العَقلُ الكَونِيُّ – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

العَقلُ الكَونِيُّ

عندَما يَتعرَّفُ العَقلُ الوَاعِي، ويَبلغُ حَالةَ العِرفانِ، يُصبِحُ مِئةً بِالمائةِ مِنْ حَالةٍ مِنَ البَقاءِ في توَهجِ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ .

فَيَفقِدُ العَقلُ فَردِيتَه ويُصبِحُ عَقلاً كَونِيَّاً؛ يُصبحُ كُلِيَّ الحُضورِ، ويَكسبُ الوجُودَ الأبدِيَّ الصَّافِيَ .

في الوصولِ لا يَكونُ لِلعقلِ القُدرةَ على الاختِبارِ، فهوَ هنا لا يَكونُ عَقلاً مَوجوداً، بَل يُصبِحُ وُجُوداً .

تَسمِيةُ الوجُوداتِ المُقيَّدَةِ عَقلاً تَارةً وَرُوحاً تَارةً وقلباً تَارةً، تُحير العقلَ وتَحارُ بِه تلك الأذهان الضيقة وبِتَسميَتِه وبِتَسميةِ مَصدرِ صُدورِ تَوَهجِ الحَياةِ عَنه .

عندَما يَعودُ العقلُ بِالبقاءِ إلى فَلَكِ الحَياةِ النِّسبيةِ، يَستَرجِعُ الفَرديَّةَ مَرةً أُخرَى، وَلَكِنْ يَبدُو أنَّه يُحافظُ على البَعضِ مِنَ الحالةِ الوَاحِديَّةِ العَظِيمةِ وغَيرِ المُقيَّدَةِ، التِي يَحفظُها الشَّاهِدُ في الوَعيِ مِنْ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ، والتِي كانَ قَدِ اختَبرَها .

ومَعَ المُمارَسةِ يَستطِيعُ العقلُ أنْ يُحافظَ على المَزيدِ مِنْ ذلكَ الاختِبارِ في نَشاطِ الحياةِ اليَوميةِ، ويَقومُ بِالتفَاعُلِ مَعَ كُلِّ المُقيَّدَاتِ بِقانونِه المُتوَازِنِ، فَيكونُ بِذلكَ سَيِّدَاً على المُقيَّدَاتِ .

فَفِي حِينِ أنَّ المُقيَّدَاتِ تَخضَعُ لِلقوانِينِ الكَونيَّةِ فإنَّ هذَا الوعيَ المُتوَازِنَ يَخرِقُ هذِه القَوانِينَ، ويَتحَكَّمُ بِكُلِّ مَا تَحكُمُ عندَ الضَّرورَةِ، لِيُشكِّلَ بِذلكَ ظهُوراً خَاصَّاً تَفهَمُه المُقيَّدَاتُ على أنَّه ظهُورٌ مُباشَرٌ لِقُدرةِ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ، ويَعِيَهُ هوَ بِبقائِهِ بِكُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ على أنَّه نَائِباً وخَلِيفةً لِلكُنْهِ، وفي كِلَا الوَجهينِ لا نَجِدُ في الظاهِرِ إلَّا كُنْهَ الهُوِيَّةِ المُطلَقَ بِتَجلٍّ مَا، فإنَّه مَا ثَمَّ غَيرُ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ المُتوَهجِ حَياتِيَّاً .


( من كتاب الهوية للمفكر الإسلامي الشيخ د. هانيبال يوسف حرب ) .


 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى