حرف التاءرسائل

رسالة تَكْوِيْنُ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا

- موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

رسالة تَكْوِيْنُ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا

بسم الله الرحمن الرحيم  

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

مَعَ بَدْءِ الْإدْرَاكِ الْفَعَّالِ مَعَ بَدْءِ الْحَيَاةِ وَبَعْدَ اسْتِمرَارِ هَذَا الْإدْرَاكِ الْفَعَّالِ يَنْشَأُ الْكَمُّ التَّرَاكُمِيُّ لِلْمُدْرَكَاتِ والْمَعلُومَاتِ الْمُدْرَكَةِ .

وَلَاشَكَّ أنَّ هَذَا التَّرَاكُمَ الْإدْرَاكِيَّ الْفَاعِلَ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ ازْديَادٍ مُسْتَمِرٍّ ، وَأنَّ خُصُوصِيَّةَ الْإدْرَاكِ فِي الرُّوحِ إنَّمَا تَخْضَعُ لِتَسَلْسُلِيَّةِ الْإدْرَاكِ ؛ بِمَعْنَى أنَّ هُنَاكَ مُدْرَكَاتٌ وُجِدَتْ قَبْلَ مُدْرَكَاتٍ وَباِلتَّالِي حَصَلَ فِي ذَاتِيَّةِ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ الْمُشَكِّلِ لِلْوَعْيِ الرُّوحِيِّ مَا يُسَمَّى بِالتَّرْتِيبِ الْإدْرَاكِيِّ ؛ وَهُوَ أنَّ كُلَّ مُدْرَكَاتِ الْوَعْيِ إنَّمَا هِيَ مُرَتَّبَةٌ حَسَبَ أسْبَقِيَّةِ وُجُودِهَا فَمَا أُدْرِكَ أوَّلَاً يَتَرَتَّبُ أوَّلَاً فِي الْوَعْيِ ، وَبِالتَّالِيْ نَحْنُ أمَامَ ذَكاءٍ رُوحِيٍّ مُرَتَّبِ الْمُدْرَكَاتِ وَلَيْسَ عَشْوَائِيَّاً .

وَلَا شَكَّ أنَّ الْحَيَاةَ كَمَا شَهِدْنَاهَا فِي الْكَوْنِ بِأسْرِهِ تَتَرَتَّبُ عَلَى حَسبِ التَّطَوُّرِ ، فَالْأجِنَّةُ تَبْدَأُ بِالْحَيَاةِ ؛ وَمُدْرَكَاتُهَا تَبْنِيْ وَعْيَ الْخَلِيَّةِ بَيْنَمَا يَأتِي التَّعَقُّلُ لِلْأشْيَاءِ بِمَرَاحِلَ مُتَأخِّرَةٍ جِدَّاً عَنْ مَرْحَلَةِ بِنَاءِ وَعْيِ الْخَلِيَّةِ .

وَمُلَاحَظٌ بِدِقَّةٍ فِي كُلِّ الْأحْيَاءِ أنَّ الْأكْثَرَ عُمْرَاً يَتَمَتَّعُ بِخَصَائِصَ إدْرَاكِيَّةٍ فَاعِلَةٍ أعْمَق إدْرَاكَاً ، لِذَلِكَ فَهِمْنَا تَمَامَاً أنَّ الْإدْرَاكَ الْفَاعِلَ لَيْسَ فَقَطْ مُتَسَلْسِلَاً وَمُتَرَتِّبَاً بِنِظَامِ السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ بَلْ أيْضَاً يُنَظِّمُ نَفْسَهُ حَسبَ إدْرَاكَاتِهِ .

فَمُدْرَكَاتُ الْحَشَرَاتِ لَا تَتَعَدَّى خَصَائِصَ رُوحِهَا ، وَمُدْرَكَاتُ ذَوَاتِ الْأرْبَعِ لَا تَتَعَدَّى خَصَائِصَ رُوحِهَا وَكَذَلِكَ الْكَائِنَاتُ الْمُفَكِّرَةُ وَالْعَاقِلَةُ فَإنَّ مُدْرَكَاتِهَا لَا تَتعَدَّى خَصَائِصَهَا الرُّوحِيَّةَ ، لِذَلِكَ قُلْنَا بِأنَّ هَذِهِ الْإدْرَاكَاتِ إنَّمَا تَتَسَلْسَلُ أوَّلَاً وَتَترَتَّبُ وَتَدْخُلُ فِي نِظَامٍ تَفْرِضُهُ خَصَائِصُ الرُّوحِ عَلَى حَيَاتِهَا الرُّوحِيَّةِ فَيَنْشَأُ مَا نُسَمِّيْهِ الْبَرْنَامَجُ الرُّوحِيُّ الْأعْلَى وَهُوَ مَجْمُوعَةُ الْمَعْلُومَاتِ الْمُدْرَكَةِ الَّتِيْ تَتَآلَفُ مَعَ بَعْضِهَا الْبَعْضِ لِتَحْقِيْقِ إدْرَاكٍ فَاعِلٍ مَا .

مِثَالٌ : التَّعَرُّفُ الْأوَّلُ عَلَى جَوْهَرِ الْبَيَاضِيَّةِ وَإدْرَاكِهِ وَأنَّهُ حَقِيْقَةُ كُلِّ أبْيَضٍ يُسَمَّى البرنامجُ الرُّوحيُّ الأعلَى فِي فَهْمِهِ لِلْبَيَاضِيَّةِ المَوْجُودَةِ في كلِّ بياضٍ ، كَذَلِكَ يَنْشَأُ فِي حَالَةِ جَوْهَرِ الَخضَارِيَّةِ وَكذَلِكَ فِي جَوْهَرِ السَّوَادِيَّةِ وَجَوْهَرِ التَّكْعِيْبِيَّةِ وَجَوْهَرِ الْكَوْكَبِيَّةِ وَهَكَذَا حَتَّى يَسْتَغْرِقَ جَوَاهِرَ كُلِّ الْبِيْئَةِ الْمُحِيْطَةِ بِالْكَائِنِ الْحَيِّ الدَّرَّاكِ الْفَعَّالِ .

فَفِيْ الْبَرْنَامَجِ الرُّوحِيِّ الْأعْلَى الْخَاصِّ بِإدْرَاكِ جَوْهَرِ الْبَيَاضِيَّةِ يَسْتَطِيْعُ الْوَعْيُ الرُّوحِيُّ لِلْكَائِنِ الْحَيِّ التَّعَرُّفَ عَلَى كُلِّ مَاهُوَ أبْيَضٌ فِي الْوُجُودِ الْكَوْنِيِّ ، فَالْوَعْيُ الرُّوحِيُّ هُنَا فِي الْمَرْحَلَةِ الْأوْلَى تَشَكَّلَ مِنْ إدْرَاكِهِ لِجَوْهَرِ الْبَيَاضِيَّةِ وَفِي الْمَرَاحِلِ التَّالِيَةِ بَاتَ يَمْلِكُ بَرْنَامَجَاً رُوحَيَّاً فِيْهِ مَعْلُومَاتُ جَوْهَرِ الْبَيَاضِيِّةِ كُلِّهَا الَّتِيْ يَحكُمُ مِنْ خِلَالِهَا .

إذَاً : حَدَثَ هُنَا تَطَوُّرٌ عَلَى مُسْتَوَى الْإدْرَاكِ الْفَعَّالِ فِي بُنْيَةِ الْإدْرَاكِ الْفَعَّالِ حَيْثُ تَعَرَّفَ الرُّوحُ أوَّلَاً عَلَى جَوْهَرِ الْبَيَاضِيَّةِ فِيْ كُلِّ أبْيَضٍ ثُمَّ تَرَتَّبَتْ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ لِتُشَكِّلَ الْبَرْنَامَجَ الرُّوحِيَّ الْأعْلَى الَّذِيْ يَحْكُمُ مِنْ خِلَالِهِ الْوَعْيَ الرُّوحِيَّ عَلَى كُلِّ مَاهُوَ أبْيَضٌ فِي الْوُجُودِ أنَّهُ مِنْ جَوْهَرِ الْبَيَاضِيَّةِ وَهَكَذَا فِي الْخَضَارِيَّةِ وَالصَّفَارِيَّةِ وَالسَّوَادِيَّةِ وَكُلِّ الْجَوَاهِرِ اللَّوْنِيَّةِ .

وَهَذِهِ الْبَرَامِجُ الرُّوحِيَّةُ سَمَّيتُها بِالْعُلْيَا لِأنَّهَا أعْلَى مُسْتَوَىً فِي الْإدْرَاكِ الْفَاعِلِ فِي الْكيَانِ الرُّوحِيِّ مِنْ حَيْثُ حَاكِمِيَّتِهَا التَّعْرِيْفِيَّةِ عَلَى كُلِّ مَادُونِهَا فِي الْوُجُودِ وَهِيَ مِنْ نِسْبَةٍ أُخْرَى يُمْكِنُ أنْ تُسَمَّى الْبَرَامِجُ الرُّوحِيَّةُ الْعُلْيَا الْأولَى لِأنَّهَا افْتِتَاحَاتُ الْإدْرَاكِ الْحَيَاتِيِّ فِي الْكَائِنِ الْحَيِّ فَهِيَ تَدْخُلُ تَحْتَ عُنْوَانِ الْفِطْرَةِ الَّتْي فَطَرَ اللهُ عَلَيْهَا الْخَلْقَ ، فَلِكُلِّ حَيَاةٍ خَلَقَهَا اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَرَامِجُهَا الْفِطْرَوِيَّةُ الْأوْلَى الَّتِيْ تَنْبَنِيْ عَلَيْهَا بِنَقَاءٍ إدْرَاكِيٍّ فَاعِلٍ نَقِيٍّ .

وَيَجْدُرُ بِالْإشَارَةِ هُنَا أنَّ هَذِهِ الْأمْثِلَةَ الَّتِيْ أذْكُرُهَا تَحْتَ هَذَا الْعُنْوَانِ لَيْسَتْ هِيَ فَقطْ مَا يُشَكِّلُ الْفِطْرَةَ بَلْ إنَّ كَلِمَةَ الْفِطْرَةِ كَلِمَةٌ وَاسِعَةٌ جِدَّاً فِي الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ تَعْنِي آلَافَاً وَرُبَّمَا مَلَايِيْنَ لَاتُحْصَى مِنَ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا الْأوْلَى الَّتِيْ تُصَاغُ مِنْهَا شَخْصِيَّةُ الْكَائِنِ الْحَيِّ الرُّوحِيَّةُ .

فَإنَّ تَحَرُّكَ السُّلَحُفَاةِ عِنْدَ فَقْسِهَا مِنَ الْبَيْضِ تَحْتَ رَمْلٍ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَبِاتِّجَاهِ الْمَاءِ حَصْرَاً فِي لَحْظَةِ التَّفْقِيْسِ الْأوَّلِ إنَّمَا هُوَ بَرْنَامَجٌ مُنَظَّمٌ فِي رُوحِ السُّلَحُفَاةِ وَمُوَجَّهٌ وَقَائِدٌ لِكُلِ كَيْنُونَتِهَا ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ كُلُّ الْبَرَامِجِ التَّنْظِيْمِيَّةِ لِعَمَلِ وَظَائِفِ الْكَائِنِ الْحَيِّ مُنْذُ لَحْظَةِ الْخَلْقِ مِثْلَ تَتَابُعِ الرِّئَتَيْنِ بَيْنَ شَهِيْقٍ وَزَفِيْرٍ ، نَبْضِ الْقَلْبِ بِوَتِيْرَةٍ وَنَسَقٍ مُذْهِلَيْنِ ، بَرَامِجِ الْإشْرَافِ عَلَى عَمَلِ الْغُدَدِ ، وَالنِّظَامِ الْمُعْجِزِ الْأعْظَمِ الَّذِيْ هُوَ نِظَامُ التَّغْذِيَةِ الَّذِيْ يَصِلُ إلَى الْخَلَايَا مِنْ وَرَاءِ أدَقِّ الشُّعَيْرَاتِ الدَّمَوِيَّةِ فِي الْكَائِنِ إلَى الْإدَارَةِ الْعَصَبِيَّةِ إلَى بَرَامِجِ الْإدْرَاكِ النَّفْسِيِّ لِلْمُحِيْطِ الْخَارِجِيِّ وَعَمَلِيَّاتِ بِنَاءِ الْعَلَاقَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ دَرَجَاتِ وَعْيِهَا مَعَ كَيْنُونَاتِ الْبِيْئَةِ الْمُحِيْطَةِ وَهَذِهِ الْبَرَامِجُ كُلُّهَا نُسَمِّيْهَا الْبَرَامِجَ الرُّوحِيَّةَ الْعُلْيَا الْأوْلَى ( الْفِطْرَوِيَّةَ ) .

وَهُنَاكَ أيْضَاً الْبَرَامِجُ الرُّوحِيَّةُ الْعُلْيَا الَّتِيْ تَبْنِيْهَا تِلْكَ الْبَرَامِجُ الرُّوحِيَّةُ الْعُلْيَا الْأوْلَى ( الْفِطْرَوِيَّةُ ) وَهِيَ بَرَامِجُ رُوحِيَّةٌ أكْثَرُ تَرَابُطَاً بِالْإدْرَاكِ وَالْفَاعِلِيَّةِ فَهِيَ لَيْسَتْ فَقَطْ نَاتِجَةً عَنْ إدْرَاكِ مُفْرَدٍ بِمُفْرَدٍ إدْرَاكِيٍّ فَاعِلٍ بَلْ هِيَ تَزِيْدُ عَلَى ذَلِكَ بِأنْ تَكُونَ مُدْرَكٌ إدْرَاكِيٌّ فَاعِلٌ بِمُدْرَكٍ إدْرَاكِيٍّ فَاعِلٍ وَاحِدٍ أوْ بَرْنَامَجٍ رُوحِيٍّ أعْلَى كَامِلٍ يُشَكِّلُ بِنَتِيْجَتِهِ مُدْرَكَاً ، فَهُنَاكَ مُدْرَكٌ وَاحِدٌ مَعَ بَرْنَامَجٍ رُوحِيٍّ وَهُنَاكَ بَرْنَامَجٌ رُوحِيٌّ أعْلَى أوَّلِيٌّ فِطْرَوِيٌّ مَعَ بَرْنَامَجٍ رُوحِيٍّ أعْلَى أوَّلِيٍّ فِطْرَوِيٍّ آخَرَ ، مِثْلَ إدْرَاكِ الْبُرْتُقَالَةِ فَإنَّ بَرْنَامَجَاً رُوحِيَّاً أعْلَى أوَّلِيَّاً ( فِطْرَوِيَّاً ) يُدْرِكُ الْبُرْتُقَالِيَّةَ الْلَّوْنِيَّةَ يَرْتَبِطُ مَعَ إدْرَاكِ بَرْنَامَجٍ رُوحِيٍّ آخرَ أعْلَى أوَّلِيٍّ فِطْرَوِيٍّ هُوَ بَرْنَامَجُ إدْرَاكِ الْحَامِضِيَّةِ ، وَتَكُونُ النَّتِيْجَةُ إدْرَاكَ مَعْلُومَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ الْلَّونُ الْبُرْتُقَالِيُّ الْحَامِضُ وَيَتَشَكَّلُ مِنْ هَذِهِ الْإدْرَاكَاتِ الْفَاعِلَةِ بَرْنَامَجٌ رُوحِيٌّ أعْلَى يُدْرِكُ كُلَّ الْمُدْرَكَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْبُرْتُقَالَةِ وَيَتَعَرَّفُ عَلَيْهَا فِي كُلِّ بُرْتُقَالَاتِ الْعَالَمِ بِبَرْنَامَجٍ رُوحِيٍّ وَاحِدٍ يَجْمَعُ الْبَرْنَامَجَ الْجُزْئِيَّ الَّذِيْ هُوَ الْبُرْتُقَالِيَّةُ وَ الْبَرْنَامَجَ الْجُزْئِيَّ الَّذِي هُوَ الْحَامِضِيَّةُ وَ الْبَرْنَامَجَ الْجُزْئِيَّ الَّذِي هُوَ الْكُرَوِيَّةُ وَ الْبَرْنَامَجَ الْجُزْئِيَّ الَّذِي هُوَ التَّحَزُّزِيَّةُ وَ الْبَرْنَامَجَ الْجُزْئِيَّ الَّذِي هُوَ اللُّبِّيَّةُ وَ الْبَرْنَامَجَ الْجُزْئِيَّ الَّذِي هُوَ الْقِشْرِيَّةُ وَ الْبَرْنَامَجَ الْجُزْئِيَّ الَّذِيْ هُوَ الْفَاكِهِيَّةُ.. إلَى آخِرِ مَا يُدْرِكُهُ الرُّوحُ فِي تِلْكَ الْفَاكِهَةِ الْمُسَمَّاةِ الْبُرْتُقَالَة .

كُلُّ مَا ذَكَرْتُهُ هُنَا فِي هَذِهِ السُّطُورِ مُهِمٌّ لَنَا نَحْنُ الْبَشَرُ وَلَكِنَّ الْأهَمَّ هُوَ تِلْكَ الْبَرَامِجُ الرُّوحِيَّةُ الْعُلْيَا الَّتِيْ تُصِيْغُ سُلُوكَنَا الْفَعَّالَّ ، هَذَا السُّلُوكُ الَّذِي يَنْبَنِيْ عَلَى قَوَانِيْنَ رُوحِيَّةٍ عُلْيَا نَاظِمَةٍ قَدْ أنْشَأتْهَا تَوَهُّجَاتُ الرُّوحِ الْحَيَاتِيَّةِ مِنْ إدْرَاكِهَا الْفَاعِلِ لِلْقِيَمِ وَالْأحَاسِيْسِ وَالْمُعْتَقَدَاتِ وَالْعَادَاتِ وَالتَّقَالِيْدِ وَالثَّقَافَةِ وَالْمَشَاعِرِ وَالْمَعْلُومَاتِ الْبِيْئِيَّةِ الْمُحِيْطَةِ وَالْمُدْرَكَاتِ الْفِطْرَوِيَّةِ وَكُلِّ مَا يَرِدُ إلَى الرُّوحِ مِنْ لَوَاقِطِهَا الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ .

وَفِي هَذِهِ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا يَكُونُ الْعَمَلُ عَلَى تَطْوِيْرِ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ وَإدَارَتِهِ وَتَنْظِيْمِهِ وفْقَ الْإرَادَةِ الْإنْسَانِيَّةِ لِتَشْكِيْلِ وَعْيٍ رُوحِيٍّ مُتَفَوَّقٍ يَمْنَحُ الْإنْسَانَ الظُّهُورَ الْأكْمَلَ بَيْنَ أقْرَانِهِ .

وَعَلَى مَاسَبَقَ نَجِدُ أنَّ الْحَاكِمِيَّةَ فِي الْحَيَاةِ الرُّوحِيَّةِ مُرْتَبِطَةٌ بِقُوَّةِ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ الْمُشَكِّلِ لِلْوَعْيِ الرُّوحِيِّ الْعَامِّ لِلْكَائِنِ .

وَهُنَا نُقْطَةٌ مِفْصَلِيَّةٌ فِي الْعَمَلِ عَلَى تَطْوِيْرِ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ وَصِيَاغَةِ وَعْيٍ رُوحِيٍّ أمْثَلَ ، فَالْبَرَامِجُ الرُّوحِيَّةُ الْعُلْيَا هِيَ الْمَسْؤُولَةُ عَنْ صِنَاعَةِ الْكَائِنِ وفْقَ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ الَّذِي كَوَّنَ الْوَعْيَ الرُّوحِيَّ الْعَامَّ لِلْكَائِنِ .

مِثَالٌ : الْوَعْيُ الرُّوحِيُّ الْعَامُّ لِلْكَائِنِ يُدْرِكُ حَاجَتَهُ لِتَعَقُّلِ وَارِدَاتِ الْحَوَاسِّ الْظَّاهِرةِ عِنْدَ الْإنْسَانِ فَيُصَنِّعُ لِلْعَقْلِ الْبَرَامِجَ الرُّوحِيَّةَ الْعُلْيَا الْمُنَاسِبَةَ الْحَاكِمَةَ وَالضَّابِطَةَ وَالْمُوَجِّهَةَ لِعَمَلِ الْعَقْلِ فَيُصَنِّعُ الْبَرْنَامَجَ الرُّوحِيَّ الأعْلَى الْمُسَمَّى بِبَرْنَامَجِ التَّحْلِيْلِ الْعَقْلِيِّ وَكَذَلِكَ يُصَنِّعُ بَرْنَامَجَاً آخَرَ يُسَمَّى بِبَرْنَامَجِ التَّرْكِيْبِ الْعَقْلِيِّ وَ يُصَنِّعُ بَرْنَامَجَاً ثَالِثَاً يَعْتَمْدُ عَلَى نَتَائِجِ الْبَرنَامَجَيْنِ التَّحْلِيْلِيِّ وَالتَّرْكِيْبِيِّ لِيُعْطِيَ نَتِيْجَةً تَرْجِيْحِيَّةً بَيْنَهُمَا وَيُسَمِّيْهِ بَرْنَامَجَ التَّرْجِيْحِ الْعَقْلِيِّ .

هَذِهِ الْبَرَامِجُ الثَّلَاثَةُ تَقُودُ مَايُسَمَّى الْعَقْلُ وَكُلَّمَا تَوَجَّهَتْ إرَادَةُ الْإنْسَانِ لِتُحَرِّكَ الْعَقْلَ إلَى شَيْئٍ مَا مِنْ مُحِيْطِهَا لِيَعْقِلَهُ فَإنَّهَا تُوَجِّهُ هَذِهِ الْبَرَامِجَ الرُّوحِيَّةَ الثَّلَاثَةَ ( التَّحْلِيْلُ وَالتَّرْكِيْبُ وَالتَّرْجِيْحُ ) فَتُمَارِسُ هَذِهِ الْإدْرَاكَاتِ الْفَاعَلَةِ لِهَذِهِ الْبَرَامِجِ الثَّلَاثَةِ فَإذَا بِنَا نَصِلُ إلَى خُلَاصَةٍ عَقْلِيَّةٍ ، هَذِه الْخُلَاصَةُ الْعَقْلِيَّةُ نُسَمِّيْهَا الذَّكَاءَ الْعَقْلِيَّ فَهُوَ حَرَكَةُ هَذِهِ الْبَرَامِجِ الثَّلَاثَةِ فِي مُسْتَوَى الْعَقْلِ وَمَا دُونَهُ وَهَذِهِ الْبَرَامِجُ الثَّلَاثَةُ هِيَ مِمَّا فَوْقَ مُسْتَوَى الْعَقْلِ نُسَمِّيْهَا بِمُجْمَلِهَا الذَّكَاءَ الرُّوحِيَّ الْعَقْلِيَّ وَهي الَّتِيْ تُشَكِّلُ مَا نُسَمِّيْهِ الْوَعْيَ الرُّوحِيَّ الْعَقْلِيَّ .

وَالْجَدِيْرُ بِالذِّكْرِ هُنَا أنَّنَا كُلَّمَا طَوَّرْنَا الْبَرَامِجَ الرُّوحِيَّةَ الْعُلْيَا الثَّلَاثَةَ ( التَّحْلِيْلُ وَالتَّرْكِيْبُ وَالتَّرْجِيْحُ ) كُلَّمَا زَادَ الذَّكَاءُ الرُّوحِيُّ الْعَقْلِيُّ وَبِالتَّالِيْ نَضَجَ الْوَعْيُ الرُّوحِيُّ الْعَقْلِيُّ مِمَّا يُؤَثِّرُ إيْجَابَاً عَلَى حَرَكَةِ الْعَقْلِ فِي صِيَاغَةِ ذَكَائِهِ الْعَقْلِيِّ الْمُتَحَرِّكِ فِي إدْرَاكِ الْأشْيَاءِ دُونَهُ .

تَطْوِيْرُ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا الْخَاصَّةِ بِالذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ الْعَقْلِيِّ :

وَلِيَكُنْ عَلَى سَبِيْلِ الْمِثَالِ بَرْنَامَجُ التَّحْلِيْلِ مِنْهَا : فَكُلُّ الْقَوَاعِدِ الَّتِيْ يَتَلَقّاهَا الْعَقْلُ مِنْ خِلَالِ تَعَلُّمِهِ لِلرِّيَاضِيَّاتِ فِي تَحْلِيْلِ الْأعْدَادِ الطَّبِيْعِيَّةِ وَالْكَسْرِيَّةِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ إنَّمَا تَصُبُّ فِي بَابِ تَطْوِيْرِ الذَّكَاءِ الْعَقْلِيِّ وَلَا تُطَوِّرُ الْبَرْنَامَجَ الرُّوحِيَّ الْأعْلَى الْخَاصَّ بِالتَّحْلِيْلِ وَذَلِكَ لِأنَّهَا خَاضِعَةٌ فِي أصْلِ تَلَقُّنِهَا لِسَطْوَةِ الْبَرْنَامَجِ الرُّوحِيِّ الْأعْلَى الَّذِي هُوَ بَرِنَامَجُ التَّحْلِيْلِ ، فَالْبَرْنَامَجُ الرُّوحِيُّ الْأعْلَى الْمَسَمَّى ( تَحْلِيْلٌ ) هُوَ الَّذِيْ يُعَالِجُ الْبَيَانَاتِ الرِّيَاضِيَّةِ بِالتَّحْلِيْلِ عَلَى مُسْتَوَى الْعَقْلِ فَهِيَ لَا تَصْلُحُ أنْ تُصْبِحَ جُزْءَاً مِنَ الْبَرْنَامَجِ الرُّوحِيِّ فَهِيَ مَادَّةٌ عَقْلِيَّةٌ وَلَيْسَتْ مَادَّةً رُوحِيَّةً أيْ أنَّهَا بَيَانَاتُ عِلْمٍ خَاصَّةٌ بِالذَّكَاءِ الْعَقْلِيِّ وَلَيْسَتْ مَادَّةَ حَيَاةٍ دَرَّاكَةٍ فَعَّالَةٍ .

إذَاً لِتَطْوِيْرِ الْبَرْنَامَجِ الرُّوحِيِّ الْأعْلَى الْمُسَمَّى بَرِنَامَجَ التَّحْلِيْلِ وَالَّذِيْ يَقُودُ الْعَقْلَ وَعَمَلِيَّاتِ الذَّكَاءِ الْعَقْلِيِّ فِي تَحْلِيْلِ كُلِّ مَا حَوْلَهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْوَعْيِ الرُّوحِيِّ الْأعْلَى لَا بِالْوَعْيِ الْعَقْلِيِّ ، وَبِمَعْنَىً آخَرَ فَإنَّ تَطْوِيْرَ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِآلِيَّاتٍ رُوحِيَّةٍ تُسَيْطِرُ عَلَى الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ وَتُهَيْمِنُ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ تَطْوِيْرُهُ بِالْمَعْلُومَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِيْ يَبْنِيْهَا الذَّكَاءُ الْعَقْلِيُّ .

وَعِنْدَ دِرَاسَتِيْ لِهَذِهِ الْحَقِيْقَةِ وَجَدْتُ أنَّ الْبَرَامِجَ الرُّوحِيَّةَ الْعُلْيَا فِي عَالَمِ الرُّوحِ إنَّمَا تَنْفَعِلُ حَصْرَاً لِكُلِّ مَاهُوَ مُدْرِكٌ رُوحِيٌّ فَعَّالٌ وَهِيَ فِي عَالَمِنَا تَتَمَثَّلُ بِالْأسْمَاءِ الْإلَهِيَّةِ وَالْآيَاتِ وَالنُّصُوصِ الْعَزَائِمِيَّةِ ذَاتِ التَّحَكُّمِ الرُّوحِيِّ .

وَعِنْدَ التَّمَعُّنِ الدَّقِيْقِ فِي هَذَا الْأمْرِ نَجِدُ عَامِلَاً مُشْتَرَكَاً بَيْنَ كُلِّ تِلْكَ الَحَاكِمِيَّاتِ الرُّوحِيَّةِ وَهُوَ عَالَمُ الْحُرُوفِ الَّذِي تَتَرَكَّبُ مِنْهُ كُلُّ النُّصُوصِ بِمَا فِيْهَا تَرَاكِيْبُ وَتَرَاتِيْبُ الْأسْمَاءِ الْإلَهِيَّةِ عَلَى اخْتِلَافِهَا فِيْ كُلِّ الْأدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ .

إذَاً نَسْتَطِيْعُ الْقَوْلَ أنَّ الْحُرُوفَ هِيَ الْحَاكِمُ الْأبْسَطُ مِنْ بَيْنَ الْحُكَّامِ الَّتِيْ تَحْكُمُ عَالَمَ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ ، فَالْحُرُوفُ هِيَ الْبَسَائِطُ الْأوَّلِيَّةُ الَّتِيْ تُصَاغُ مِنْهَا الْبَرَامِجُ الرُّوحِيَّةُ الْحَاكِمَةُ بَلِ الْمُشَكِّلةُ لِلْوَعْيِ الرُّوحِيِّ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ .

وَفِي التَّجْرِبَةِ الدَّقِيْقَةِ الَّتِي لَمْ تَتَخَلَّفْ وَجَدْنَا أنَّ مَنْ يَذْكُر أسْمَاءً إلَهِيَّةً مُعَيَّنَةً يُفَعِّل فِي حَيَاتِهِ الرُّوحِيَّةِ الْبَرَامِجَ الرُّوحِيَّةَ الْعُلْيَا  مَهْمَا تَكُنْ .

فَكَمَا أنَّ مُدَاوَمَةَ الذِّكْرِ عَلَى اسْمِ اللهِ الصَّبُورِ تُقَوِّي الْبَرَامِجَ الرُّوحِيَّةَ الْعُلْيَا الْخَاصَّةَ بِالصَّبْرِ فَيُصْبِحُ الْإنْسَانُ أكْثَرَ صَبْرَاً ؛ كَذَلِكَ هُنَاكَ مَا يُقَوِّي الْإدْرَاكَ وَالْفَاعِلِيَّةَ مِنَ الْأسْمَاءِ وَمَا يُقَوِّي الْوَعْيَ وَمَايُقَوِّي الْفَهْمَ وَمَا يُقَوِّي التَّحْلِيْلَ وَالتَّرْكِيْبَ وَالتَّرْجِيْحَ فِي كُلِّ مُسْتَوَيَاتِ الْمُمَارَسَةِ وَقَدْ أجْرَيْتُ تَجْرِبَتِيْ الْأولَى فِي العَقْدِ الْأوَّلِ مِنَ الْقَرْنِ الَحَالِيِّ عَلَى طُلَّابِ الْمَدْرَسَةِ الْابْتِدَائِيَّةِ الَّتِي كَانَ فِيْهَا ابْنِي فَقَدْ عَمَدْتُ إلَى تَعْلِيْمِ الطُّلَّابِ أنْ يَذْكُرُوا الْأسْمَاءَ الْخَاصَّةَ بِتَنْمِيَةِ الْبَرْنَامَجِ الرُّوحِيِّ الْأعْلَى لِلْإدْرَاكِ فَإذَا بِالنَّتَائِجِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ السَّنَةِ تَكُونُ مُذْهِلَةً فِي تَقَدُّمِ الطُّلَّابِ بِنِسْبَةِ 09 % عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْفَصْلِ الدِّرَاسِيّ الْأوَّلِ مِمَّا دَفَعَنْي لِفَتْحِ تَجْرِبَةٍ جَدِيْدَةٍ فِي الَعَامِ الَّذِي يَلِيْهِ مُنْذُ بِدَايَةِ الْعَامِ مَعَ كُلِّ الْأهَالِيْ مِنْ حَوْلِي وَالَّذِيْنَ لَهُمْ أبْنَاءٌ فِي الْمَدَارِسِ مِنَ الْجِيْرَانِ إلَى الْأقَارِبِ إلَى الْمَعَارِفِ إلَى الْأصْدِقَاءِ حَيْثُ كُنْتُ أصِفُ لَهُمْ لِزِيَادَةِ الْإدْرَاكِ عِنْدَ أبْنَائِهِمْ لِمَزِيْدٍ مِنَ التَّحْصِيْلِ الْعِلْمِيِّ ذَاكَ الْاسْمَ الْإلَهِيَّ .

وَكَانَتِ النَّتَائِجُ مُذْهِلَةً فِي زِيَادَةِ الْإدْرَاكَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِالذَّكَاءِ الْعَقْلِيِّ وَتَنْمِيَةِ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا ( التَّحْلِيْلُ وَالتَّرْكِيْبُ وَالتَّرْجِيْحُ ) مِمَّا انْعَكَسَ عَلَى تَفَوُّقِ الطُّلَّابِ وَفَتَحَ الْمَزِيْدَ مِنَ التَّجَارِبِ عَلَى الْأسْمَاءِ الْخَاصَّةِ بِالْوَعْيِ وَالْفَهْمِ وَالتَّعَلُّمِ فِيْمَا بَعْد .

وَهَكَذَا بَدَأتُ بِإقَامَةِ دَوْرَاتٍ تَدْرِيْبِيَّةٍ أدَرِّسُ فِيْهَا الْبَرَامِجَ الرُّوحِيَّةَ الْعُلْيَا الْخَاصَّةَ بِالتَّعَلُّمِ وَالْإدْرَاكِ لِتَطْوِيْرِ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ عِنْدَ طُلَّابِ الْمَدَارِسِ الَّذِيْنَ اسْتَفَادُوا مِنْ هَذَا الْعِلْمِ حَيْثُ لَمْ أكُنْ أدَرّسهُمْ أصُولَ وَقَوَاعِدَ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ وَلَا أيَّ شَيْءٍ مِنْ عِلْمِ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ بَلْ كُنْتُ ألَقِّنُهُمْ فَقَطِ الْأسْمَاءَ الْحَاكِمَةَ عَلَى الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا وَأشْرَحُ لَهُمْ أدِلَّةَ عَمَلِهَا وَأدِلَّةَ وُجُودِهَا النَّقْلِيِّ فِي الْقُرْءَانِ الْكَرِيْمِ وَالسُّنَّةِ الشَّرِيْفَةِ مَعَ عَرْضِ نَتَائِجَ مَنْ سَبَقُوهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ وَمَا ذَلِكَ إلَّا مُرَاعَاةً لِأعْمَارِهِمْ وَمُسْتَوَيَاتِ تَعْلِيْمِهِمْ وَكُنْتُ أسَمِّيْهَا دَوْرَاتِ التَّفَوُّقِ الدِّرَاسِيِّ حَتَّى بَاتَتْ تِلْكَ الدَّوْرَاتُ تُطْلَبُ مَعَ بِدَايَةِ كُلِّ عَامٍ دِرَاسِيٍّ فِي بَعْضِ الْمَعَاهِدِ الَّتِي تَفَطَّنَتْ لِهَذِهِ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا .

وَهُنَا كَانَتِ الْمَرْحَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي نَقْلِ تِلْكَ التِّقَنِيَّاتِ الرُّوحِيَّةِ إلَى مَرْحَلِةِ تَعْلِيْمِ الْكِبَارِ حَيْثُ دَرَسْتُ بِالتَّجْرِبَةِ الْعَمَلِيَّةِ مَدَى مُؤَثِّرِيَّةِ التَّرَاكِيْبِ وَالتَّرَاتِيبِ الْحَرْفِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِالْأسْمَاءِ الْإلَهِيَّةِ فِي تَطْوِيْرِ أنْوَاعِ الذَّكَاءَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا عِنْدَ الْإنْسَانِ فَكَتَبْتُ حِيْنَئِذٍ رِسَالَةً أسْمَيْتُهَا ( رِسَالَةَ فَتْحِ طَاقَاتِ التَّعَلُّمِ ) وَبِتُّ أصِفُهَا كَوَصْفَةِ الدَّوَاءِ لِكُلِّ مَنْ يَرْغَبُ بِتَلَقِّي الْعِلْمِ عَلَى يَدَيَّ ، فَإنَّ ثَمَّةَ بَرْنَامَجَاً رُوحِيَّاً أعْلَى خَاصَّاً بِاسْمِهِ الرَّحْمَنِ يُعْطِي الْمُتَلَقِّيَ لِلْعِلْمِ خَصَائِصَ مُعَيَّنَةً لَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيْلُهَا بِغَيْرِ هَذَا الْبَرْنَامَجِ وَهَكَذَا مَنَحَنِي الرَّبُّ تَعَالَى الْفُرْصَةَ لِتَدْوِيْنِ تِلْكَ الْحَقَائِقِ وَاخْتِبَارِ تِلْكَ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا وَرَصْدِ النَّتَائِجِ وَمِنْ ثَمَّ تَنْظِيْمِهَا فِي دَوْرَاتٍ تَدْرِيْبِيَّةٍ ألَقِّنُهَا لِطُلَّابِ الْعِلْمِ .

وَهَكَذَا كَانَتْ وِلَادَةُ عِلْمٍ جَدِيْدٍ فِي هَذَا الْعَالَمِ هُوَ مِنَ الْعُلُومِ الْفَرْعِيَّةِ لِعِلْمِ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ سَمَّيْتُهُ ( عِلْمُ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا ) .


( نقلاً عن كتاب علم الذكاء الروحي للمفكر الإسلامي الشيخ د. هانيبال يوسف حرب ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى