الوضوح الروحي في علاقات الحياة – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

الوضوحُ الرُوحيُّ في علاقاتِ الحياةِ مَظهرٌ من مَظاهرِ الكمالِ الإنسانيِّ

 

الوضوحُ الرُّوحيُّ في علاقاتِ الحياةِ مظهرٌ من مظاهرِ الكمالِ الإنسانيِّ .. فكلَّمَا كانَ الإنسانُ ذا روحٍ واضحةٍ في علاقاتِهِ كلَّما كانَ أقربَ للتَّحقُّقِ بالكمالِ .. وكلَّما كانَ غامِضاً أو متعمِّداً للغموضِ في علاقاتِهِ ابتعدَ عن طبيعتِهِ وعن حقيقتِهِ .

ولاشكَّ أنَّ الوُضوحَ الرُّوحيَّ في العلاقةِ ينبعُ من وضوحِ الإنسانِ معَ ذاتِهِ ومعرفتِها تمامَاً ، وهذا يرسِّخُ الثقةَ بالذَّاتِ لينطلقَ من بعدِها ويتصرَّفَ على طبيعتِهِ .. ولا نقولُ هنا أن يكونَ كالكتابِ المفتوحِ يقرؤُهُ كلُّ مَن يصادفُهُ .. وإنَّما يكونُ واضحاً في صياغةِ علاقاتِهِ مع الآخرينَ في حدودِها اللائقةِ وحسَبَ طبيعةِ هذه العلاقةِ ، وهذا الوضوحُ الرُّوحيُّ يكونُ سبباً في نجاحِهِ في علاقاتِهِ الأُسريةِ والاجتماعيةِ والعمليةِ لأنَّهُ يلغي أيَّ نوعٍ من التخميناتِ أو الظنونِ التي تنعكسُ على الآخرينَ في تقييمِهم لهُ ممَّا يتركُ الأثرَ الطيِّبَ في النَّفْسِ ويعطي الأريحيةَ في التعاملِ ولاتجعلُ الإنسانَ بحاجةٍ لأن ينتقيَ كلماتِهِ أو يتصرَّفَ بتصنُّعٍ أو يتقمَّصَ شخصيةً مخالفةً لشخصيَّتِهِ من أجلِ أنْ يظهرَ بشكلٍ مخالفٍ لحقيقتِهِ وهذا ممَّا يُرهقُه ويرهقُ الآخرينَ معهُ ويدفعُهم لتجنُّبِهِ والهروبِ منهُ .. لأنَّ الشخصَ الذي يتعمَّدُ رسمَ علاقاتٍ غيرِ واضحةٍ بشخصيةٍ غيرِ واضحةٍ مع الآخرينَ يدفعُهم للهروبِ منهُ .. وهذا الشخصُ لابدَّ أنَّهُ يعاني من مشكلةٍ نفسيةٍ أو اضطرابٍ نفسيٍّ مُعيَّنٍ يدفعُهُ للظُهورِ بهذا المَظهرِ وتحديدِ علاقاتِهِ بصفةِ اللَّاوضوٍح .. أو ربَّما هو غيرُ قادرٍ على توضيحِ العلاقةِ ..

وهنا لا نُنكرُ طبيعةَ البعضِ التي قد تفرِضُ أحياناً على الإنسانِ أن يبتعدَ عن الوضوحِ الرُّوحيِّ  كَرَدِّ فعلٍ .. وهنا لانقولُ بإيجابيةِ ردِّ فعلٍ من هذا النوعِ ولكنْ رُبَّما نفهمُ السَّببَ الذي قد يدفعُ الإنسانَ لهذا النوعِ من التصرُّفِ في بعضِ الأحيانِ ..

وهنا لابدَّ أن نلفتَ نظرَ هذا النوعِ من الأشخاصِ لأنْ يظهرَ بالمظهرِ الطبيعيِّ والحقيقيِّ وضمنَ الحدودِ الطبيعيةِ دونَ انسحابٍ أو تمادٍ .. وأنْ تطابقَ أقوالُهُ أفعالُهُ فلا يكونُ إلا بحقيقتهِ ؛ وألَّا يسمحَ لأحدٍ أن يغتالَ وضوحَهُ وتجرُّدَهُ منَ الضبابيةِ والمُواربةِ .. فإنَّ اللهَ تعالى مُبينٌ يُحبُّ الإبانةَ والتبيينَ .. وليسَ من أسمائِهِ أو صفاتِهِ ما يدعو إلى عدمِ الوضوحِ الرُّوحيِّ .

ففي كلِّ بدايةٍ يجبُ أن يكونَ الشخصُ واضحاً مع نفسهِ متصالحاً معها بحيثُ يعرفُ جوانبَ القوةِ و الضعفِ فيها ، راضٍ عن إيجابياتِها ، ساعياً إلى إكمالِ ما نقصَ منها .

وإنَّ بناءَ العلاقاتِ  منذُ البدايةِ على أساسٍ سليمٍ يفرضُ ترتيبَ الأولوِّياتِ في العلاقاتِ ؛ فالمجهودُ الأكبرُ والعنايةُ الأكبرُ تُعطَى للعلاقاتِ الأهمِّ .

هذا بالتأكيدِ لا يَعني خروجُ الإنسانِ عن أعرافِ الدبلوماسيةِ الاجتماعيةِ ، بل هوَ تحديدٌ لقوانينِها وفقاً لطبيعةِ الموقفِ محكوماً بذكائِهِ الاجتماعيِّ بحيثُ لا يكونُ منفِّراً  لكنْ مدبِّراً لمقتضياتِ كلِّ حالةٍ و كلِّ شخصٍ في نطاقِ محيطهِ من الأفرادِ .

بينما عدمُ يؤدي بالتأكيدِ إلى عدمِ دوامِ أيِّ علاقةٍ لأنَّها معلولةٌ خاصةً إذا كانتْ مبنيَّةً على مصلحةٍ  و قد تتطوَّرُ إلى مشاكلَ كبيرةٍ لا يُحمَدُ عُقبَاها .

و بذلك فإنَّ الوضوحَ الرُوحيَّ  يُشكِّلُ قاعدةَ انطلاقٍ لعلاقاتٍ سويةٍ مع الآخرينَ  بحيثُ إذا جوبِهَ الإنسانُ  بأيِّ إساءةٍ أو فقدٍ لأيٍّ من علاقاتِهِ فإنَّ الأثرَ السلبيَّ في نفسِهِ يكونُ أقلَّ إيلاماً ، ويصبحُ بذاتهِ أكثرَ قدرةً على تخطِّي المواقفِ الصعبةِ في حياتِهِ بمنعةٍ و قوةٍ أكبر . 
من هنا نجدُ أنَّ الوُضوحَ الرُّوحيَّ في العلاقاتِ  يجعلُ الحياةَ أكثرَراحةً و بساطةً حيثُ يتصرَّفُ الشخصُ على طبيعتهِ و يعيشُ بشخصيةٍ واحدةٍ لا بتعدُّدِ شخصياتٍ ترهقُهُ بالنهايةِ و تجعلُه بائساً .

 


( من كتاب‏‏ السر الروحي للحياة المتفوقة للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى