علم حضرات الحب – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

( عِلْمُ حَضَرَاتِ الحُبِّ )

مِنَ العَبْدِ الفَقِيْرِ إلَى رَبِّهِ تَعَالَى هَانِيْبَالْ يُوسُفْ حَرْبْ إلَى (………)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ

وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى  سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ وَبَعْدُ :

 

اعْلَمْ يَا وَلِيِّي فِي اللهِ تَعَالَى أنَّ عِلْمَ حَضَرَاتِ الحُبِّ فِي القُرْءَانِ الكَرِيْمِ وَالسُّنَّةِ الشَّرِيْفَةِ عِلْمٌ نَادِرٌ  لَمْ يَسْبِقْنِي أحَدٌ إلَى وَضْعِهِ كَعِلْمٍ مُسْتَقِلٍّ بَلْ كَانَ لِيَ الشَّرَفُ فِي وَضْعِهِ مُسْتَقِلَّاً هَكَذَا فِي مُؤَلَّفٍ خَاصٍّ بِهِ .. نِعْمَةٌ مِنَ الرَّبِّ عَلَى هَذَا العَبْدِ الفَقِيْرِ إلَيْهِ .

وَلْتَعْلَمْ أنَّ فِي عِلْمِ حَضَرَاتِ الحُبِّ تَجَلِّيَاً خَاصَّاً مِنِ اسْمِهِ تَعَالَى الوَدُودِ وَظُهُورِهِ بِأوْصَافِ الأسْمَاءِ الحُسْنَى كُلِّهَا .. فَإنَّ الوَدُودَ الاسْمَ لَهُ ظُهُورٌ خَاصٌّ فِي ذَاتِهِ فَيُعْطِي الوُدَّ وَلَهُ تَجَلٍّ فِي إسْمٍ أدْنَى مِنْهُ وَهُوَ اسْمُهُ الحَبِيْبُ فَيَنْزِلُ الوُدُّ مِنْ دَرَجَةِ الوُدِّ إلَى دَرَجَةِ الحُبِّ ، وَلِهَذَا الاسْمِ الوَدُودِ تَنَزُّلَاتٌ فِي الأسْمَاءِ الحُسْنَى يَتَجَلَّى بِهَا عَلَى الكَوْنِ فَكَمَا لَهُ تَنَزُّلٌ فِي اسْمِهِ الْحَبِيْبِ يَتَجَلَّى بِاسْمِهِ الْحَبِيبِ فَيُعطِي وُدَّ الْحُبِّ، وَكَذَلِكَ لَهُ تَنَزُّلٌ فِي اسْمِهِ الفَتَّاحِ فَيُعطِي فُتُوحَ الحُبِّ ، وَكَذَا لَهُ تَنَزُّلٌ فِي اسْمِهِ البَدِيْعِ فَيُعطِي إبْدَاعَاتِ الحُبِّ .. وَهَكَذَا فِي كُلِّ حَضْرَةٍ مِنَ الحَضَرَاتِ الأسْمَائِيَّةِ فَإنَّ لِلْوَدُودِ تَنَزُّلَاً فِيْهَا يَتَجَلَّى بِأسْمَائِهَا عَلَى الإنسَانِ وَهُنَا كَانَ لَابُدَّ لَنَا أنْ نَعْرِفَ كُلَّ تَجَلِّيَاتِ الحُبِّ لِنُمَيِّزَ كُلَّ حَضْرَةٍ مِنْ حَضَرَاتِ الوُدِّ وَالحُبِّ ؛ وَمِن أيِّ اسْمٍ تَتَجَلَّى أفْعَالُ الحُبِّ لِنَسْتَطِيْعَ أنْ نَعِيْشَهَا بِحَقٍّ وَبِالحَقِّ وَنُمَارِسَهَا بِحَقِيْقَةٍ .. فَإنَّ الحُبَّ مُقَدَّسٌ بَيْنَ يَدَي الرَّبِّ ، وَلِهَذَا العِلْمِ ثَمَرَاتٌ كَثِيْرَةٌ فَإنَّنَا بِهِ نَعْرِفُ أسْرَارَ التَّجَلِّيَاتِ الخَاصَّةِ بِكُلِّ عَوَالِمِ الحُبِّ مِثْلَ  : الحُبِّ النَّمَطِيِّ وَكَيْفَ نُطَوِّرُهُ ، وَالحُبِّ العَنِيْفِ وَمِنْ أيِّ حَضَرَاتٍ تَجِلِّيَاتُهُ ، وَالفُرُوقُ بَيْنَ أنْوَاعِ القُبَلِ الثَّلَاثَةِ الأصْلِيَّةِ ؛ وَالقُبَلِ المَائَةِ وَالإثنتين والثلاثين الفَرعِيَّةِ ، وَكَذَا اللَّمْسَةُ وَالهَمْسَةُ وَالمَسَّةُ ، وَمِن أيِّ حَضْرَةٍ يَتَجَلَّى فَيُعطِي الهَمْسَ البَعِيْدَ ، وَمِن أيِّ تَجَلٍّ يَكُونُ الهَمْسُ القَرِيْبُ .. وَالْكَثِيْرُ الْكَثِيْرُ مِنَ الحَضَرَاتِ ، وَهُنَا يَحضُرُنِي مِثَالٌ وَهُوَ عَنِ الحُبِّ النَّمَطِيِّ: وَهُوَ حُبٌّ خَاصٌّ يَعِيشُهُ أغْلَبُ أهْلِ الأرضِ اليَومَ ، فَتَرَى الشَّخْصَ مِنَ البَشَرِ يُحِبُّ وَيَعْشَقُ وَمَا إنْ يَتَزَوَّج حَتَّى يَتَحَوَّلَ الحُبُّ فِي ذَاتِهِ إلَى نَمَطٍ مُعَيَّنٍ يَألَفُهُ هُوَ وَحَبِيْبُهُ وَمَا يَمْضِي شَيْءٌ مِنَ الزَّمَنِ اليَسِيْرِ حَتَّى يَفْتُرُ الحُبُّ وَيُصْبِحُ مُمِلَّاً لِنَمَطِيَّةِ هَذَا الحُبِّ ، فَهُنَا يَجِبُ أنْ نَعلَمَ الاسْمَ الإلَهِيَّ الَّذِي تَجَلَّى بِهِ الحُبُّ عَلَى هَذَا الحَبِيْبِ وَمَحْبُوبِهِ مِنَ البَشَرِ وَبِالتَّالِي نَستَطِيْعُ مُعَالَجَةَ المَوْضُوعِ بِبَسَاطَةٍ وَسُرْعَةٍ .

وَشَيْءٌ مُؤَكَّدٌ أنَّنَا فِي طريقتنا نَقُومُ بِتَلقِينِ هَذَا الاسْمِ كَبَاقِي الأسْمَاءِ وَنَتَعَلَّمُ مَعَاً كَيْفَ نَحِلُّ المُشْكِلَةَ ، وَبِالتَّالِي يَنْعَكِسُ إيْجَابَاً عَلَى تَحْسِيْنِ العَلَاقَاتِ الخَاصَّةِ بَيْنَ البَشَرِ سَوَاءً كَانُوا أزْوَاجَاً أوْ عَائِلَاتٍ أوْ مَخْطُوبِينَ حَسَبَ نَوعِ الحُبِّ .

ثَمَرَاتُ عِلْمِ حَضَرَاتِ الحُبِّ :

فِي هَذَا العِلْمِ مَعْرِفَةٌ وَارْتِقَاءٌ وَعِلْمٌ وَحَلٌّ لِمُشْكِلَاتٍ كَثِيْرَةٍ نَاهِيكُم عَنْ تَطْوِيْرِ الحُبِّ الذَّاتِيِّ فِينَا .. إنَّهُ مِنْ أهَمِّ عُلُومِ تَنْمِيَةِ الحُبِّ البَشَرِيِّ الَّتِي تُعَلِّمُ حَلَّ المَسَائِلِ العَاطِفِيَّةِ مِثْلَ زَوجَيِنِ كَانَ بَيْنَهُمَا حُبٌّ وَ الآنَ فَتَرَ فَكَيْفَ يَرفَعَان دَرَجَاتِ الْحُبِّ ، وَكَيْفَ يُجَدِّدَانِ طَاقَةَ الحُبِّ بَيْنَهُمَا ؟ يَجِبُ أوَّلَاً أنْ نَدرُسَ حَضَرَاتِ الحُبِّ وَمِنْ ثَمَّ نَدْرُسُ الحَالَةَ بَيْنَ الشَّخْصَيْنِ وَمِنْ ثَمَّ نُقِيِّمُ العِلَاجَ .. فَنَحْنُ هُنَا بِحَاجَةِ مَعْرِفَةِ حَضَرَاتِ الحُبِّ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الفُتُورِ لِنَسْتَطِيْعَ إصُلَاحَهَا ، وَلَكِنْ ذَكَرْتُ فِي المُقَدِّمَةِ أنَّ النَّمَطِيَّةَ تُؤدِّي إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ العَلَاقَاتِ أيِ العَلَاقَةِ الفَاتِرَةِ .

كَمَا يُمْكِنُ لِدَارِسِ حَضَرَاتِ الحُبِّ لَيْسَ تَحسِيْنُ العَلَاقَةِ الزَّوجِيَّةِ  فَقَطْ وَإنْ كَانَ مِن أهْدَافِ هَذَا العِلْمِ تَحْسِيْنُ العَلَاقَاتِ، فَنَحْنُ هُنَا نَدرُسُ عَلَاقَاتِ الحُبِّ بِحَسَبِ مَصْدَرِ تَجَلِّيْهَا مِنَ الاسْمِ الإلَهِيِّ ، هَذِهِ المَعْرِفَةُ لَاشَكَّ سَتَنْعَكِسُ إيْجَابَاً عَلَى كُلِّ مَنْ يُمَارِسُهَا ، فَمَنْ يَعْلَمُ لَيْسَ كَمَنْ يَعِيْشُ بِلَا عِلْمٍ .

وَمِنْ ثَمَرَاتِِهِ : أنَّ لَهُ جَانِبَاً خَاصَّاً فِي شَرْحِ التَّجَلِّيَاتِ الخَاصَّةِ فِي العَالَمِ الجِنْسِيِّ ؛ وَهَذَا أيْضَاً يُحَسِّنُ العَلَاقَاتِ الخَاصَّةَ بَيْنَ الزَّوجَيْنِ ؛ عِلْمَاً أنَّ الضَّعْفَ الجِنْسِيَّ لَيْسَ مِن هَذَا العِلْمِ وَ لَيْسَ لَهُ عَلَاقَةٌ بِالحُبِّ .. وَلَكِنْ تَعَوَّدَ العَالَمُ العَرَبِيُّ أنْ يَربِطَ بَيْنَ الحُبِّ وَالجِنْسِ وَكَأنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهَذَا تَخَلُّفٌ .

وَيَنْدَرِجُ فِيْ عِلْمِ حَضَرَاتِ الحُبِّ ، مَعْرِفَةَ الاسْمِ الإلَهِيِّ المُتَجَلِّي عَلَى الإنسَانِ مِن خِلَالِ سُلُوكِهِ فَقَطْ وَ هَذَا مِنَ الجَانِبِ الكَشْفِيِّ .. لِأنَّ الحُبَّ إذَا كَانَ فِي تَجَلٍّ عَلَى شَخْصٍ حَكَمَ عَوَالِمَهُ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ ( أيِ العَبْدِ ) إلَّا مَاهُوَ مُدْرَجٌ فِي هَذَا التَّجَلِّي الوَدُودِيِّ .. فَقِرَاءَتُنَا لِمَا ظَهَرَ أمَامَنَا عَلَى مَظْهَرِ العَبْدِ مِنَ الحُبِّ هُوَ عَيْنُ مَا تَجَلَّى لَهُ فِي قَلْبِهِ مِن حَضْرَةٍ وَدُودِيَّةٍ .

كَمَا أنَّ تَعَلُّمَ حَضَرَاتِ الحُبِّ يَفتَحُ لِلدَّارِسِ أسْرَارَاً خَاصَّةً فِي الحُبِّ وَالوُدِّ  سَوَاءً فِي الجَانِبِ العَاطِفِيِّ أوِ الجِنْسِيِّ أوِ الاجْتِمَاعِيِّ .

حَقِيْقَةُ تَنَزُّلِ اسْمِ اللهِ الوَدُودِ بِالأسْمَاءِ الحُسْنَى :

أشَرْنَا إلَى أنَّ اسْمَ اللهِ الوَدُودِ يَتَنَزَّلُ بِالأسْمَاءِ الحُسْنَى لَيْسَ مِن بَابِ أنَّهُ مُشْرِفٌ عَلَيْهَا أو أعلَى مِنْهَا ، وَلَكِنْ يَجْبُ الانْتِبَاهُ أنَّ هُنَاكَ أسْمَاءً إحَاطِيَّةً لَهَا دُخُولٌ عَلَى أسْمَاءٍ أخْرَى أدْنَى مِنْهَا .. وَهُنَا تَنَزُّلَاتُ الوَدُودِ فِي تَجَلِّيَاتِهِ بِالأسْمَاءِ الحُسْنى لَايَعنِي أنَّهُ أعْلَى أو أدْنَى بَلْ يَعْنِي وُجُودُ عَلَاقَةٍ وَثِيقَةٍ بَيْنَ الأسْمَاءِ وَبَيْنَ الوَدُودِ نَحْنُ فِي صَدَدِ دِرَاسَتِهَا لِتَحْصِيْلِ المَعْرفَةِ العِلْمِيَّةِ وَتَحْسِيْنِ حَيَاتِنَا الخَاصَّةِ فِي عَوَالِمِ الحُبِّ بَيْن يَدَي الرَّبِ الوَدُودِ حَيْثُ  يَتَنَقَّلُ الحُبُّ فِي ظُهُورِهِ بِتَرْتِيْبَاتٍ مُعَيَّنَةٍ فِي حَضَرَاتِ الحُبِّ الإلَهِيِّ فَيَلْبَسُ مِنْ كُلِّ اسْمٍ مِنَ الأسْمَاءِ الَّتِي يَنْزِلُ فِيْهَا شَيْئَاً مِنْ رَقَائِقِهِ فَيَنْصَبِغُ بِهِ  وَتَظْهَرُ بِالنَّتِيْجَةِ رَقََائِقُ الاسْمِ الوَدُودِ مَعَ الاسْمِ الآخَرِ الَّذِي انْصَبَغَ بِهِ فَيَظْهَرُ لَنَا تَنَوُّعٌ خَاصٌّ مِنَ الحُبِّ .

حَقِيْقَةُ قَولِهِ تَعَالَى : ( المُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي ) .

لَمَّا كَانَ الحُبُّ كَمَالَاً .. وَهُوَ بِوَصْفِ الجَمَالِ أقْرَبُ .. اخْتَصَّ الحَقُّ تَعَالَى المُتَحَابِّيْنَ فِي اللهِ تَعَالَى وَالأقْرَبَ إلَيَهِ بِتَعْبِيْرِ ( المُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي ) وَشَرْحَاً لِقَوْلِهِ تَعَالَى نَقُولُ :

إنَّ الحُبَّ إذَا تَنَزَّلَ فِي حَضْرَةِ الاسْمِ الجَلِيلِ فَإنَّ لَهُ تَجَلّيَاً خَاصَّاً يَجْمَعُ التَّنَاقُضَاتِ ، وَلَمَّا كَانَ فِي الأسْمَاءِ الحُسْنَى هَذَا الاسْمُ الجَلِيْلُ الَّذِي هَذِهِ خَاصِّيَّتُهُ مَعَ الْحُبِّ وَالوُدِّ كَانَ الأنْسَبُ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ كُلِّ أشْكَالِ الْحُبِّ المَجْمُوعَةِ تَحْتَ ظِلِّهِ تَعَالَى ؛ فَإنَّ لِلحُبِّ أشْكَالَاً شَتَّى يُمْكِنُ أنْ تَتَنَاقضُ فِيْمَا بَيْنَهَا فِي عَيْنِ العَقْلِ الأُحَادِيِّ النَّظَرِ؛ لِهَذَا كَانَ التَّعْبِيْرُ بِحَضْرَةِ الحُبِّ فِي الجَلَالِ هُنَا فِي الحَدِيْثِ الشَّرِيْفِ لِأنَّهَا أشْمَلُ حَضْرَةٍ تُعَبِّرُ عَنْ تَنَوُّعِ وَخُصُوبَةِ تِلْكَ التَّجَلِّيَاتِ .

بِشَكْلٍ عَامٍّ كُلُّ أشْكَالِ الحُبِّ المُتَنَاقِضِ فِي رُدُودِ الفِعْلِ وَالظُّهُورِ وَالمُمَارَسَةِ إنَّمَا هُوَ مِنَ الجَلَالِ .. وَتَصْدُرُ عَنْ تَنَزُّلِ الاسْمِ الوَدَودِ لِيَظْهَرَ فِي تَجَلِّي الجَلِيْلِ .. سُبْحَانَهُ الوَدُودِ الجَلِيْلِ .

لِلأسْمَاءِ الحُسْنَى تَجَلِّيَاتٌ عِدَّةٌ عَلَى البَشَرِ وَعَلَى كُلِّ الكَائِنَاتِ ؛ أمَّا فِيْمَا بَيْنَهَا فَلَهَا تَنَزُّلَاتٌ حَيْثُ يَنْزِلُ اسْمٌ فِي حَضْرَةِ اسْمٍ آخَرَ .. وَهَذَا عِلْمٌ نَادِرٌ جِدَّاً فِي عُلُومِ الأوْلِيَاءِ لَيْسَ مَكْتُوبَاً أوْ مُدَوَّنَاً فِي الْكُتُبِ .. وَ العِلْمُ الَّذِيْ نَحْنُ بِصَدَدِهِ الآنَ مِن هَذَا العِلْمِ وَلَكِنْ مِن حَضْرَةِ اسْمٍ وَاحِدٍ هُوَ الاسْمُ الوَدُودُ لِنَرْصُدَ حَضَرَاتِ الحُبِّ .

وَحَقِيْقَةُ الحُبِّ وَاحِدَةٌ أنَّهُ ثَابِتٌ لِيَعْلَمَ الجَمِيْعُ أنَّ الحُبَّ لَايَكُونُ إلَّا حَقِيْقِيَّاً وَلَايُوجَدُ شَيْءٌ اسْمُهُ حُبٌّ غَيْرُ حَقِيْقِيٍّ وَلَكِنَّ بَعْضَ نِسَاءِ القُرُونِ الوُسْطَى وَقَعْنَ فِي حُبِّ أشْخَاصٍ وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْأشْخَاصِ لَمْ يُحِبُّوهُنَّ فَلَمْ يَتَوَاجَدِ الحُبُّ الحَقِيْقِيِّ مِن هَؤلَاءِ لَهُنَّ فَأطْلَقْنَ عَلَى مَحَبِّةِ هَؤُلَاءِ الأشْخَاصِ لَهُنَّ كَلِمَةَ حُبٍّ غَيْرِ حَقِيْقِيٍّ .. لِأنَّهُنَّ لَايَقْبَلْنَ عَلَى شُخُوصِهِنَّ أنْ يَكُنَّ مَرفُوضِاتٍ ، وَسَرَى هَذَا المُصْطَلَحُ الخَاطِئُ إلَى اليَومِ ، لِذَلِكَ فِي الحَقِيْقَةِ لَايُوجَدُ إلَّا حُبَّاً حَقِيْقِيَّاً .  

حَقِيْقَةُ الجَعْلِ فِي حَضَرَاتِ الحُبِّ :

قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ المَجِيْدِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ : { سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً {69} مريم ، فَاخْتَصَّ الحَبِيْبُ تَعَالَى هُنَا الوُدَّ بِذِكْرِهِ بِالجَعْلِ فَهُنَا حَضْرَةُ عَطَاءٍ إلَهِيٍّ وَتَكْرِيْمٍ خَاصٍّ  عَلَى الإيْمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ كَحَضْرَةٍ مُطْلَقَةٍ وَلَيْسَ كَمَا فَصَّلَهَا بِخُصُوصِيَّةٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ { .. يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ .. {45} المائدة ، فَفِي يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ كَانَتِ الحَضْرَةُ حَضْرَةَ رَوَابِط وَنتَائِج مُتَعَلِّقٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعِضٍ .. فَإذَا انْصَبَغَ العَبْدُ بِصِبْغَةِ الوُدِّ الإلَهِيِّ بَقِيَ مَوْدُودَ الوَدُودِ ، فَإنَّ كُلَّ الصِّبَغِ تَزُولُ وَصِبْغَةُ الحَقِّ بَقَاءٌ لَايَفْنَى وَلَايَبِيْدُ ، فَإنَّ لِلقَلْبِ سُجُودَاً إذَا سَجَدَهُ لَايَرْفَعُ المَرْءُ رَأسَهُ بَعْدَهُ أبَدَاً وَلَا يَسْجُدُ هَذَا السُّجُودَ إلَّا قَلْبَاً صَبَغَهُ الحُبُّ الإلَهِيُّ فَأوْرَقَ فِي رُوحِهِ نُورُ الْحَقِيْقَةِ يَتَألْمَسُ بَيْنَ جَنَبَاتِهِ يُعْلِنُ فَنَاءَ عَبْدٍ بِحُبِّهِ وَبَقَاءَ العَبْدِ بِرَبِّهِ .

تَنَزُّلُ الْحُبِّ فِي الحَضْرَةِ القُدُّوسِيَّةِ :

إنَّ لِلحُبِّ تَنَزُّلَاتٍ ؛ وَإنَّ مِنْ أعْلَى تَنَزُّلَاتِهِ هُوَ تَنَزُّلُهُ فِي حَضْرَةِ الاسْمِ القُدُّوسِ فَيَتَجَلَّى بِقُدُّوسِيَّةِ الحُبِّ فَإذَا بِهِ يُصْبِحُ مُقَدَّسَاً بِيْنَ يَدَي الرَّبِّ وَبَيْنَ يَدَي العَبْدِ .. لِأنَّ الحُبَّ يُؤَثِّرُ  وَلَا يَتَأثَّرُ .. سُلْطَانٌ حَاكِمٌ  مُسْتَبِدٌّ لَايَفْتُرُ .. يَسْحَقُ الكِبْرَ.. وَيَأسِرُ العَيْنَ .. وَيُذِيْبُ الذَّاتَ  لَايَسْمَحُ لِلقَلْبِ بِالتَّنَفُّسِ إلَّا بِهَوَاهُ .. يُعَلِّقُ الكُلَّ بِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِأحَدٍ .. جَبَّارٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ بِبَطْشِهِ .. مُضِيْئٌ بِتَجَلِّيْهِ .. لَايَتْرُكُ مَعَهُ أحَدَاً .. بَلْ يَتَطَاوَلُ وَيَتَفَرَّدُ .. مُقَدَّسٌ لَايُدَنِّسُهُ شَوْبٌ وَلَا إمْكَانٌ .. يَعْتَلِي كُلَّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ .. الرَّهْبَةُ حَقِيْقَتُهُ .. وَالرَّغْبَةُ حِبَالُهُ.. يَتَجَافَى بِكِيَانِهِ وَيَلْحَقُهُ كُلُّ كَيَانٍ .. مَطْلُوبٌ لَايُنْكِرُهُ طَالِبٌ.. مَغْلُوبٌ كُلُّ مَنْ غَالَبَهُ .. وَهُوَ غَالِبٌ .. لَايَسْتَطِيْعُهُ أحَدٌ إلَّا إذَا سَمَحَ لَهُ الوَدُودُ الأحَدُ .. غَنِيٌّ لَايَنَالُهُ إلَّا مَنْ رَزَقَهُ الحَقُّ إيَّاهُ وَلَو أنْفَقَ مَافِي الأرْضِ جَمِيْعَاً .. مِنْ شِدَّةِ تَقَدُّسِهِ  لَايَزُورُ قَلْبَاً مُشَارِكَاً .. بَلْ يَتَفَرَّدُ وَيَتَرَّبَعُ كَمَا يَشَاءُ وَكُلُّ مُنَافِسٍ لَهُ هَالِكٌ .. الثَّنَاءُ وَصْفُهُ وَالوَدُودُ حُبُّهُ .. مَرَاتِبُهُ عُظمَى وَعَلَامَاتُهُ تُفْصِحُ عَنْ عُلُوِّ قُدْسِهِ .. دَرَجَاتُهُ صَعْبَةُ الإحْصَاءِ  يُذِيْبُ وَلَا يَذُوبُ .. أهْلَكَ الكَثِيْرَ مِنَ القُلُوبِ .. جَبَرُوتُهُ عَاتٍ.. مَلَكُوتُهُ آتٍ .. مُلْكُهُ كُلُّ حَضْرَةِ المُلْكِ مَلِكٌ لَايُنَافِسُهُ رَعِيَّةٌ.. وَلَهُ حَظُّهُ الأعْلَى مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ .. وَهُوَ شَرْطُ الاتِّبَاعِ فِي الألُوهِيَّةِ .. لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ الكِبَارُ .. وَتَحَكَّمَ فِي هَامَاتِ الصِّغَارِ.. لَمْ يَهْرُبْ مِنْهُ نَبِيٌّ وَلَا رَسُولٌ .. وَلَا يَتِمُّ بِلَا قُدْسِهِ وُصُولٌ .. رَكِبَتْ فِيْ سُفُنِهِ الأوْلِيَاءُ .. وَحَكَمَ حَضْرَةَ الحُرُوفِ مِنَ الألِفِ إلَى اليَاءِ .. وَنَادَى بِهِ الرَّبُّ فِي العَلْيَاءِ .. وَنَادَى بِهِ جِبْرِيْلُ مُؤذِّنَاً فِي كُلِّ سَمَاءٍ.. وَحَكَمَ عَلَى النَّاسِ فِي الأرْضِ فِي كُلِّ الأرْجَاءِ .. نُورٌ لَايَنْقَسِمُ .. ضِيَاءٌ يَتَجَدَّدُ .. حَقِيْقَةٌ تَتَعَدَّدُ .. وَاحِدٌ فِي كَثِيْرٍ .. وَكَثِيْرٌ فِي وَاحِدٍ أسِيْرٍ .. يَتَمَجَّدُ بِهِ الكُلُّ إذَا زَارَهُ .. وَيَبْتَهِجُ لَهُ الكُلُّ إذَا أسْقَطَ عَنْهُ إزَارَهُ .. لَهُ فِي حَضَرَاتِ البَشَرِ أحْكَامٌ.. وَفِي أسِرَّتِهِمْ إمْتَاعَاتٌ .. فَيَجْعَلُهُمْ عَلَى بَعْضِهِمْ حُكَّامَاً .. لَايَتَفَلَّتُ مِنْهُ حَيَوَانٌ .. وَلَا يُنَاقِضُهُ إنْسٌ وَلَا جَانٌّ .. مَطْلُوبُ الكُلِّ هُوَ .. وَمَرْغُوبُ الكُلِّ عَلَى الاسْتِوَا .. جَعَلَهُ الرَّحْمَنُ عَطَاءً عَلَى الإيْمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ .. فَطَلَبَهُ كُلُّ صَالِحٍ وَطَالِحٍ .. لَهُ فِي كُلِّ الحَضَرَاتِ دُخُولٌ .. حَتَّى إلَى الحَرَامِ فِيْهِ وُصُولٌ .. وَفِي الحَلَالِ فِيْهِ فُصُولٌ .. فَمَاذَا اكلمة عَن حَضْرَةِ قُدْسِهِ .. وَقَدْ شَرِبَتِ البَشَرِيَّةُ مِن كُؤوسِ أُنْسِهِ . … لَايَنْتَهِي القَلَمُ عَنِ التَّعْبِيْرِ عَن حَضَرَاتِهِ ، وَلَا يَحْصُرُ الحَرْفُ بَدِيْعَ إمْتَاعَاتِهِ .. جَبَّارٌ قَهَّارٌ .. فِي مَاءٍ وَنَارٍ .. مِنْهُمْ مَنْ بِهِ سَادَ وَمِنْهُمْ مَنْ بِهِ انْهَارَ ..  بِكُلِّ حَضْرَةٍ لَهُ إبْهَارٌ .. وَفِي كُلِّ لَيْلٍ لَهُ سُطُوعٌ مَالِنَهَارِ .

تَنَوُّعُ الحَبِّ :

إنَّ الحُبَّ فِكْرِيٌّ .. وَالحُبَّ اجْتِمَاعِيٌّ .. وَ الحُبَّ أُسَرِيٌّ ..وَ هُنَاكَ حُبُّ الوَظِيْفَةِ .. وَ حُبُّ السَّيَّارَةِ .. وَ حُبُّ الحَيَوَانَاتِ وَحُبُّ العِبَادَةِ .. حُبُّ عُلُومٍ دِيْنِيَّةٍ .. وَهَكَذَا الحُبُّ  لَهُ عَوَالِمُ مُتَعَدِّدَةٌ تَنَوُّعٌ لِلْحُبِّ الْوَاحِدِ بِحَيْثُ تُحِبُّ السَّيَارَةَ وَالبَيْتَ ووووو .. هَذَا كُلُّهُ تَنَوُّعٌ فِي عَالَمٍ وَاحِدٍ .

تَجَلِّيَاتُ اسْمِ اللهِ الوَدُودِ فِي النِّكَاحِ :

إنَّ النِّكَاحَ أصْلٌ فِي الأشْيَاءِ كُلِّهَا فَلَهُ الإحَاطَةُ وَالفَضْلُ وَالتَّقَدُّمُ ، وَ قَدْ قَالَ أبُو حَنِيْفَة فِي النِّكَاحِ أنَّهُ أفْضَلُ نَوافِلِ الخَيْرَاتِ وَلَقَدْ قَالَ حَقَّاً .

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : ( حُبِّبَ إلَيَّ النِّسَاءُ ) وَكَانَ أكْثَرُ الأنْبِيَاءِ نِكَاحَاً لِمَا فِيْهِ مِنَ التَّحَقُّقِ بِالصُّورَةِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا قَلِيْلٌ مِنَ النَّاسِ عَن طَرِيْقِ الْكَشْفِ بَلْ مِنَ العَارِفِيْنَ مِنْ أهْلِ اللهِ ، فَوُجُودُ الحَقِّ هُوَ الفَرْضُ فِي نَفْسِ الأمْرِ ، وَوُجُودُ العَبْدِ نَافِلَةٌ عَن ذَلِكَ الفَرِضِ ؛ وَلِذَلِكَ خَرَجَ العَبْدُ عَلَى صُورَتِهِ .

العَلَاقَةُ الجِنْسِيَّةُ .. فِيْهَا مَرَاحِلُ .. وَ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ اسْمٌ خَاصٌّ أيْضَاً.. تَفْصِيْلَاتٌ هَامَّةٌ فِي تَجَلِّيَاتِ الأسْمَاءِ الحُسْنَى عَلَى هَذِهِ العَوَالِمِ العَاطِفِيَّةِ وَالجِنْسِيَّةِ فَفِي هَذا العِلْمِ نَتَعَرَّفُ عَلَى الأسْمَاءِ الخَاصَّةِ بِكُلِّ حَرَكَةٍ مِثْلَ : القُبْلَةُ وَاللَّمْسَةُ وَالهَمْسَةُ وَالمَسَّةُ .. وَفُرُوقُهَا عَلَى مَوَاضِعِ الجِسْمِ وَأسْمَاؤُهَا الخَاصَّةُ وَقِرَاءَتُهَا رَبَّانِيَّاً .. فّإنَّ النِّكَاحَ عِبَادَةٌ فِي الإسْلَامِ وَلِكُلِّ عِبَادِةٍ رَوحَانِيَّتُهَا الخَاصَّةُ .

وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ

 


( من كتاب‏‏ الكتب الخيرة للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى