قول الحكيم الترمذي – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

قَوْل الحَكيم التِرمذيّ رضي الله عنه

بأيّ شيءٍ حَازُوا العَسَاكِر

السؤال الثالث : و بأي شيء جاوزوا ؟

( بحُصُولِهم في المرتبة الخَامِسة ؛ و هي النِيَابَة ، و ليس فوقها مرتبة ) [1] .

قال المَلِك عَبْد المَلِك : هذا جوابٌ حكيمٌ مِنَ التِرمذيّ الحَكِيم ، فما يقَوْل الشَارِح في شرح ما لمْ يكن واضح ؟

نهض الشَارِح مِنْ مَجْلِسه و أشرق على الحضور بشمس شِينِهِ ليبقى منه ” ارح “ بالشرح الواضح ..

قال الشارِح : أراد بالحُصُول الوُصُول ، و هم ضمير ، أراد به أهل الضمير ، في قُرْب المُتَجَلّي في كلّ ضمير ، و الـ ” في “ حرفُ جرٍ لكلّ العَسَاكِر مِنْ حَضْرة المَرَاتِب و هي الخامسة، وأراد بالخامسة حقيقة الـ ” ها “ ، ففي عِلْم المَرَاتِب هي الهاء الخامسة ، هذا مِنْ وَجْه ، وفي عِلْم الأسماء أراد اسمه تعالى المَلِك ، و هذا مِنْ وَجْه ، و في علوم الفاتِحَة أمّ الكِتَاب أراد الآية (( ملك يوم الدّين )) ، فاسمه تعالى الله هو الأوّل ثم اسمه تعالى الرَبّ  ” ربّ العالَمِين “ ، ثمّ الرحمن ثمّ الرحيم ثمّ المَلِك ” مَلِك يوم الدين “ [2] ، و هذا مِنْ وَجْه ، و في علوم النَفْس أراد القُدْسيّ ، فالأوّل الحيوانِيّ ثمّ الأرقى مِنْه العَقْلِيّ ثمّ الخياليّ ثمّ الفِكْريّ ثمّ القُدْسيّ و هو الخامس ، و هذا مِنْ وَجْهٍ أيضاً ، و في علم المَكْنُون الجَلَاليّ كانتْ المرتبة الخامسة هي مرتبة الغَيْب مِنْ لفظ الجلالة الله ، فالألف أوّل و الّلام ثمّ الّلام ثمّ الّلام بِفَكِّ التّشْدِيد ، فهذه أربعةٌ ثمّ الهَاء، هذا مِنْ وَجْهٍ آخر .

هذه هي المرتبة الخامسة في هذه العلوم الخمسة ، عِلْم الحَرْف و عِلْم الأسماء و عِلْم الفاتِحة و عِلْم النَفْس و عِلْم المَكْنُون الجَلَاليّ ، و ليس هذا كلّ شيء .

و أراد بقَوْله و هي النِيَابَة ، أيْ هي المرتبة الحِسْيّة الخامسة المَعْنَويّة النَائِبَة عن الحَقّ في عالم الخَلْق مِنْ عِلْم الخِلَافَة الإنسانيّة مِنْ اسم الله تعالى الخَليفَة ، و أبلغ ما يكون التّعريف عن هذه النيابة في المرتبة الخامسة ، هو الوقوف عند السماء الخامسة في المِعْرَاج الرُوحَانِي ، وقد نَزَلْتُ هذه المرتبة و عاينُتها في التاريخ الموافق لـ 15/12/1996 في شعبان /1417/ هـ في اليوم السادس مِنْه وهي سماء سيّدنا هارون عليه السلام ، وقد أفادني بفضل الله بعلومٍ كثيرةٍ مِنْهَا علم النِيَابَة ومنه أُنْفِقُ الآن و الحمد لله المَلِك ، فكلّ مَنْ كان كأنّه هو، فهو هو في عالم النِيَابَة كما كان سيّدنا هارون عليه السلام نائِبَاً عن الحَقّ في بني إسرائيل عند صعود موسى عليه السلام إلى الجبل ، و في أخذه عليه السلام بِلِحْيَة أخيه هارون عليه السلام دليل على حَقّيَة هذه النِيَابَة ، فلو أنّ الكَلِيم كان عند قومه لحظةَ الهَوَى و عبادةَ العِجْل بعيداً عن التوحيد لمَنَعَهم ، و لكنّه لمْ يكن و كان نائبه ، فأخذ بِلِحْيَته يحاسبه عمّا قصّر به في حَقّ نيابته عنه ، و لمّا ظهر له عليه السلام أنّ النائب تصرف بالحِكْمَة خَوْف وقوع الفُرْقَة و التمَزّق بين القَوْم ، لم يُعَقِّبْ على تلك الحِكْمَة ، فهي اجتهاد النائب بما تقتضيه حقيقة الحَال ، و كذا عندنا في الفِقْه في حَضْرة التّوكيل ، فالوَكيل كالأصيل يقع مِنَ الأوّل عَيْن ما يقع مِنَ الثاني ، و كلاهما في سريان الفعل سواء ، فيقع الفسخ مِنْ أحدهما كما يقع مِنْ الآخر ، و كذا العَقْد ، فالوَكيل هنا ما هو عَيْن الأصيل ، فكان كأنّه الأصيل فكان أصيل حَقّي .

و أراد بـ ” ليس “ النفي و بـ ” فوقها “ ما علاها مِنْ غير مَمَاسٍ ، و قصدَ بـ ” مرتبة “ حَصْر الكلام في عِلْم المَراتِب ، فليس فوق القُدْسيّ في العِلْم النَفْسي مرتبة ، و ليس فوق الهَاء في عِلْم المَكْنُون الجَلَالي مرتبة ، و بالتالي ليس فوق اسم الله تعالى المَلِك مرتبة في الحِيَازة ، فاسمه المَلِك هو قُطْب الحِيَازة في عِلْم الحِيَازة حصراً ، و هو يقَوْل الحَقّ و هو يهدي السبيل .

 


[1] انظر ختم الأولياء ص146 للحكيم التِرمذيّ المطبعة الكاثوليكية – بيروت . الجواب المستقيم ورقة 1/242.

[2] حسب نزولها في الترتيب القرآني في الفاتحة لا حسب ترتيبها الفيضي .

 


( من كتاب‏‏ نبوغ المجددية في تطوير الأذواق العرفانية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى