عِلْمُ الْإرَادَةِ الْعَبْدِيَّةِ
عِلْمُ الْإرَادَةِ الْعَبْدِيَّةِ هُوَ ظُهُورُ إرَادَةِ الْعَبْدِ سَاتِرَةً لِإرَادَةِ الْحَقِّ تَعَالَى مِنْ وَرَائِهَا ، فَإذَا بِهَا تُظْهِرُ قَوَانِيْنَ خَاصَّةً بِالْإرَادَةِ ، وَلَا تَظْهَرُ هَذِهِ الْقَوَانِيْنُ إلَّا إذَا كَانَتْ فِي صُورَةِ عَبْدٍ فِي الظَّاهِرِ ، فَتُنسَبُ الْإرَادَةُ فِي هَذَا الْمَشْهَدِ إلَى الْعَبْدِ وَبِذَلِكَ تَتَنزَّلُ مِنْ كَونِهَا مِنْ مَوَارِدِ الرُّوحِ وَعُلُومِهَا إلَى مَوَارِدِ الْعَقْلِ وَعُلُومِهِ ، وَلَكِنَّ أهْلَ الْحَقِّ يَعْلَمُونَ أنَّ اللهَ مِنْ وِرَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ ، فَفِي حِيْنِ أنَّ أهْلَ الْعَقْلِ وَالْغَفْلَةِ وَالْحِجَابِ يَشْهَدُونِ إرَادَةَ حَقٍّ مُسْتَقِلَّةٍ ، فَإنَّ أهْلَ الْحَقِّ لَا يَشْهَدُونَ إرَادَةَ الْعَبْدِ بِاسْتِقْلَالٍ أبَدَاً ، بَلْ لَيْسَتْ أكْثَرَ مِنْ مَظْهَرٍ لِلْإرَادَةِ الْحَقَّةِ .
وَفِي هَذَا التَّفَاضُلِ بَيْنَ الشُّهُودِ الرُّوحِيِّ وَالرُّؤيَةِ الْعَقْلِيَّةِ عُلُومٌ كَثِيْرَةٌ مِنْهَا :
عِلْمُ سَتْرِ الْحَيَاءِ الْإلَهِيِّ : وَإلَيْكَ مِثَالَاً عَلَى ذَلِكَ :
أهْلُ الْعَقْلِ يَقُولُونَ أنَّ الرَّجُلَ انْتَصَبَ وَالْمَرْأةَ اشْتَهَتْ فَيَنْسِبُونَ الْانْتِصَابَ وَالشَّهْوَةَ فِي كِلَيْهِمَا إلَى إرَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَلَا يَظْهَرُ فِي الصُّورَةِ إلَّا إرَادَةُ عَبْدٍ نَوَى قُرْبَ أمَةٍ وَإرَادَةُ أمَةٍ تَحَرَّكَتْ لِجِهَةِ عَبْدٍ ، وَهَذَا سَتْرٌ وَاضِحٌ بِحَيْثُ لَا يَرَى أهْلُ الْغَفْلَةِ إلَّا تِلْكَ الْإرَادَةَ الْعَبْدِيَّةَ ، بَيْنَمَا فِيْمَا وَرَاءَ ذَلِكَ الْمَشْهَدِ ، شُهُودُ حَقٍّ اعْتِقَادِيٍّ يَقِيْنِيٍّ أنَّ انْتِصَابَ الْعَبْدَ لَمْ يَكُنْ لَولَا أنْ أمَدَّهُ اللهُ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ ، وَأنَّ شَهْوَةَ الْأمَةِ ، لَمْ تَكُنْ لَولَا أنَّ الْحَقَّ قَدْ وَهَبَهَا إيّاهَا ، وَلَكِنَّ هَذَا الْمَشْهَدَ بِهَذَا الإفْصَاحِ الْحَقِّيِّ يَجِبُ أنْ يُسَاوِقَهُ الْحَيَاءُ بَيْنَ يَدَي اللهِ تَعَالَى ، فَلا يَجِدُ أهْلُ اللهِ كَمَا عَلّمَهُمُ اللهُ تَعَالَى سَاتِرَاً لِتِلْكَ الْحَقَائِقِ إلَّا عِلْمَ الْإرَادَةِ الْعَبْدِيَّةِ ، فَيَتَنَزَّلُونَ مِنْ شُهُودِ الرُّوحِ الَّذِي يَتَيِقَّنُونَ بِهِ إلَى رُؤيَةِ الْعَقْلِ الْمُتَوَهِّمَةِ وُجَودَ إرَادَةٍ لِلْعَبْدِ .
وَلْتَعْلَمْ يَا وَلِيِّي فِي اللهِ تَعَالَى أنَّ هَذَا السَّتْرَ لِلْحَيَاءِ لَيْسَ سَتْرَ كَتْمٍ وَبُخْلٍ وَمَنْعٍ وَإنَّمَا هُوَ فَقَطْ سَتْرُ أدَبٍ مَعَ الْحَقِيْقَةِ لِيُتَاحَ لِلْعَبِيْدِ ذُكُورَاً وَإنَاثَاً أنْ يَعِيْشُوا حَيَاءَهُمْ مِنَ الرَّبِّ الْحَيِّ جَلَّ وَعَلَا ، فَهُوَ سَتْرُ أدَبٍ بِقَوَانِيْنِ حَيَاءٍ .
وَقَدْ ظَهَرَتْ حَقِيْقَةُ هَذِهْ الْإرَادَةُ الْعَبْدِيَّةُ فِي عِدَّةِ ألْفَاظٍ فِي قَولِهِ : ( فَأَرَدْنَا أَن ) ، وَقَولِهِ : ( فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ ) ، فَالْقَولَانِ يَقُومَانِ فِي مَقَامِ الْإرَادَةِ ..
وَلَكِنَّ قَولَهُ : ( فَأَرَدْنَا ) مِنْ مَقَامِ الْكَثْرَةِ فِي الْإرَادَةِ .
وَقَولَهُ : ( فَأَرَادَ رَبُّكَ ) مِنْ مَقَامِ تَوحِيْدِ الرُّبُوبِيَّةِ .
( من كتاب علم الحقائق البرزخية بين الحضرتين الموسوية والخضرية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب ) .
أقرأ التالي
27 مايو، 2020
قاعدة رقائق صلاة العاشق – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
1 أبريل، 2020
المَوجودُ الحقُّ – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
5 أبريل، 2020
أَحَدِيَّةُ وُجودِ الهُوِيَّةِ الذاتِيَّةِ بِلَا اتِّحَادٍ ولَا حُلُولٍ – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
زر الذهاب إلى الأعلى