الإنسان الحرف الأكبر – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

الإنسَانُ الحَـرفُ الأكبَـرُ و الأَجمَعُ فِي الوُجُودِ

إنَّ الاسمَ مُرَكَّبٌ مِنْ مَجمُوعَةِ حُرُوفٍ مِنْ هَذَا المُنطَلَقِ فَهِمَ جَماعَةٌ مِنَ المُفَكِرينَ أنَّ الحُروفَ قَدِيمَةٌ ، لَكِنْ جَاءَ تَيَارٌ آخَرَ مِنْ أهلِ الفِكرِ الدِّينِيِّ وقَالُوا أنَّ الحُروفَ مَا نَتَحَدَّثُ بِه، عِندمَا أَنطُقُ الحَرفَ يَتَخلَّقُ عَلى لِسَانِي فَالحُروفُ حَادِثةٌ ، هَلِ الحُروفُ قَدِيمةٌ أمْ حَادِثةٌ ؟ وعَليه يَنبَنِي هَلِ الأسمَاءُ قَديمَةٌ أم حَادِثَةٌ ؟

 وَجاءَ تَيارٌ ثَالثٌ زَادَ المَسألةَ بَحثَاً وتَفكِيراً فَفَصَّلُوا وقَالُوا بِأنَّ هَذهِ الحُروفَ قَديمةٌ في المَعنَى حَادثَةٌ في الحَرفِ ، لَكِنَّهُم عِندَما يَقُولُونَ أنَّها حَـادثَةٌ في الحَرفِ  فَهَذَا يَعنِي أنَّ الحَرفَ شَيءٌ ، لَكِنَّ اللهَ كَانَ وَلَا شَيءَ معهُ أيْ لَمْ يَكُنْ مَعـهُ حُرُوفٌ .. أينَ تَكمُـنُ الحَقيقَـةُ !!؟

تَحقِيقُ أهلِ الحَقِّ أصحَابِ الشُّهُودِ الذِينَ قَالُوا : اكتُبنَا مَعَ الشَّاهِدينَ وَتَحقَّقُوا بِهَذِه الآيَةِ فَكَانُوا مِنَ الشَّاهدينَ الذينَ شَهِدُوا الحَضرَةَ الإلَهيَّةَ بِأنوَارِهَا الذَّاتِيَّة وَعَلِمُوا هَذِه الصِّفَاتِ بِمَا عَلّمَهُمُ اللهُ  لَمْ يَعلَمُوا الذَّاتَ فَالذَّاتُ لَا تدرِكُها مُدرِكةُ إنسَانٍ ، هِي فَوقَ مُدرَكَاتُ الإنسَانِ وَلكِنَّ اللهَ يُكرِمُ بَعضَ عَبيدِه بِبَعضِ التَّعرِيفَـاتِ عَنْ هَذهِ الذَّاتِ وَيَتَمَايزُونَ بِهَذِه المَعرِفَـة إذَا أحَبَّهُم وَكَانَ بَصرَهُم الذِي يُبصِرُونَ بِهِ كَمَا وَرَدَ فِي الحَدِيثِ الشَّريفِ ، قَالُوا عِندَما شَهِدُوا الحَقيقَةَ كَمَا هِيَ أنَّ الحَرفَ هُوَ قَديمٌ في القَديمِ ومُحدَثٌ في الحَادِثِ  والدَّليلُ الشَّرعـيُّ على ذَلِكَ :

بسم الله الرحمن الرحيم  { وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ } الشعراء (5)

فَهو ذِكرٌ مِنَ الرَّحمَنِ مَنشَؤُه ومَصدَرُهُ اللهُ الذِي كَانَ ولَا شَيءَ معهُ لَكِنْ سَمَّاهُ اللهُ أنَّهُ مُحدَثٌ على أَلسِنَتِنَا

بسم الله الرحمن الرحيم { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } الأنبياء (2)

في الآيَةِ الأُولَى ” ذِكرٌ مِنَ الرَّحمَنِ “ وفي الآيَةِ الثَّانيَةِ ” ذِكرٌ مِنْ رَبِّهِم “ هَذا الذِّكرُ كَونُهُ مِنَ الرَّبِّ الرَّحمَنِ فَلَا نَتَصَورُ أنْ يَنفَصِلَ عَنهُ شَيءٌ لأنَّ اللهَ لا يَنفَصِلُ ، فَكَلامُهُ القَديمُ قَديمٌ وحُدُوثُ هَذهِ الحُروفِ على ألسِنَتِنَا إنَّمَا هُوَ حَـادِثٌ، وبِنَـاءً عليه تَكُونُ المَسألَةُ التالِيـةُ – وهَذا هُوَ الحَـقُّ عِندَنـا – أنَّ الحَرفَ بِحَدِّ ذَاتِهِ ” بِمَعنَاهِ “ قَديمٌ في القِدمِ لأنَّ مَعلُومَاتِ الذَّاتِ الإلَهيَّةِ مَوجُودَةٌ في الذَّاتِ الإلَهيَّةِ وَلَيسَتْ مَوجُودَةً في شَيءٍ آخَرَ وَلا شَيءَ مَعَهَا، وَالمَعُلومَـاتُ تَحتَـاجُ هَذَا المَعنَى الذِي نُصِيغُـه نَحنُ بِأصوَاتِنَا على ألسِنَتِنا فَنَقُولُ : أنَّ الحَــرفَ قَديـمٌ في القِـدَمِ وَمُحـدَثٌ في الحَـادِثِ بِمَعنَى أنَّ لِلحَرفِ وَجهٌ نَحوَ الحَقيقَةِ الإلَهيَّةِ ووَجهٌ نَحوَ الحُدُوثِ كَمَا فِي كُلِّ المَخلُوقَاتِ، كَما في الإنسَانِ أيضَاً فَلَهُ وَجهٌ خَاصٌ إلى الحَقِّ لَا يُشَارِكُهُ بِهِ أحَدٌ ولَا يُمازِجُهُ بِهِ أحدٌ وهَذا الوَجهُ الخَاصُّ يُطَالِعُ بِهِ الحَقيقَةَ الإلَهيَّةَ، ولَهُ وَجـهٌ آخَـرُ مَصرُوفٌ إلى العَالَمِ  يُبَاحِثُ ويُطَـارِحُ بِه المَخلُوقَــاتِ .. وبِهَذا الفَهْمِ عَــادَ الإنسَانُ الحَـرفَ الأكبَـرَ وَلَعلَّهُ الحرفُ الأجمَعُ في الوجُودِ .

 


( من كتاب علم الاسم المتجلي الأعلى للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى