حرف الحاء

حياة الخَضِر عليه الصلاة والسلام

موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

حياة الخضر – إغْلَاقُ بَابِ الْخِلَافِ حَولَ اسْتِمْرَارِيَّةِ حَيَاةِ الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ

يُمْكِنُ لِلسَّائِلِ أنْ يَسْألَ بَعْدَ انْتِهَاءِ قِصَّةِ الصُّحْبَةِ بَيْنَ سُيِّدِنَا مُوسَى وَسَيِّدِنَا الْخَضِرِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : هَلْ لَا يَزَالُ الْخَضِرُ حَيّاً بَيْنَنَا فِي أيَّامِنَا هَذِهِ وَفِي بَاقِي الْعُصُورِ ؟

وَأقُولُ لِأُغْلِقَ بَابَ الْخِلَافِ فِي الْمَسْألَةِ :
إنَّ مِنْ قَوَانِيْنَ الأرْوَاحِ الطَّاهِرَةِ أنَّهَا تَقْبَلُ التَّجَسُّدَ فِي حَيَاتِنَا عَلَى الأرْضِ وَلَوْ كَانَتْ فِي الْاعْتِبَارِ الْأرْضِيِّ أنَّها مَيِّتَةٌ مُنْذُ أزْمَانٍ ، هَذِهِ الْحَقِيْقَةُ اسْتَفَدْنَاهَا فِي حَدِيْثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْخَاصِّ بِالْإسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ حَيْثُ نَصَّ وَبُوُضُوحٍ عَلَى أنَّ الْأنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ صَلُّوا خَلْفَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْأقْصَى ، رُغْمَ أنَّ فِيْهِم مَنْ مَاتَ مُنْذُ ( 5000 ) خَمْسَةِ آلَافِ سَنَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ مَاتَ مُنْذُ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مَوْتُهُمْ – لِطَهَارَةِ أرْوَاحِهِمْ – مِنَ الظُّهُورِ فِي الْمَسْجِدِ الْأقْصَى وَهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .

وَبِهَذِهِ الْحَقِيْقَةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي عَالَمِ الرُّوحِ أُغْلِقَ بَابُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ : هَلِ الَخَضِرُ حَيٌّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أمْ أنَّهُ مَاتَ ؟ إذْ أنَّهُ بِكِلَا الْاعْتِبَارَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ حَيَّاً أمْ مَيِّتَاً فَقدْ ثَبُتَ أنَّهُ رُوحٌ طَاهِرَةٌ ؛ وَالرُّوحُ الطَّاهِرَةُ لَهَا قَانُونُ التَّجَسُّدِ بَعْدَ الْمَوْتِ .
كَمَا أنَّ طُولَ الْعُمُرِ حَقِيْقَةٌ ثَابِتَةٌ وَمِنَ الْمُمْكِنِ جِدَّاً أنْ يَكُونَ عُمُرُهُ بِهَذَا الطُّولِ وَهَذَا لَايُعْتَبَرُ خُلُودٌ .

وَاعْلَمْ يَا وَلِيِّي فِي اللهِ تَعَالَى أنَّ مَشاهِدَ ظُهُورِ الْأرْوَاحِ مِنْ عَالَمِ الْمَوتَى فِي عَالَمِنَا الدُّنْيَوِيِّ كَثِيْرَةٌ جِدَّاً عَبْرَ التَّارِيْخِ ، وَقَدْ ثَبُتَ شَرْعَاً أنَّ كُلَّ مَنْ يَمُوتُ فِي الدُّنْيَا يَنْتَقِلُ إلَى الْبَرْزَخِ ؛ وَعَالَمُ الْبَرْزَخِ هُوَ عَالَمٌ لَهُ وَجْهٌ إلَى الدُّنْيَا وَوَجْهٌ إلَى الْآخِرَةِ ، فَكَمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ مِنْ وَجْهِ الْآخِرَةِ نَعِيْمُ جَنَّةٍ أوْ عَذَابُ نَارِ ، كَذَلِكَ فَإنَّ لِلْأرْوَاحِ الطَّاهِرَةِ فِي وَجْهِهَا الدُّنْيَوِيِّ الظُّهُورَ وَالتَّوَاصُلَ .

أمَّا إشْرَافُهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الأخْرَوِيِّ فَهَذَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ كُلِّ الْأرْوَاحِ الْمَيِّتَةِ يَستَمِدُّونَ مِنْ هُنَاكَ نَعِيْمَهُمْ وَعَذَابَهُمْ ، وَلَكِنَّ الظُّهُورَ فِي الْوَجْهِ الدُّنْيَوِيِّ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْأرْوَاحِ الطَّاهِرَةِ الْمُنَعَّمَةِ ، فَإنَّ الْأرْوَاحِ الشَّقِيَّةَ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ لَا لِأنَّ عَالَمَ الْبَرْزَخِ لَا يَقْبَلُ هَذِهِ الْحَقِيْقَةَ بَلْ لِأنَّهُمْ مَحْبُوسُونَ فِي سِجِّين حَيْثُ عَذَابُهُمْ ، تُكَبِّلُهُمْ وَتُقَيِّدُهُمْ ذُنُوبُهُمُ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا .

وَعَلَى كُلِّ مَا سَبَق :

فَإنَّنَا نُثْبِتُ ظُهُورَ الْخَضِرِ ، وَالْمُشَاهَدَاتُ التَّحْقِيْقِيَّةُ كَثِيْرَةٌ فِي تَارِيْخِنَا الْإسْلَامِيِّ ، وَبِمَا أنَّهُ رُوحٌ طَاهِرَةٌ بِنَصِّ الْقُرْءَانِ وَالسُّنَّةِ ، فَإنَّ ظُهُورَهُ وَاقِعِيٌّ ، وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ بَاتَ خِلَافَاً لَا مَعْنَىً لَهُ .

 


( من كتاب علم الحقائق البرزخية بين الحضرتين الموسوية والخضرية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى