الاسم المتجلي حضرة مستمرة ذاتية – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

الاسمُ المُتَجَلِّي حَضْرَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ ذَاتِيَّةٌ

يَجِبُ ألَّا تَضيعَ بَينَ الأسماءِ ، فَمَثلاً قَد يَرَى أحَدُهم نَفسَه يُفكِرُ كَثيرَاً ، فَيَقولُ أنَا مُفَكِرٌ مِنَ الاسمِ المُتجلِّي الذِي يُعطِي الفِكرَ ، وآخَرُ يَرَى نَفسَه خَطَّاءً يَرتَكِبُ الحَرَامَ ، وآخَرُ يَرَى نَفسَه يَتَحَدَّثُ كَثيراً ، فيَقُول أنَا مُتجلٍّ عَلَيَّ اسمُ اللهِ المُتكلِّمِ أنَا عَبدُ المُتكلِّمِ ، المَسأَلة ليسَتْ هَكَذَا؛ لِأنَّ الكَلامَ عِبَارةٌ عَنْ  فِعلٍ يَحدُثُ ويَغِيبُ .

بَينمَا الاسمُ المُتجلِّي حَضرَةٌ مُستَمِرَّةٌ ذَاتِيـَّة تُرَافِقُ العَبدَ مَعَ كُّلِّ هَمسَةٍ مَعَ كُلِّ لَحظَـةٍ مَعَ كُلِّ حَقِيقَـةٍ .

سِرٌّ قُـرآنِيٌّ مِنْ هَـذا الاسمِ المُتجلِّي :

بسم الله الرحمن الرحيم ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْـهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيـدِ ) سورة ق (16) .

فَهو أقرَبُ إلينَا مِنْ حَبلِ الوَرِيدِ بِذَاتِيَّة الاسمِ بِذَاتيَّة وُجُودِه مَعَنَا ، بَينَمَا مِنْ حَضَرَاتٍ أُخرَى ليسَ مَعَنَا في كُلِّ وَقتٍ ، انتَبِهوا عِندَما تَكونُ في حَالةِ الصَّلاةِ يَكُونُ مُتجلِّياً عَليكَ الاسمُ الذَّاتيُّ، والاسمُ الذِي يُخرِجُ أفعَـالَ الصَّلاةِ كَأَفعَـالٍ .

المُشرِفُ على الصَّلاة اسمُ اللهِ النُّور ، فَعِندَما نَدخُلُ إلى اللهِ سُبحَانه وتَعَالى بَعدَ أنْ نَقُولُ تَكبِيرَةَ الإِحرَامِ ” اللهُ أكبَرُ “ نَكُونُ قَد دَخَلنَا في حِيَاضِ اسمِه النُّورِ ، وهَكَذا يَكُونُ  اسمُ اللهِ النُّورِ رَدِيفَاً لِلاسمِ المُتجلِّي عَليك ، فَمِنْ جِهةِ وُجُودكَ الفِعلِيِّ في صَلَاةٍ تَفْعَلُها مِنْ رُكُوعٍ وسُجُودٍ يَكونُ المُتجلِّيَ عَليك اسمُ اللهِ النُّورِ ، وهُو الآنَ ليسَ أقرَبَ إليكَ مِنْ حَبلِ الوَرِيدِ ، بَل هَو أقـرَبُ إليك مِنْ حَبلِ الوَرِيـدِ بِالاسـمِ الأصلِيِّ الحَقِيقـيِّ المُتجلِّي عَليـكَ ، والذِي هُو مَصدَرُ ذَاتِـكَ .

دَلِيلُها في الشَّرع ، قَـالَ : إذا وَقَفَ العبدُ بَينَ يَدَي اللهِ فَإنَّ اللهَ في قِبلَةِ المُصلِّي ، وإذَا تَتَبَّعنَا الأحاديثَ الصَّحِيحَة في الصَّلاةِ التِي تَقُول : ( إذَا الْتَفَتَ العَبدُ التَفَتَ اللهُ عَنهُ ) ، فَإذا كَانَ المَقصُودُ الاسمَ الذَّاتيَّ المُتجلِّيَ عليكَ فَإنَّه لا يَلتَفتُ عَنك ، ولا يَتَّصِفُ بِالجِهَاتِ أصلاً لأنَّه ذَاتِيُّ – نَحنُ أقرَبُ إليهِ مِنْ حَبلِ الوَرِيدِ – أقرَبُ مِنكَ إليكَ ، ولَكِنْ يَلتَفِتُ عَنـك الاسمُ المُتجـلِّي عَليك في ذَاكَ الفِعـلِ ، ويَبقَى اللهُ مَعَكَ في الاسمِ الذَّاتــيِّ المُتجلِّي عَليكَ ، فَهو بِالذَّاتيَّة مَعَكَ أقرَبُ إليكَ مِنْ حَبلِ الوَرِيدِ بِالاستِمرَاريـَّـة ، بَينَما بِالأسمَاءِ الفِعلِيَّة يَتجلَّى عَليكَ ، ويَغِيبُ عنك ، سَاعَةً تَرَاه مِنْ كَونِه الظَّـاهِرَ، وَسَاعةً تَرَاه مِنْ كَونِه البَاطِنَ ، بَينَمَا في الاسمِ المُتجلِّي الأصلِي تَرَاهُ مَعَكَ لاَ يُغَـادِرُك ، وهو أقرَبُ إليكَ مِنْ حَبلِ الوَرِيـدِ ، وهُو يُمِدُّك بِكُلِّ أبعَـادِكَ .

مِنْ هَذه الحَقيقَـةِ مِنْ هَذا الشُّهُودِ والعِلْمِ والوُجُودِ انبَثَقتْ مِنه أنوَارُ الأسمـاءِ الأُخرَى ، فَمِنَ الاسمِ الذَّاتيِّ المُتجلِّي عَليك تَنبَثِقُ الأسمـاءُ لِتَتَجلَّى عَليك بِحَضَرَاتٍ أفعَالِيَّـةٍ وأسمَائيَّـةٍ وصِفَاتِيَّـةٍ، فَبِالاسمِ الذَّاتيِّ تَكونُ مُتحَقِّقاً بِالحـقِّ شَاهِـداً ومَشهُوداً ، لايَغِيبُ عَنكَ أبدَاً ، حَضرَةُ إحسَانٍ تَعبُدُ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ بِاستِمرَارٍ، لِدرَجةِ أنَّكَ إنْ لَمْ تَرَه لاَ يُغَادِرُك مَعَكَ لا يَنقَطِعُ تَجلِّي الاسمِ الـذَّاتيِّ عَليك .

هَذا الاسمُ المَطلوبُ أنْ تَكشِفَه ، أمَّا أنْ يَكونَ هُناكَ انقِطَاعٌ؛ مَثَلاً كُنتُ أُصلِّي والآنَ لاَ أُصلِّي ، الآن أقرَأُ القُرآنَ أو أتَلَقَّى عِلْماً، اختَلَفَتِ الأسماءُ المُتجلِّية؛ أيْ أنَّه ليسَ هَذا هُو الاسمُ المُتجلِّي المَقصُود بَل أسمـاءٌ رَديفَـةٌ .

 


( من كتاب علم الاسم المتجلي الأعلى للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى