الصلاة صلة بين العبد وربه – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

الصَّلاةُ صِلَةٌ بَينَ العَبدِ وَرَبِّهِ 

 

قَالَ حَبِيبِي مُحمَّدٌ عَليه كُلُّ الصَّلاةِ والتَّسلِيمِ وعَلى آلِ البَيتِ وصَحبِهِ أجمَعِينَ في الحديثِ الصَّحِيحِ : ” الصَّلاةُ صِلَةٌ بَينَ العَبدِ وَ رَبِّهِ “ ، بِمَاذَا نَتَّصِلُ ؟ .

 عَرَفنَا الوَصلَةَ بِالاسمِ المُتجلِّي الأعلَى لأنَّ الصَّلاةَ بِحَدِّ ذَاتِهــا تَسبِيحٌ وتَنزِيهٌ لِلاسمِ الأعلَى المُتجلِّي ، الاسمُ المُتجلِّي عَلَيَّ عَلى مَدَار السَّاعــةِ يُعطِينِي تَكوِينــاتٍ وأفعَــالَاً .

في لَحظَةٍ مَا أدخُلُ في الصَّلاةِ ، أمتَنِعُ عَنِ الأكلِ والشَّرابِ ، فأنَا أُطبِّقُ الرُّكنَ الإسلَاميَّ رُكنَ الصِّيامِ ، وَأُزكِّي مَالِيَ لأنَّه لَو عَمِلتُ بِهَذا الوَقتِ لَحصَّلتُ نُقُوداً فأنَا أتصَدَّقُ بِهَذا الوَقتِ وثَمنِه لِوجهِ اللهِ تَعَالى ، وبِنَفسِ الوَقتِ أنَا على وُضُوءٍ ، وبِنَفسِ الوَقتِ في حَالَةِ صِلةٍ مَعَ اللهِ ، وبِنَفسِ الوقتِ أحُجُّ إليهِ لأنَّ الحَجَّ لُغة ًهوَ القَصدُ ، فأنَا أقصِدُ التَّوجُه إلى الحَقِّ الإلَهيِّ ، فأنَا هُنا أتَوَجَّـه إلى اسمِيَ الأعلَى ، أقُومُ بِفِعلِ تَنزِيهٍ لِهذِه الذَّاتيَّة البَشريَّـة دَاخِلي فأُسبِّحُ الاسمَ ، وأتَوَاصلُ مَعَ الاسمِ المُتجلِّي الأعلَى لأطِلَّ وأنبَثِقَ مِنْ خِلالهِ إلى مُطارَحَة الوَصفِ الرُّبُوبِيِّ المُتجلِّي عَلَيَّ ، لذَلك نَحنُ في عَقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ نَقولُ أنَّنَا نَعبدُ الذَّاتَ المَوصُوفةَ بِالصِّفاتِ فقط  لاغَير ، ولا نَعبُدُ الأسماءُ ، لأنَّه مَمنُوعٌ لِلأسماءِ أنْ تَعبدَ بَعضَها البَعضَ ، فنَعبُدُ اللهَ الذَّاتَ المَوصُوفـةَ بِالصِّفـاتِ ، فإذا جَاء إنسَانٌ فَعبدَ الذَّاتَ بِدونِ الصِّفاتِ فهَذَا فَاسِقٌ، يُفَسَّقُ شَرعاً ، وإذا عَبَدَ الصِّفـاتِ بِغيرِ الذَّاتِ فَهذَا إنسَانٌ كَـافِـرٌ ، لأنَّ الصِّفـةَ لا تقُومُ بِنَفسِها ، وإنَّمَا تَحتَـاجُ إلى ذَاتٍ لِتَقومَ بِهَـا .

بِالنَّتيجَةِ الذَّاتُ الإلَهيَّةُ أحَدِيَّةٌ في أوصَافِها لايُوجَدُ شَيءٌ زَائدٌ عنهَا ومُنفَصلٌ ، ” وَصْفُها أحَدِيٌّ في ذَاتِها “ لِذلك المَنهَجُ الصَّحيحُ عِبَادةُ الذَّاتِ مَعَ الصِّفاتِ ، والأسماءُ عِبارةٌ عَنِ الحَضرَةِ البَرزَخِيَّةِ لِلوصُولِ ؛ أيْ عِبـارةٌ عَنْ مَسالِكَ ومَدارِجَ الوُصولِ إلى الحَقيقَـةِ الإلَهيَّـةِ لِلتَّحقُّقِ بِالحقِّ الأوَّلِ الذِي انبَثَقَ مِنه ذَواتُ المَخلُوقــاتِ العَــابدةِ .

فَلِذلك كُلُّ شيءٍ في الكونِ لَه وُجودٌ في الذِّهنِ ، لَه وُجودٌ في الكِتابةِ ، لَه وُجودٌ في اللَّفظِ ، لَه وُجودٌ في الخارجِ ، فَنَحنُ نَكتبُ شَمْسَاً لَها وُجودٌ في الخارجِ ونَرَاها ، أمَّا الوُجودُ الذَّاتي الإلَهيُّ فَليسَ لَه وُجودٌ إلاّ مِنْ حَضرَةِ الأسماءِ ، فَلا نَعلَمُ اللهَ إلاَّ مِنْ خلالِ الحَضرةِ الأسمَائيَّةِ ، فَكأنَّ اللهَ سُبحَانه وتَعَالى جَعلَ حَضرةَ الأسماءِ هِيَ بَابُه وبابُ عَبيدِه لِلوصُولِ إلى مَا في يَدهِ .

إذاً بَوابَةُ الوصُولِ هِيَ حَضرةُ الأسماءِ ، فَمَا عَرَجَ صَاحبُ مِعرَاجٍ إلاَّ مِنْ خلالِ اسمِهِ الذَّاتيِّ ، وبالتالي عَلِمنَــا أنّ :

لِكُلِّ اسمٍ مِعرَاجُــه ومَنهجُ وُصولِــه ، وسِكَّةُ ارتِقَــائِه وتَنَزُلاتِــه وفُهُومِـه وعُلُومِـه وأنوَارِه وأسرَارِه ودَقَائِقــِه ورَقَائِقِــه .. إلى آخِرِ أوصَافِـــه التِي لا تَنتَهِي .

 


( من كتاب علم الاسم المتجلي الأعلى للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى