حرف الميم

محل العقل

موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

 مَحَلُّ العَقلِ

اِعلَمْ يَا وليِّي في الله تعالى أنَّ العَقلَ كَائنٌ بَاطن مُستقِلٌّ يَمنَحُه الله لِمَن يشاء ويَنزَعُه مِمَّن يَشاءُ ، وأنَّ مَحَلَّه القلبُ فقد قال تعالى في كتابهِ العزيزِ : بسم الله الرحمن الرحيم : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُون َبِهَا .. } الحج 46 .

وكَم وَكَم مِنَ القلوب التِي فَقَدَتْ لُبَّها فَبَادت ( فَبَاتَت ) عميَاءَ ضَالَّةً ، ولعلَّ المُلاحَظة الأجدرَ بالذِّكرِ هُنا عَلاقةُ القلب بالعَقلِ والذنوبِ فقد عَلَّمَنَا أنَّ الذنوبَ مَحَلُّها الغِشاء الذِي يُغَلِّفُ القلبَ ، فإذا غَلَّفَتْهُ نِهائِيَّاً شَكَّلَت رَانَاً أسوَدَ يَحجِبُ العقلَ الذي مَحَلُّهُ القلبُ مِنْ مُمارسةِ مُدرَكاتِهِ مع الخارجِ ، وهذا مَا يُسمَّى بِعَمَى القلب حيثُ وجَدنا أنَّ مَنْ رَانَ على قلبه مِمَّا كَسَبَ مِنَ الذنوب تَنخَفِضُ عندَه الحُريَّة العَقليَّة ، وتَتَحجَّمُ مُدرَكاتُه العَقليَّة .

وَالوَسوَاسُ : 

اِعلَمْ يَا وَليِّي في الله تعالى – أيَّدَكَ الله بأنوار رُبُوبِيَّته لِيَحمِيَكَ وإِيَّانا مِنْ شَرِّ الوَساوِس – أنَّ الوَسوَاسَ إنَّمَا يُصِيبُ الإنسانَ لِآفةٍ مَرَضيَّةٍ مَنشَؤُها رُوحِيٌّ ، هو عَدمُ الأمانِ والخَوفُ مِن عَدمِ اليَقِين ، حيثُ أنَّ الشَّكَّ والرَّيبَ إذا استَفحَلَ وَ لَم يَجِدِ اليَقِينُ الإيمَانِيُّ الكافِي لِقَمعِهِ في ذاتِ الإنسانِ سَبَبَ تَفَتُّحِ مَسَارِي الطاقةِ الحيَويَّةِ في الهَيكَلِ النُّورِيِّ ، وخُصوصَاً تلك التِي تُعيدُ المَعلوماتِ والأوامرَ الواردةَ إلى المُخَيِّلَةِ فَتَتَلَاحقُ نَفسُ المَعلوماتِ إلى ذاتِ المُخَيِّلَةِ التِي تُشكِّلُ إربَاكاً لِلتفكِيرِ .

 ويَتِمُّ ذلكَ عندما يَتضرَّرُ الهَيكَلُ النُّورِيُّ لَدى الإنسانِ فَيُنتِجُ على رَقائِقِه المُمتدَّةِ مِنْ فَلَكِ الصَّدرِ إلى فَلَكِ العَقلِ الذي مَحَلُّهُ القلبُ مَعلُوماتٍ مُكرَّرةٍ يُمكنُ أنْ يُساهم في صِناعَتِها العَاملُ الأوَّلُ ، وهو شَكُّ الإنسانِ نفسُه وعَدَمُ يَقِينِهِ ، أوِ العاملُ الثاني وهوَ الشيطانُ نفسُه ، وبالتالي يقومُ العقلُ مِنْ مَحَلِّه القلب بِفَتحِ رَقائقِ الهيكلِ النورِيِّ المَوصُولةِ مِنه إلى المُخيِّلَةِ مِمَّا يُسَبِّبُ تلكَ الاضطِرابَاتِ المَعرُوفة بالوَساوِس والرُّهَابِ والوَسوَاسِ القَهرِيِّ والشُّكوكِ :

( ونَذكرُ هنا أنَّ نَفْسَ الأمراض هذه يُمكِنُ أنْ يُسببَهَا نقصٌ مُعيَّنٌ في بعض أنواع الكِيماويات ، ولكِنَّ ذلك إنَّمَا يكونُ مرضاً جَسدياً ، وحَدِيثُنا هنا على نَفْسِ الأمرَاضِ عندَما لا تكونُ حَاصلةً عند الإنسانِ نَتيجة خَلَلٍ كِيمَاويٍّ ) وعلى مَا سَبَقَ نَجِدُ أنَّ مَحَلَّ الوَسوَاس إنَّمَا هو في مَنطِقة الصَّدرِ في الإنسان فقد قالَ تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم : { مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ {4} الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ {5} الناس .

  ولا تَظنُّ يَرحَمُك ويَحفَظُك الله أنَّ الصدرَ هو مَحَلٌّ لِلوَسوَاس فقط بَل هوَ مَحَلٌّ لِلكثير مِنَ الكائنات المُختلفة نَذكرُها إنْ شاء الله تعالى في حِينِها .

  


( من كتاب‏‏ علم المحلات للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى