً .


( من كتاب الهوية للمفكر الإسلامي الشيخ د. هانيبال يوسف حرب ) .


 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى