حرف الصاد

الصلة مَعَ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ كيف تكون

موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

كَيفِيَّةُ الصلة مَعَ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ

إنَّ فِكرَةَ الوَصْلِ مَعَ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ بِحدِّ ذاتِها فِكرَةٌ مُدهِشةٌ، فَتَخَيَّلُوا مَاذا يُمكنُ لَنا أنْ نَجِدَ نحنُ المُتعَيِّناتُ في تِلكَ الحَقِيقةِ الوجُوديَّةِ المَحضَةِ .

وخُصوصاً أنَّ فيها سِرَّ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ، الذِي هوَ سِرُّ وجُودِنا كَمُتعيِّناتٍ عَنْ تَوَهجِهِ القُدرَويِّ .

في الحدِيثِ الشَّريفِ وُضوحٌ بِأنَّ الكَيفِيَّةَ هيَ بِالوَصْلِ وليسَ بِالاتِّصَالِ .

وقد صَرَّحَ أنَّ الصَّلاةَ صِلَةٌ بَينَ العَبدِ وَرَبِّهِ .

 والفَرقُ بَينَ الصِّلَةِ والاتِّصَالِ أنَّ الاتِّصَالَ لايكونُ إلَّا بَينَ مُستَقِلَّينِ واتِّصَالٌ بَينَهما، بَينمَا الوَصْلُ يكونُ في الحَقِيقةِ  الوَاحِدَةِ .

فأنتَ مَثلاً تَتَّصِلُ مَعَ إنسَانٍ آخرَ،  ولَكِنَّك لا تَتَّصِلُ مَعَ دِماغِكَ أو مَعِدَتك، بَل بَينَكَ وبَينَ مَعِدَتك وَصْلٌ وَاحدٌ هوَ رُوحُكَ .

لِذلكَ جاءَ الحَديثُ مُعبِّرَاً بِدِقَّةٍ عَنِ الحَقِيقةِ، وبِأنَّ كُنْهَ الهُوِيَّةِ المُطلَقَ هوَ السَّارِي في قَيُّومِيَّةِ الحَياةِ المُتعَيِّنَةِ على إيجَادِكَ، فعَلَاقتُك بِها على الوَصْلِ لا الاتِّصَالِ .

الصَّلَاةُ صِلَةٌ بَينَ المُتعَيِّنِ العَبدِ عَنِ التَّوَهجِ القُدرَويِّ لِحياةِ  كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ وبَينَ الوجُودِ المَحضِ الحَقِّ لِكُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ .

ولا يَظُنُّ أحدٌ أنِّي أقُولُ بِأنَّ العبدَ هوَ الرَّبُّ،  بَلِ الرَّبُّ رَبٌّ والعَبدُ عَبدٌ، ولا يَكونُ هناكَ خَلطٌ بَينَ الحَقائِقِ .

فليسَ العبدُ المُتعيِّنُ عَنِ التَّوَهجِ القُدرَويِّ هوَ كُنْهُ الهُوِيَّةِ المُطلَقُ، وليسَ كُنْهُ الهُوِيَّةِ المُطلَقُ إلَّا مُمِدُّ هذَا العبدِ بِتَوَهجِهِ الحَياتِيِّ القَيُّومِيِّ لِسرَيانِ مَعلُومَاتِهِ في ذاتِ المُتَعَيِّنِ فيُعَيِّنُه .

فالعبدُ في النِّسبيِّ العَدَمِيِّ تَعَقُّلاً، و كُنْهُ الهُوِيَّةِ المُطلَقُ في الحَقِيقةِ وجُوداً، و بِالصِّلَةِ تَشهدُ مَا بَينَ المُتَعيِّنِ بَينَ الكَثرَةِ والكُنْهِ الواحِدِ؛ أي تَشهَدُ الحَقِيقةَ على الحَقِّيَّةِ التِي هيَ عليها شُهودَ وَحدَةِ المَشهُودِ في كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ؛ وليسَ مَعَ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ .

فَالمُتَعيِّنُ هوَ وَجهُ الكَثرَةِ الظاهِرِ لِكُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ، وكُنْهُ الهُوِيَّةِ المُطلَقُ هوَ الوجهُ الوَاحِدُ البَاطنُ المُمِدُّ لِلمُتَعيِّنِ .

والصَّلاةُ وَجهُ الصِّلَةِ بَينَ الوَجهِ البَاطنِ والظاهِرِ .

وظهرَ الجَامِعُ لِوجُوهِهِ بِوجهِ جَمعِهِ لِحَقيقَتِهِ في كُلِّ رَقائِقِ وجُوهِهِ . إنَّه كُنْهُ الهُوِيَّةِ المُطلَقُ .

وعلى مَا تَقدَّمَ نَستطيعُ أنْ نقولَ إنَّ كُلَّ مَا هوَ ظاهِرٌعَنْ أحَدِيَّةِ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ إنَّمَا هوَ عَائدٌ إلى الهُوِيَّةِ على الحَقِيقةِ فَعَادَ الكُلُّ بُطوناً فيها، وَلَكِنْ بِمعرِفةٍ حَقِيقيةٍ بِهذِه الهُوِيَّةِ .


( من كتاب الهوية للمفكر الإسلامي الشيخ د. هانيبال يوسف حرب ) .


تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى