حرف الخاء

خلق كن خاص بالأولياء

موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

خُلُقُ كُنْ خَاصٌّ بالأوْلِياءِ

الحَمْدُ لله رَبّ العَالَمِين حَمْدَ القديم لنِفْسِه ، و الشُكْر لله الشَكُور شُكْر الشَكُور الفَاعِل و شُكْر الشَكُور المَفْعُول ، سبحانه ليس كمِثْلِه شيءٌ و هو السّميع البَصير و بعد :

هذه كلماتٌ في خُلُق كن ، و هذا الخُلُق مِنَ الأخلاق التي فَتَح الله تعالى بها عليَّ ، و كاستفتاحٍ لهذه الكلمات أحبُّ أنْ أُشير إلى قَوْل الشيخ الأكْبَريّ قدّس الله تعالى سرّه حيث قال :

( فهنا علمٌ ينبغي أنْ يُعرَف و ذلك أنّ الله أدخلَ تعلّق إرادته تحت حُكْم الزمان فجاء بـ إذا و هي مِنْ صِيَغ الزمان فقال : إذا أردناه أنْ نقَوْل له كُنْ، و الزمان قد يكون مُزادَاً و لا يصحّ فيه إذا لأنّه لم يَكُن بَعْد، فيكون له حُكْم، فعِلْمُ هذا مِنْ علوم غامضِ الأسماء الإلهيّة ) [1] .

وكما هو ملاحظٌ فإنّ الشيخ قدّس الله سرّه أشار إلى عِلْمٍ خاصٍّ هو مِنْ غوامض العلوم القُرْآنيّة، و هي علاقة فَعَالِية – كُنْ – مع زمنيّة – إذا – و قد طلبتُ مِنَ الله تعالى أنْ يرزقَني مِنْ هذا العِلْم فكان ما أُقيّده في وارِد هذا الوقت و أقول :

هذا عِلْمٌ مِنْ علوم الأخْلَاق التي هي للأنْبِيَاء و ليس لمِنْ دونهم فيها ذَوْقٌ ، و ما حَال هذا العبد الضعيف بشهادةٍ مِنْ خالِقه إلا مُقيِّداً عن تعريفٍ بهذا الذَوْق ، و إنْ كان فيه أذْوَاقٌ فهي عن التّعريفات لا أكثر ، و يُشرّفني أنْ أضع ذَوْقي المُجَدّدِيّ المُتواضِع في خِدمة العلوم الغَوامِض في الأسماء الإلهيّة و الآيات القُرْآنيّة ليكون المُفتَاح المُجَدّدِيّ مُجَدِّداً على مدى الأيام المُتتالِية إلى يوم الدِّين تقبّله الله تعالى خالِصاً له ، و قد تكلّم الكثير مِنَ الخَلْق عن كُنْ الحَقّ ، و لم أجد مَنْ نبّه على كُنْ كلمة الحَضْرة على أنّها خُلُق مِنْ أخلاق الأوْلِياء .. فقد نبّهوا رضي الله تعالى عنهم أنّها ” بسم الله “ مِنَ العبد مِنْ كَوْنها كُنْ مِنَ الحَقّ ، و هذا الذي ذكروه مِنْ خُلُق كُنْ إنّما هو أدَبُ كُنْ ، فالمَعلوم أنّ لكلّ وظيفة أدَب ، و لـ ( كُنْ ) أدبٌ مع الله تعالى و هو أنْ لا تظْهَر مِنَ العبد كما هي كُنْ الحَضْرة ، فكان عَيْن الأدبِ أدبُ الوَلِيّ أنْ تكون كُنْ مِنَ الحَقّ بسم الله مِنَ العبد ، و الذي أريد الوصول إليه مِنْ وراء هذا الأدب حقيقة خُلُق كُنْ وهذا عندنا ، فنحن نقول بالتخَلّق بالأسماء الإلهيّة ، فمن اتصف بالرحمة مِنْ الخَلْق كان تخَلّقاً منه باسم الحَقّ و الذي هو الرحيم ، و مِنْ جُملَة التَخَلّقات التَخَلّق باسمه السّميع و البَصير و المُتَكَلِم ، و هذا الأخير هو أصْل هذا التَخَلّق و ذلك لأنّ الله تعالى مُتَكَلِمٌ بـ كُنْ لإيجاد هذا العالَم بالتقيّد الزَمانِي الآني – عند كتابتي لهذا الوارِد أو عند قراءتك له – أمّا بغير تقيّد زمانيٍ آنيٍ – و هو الذي عبّر عنه الأكْبَريّ رحمه الله تعالى بـ إذا – فلا نقول مُتَكَلِماً بـ كُنْ بلْ نقول القائِلَ بـ كُنْ لإيجاد هذا العالم ، و إذا سأل سائِل ما الفَرْق بين المُتَكَلِم بـ كُنْ و القائِل بـ كُنْ ؟

قلتُ : كُنْ نَفْسُها في العبارتين ، أمّا في المُلقَى إليه فهي تختلف مِنْ حَضْرةٍ إلى أخرى ، فالتّكلّم بـ كُنْ لحَضْرة المَوْجُود ، و القائِل بـ كُنْ لحَضْرة المَعْدوم ، فالقَوْل يكون للمَعْدُوم و الكلام مع المَوْجُود ، و لا تختصّ كُنْ بالإعدام فهي مِنْ حَضْرة الوِجْدَان مِنْ اسمه الوَاجِد ، هذا مِنْ وَجْه خُصُوصِ فَعَالية كلمة الحَضْرة ، أمّا مِنْ وَجْه أخلاقيّة هذا الخُلُق فهو للوَلِي خُلُقٌ بَاطِنٌ ، و مَنْ ذَاق هذه الأخْلَاق أو بعضها يعلم أنّ تجلّي الخُلُق الإلهي على الوَلِي يُلْبِسه حال ذلك الخُلُق ، و مثاله خُلُق الرّحمة إذا تجلّى الله تعالى على القلب بصِفَته الرّحيم كَسَاه حُلّة الرّحمة و باتَ سجود قلب الوَلِي سجود رحمةٍ أبديٍّ للذَات الإلهيّة الرحيمة ، و مثاله خُلُق اللُطْف إذا تجلّى الله تعالى على القلب بصِفَته اللطيف كَسَاه حُلّة اللُطْف و باتَ سجود قلب الوَلِي سجود لُطْفٍ أبديٍّ للذَات الإلهيّة اللطيفة ، و كذا خُلُق كُنْ فمَنْ تجلّى الله تعالى على قلبه بصِفَته الوَاجِد كَسَاه حُلّة الوِجْدَان و باتَ سجود قلب الوَلِي سجود وِجْدَانٍ أبديٍّ للذَات الإلهيّة المَوْجِدَة ، و الذَات تُوْجِد بـ كُنْ، فباتَ اتّصاف العبد الوَلِي المُحِبّ لهذه الذَات الإلهيّة بصِفة الوِجْدَان اتّصافاً حَقِّيّاً مِنْ هيكلٍ خُلُقيٍّ ، و لهذا كان وُجُود الأدْب ، فـ كُنْ مِنْه بسم الله مِنَ العبد ، و إليك مثال هذا الخُلُق مِنْ عِلْم أبعاد الأخلاق .

قال المَلِك العَبْد : هاتِ ما عندك مِنْ بعض أبعاد الخُلُق ، فما دامَ كُنْ خُلُقاً فهو خاضع لا محالة لأبعاد علم الأبعاد الخُلُقية ، على أن ليس كل معلومة في المبْحَث القادم هي كل أبعاد خُلُق كن .


[1] الفتوحات المكية للشيخ الأكبر قدس الله سره الجزء /2/ ص302 .

 


( من كتاب‏‏ نبوغ المجددية في تطوير الأذواق العرفانية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى