قول الباطن الذي لا ينقسم – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

قَوْلُ البَاطِنِ الذي لا يَنْقَسِمْ بَيْن الحَكيم والأكْبَريّ والمُجَدّدِيّ

قال الأكْبَريّ قدّس الله سرّه عن السؤال التاسع : ( فإنْ قلت فبأيّ شيءٍ يَفْتَتِحُون المُنَاجَاة قلنا في الجواب بحسب البَاعِث و الدّاعِي لها ، و ذلك أنّ الحَقّ إذا أجلسهم هذه المَجَالِس التي ذكرناها فإنّما يُجالِس الحَقّ فيها بعد قرعٍ و فتحٍ و استِفتَاحٍ و ذلك أنّهم سَمِعُوا الحَقّ يقول : { يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً } ) [1] .

ثم قال : { أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ } [2] .

وقال في إنْزَال الرسول مَنْزِلة الحَقّ نَفْسه : { يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم } [3] .

و قال : { مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ } [4] .

لأنّه يدعو إليه سبحانه ، و قال صلى الله عليه و سلم الكلمة الطيبة صدقة ، و قال يصبح على كلّ سلامي مِنْ ابن آدم صدقة ، و أفضل الصدقات تصدّق الإنسان بنَفْسِه ، و أفضل ما يُخرِجها عليه مَنْ يُخرِجها على نَفْسِه، فإذا أراد العبد نَجْوَى رَبّه فليقدم بين يَدَي نَجْوَاه نَفْسه لنَفْسه، فإنّ النَجْوَى سامِعٌ و مُتكلّمٌ، و العبد إنْ لمْ يكُنْ الحَقّ سَمْعَه فمِنَ المُحَال أنْ يُطِيق فَهْم كلام الله ، و إنْ لمْ يكُنْ الحَقّ لِسَان العبد عند النَجْوَى فمِنَ المُحَال أنْ تكون نَجْوَاه صادقة الصدق الذي ينبغي أنْ يخاطب به الله ، فإذْن الحَقّ ناجى نَفْسَه بنَفْسِه و العبد محلّ الاستفادة ، لأنّها أمورٌ وجوديّةٌ ، و الوجود كلّه هو عَيْنُه ، و العبد يَصَّدَّقُ بنَفْسِه على نَفْسِه ، لأنّها أفضل الصَدَقَات استفتاحاً لنَجْوَى رَبّه فكانتْ المُنَاسَبَة بين النَجْوَى و ما افْتُتِحَت به كَوْن الصدقة رجعتْ إليه ، و كَوْن الحَقّ كانت نَجْوَاه بينه و بينه ، فما سَمِعَ الحَقّ إلا الحَقّ ، و لا تَصَّدَّقَ العبد إلا على العبد ، فصَحّتْ الأهليّة، فمَنْ كان استفتَاحه هكذا كان مِنْ أهل المَجالِس و الحَدِيث ، و أمّا مَذهَب التِرمذيّ فإنّ الذي يَفتتِحُون به المُنَاجَاة إنّما هو تَلَبُّسَهم بالكِبْرِيَاء ، ثم يَتَعَرّون مِنْ بعضه بوَجْهٍ خاصٍّ و يُبْقُونَ عليهم ما يَلِيق أنْ يُسْمَع به كلام الحَقّ و يُكلَّم به الحَقّ لتَصُحّ النَجْوَى ، فيكونُ الابتداءُ مِنَ العبد ، فيكون له الأوّليّة في هذا المَوطِن و هو وَجْهٌ صحيحٌ ، و هذا هو البَاعِث الوَضْعيّ ، و الذي ذكرناه أولاً هو البَاعِث الذَاتِيّ ، فإنّ نَجْوَى هذه الطائفة في هذا الحَال بمَنْزِلَة الصلاة في العامّة ، فإنّه مِنْ هذه الحَضْرة التي ذكرناها خرج التّكليف بها على ألْسِنَة الرُسُل للعِبَاد ، و شُرِّعَ فيها التّكبير لما ذكرناه ، و الصلاة مُنَاجَاة ، و مِنْ أهل الله مَنْ يجعل عاقبة الأمور استفتاحاً فيَرُدّها أولاً إذْ كان المَطْلُوب عَيْن العواقب ، كمَنْ يطلبُ الاستظلال فأوّل ما يقع عنده وجود السَقْف و هو آخر ما يقع به الفعل ، لأنّ وجوده مَوقُوفٌ على وجودِ أشياءٍ ، فإذا كان مِنَ الأمور التي لا يتَوقف وجودها على شيءٍ كان عَيْن العاقبة عَيْن السابقة فيكون اسْتِفتَاح العمل بالعاقبة ، و هي طريقةٌ عجيبةٌ عملنا عليها و ناجينا بها في هذا المَقَام ، و لكن لا بدّ أنْ تكون النَجْوَى كما قرّرنا بسَمْعِ الحَقّ و كلامِ الحَقّ ، لأنّ الحقيقة تأبى أنْ يُكَلّمَه غير نَفْسه ، أو يَسْمَعه غير نَفْسه ، فقدْ أعْلَمْتُك بماذا يَفْتَتِحُون المُنَاجَاة أهلُ المَجَالِس و الحَدِيث ) .

قال المَلِك عبد المَلِك الفتّاح البديع ذلك العبد المُجَدّدِيّ بلِسان مُجَدّدِيّته :

نحن نقَوْل بالبَاعِث التِرمذيّ الوَضْعيّ، و نقَوْل بالبَاعِث العربيّ الانبعاثيّ الذَاتيّ ، إلا أنّني أجدُ قبل هذا و ذاك حَضْرة جامِعَة هي حقيقة البَاعِث الإبْدَاعِيّ ، و هي السابِقَة في المُنَاجَاة مع ثُبُوت البَاعِثَين السَّابِقَين فقد قال المُجَدّدِيّ عن بَاعِثه الإبْدَاعِيّ :

(( شرّفني الله تعالى أنْ يكون في رزقي لأكون أوّل مَنْ يَفتَح هذا البَاب في المُنَاجَاة الإلهيّة لأوْلِياء الهُويّة مِنْ حيث العِلْم ، لا مِنْ حيث العَمَل، فهو معمولٌ به مِنْ حَضْرة الأزل ، و لكنّي لمْ أعرِف إنْ كانوا رضي الله تعالى عنهم يَعملُون به عن عِلْمٍ ذَوْقي أمْ لا ، و أقول :

إنّ البَاعِث الإبْدَاعِيّ و إنْ كان مَحصُوراً بين التِرمذيّ و الأكْبَريّ رضي الله عنهما بالوَضْعِيّ و الذَاتِيّ ، إلا أنّني أفتح هذا الحصر ببسم الله الرحمن الرحيم الفتّاح المُبِين ما يَسَعُ له وارِد الوقت الشريف ، و كنتُ أودّ لو أشرحها إلا أنّه ما أُلْقِيَ إليَّ بالإذْن بعد ، و أكتفي بالذِكْر بِلُغَة الوَارِد فمِنْها :  

البَاعِث الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الدّهري الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الصَبْريّ الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الرَشِيدي الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الوَارِثي الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ البَقَائي ، و البَاعِث الهَادي الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ النُورِي ، و البَاعِث النَافِع الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ الضُرري ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ المَانِع ، و البَاعِث المُغنِي الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الإحْسَاني الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ الغَنَيّ ، و هو بَاعِث تَنَزُّهيّ ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ الجَامِع ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ المُقْسِط ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ الجَلَالي ، و البَاعِث الإكْرَامي الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث المَلَكِي الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ الرَؤوفِي ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ العَفْوّي ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ الانْتِقَامِي ، و البَاعِث التَوَّابِي الإبْدَاعِيّ فالعبد تَوَّاب مِنْ جهة كَوْنه مُبدَعاً في آنه ، و الحَقّ تَوّاب مِنْ جِهَة كَوْنه مُبدِعاً باعِثاً للتَوّاب الخَلْق و آنه ، مِنْها البَاعِث الإبْدَاعِيّ البَرِّي، و مِنْه بَوَاعِث الإبداع الفِعْلي في حَضْرة توحِيد الأفعال للقَائِمِين في مَقَامات التَوكّل، و مِنْها البَاعِث المُتَعَالي الإبْدَاعِيّ ، و مدخله في الأوْلِياء حَضْرة الخَفْض ، و مِنْها بَاعِث الوَلاية الإبْدَاعِيّ و الُمُفْتَتَحِ بها يكون في حَضْرة الوَلَايَة – بفتح الواو – مِنْ اسمه الوَالِي ، كما البَاعِث الوَلِي الإبْدَاعِيّ حيث المُفْتَتَح به يكون في حَضْرة الوِلَاية – بكسر الواو – و مِنْها البَاعِث البَاطِن الإبْدَاعِيّ ، و مِنْه افتتاح المُنَاجَاة على علوم الأعْيَان ، و البَاعِث الظَاهِري الإبْدَاعِيّ و مِنْه الافْتِتَاح بِمَنْزِل { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ } [5] ، مع ملاحظة كَوْن الافتتاح – افتتاح المُنَاجَاة – لا يصحّ بالكلام الحَادِث بلْ هو بكلامه القديم سبحانه ، و مِنْها :

البَاعِث الآخِري الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ الأوّلي و مِنْه مَنَازِل بسم الله الرحمن الرحيم الفاتِحَة ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ المُؤَخّر ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ الُمُقَدّم ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ الاقْتِدَاري ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ القُدْرَوي ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ الصَمَدَانِي و هو مِنْ أشْرَف الافتتاحات لكَوْنه مَنْزِل إخلاصٍ و مِنْ كَوْنه مُفْتَاح خَزَائِن الجُود و الكَرَم الإلهيّ ، و مِنْها :  

البَاعِث الإبْدَاعِيّ الوَاحِدي و هو دون سابقه في عوالِمه ، و البَاعِث المَاجِدي الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ الوَاجِدي ، و للمُفْتَتَح بهذه المُنَاجَاة عطاءاتُ وجود كُنْ ، و مِنْها :  

البَاعِث القيّومي الإبْدَاعِيّ ، و هو افتتاح مُقَدّس ، غالبية المُفْتَتَحين به هم الكُمَّل أو المُشَارِفون على الكَمَال ، و كذا البَاعِث الحَيَاتِي الإبْدَاعِيّ ، فحَاء الحياة مِنْ اسمه الحَيّ ، وقَاف القِيَام مِنْ اسمه القَيّوم ، هي عَيْن  قَاف و حَاء حَقّ الاسم الأعظم ، و مِنْها :  

البَاعِث الإبْدَاعِيّ المُمِيت و هو مِنَ الافتتاحيّات النُوحِيّة على الأغْلَب عند أوْلِياء المُنَاجَاة ، والبَاعِث الإبْدَاعِيّ المُحْيي ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ المُعِيد ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ المُبْدِئ ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ الحَمِيدي مثل افتتاحات الحَمْد الذِكْري ، فالذِكْر عين الثناء عليه تعالى ، فإذا كان هذا الذِكْر بقَوْله القديم : الحَمْدُ لله رَبّ العَالَمِين على سبيل الحمد كان البَاعِث إبْدَاعي حَمِيدي ، و أمّا إنْ كان على سبيل الشُكْر فهو مِنَ البَاعِث الشَكُوري الإبْدَاعِيّ ، فانظر يا وليّي في الله تعالى إلى الثناء في عَيْن الحَمْد و عَيْن الشُكْر ، و مِنْها :  البَاعِث الإبْدَاعِيّ المَتِين ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ القَوّي و هو افتتاح أنْوَار التّقْدِيس ، فمَنْ نَاجَى به افتتح عوالِم المَلائِكَة مِنْ حيث النَشْأَة ، و مَنْ افتَتَح أنْوَار التّقْدِيس مِنْ حيث التَنْزِيه فهو مِنْ باب البَاعِث الإبْدَاعِيّ القُدْسيّ لا غيره ، و مِنْ أذْكَار هذه المُنَاجَاة بهذا البَاعِث ” سُبُوح قُدْوس رَبّ المَلائِكَة و الروح ” .. و مِنْها :

البَاعِث التَوكِيلي الإبْدَاعِيّ ، و حظوظ الافتتاح به وِحْدَةُ الأفعال ، و البَاعِث الحَقّي الإبْدَاعِيّ و له مَدخِل إبداعي خَلْقي و مَدخِل إبْدَاعِيّ ذَاتِي .

الأوّل : بالنَظَر إلى العالَم المَخْلُوق بالحَقّ .

و الثاني : بالتّوجه إلى الذَات الإلهيّة المُتَصِفَة بالأحديّة المُطْلَقَة ، و تحته علوم ، فتنبّه !

و مِنْها : البَاعِث الشَهَادي الإبْدَاعِيّ ، فأنَا الشَهِيد ، عبارةٌ إنْ كانَتْ الأنَا فيها إلهيّة فهي قديمة، و إنْ كانَتْ حادِثَة فهي خَلْقِيّة، و لا ثبوت للحَادِث مع القديم، فما ثَمَّ إلا شهيدٌ قديمٌ باقٍ : { قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } [6] .

و هذا مِنْ أذْوَاق الوَاصِلِين … الشاهدين بالحَقّ ذِكْرُهُ لهم : { جَزَاء وِفَاقاً } [7] ، { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } [8] .

و مِنْها : البَاعِث المَجِيدي الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الوِدّي الإبْدَاعِيّ و هي مِنْ افتتاحات الحَضْرة المُحَمّديّة و ألَذّها مُنَاجَاة المَنْزِل : { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [9] .

وهو كصيغة المُبَالَغَة مِنَ البَاعِث الغَفْرِيّ الإبْدَاعِيّ ، و الفرق بينهما أنّ الأخير نداء الحَقّ لَكَ بِكَ ليَغْفِر لك ما تَقَدّم مِنْ ذَنْبِك ، و أمّا الأوّل فهو نداء الحَقّ لَكَ بِهِ و قد غَفَرَ لك ما تَقَدّم مِنْ ذَنْبِك و ما تَأخّر ، و مِنْها :

البَاعِث الحَكِيمي الإبْدَاعِيّ و له عوالِم الكُرْسِيّ ، و البَاعِث المُقَابِل له البَاعِث القُدْرَويّ الإبْدَاعِيّ ، و مِنْها : البَاعِث الإتساعي الإبْدَاعِيّ و هو من افتتاحات المناجاة الرحيمية و العلمية من حَضْرة الرحمة و العلم ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ المجيب و هو و البَاعِث الشكوري الإبْدَاعِيّ من عوالم صفة الكلام للذات الإلهية و له منازل أولها قَوْله تعالى : { وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } [10] .

و ثالثها : قَوْله تعالى : { الم* اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [11] .

و مِنْها : البَاعِث الرَقَابي الإبْدَاعِيّ وهو من افتتاحيات مَقَام المُرَاقَبَة ، والبَاعِث الكَرَمِيّ الإبْدَاعِيّ ، وهنا إشارة إلى أنّ الفَرْق بين هذا البَاعِث والبَاعِث الإكْرَامِي الإبْدَاعِيّ أنّ هذا الأخير شَطْر البَاعِث الجَلَالي الإبْدَاعِيّ ، بينما الأوّل فهو البَاعِث الظاهر الكَسْبِي للباعث الوَهّابِي الإبْدَاعِيّ الذي هو افتتاحات العلوم اللّدُنِيّة و مِنْ مَنَازِله قَوْله تعالى : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } [12] ، بينما البَاعِث الكَرَمِي الإبْدَاعِيّ فهو افتتاحات العُلُوم الكَسْبِيّة ، فتَأَمّل !

و مِنْها : البَاعِث الإبْدَاعِيّ الجَلِيلِي ، و الفرق بين هذا الأخير و البَاعِث الجَلَالِي الإبْدَاعِيّ أنّ الجَلِيلِي هو شَطْر دائرة الكَمَال و هو نظير البَاعِث الجَمَالِي الإبْدَاعِيّ ، بينما الجَلَالِي فهو نظير الإكْرَامِي ، و هذا الأخير مرتبط بـ ” ذو “ كنظِيره للدَلَالَة على كونهما بَاعِث تَنْزِيه إبْدَاعِي ، فهما مِنْ زُمرَة البَواعِث الأحديّة الإبْدَاعِيّة ، و أما الجَلِيلِي فهو مُطْلَق ، و هو حَضْرة جَامِعَة للبَوَاعِث الكَمَالِيّة الإبْدَاعِيّة ذات الوَجْه الجَلِيل .

و مِنْها : البَاعِث الاحْتِسَابِي الإبْدَاعِيّ ، و هو مِنْ افتتاحات أهل المُنَاجَاة الطَالِبُون للكِفَاية و لها الكَاف مِنْ : { كهيعص } [13] .

وهي بَوَاعِث تكاد تكون بَرْزَخِيّة بين توحيد الأفعال و توحيد الصِفات ، و بذلك كفاية خوفاً مِنْ التطويل .

و مِنْها : البَاعِث المُقِيْت الإبْدَاعِيّ و فيه مِنْ افتتاح مُنَاَجَاة الأبْدَال لدخول الحَضْرة المِيكَائيليّة ، هذا مِنْ وَجْهٍ ، و مِنْ وَجْه البَاعِث الإغاثيّ الإبْدَاعِيّ و هذا الأَخير يحوي سابقه و له هذا مِنْ وَجْهٍ ، و مِنْ وَجْه البَاعِث الرزاقي الإبْدَاعِيّ و هو مِنْ توجّهات الذَات إلى إيجاد عوالِم النبات .

و منها : البَاعِث الحِفْظِي الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الكِبْرِيَائي الإبْدَاعِيّ ، و مدخله حَضْرة الخَفْض .

و مِنْها : البَاعِث العُلْويّ الإبْدَاعِيّ و في هذه الافتتاحات نَظَرٌ ، فإنْ كانت مَعْنَويّة فهي مِنَ الحَضْرة المُوسَوِيّة ، و إنْ كانتْ حِسِّيّة فهي مِنَ الحَضْرة الإدريسيّة ، و للأولى قَوْله : { إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى } [14] .

و للثانية : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } [15] .

( و كِلا المُنْزَلَين مِنْ مَنَازِل / طه / ) [16] .

و مِنْها : البَاعِث الحَلِيمِي الإبْدَاعِيّ ، و الافتتاحات في هذه المُنَاجَاة إنْ كانتْ رياضةً لتهذيب النَفْس و التخَلّق فأثنى على نَفْسِه بما هو ذَكَره و اختصّ مِنْ ذِكْر الحُبّ في الثناء حُبّ الحِلْم فيه، فهي مِنْ سيّدة البَوَاعِث ، و ذلك لهذه النَكْتَة فيه .

و مِنْها : البَاعِث الإبْدَاعِيّ العظيم و من هذه البَوَاعِث الإبْدَاعِيّة الصلاة العظيمة و منها الإبْدَاع النِسَائِي ، فهو عن شيء مُستَعْظَم ، فهو شيءٌ خَلَقه الله وعَظّمه ، فإنْ دَعَتْ المرأة بالبَاعِث الإبْدَاعِيّ العظيم لتحقيق أهدافٍ كيديّةٍ ، و لِكَوْن الكيد عظيمٌ في أصل خلقه ، فإنّ الله تعالى يتلقّاه مِنْ الأَمَة باسمه العظيم ، فلا يحتوي العظيم العَبْدي إلا العظيم الحَقّي ، إلا أنّ أنوار العظمة الحَقّيّة تحتوي أنْوَار الكيد العظيم ، مما يؤدي بطبع الأَمَة أنْ يرتشف مِنْ طَبْع التجلّي ، فتنقسم الظُهُور لهذا التجلّي ، و مِنْ هنا كان أغلب أهل النّار مِنَ النساء فلا مُنَاَزعَة لعظيمٍ عَبْدِيٍّ مع عظيمٍ حَقِّيٍّ ، و لمّا كان الكيد العظيم يرفض إلا العظمة ، كان تخبط الأَمَة بين انْقِسَام الظَهْر ، و عُنْفُوان الكيد، فتَنْزِل الأقدام إلى الهَوى المُؤَيّد للعِنَاد ، فتمُسخ النَفْس حَبْلاً لتَسْتَحِق كَوْنها مِنْ حَبَائِل الشيطان ، فالكيدُ عظيمٌ عندهم أبداً و القَصْمُ باقٍ أبداً إلا مَنْ رَحِمَ رَبّي .   

و مِنْها : البَاعِث اللَطِيفِي الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث العَدْلِي الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الإبْدَاعِيّ الخَبِيريّ ، و البَاعِث الحَكَمِيّ الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث السَمْعِيّ الإبْدَاعِيّ وهو مِنْ افتتاحات المُنَاجَاة التي للأبْدَال [17] السبعة ، و غالباً هو لعَبْدِ السَمِيع ، و البَاعِث البَصِيْرِيّ الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الذُلّي الإبْدَاعِيّ و هو مِنْ افتتاحات المُنَاجَاة الذَوْقية الخاصة بالتسخيرات المَلَكِيّة ، فهذا البَاعِث يندرِج تحت البَاعِث المَلَكِيّ الإبْدَاعِيّ و الذي هو مِنْ افتتاحات أهل القُرْبَة الحَائِزين على العَسَاكِر ، ولافتتاحات البَاعِث الذُلّي الإبْدَاعِيّ مدخل على عالَم الحيوان مِنْ وَجْه : { وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } [18] .

و مِنْها : البَاعِث العِزِّيّ الإبْدَاعِيّ و فيه عوالِمٌ ؛ مِنْ أطْرَف ما مرّ عليّ فيها أنّ للبَاعِث العِزِّيّ توالج في نِكَاحٍ معنويٍّ مع البَاعِث القُدْرَويّ الإبْدَاعِيّ ، فيكون مِنْ ثمرة هذا التَوالُج عطاءات دَفْع الألم ، على الرغم مِنْ أنّ ظاهر هذين البَاعِثين لا يدلّ على ذلك، إلا أنّه جاء بذلك أثرٌ يُحْتَجُّ به .

و مِنْها : البَاعِث الخَافِضِيّ و البَاعِث الرَافِعِيّ الإبْدَاعِيّ ، و هذا غالباً مِنْ افتتاحات مُنَاجَاة عَبْد المَلِك الإمَام الأيسر للقُطْب و له الواو المُعْتَلّة .

و مِنْها : البَاعِث البَاسِطِيّ الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث القَابِضِيّ الإبْدَاعِيّ ، و هذا الأخير مِنَ الحَضْرة العِزْرَائيليّة ، و مِنْها : البَاعِث العِلْمِيّ الإبْدَاعِيّ و به افتتحتُ مُنَاجَاتِي مع العليم لأستمد مِنْ ألِف الغَيْب المُحِيط بحقيقة كلّ مَشْهُودٍ، فانظر إلى إحاطة هذا المدخل .

و مِنْها : البَاعِث الفَتّاحيّ الإبْدَاعِيّ و هو مِنَ البَواعِث التي لها أنْ تشارك كل البَواعِث ، و أكثر ما يكون انسجاماً مع مَنْ كان اسمه البَاطِن ” عبد الفتاح “ ، فهذا البَاعِث مفتاح الافتتاح لأهل المُنَاجَاة ، و به يُفتح لهم و لكن مِنْ حَضْرة البَاعِث الذي يقيمهم الحَقّ به .

و مِنْها : البَاعِث القَهْرِيّ الإبْدَاعِيّ و هذا الافتتاح على وَجْه الخُصوص هو للتخَلّق عند أهل المُنَاجَاة مِنَ الأوْلِياء ، و ذلك لأنّ الله تعالى لا يتجلّى لهم بهذا التجلّي مِنْ هذه الحَضْرة ، فإنّ أدنى قَهْر القهّار كفِيْلٌ بإزالة عَيْن المُنَاجِي ، فتيقّظ لسِرِّ سَبْقِ الرّحمة للغضب الذي هو مِنْ حَضْرةٍ قهريةٍ و هو مِنْ عِلْمٍ شريفٍ ، و تيقّظ يا وليّي في الله كيف أنّ الله تعالى ذَكَر نَفْسه بنَفْسِه عندما قال : { لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } [19] .

فعندما تجلّى بأدنى قهرٍ ، فَنِيَ الخَلْق و بَقِيَ الحَقّ وحده ، فذَكَر اسمه لنَفْسِه ، فالذَّات لا تُفْني ذَاتَها حيث قال : { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [20] .

و هو عند هذه الجُمْلَة التي تحمل الأسماء الثلاثة المُخْتَتَمَة باسمه القهّار لم يكنْ مَنْ يَسْمَعه إلا نَفْسه ، وعند علماء الكتابة الإلهيّة ، تجد أنّ تجلّيات الغضب الإلهيّ المَخْصُوصِ بيومِ الثلاثاء الشَأنيّ هي مِنْ تجلّيات اسمه القَاهِر على وزن فَاعِل ، و هذا الوزن هو وزن الغضب في الشَأن الإلهيّ ، أمّا حَضْرة الفَعّال مِنْ الاسم القهّار فتقيّد استمرار القهر بعد القهر مِنَ القاهِر ، و لهذا السِرّ لمْ يثبت أمامها مَخْلُوقٌ في الآخرة فأجاب الحَقّ نَفْسَه بـ  : { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [21] .    

و أخبرنا بذلك في ذِكْره الحَكِيم لحِكْمَةٍ تنطوي تحتها علومٌ ليس هذا موقعها .

و مِنْها : البَاعِث التّصويريّ الإبْدَاعِيّ و مِنْه توحيد المَشيئَة [22] ، و منها البَاعِث البَارِئيّ الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الخَالِقيّ الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الأكْبَريّ الإبْدَاعِيّ و هذا مِنْ مُنَاجَاة الاسم الكبير بينما البَاعِث الكِبْرِيائيّ الإبْدَاعِيّ مِنْ مُنَاجَاة اسمه المُتَكَبّر ، فتنبّه !

و الفرق الأعظميّ أنّ الحَقّ أثبتَ عكساً للكبير كصِفة الصغير ، بينما لمْ يصف لذرّة الكِبَرِ عكسٌ ، فانكماش الكبير يؤدي إلى الصغير ، و لكن انكماش المُتَكَبّر يؤدي إلى آخر درجة فيه ، و هي ذرّة مِنَ الكِبَرِ، و بصورةٍ أوضح فإنّ الكبير إذا انكمش قليلاً يمكن أنْ يكون صغيراً عن سابقه ، كبيراً على لاحقه ، أما المُتَكَبّر فلا يكون إلا مُتَكَبّراً و لو في أدنى درجاته المُعَبَّرِ عنها بالذرّة ، و إلا فهو مُتَوَاضِع ، و لا يتحقّق أدنى درجة مِنَ التواضع إلا بانعدام أدنى درجة مِنَ الكِبَرِ ، و في الكبير يمكن أنْ تتحقّق درجة مِنَ الصِغَر مع بقاء وصف الكبير على المَوصُوف ، هذا في حَقّ العبد ، أمّا في الإلهيّات فهو مُنَزّه سبحانه عن الحجم و المكان ، فكونه الكبير فلا أكْبَر مِنْه و الله أعلم .

و مِنْها : البَاعِث الجَبْرِيّ الإبْدَاعِيّ ، و يجدر الإشارة هنا أن هذا الافتتاح بهذا البَاعِث يفتح عوالِم الجَبّار في جَبَرُوتِه ، و يكون تجلّيه على أوْلِيائه أهل المُنَاجَاة مِنْ تجلّي الجَبْر على سبيل الإحْسَان ، فجَبْره لهم جَبْر إحْسَان لا جَبْرٌ قهريٌّ ، فهم مَجبُورُون لحبه بإحسانه إليهم ، و هو مِنْ أعذب المُنَاجَاة ( في عَيْن الجَمْعِيّة ) ، فهل أجمل مِنْ مُنَاجَاة مَجْبُورٍ [23] تحت سطوة إحْسَان حبيبه !

و مِنْها : البَاعِث العَزِيزِيّ الإبْدَاعِيّ و هو مفتاح أسرار المَعَادن و الأشْبَاه مثل الزئبق ، فالمُسْتَفْتَحِ به يَعْلَم سرّ بَرزَخيّة الزئبق مِنْ اسمه العزيز و اسمه المُحْيي ، و ذلك أنّ السوائل كلها تعكس من على صفحتها الأنْوَار الضوئيّة الساقطة عليها ، و يشترك الزئبق بذلك مع السوائل مع كونه شِبْه معدنٍ ، في حين لا يعكس الحديد ذلك ( ما لم تطرأ عليها إضافاتٌ خارجةٌ عنه كصقلٍ ) ، و في هذا البَاعِث أيضاً أسرارٌ خاصةٌ في قلب الأعْيَان [24] يعرِفها أهلها ( ذلك عند مَنْ يقول بالقَلْب ، و مِنْهم مَنْ يقول بِلِبْس الصُوَر و تلْبِيسِها لعَيْن الجَوهَر ، إلا أنّ المسألة عندي في نتائجها واحدةٌ ، لأنّ عَيْن سلوك الطريق إلى ذلك هو التّصْفِيَة و التّنْقِيَة ) .

و مِنْها : البَاعِث المُهَيْمِنِيّ الإبْدَاعِيّ ، و مِنْها البَاعِث المُؤْمِنِيّ الإبْدَاعِيّ و لهذا البَاعِث حساسيةٌ واضحةٌ عند أصحاب الاستعدادات حيث يكفيك ذِكْر اسم المُؤمِن أربعة مراتٍ فقط على سبيل المُنَاجَاة الصادقة لتحصيل الأَمْن و نَسْف الخوف مِنْ أيّ ظَالِم ، فتأمّل ! .. ( و مِنْ مَنازِل هذا البَاعِث آياتٌ قرآنيّةٌ فَواصِلُها ” فلا خوفٌ عليهم و لا هم يحزنون “ فَتَتَبَعْها تجدْ عِلْم الأَمْن العام و الخاص مِنْ فيض سياسة الله العُليَا لسَاسَة الخَلْق في الدنيا ) .

و مِنْها : البَاعِث السَلَامِيّ الإبْدَاعِيّ وعنوان الافتتاحات لأهل المُنَاجَاة فيه هي ” بسم “ مِنْ بسم الله الرحمن الرحيم الخاصّة بالفَاتِحَة ، فهي افتتاح مُنَاجَاة العالِم لرَبّ العالَم ، و ثُلُثَا هذه الافتتاحات مَنْزِل { سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } ، ففيه ثلاث نقط مِنْ فوقٍ و ثلاثٌ مِنْ تحتٍ ، و فاتحة المَنْزِل سِيْنٌ ، و خاتمة فاصلته مِيم، و هما ثُلُثَا ” بسم “ فإنْ كان المُنَاجِي لابِسٌ لروحانيّة البَاء ، كان كمَنْ ناجى بالكُلّ [25] .. و مِنْ هذا البَاعِث السَلَامِي الإبْدَاعِيّ كانتْ يس قَلْب القُرْآن ، فتفطّنْ تُفلحْ .

و مِنْها : البَاعِث الرَحيميّ الإبْدَاعِيّ ، و البَاعِث الرّحمانيّ الإبْدَاعِيّ و هو مِنْ افتتاحات مُنَاجَاة توحيد الصِفَات .

و مِنْها :  البَاعِث الإلهيّ الإبْدَاعِيّ و هو من البَواعَث الذَاتيّة كالأحديّ ، والبَاعِث الإبْدَاعِيّ الغني ( هذا من باب التنزيه ) ، إلا أنّه يتميّز بأنّ المُنَاجي به و بعوالِمه إنّما يُنَاجُون مِنْ حَضْرة الإطْلَاق ، و فيه علومٌ هي مِنْ علوم أكَابِر القوم رضي الله تعالى عنهم .

و مِنْها : البَاعِث الحَرْفِيّ الإبْدَاعِيّ و هذا الأخير مَخْصُوصٌ بالأوْلِياء الذين اختصّهم الرحمن بالتّدبير مِنَ الحَضْرة الجِبْريليّة ، و علامتهم أنْ تنظر لهم الرقيقة الجبريليّة في مرحلة العُرُوج الثانية ، الأمر الذي يعرفه أهله و لا نكشف مِنْه ما هو أكثر مِنْ هذا أمانة على أسرارهم .

و مِنْها :  بَواعِث الاختصاص الإبْدَاعِيّ و هي بَوَاعِث مَخْصُوصَة لا يعرفها إلا صاحبها و ربّما يُؤمَر بالإبَاحَة بها و ربّما لا ، و مثال ذلك افتتاح المُنَاجَاة المَخْصُوص بسيّدنا مُحَمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم .. ( كالفَاتِحَة و التَهَجّد ) ، و مِنْها مُنَاجَاةٌ موسويّةٌ ثبتَتْ عندنا كما ذَكَر الإمام السُيُوطِي رحمه الله تعالى في إتقانه .

و الآية التي أُعطيها موسى : { اللهم لا تُولِج الشيطان في قلوبنا و خلّصنا مِنْه ، مِنْ أجل أنّ لك المَلَكُوت و الأَيْد و السُلْطَان و الحَمْد و الأرض و السماء الدّهر الدّاهر ، أبداً أبداً آمين آمين } [26] .

و هو يقَوْل الحَقّ و هو يقَوْل السبيل .

وصل : يمكن للمُنَاجِي أنْ يَفتَتِح بالبَاعِث الوَاحِد ، و يمكن أنِ يَفتَتِح بالأكثر و ذلك على حسب ما يُقِيْمُه الله تعالى فيه ، و لا نذكر تداخلات البَوَاعِث الإبْدَاعِيّة مَخَافَة التّطويل و الإغراق في التّخصّص ، و إنّما أمرنا هنا التّعريف على سبيل العَرْض ، و في النتيجة الأمر ذَوْقي أكثر ممّا يكون قاعدة علميّة عمليّة .

وصل : بناءً على ما سَبَق أقول : يَفتَتِح الأوْلِياء مُنَاجَاتِهم بالبَاعِث الإبْدَاعِيّ ، فمِنْهم مَنْ يَرَاه وَضْعِيٌّ باعتبار الزمن والمكان ، و مِنْهم مَنْ يَرَاه ذَاتِيّ باعتبار الوحدة ، و هأنذا أُبَيّن باسمه المُبِيْن رؤيةً مُجَدّدِيّةً باعتبار الكَثْرَة في عَيْن الوَاحِد ، فنكون بذلك حصرنا الافتتاحات بثلاثة اعتبارات مِنْ حيث الذَات و الصِفَات و الأفعال ، و كلّ شربٍ للأوْلِياء لا يخرج عن كَوْنه باعثٌ ذاتيٌّ إبْدَاعِيٌّ وَضْعِيٌّ حصراً ، و بهذا أُغْلِق باب افتتاح المُنَاجَاة بهذا الذَوْق المُجَدّدِيّ فلا شرب لمِنْ بعدنا إلا مِنْ فَيْضِ بَحْرِنا كما شربنا مِنْ فَيْضِ مَنْ قبلنا و هذه سُنَّتُنا .

وصل : البَاعِث مُتَوَجّهٌ على إيجاد الهَاء ، و البديع مُتَوَجّهٌ على إيجاد الألِف و الهمزة ، فكان البَاعِث الإبْدَاعِيٌّ في عِلْم الحُرُوف هاءٌ و ألِفٌ و أقول :

لكلّ اسم بَاعِث صورتان :

الأولى : كالبَاعِث الأحديّ الإبْدَاعِيٌّ .

و الثانية : كالبَاعِث الإبْدَاعِيٌّ الأحديّ .

وقد ذكرت فيما سَبَق البعض على الصورة الأولى و البعض على الصورة الثانية ، و لكلٍّ ذَوْق ، و أفصّل بشيءٍ مِنَ التوضيح أنّ مثال الصورة الأولى كَوْن الأحديّ بين الهَاء و الألِف ، و مثال الصورة الثانية كَوْن الأحديّ بعد الهَاء و الألِف ، و هذا يكون في الأوّلى مُنَاجَاة أحديّة في الهَاهُوت ، و في الثانية مُنَاجَاة الأحديّة بعد عالَم الهَاهُوت ، و لا يُظَنّ أنّ المُنَاجَاة الأولى عين الثانية ، و إنّما إطْلَاق لفظ المُنَاجَاة هنا مِنْ باب المَجَاز الأمر الذي يعرفه الأوْلِياء الوَاصِلِين ، فتنبّه ! .. و لا إذْنَ بمَا بَعْدَ ذلك ، و هنا انتهى وارِد الوقت ، و هو يقَوْل الحَقّ و هو يهدي السبيل و الحَمْدُ لله رَبّ العَالَمِين .

 


[1] بعض من الآية /12/ سورة المجادلة .

[2]   بعض من الآية /13/ سورة المجادلة .

[3]  بعض من الآية /24/ سورة الأنفال .

[4]   بعض من الآية /80/ سورة النساء .

[5] بعض من الآية /84/ سورة الإسراء .

[6] بعض من الآية /96/ سورة الإسراء و بعض من الأية /43/ سورة الرعد .

[7]   الآية /26/ سورة النبأ .

[8] بعض من الآية /152/ سورة البقرة .

[9]  بعض من الآية /2/ سورة الفتح .

[10] سورة البقرة الآية /163/ .

[11]  سورة آل عمران الآية /1و2/ .

[12]   سورة الحشر الآية /22/ .

[13]  سورة مريم الآية /1/ .

[14] سورة طه الآية /68/ بعض منها .

[15] سورة مريم الآية  /57/ .

[16]  طه الصورة لا السورة .

[17] و هم البدلاء السبعة ، أهل صفات المعاني و المعنوية .

[18]   سورة يس الآية /72/ .

[19] بعض من الآية /16/ سورة غافر .

[20] بعض من الآية /16/ سورة غافر .

[21] نفس الآية في /16/ سورة غافر .

[22] و هو المرتبة الرابعة في اللوح الأعلى .

[23] الجبر هنا جبر التسخير لا جبر العقيدة التي وقعت به الجبرية كفرقة .

[24] أعيان الصور المخلوعة على الجوهر لا أعيان الذوات فحقائق الأشياء ثابتة عندنا في عقيدة أهل السنّة والجماعة . 

[25] و كان حقيقة اسم .

[26] انظر كتاب الإتقان في علوم القرآن – النوع الخامس عشر ص112 فيما أخرج أبو عبيد في فضائله عن كعب – للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي رحمه الله تعالى .

 

 


( من كتاب‏‏ نبوغ المجددية في تطوير الأذواق العرفانية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى