علم التأويل في سورة الكهف – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

عِلْمُ التَّأوِيْلِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ

 

اعْلَمْ يَا وَلِيِّي فِي اللهِ تَعَالِى أنَّ عِلْمَ التَّأوِيْلِ مِنَ الْعُلُومِ الْخَاصَّةِ بِفَلَكِ الْوِلَايَةِ ، وَالَّتِي تُعْتَبَرُ مِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى الْعَبْدِ ، فَهُوَ عِلْمٌ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلرُّسُلِ وَالْأنْبِيَاءِ وَالْأولِيَاءِ مِنَ الْحَضْرَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ ، وَهُوَ نَفْسُهُ الْعِلْمُ الَّذِي دَعَا بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِسَيِّدِنَا ابْنِ عَبَّاسٍ ” اللُّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّيْنِ وَعَلِّمْهُ التَّأوِيْلَ “ ، وَلَكِنَّ أغْلَبَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أنَّ فِي عِلْمِ التَّأوِيْلِ نَوْعَانِ مِنَ التَّأوِيْلِ :

 النَّوْعُ الْأوَّلُ : مَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْأولِيَاءِ وَمَنْ فَوقَهُمْ .

وَالنَّوْعُ الثَّانِي : مَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ هُمْ دُونَ الْأولِيَاءِ مِنَ الْمُؤمِنِيْنَ وَالْمُسْلِمِيْنَ وَعَامَّةِ الْأُمَّةِ .

أمَّا عِلْمُ الـتَّأوِيْلِ الْمَخْصُوصِ بِمَنْ هُمْ دُونَ الْأولِيَاءِ مِنَ الْمُؤمِنِيْنَ وَالْمُسْلِمِيْنَ وَعَامَّةِ الْأُمَّةِ فَهُوَ عِلْمٌ هَامٌّ قَيِّمٌ وَاسِعٌ يُسَمَّى فِي عَالَمِنَا ( عِلْمُ تَفْسِيْرِ الْأحْلَامِ ) ، وَهُوَ عَلَى عُلُوِّ قِيْمَتِهِ وَاتِّسَاعِ مُفْرَدَاتِهِ يُعَدُّ صَغِيْراً جِدَّاً وَضَئِيْلَاً أمَامَ عِلْمِ التَّأوِيْلِ الأعْلَى مِنْهُ الْخَاصُّ بِالْأولِيَاءِ وَمَنْ فَوقَهُمْ ، وَالَّذِي هُوَ مَفَاتِيْحُ كَشْفِيَّةٌ وَقَوَانِيْنُ مَعْرِفِيَّةٌ يَبْعَثُهَا الْحَقُّ بَيْنَ يَدَيِّ الْوَلِيِّ الْعَارِفِ فَمَتَى مَا أوَّلَهَا الْوَلِيُّ الْعَارِفُ عَلِمَ مُرَادَ اللهِ وَرِسَالَتَهِ إلَيْهِ وَأوَامِرَهُ وَمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُ .

وَلْتَعْلَمْ يَا وَلِيِّي فِي اللهِ تَعَالَى أنِّي سَبَقَ وَقدْ عَلَّمْتُ عِلْمَ التَّأوِيْلِ بِنَوْعَيْهِ لِلْكَثِيْرِ مِنَ النَّاسِ الْأصْفِيَاءِ خِلَالَ الْعَقْدَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ ، وَمَازِلْتُ أضَعُ الْبَرَامِجَ لِتَعْلِيْمِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْعُلُومِ الْهَامَّةِ وِلِلَّهِ الْحَمْدُ .

إلَّا أنَّهُ يَخْفَى عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ لِأنَّهُ مَا بَيْنَ سَتْرٍ وَكَشْفٍ ، فَهُوَ مَوْجُودٌ مَسْتُورٌ فِي ثَنَايَا الْقِصَّةِ بِرِمَّتِهَا ، وَمَكْشُوفٌ صَرِيْحٌ وَاضِحٌ مِنْ قَولِهِ تَعَالَى : { أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ .. } حَتَّى قَولَهُ : { ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً {78} سورة الكهف .

وَمَا عَلَيْكَ هَهُنَا إلَّا أنْ تُقَارِنَ بَيْنَ الْمَسْتُورِ وَالْمَكْشُوفِ الْمُصَرَّحِ بِهِ لِتَعْرِفَ مَا اسْتَترَ عَنْ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَلَا أقُولُ بِذَلِكَ أنَّكَ سَتَتَعَلَّمُ التَّأوِيْلَ بَلْ عِلْمَ التَّأوِيْلِ عَنِ الْحَقِّ لَهُ مَدْرَسَةٌ خَاصَّةٌ فِي التَّلْقِيْنِ لَا يُتْقِنُهَا إلَّا الْأولِيَاءَ مِنَ الْعَارِفِيْنَ .

وَلَعَلَّ الْقَارِئَ لِهَذِهِ السُّطُورِ يَغْبِطُ الْأولِيَاءَ لِمَقَامِهِمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى وَيَظُنُّ أنَّ خُصُوصِيَّةَ الْأولِيَاءِ تَجْعَلُهُمْ نَادِرِيْنَ فِي انْفِتَاحِ بَابِ الْوِلَايَةِ لَهُمْ وَهَذَا الْفَهْمُ خَاطِئٌ لِأنَّ فَلكَ الْوِلَايَةِ مَفْتُوحٌ لِلْأمَّةِ الْمُسْلِمَةِ إلَى يَومِ الْقِيَامَةِ لِكُلِّ مَنْ رَغِبَ بِذَلِكَ فَأدَّى شُرُوطَهَا وَسَلَكَ مَقَامَاتِهَا ؛ وَلَكِنْ رُبَّمَا تَرَاهَا الْيَومَ فِي تَارِيْخِنَا الْبَشَرِيِّ الطَّوِيْلِ وَكَأنَّهَا خَاصَّةٌ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ لِأنَّ النَّاسَ قَصَّرَتْ فِي حَقِّ ذَوَاتِهِمْ وَغَفِلَتْ عَنِ الْحَقِيْقَةِ الَّتِي هُمْ مُطَالَبُونَ بِالْوُصُولِ إلَيْهَا ، وَعَزَفُوا عَنِ السُّلُوكِ إلَى الْمُلُوكِ وَمَا بِأيْدِيْهِمْ فَاسْتَعْبَدَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاَ ، وَهَجَرُوا عُبُودِيَّتَهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَصَار دَيْدَنُ الْعَامَّةِ تَحْصِيْلَ الْمَكَاسِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْمَلَذَّاتِ الشَّهَوِيَّةِ وَاسْتَسْهَلُوهَا وَاسْتَسْهَلُوا مَنَالَاتِهَا فَهَرَبُوا مِنْ سُلُوكِ الْمَقَامَاتِ لِأنَّهُم فَقَدُوا فِي قُلُوبِهِمْ رَغْبَةَ الْوُصُولِ إلَى رَبِّهِمْ وَمَا سَيَنَالُهُمْ فِيْمَا بَعْدَ الْوُصُولِ مِنْ رِضَا الْحَقِّ وَإكْرَامَاتِهِ  إلَى سُرْعَةِ نَيْلِهِمْ لِأوْطَارِهِمْ وَنَزَوَاتِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ بِلَا عَنَاءٍ وَلَا مَشَقّةٍ ، فَمَا فَطنَ لِحقِيْقَةِ الْوُصُولِ إلَّا مَنْ أتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيْمٍ ، وَقَلِيْلٌ مَا هُمْ ، لِذَلِكَ تَرَى فِي تَارِيْخِنَا الْبَشَرِيِّ أنَّ الْأوْلِيَاءَ قَلِيْلُونَ وَكَأنَّ الْأمْرَ مَوقُوفٌ عَلَيْهِمْ فَقَطْ .

وَلْتَعْلَمْ يَا وَلِيِّي فِي اللهِ تَعَالَى أنَّ الْوِلَايَةَ وَهْبٌ إلَهِيٌّ يُمْكِنُ أنْ تَصِلَ إلَيْهِ بِكَسْبِكَ فَإنَّ إرَادَتَكَ التَّكَسُّبَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ الْمَوهُوبَةِ لَكَ ، تُكْسِبُكَ هَذِهِ الرَّحْمَةَ، وَاللهُ مَعَكُمْ أيْنَمَا كُنْتُمْ .

 


( من كتاب علم الحقائق البرزخية بين الحضرتين الموسوية والخضرية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى