الوجه الخاص لا يكون إلا من اسم خاص – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

الوَجْـهُ الخَـاصُّ لَا يَكُونُ إلَّا مِنَ اسمٍ خَـاصٍّ

ويُمكِنُ أنْ يَخْتَلِطَ على العَبدِ مِنْ أيْ الحَضَرَاتِ وُجِدَ ، لأنَّـه كَمَا قَالَ عَليٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجهَهُ : ( وتَحسَبُ أنَّـكَ جِرمٌ صَغِيرٌ، وفِيك انطَوَى العَـالَمُ الأكبَـرُ ) ، وهَذا مِنْ أصعَبِ مَدَارِجِ هَذَا العِلمِ لأنَّه وفِيك انطَوَى العَالَمُ الأكبَرُ يَجِدُ الإنسانُ كُلَّ تَجَليَاتِ اللهِ ، يَنظُرُ إلى بَصرَه يَجِدُ تَجلِّي البَصِيرِ ، يَنظُرُ إلى سَمْعِه يَجِدُ تَجلِّي السَّمِيع ، يَنظُرُ إلى حَالَةِ الجِمَاعِ يَرَى التَّكوِينَ كَما يُكوِّنُ اللهُ مِنَ الاسمِ الأكوَانَ يَرَى كَيف يُكَوِّنُ اللهُ مِنه مِنْ جِهازِه التَّنَاسلِي ، مِنْ عَوَاطفِه ومَشَاعرِه ، مِنْ نِطَافه كَيفَ يُكَوِّنُ مَخلُوقَاً آخَرَ له كُلُّ الأبعَادِ له كُلُّ الأسمَاءِ أثنَاءَ الدَّفْقِ الخَارجِ ( الإمْنَاءِ ) . المَنَوِيَّاتُ عِبارةٌ عَن نِطَافٍ صَغِيرةٍ جِداً جِداً ، لَاتُرَى بِالعَينِ المُجرَّدةِ تَحمِلُ كُلَّ جِينَاتِ الكَائِنِ ، وكُلُّ جِينَةٍ مِنْ جِينَاتِ الكَائِن لَها الاسمُ الخَـاصُّ المُتجلِّي عَليهـا والذِي يُفَعِّلُهَا وَفِيكَ انطَوَى العَـالَمُ الأكبَرُ ، وعَلَّمَ آدَمَ الأسمَـاءَ كُلَّها . كَيف تَكونُ هَذه الأبعَـادُ ؟

مِنْ اسمِ وَالِدِي خَرَجتْ العَائلةُ كُلُّها، مِنْ اسمِي خَرَجتْ عَائِلتِي ، أولَادِي وَأولَادُ أَوْلَادِي ، هَذا مِثَالٌ تَحقِيقِيٌّ بَسيطٌ مُمكنٌ مِنْ خِلالِه إذا عَرَفتُ نَفسِيَ أعرِفُ أنَّه يُمكِنُ أنْ يَظهَرَ مِنَ الاسمِ أسمَاءٌ .

فإذا عَرَفتُ نَفسِيَ كَذَاتٍ عَرَفتُ الاسمَ المُشرِفَ عَلَيَّ مِنَ الأسمـاءِ ، والصُّعُوبـَة هُنا أنَّه مُتجلِّيَةٌ عَليكَ كُلُّ الأسماءِ الحُسنَى ، فَالصُّعُوبـةُ تَكْمُنُ أنْ تَعرِفَ كُلَّ هَذهِ الأسمـاءِ تَحتَ أيِّ اسمٍ خَـاصٍّ تَنْدَرِجُ ، فَالوَجـهُ الخَـاصُّ لَا يَكونُ إلَّا مِنَ اسمٍ خَــاصٍّ .

تَسَاؤلٌ : لِنَفترِضْ أنَّ الاسمَ الخَاصَّ كَانَ اسمَ اللهِ الشَّكُورِ ، أمْ هُوَ اسمُ اللهِ الشَّكورِ ، ويَندَرِجُ تَحتَـه عَددٌ مِنَ الأسمـاءِ الشَّكورِ الوَدُودِ ، الشَّكورِ العَلِيمِ ..

هُنَاك وَجـهٌ خَـاصٌّ ، وهُو حَضرَةُ الاسمِ الذَّاتِيِّ المُفرَدِ ، لَا يُوجَدُ سِوَى اسمٍ واحِدٍ يَتجلَّى عَليك ، وتَندَرِجُ كُلُّ أنوَارِ الأسماءِ الثَّانِيةِ تَحتَ سُلطَانِـه .

مثالٌ: لِنَفرِضْ أنَّ المُتجلِّيَ عَليك اسمُ اللهِ العَزيزِ فَكُلُّ الأسماءِ الحُسنَى في ذَاتِك تَندَرِجُ تَحتَ سُلطَانِ اسمِ اللهِ العَزيزِ ، فَفِي شَخصِيتك تَتَحَرك كُلُّ الأسماءِ الحُسنَى بِإدارَةِ الاسمِ المُتجلِّي عَليكَ اسمِ اللهِ العَزيزِ .

وآخَرُ مَثلاً مُتجلٍّ عَليه اسمُ اللهِ الوَدودِ فَكُلُّ الأسمـاءِ الحُسنَى إنَّمَا تَأتَمِر في ذَاتِه مِنَ اسمِ اللهِ الوَدودِ المُتجلِّي عليه .

عِندكَ البَصيرُ وعِندِيَ البَصيرُ لَكنَّ البَصيرَ عِندِيَ خَاضِعٌ لِاسمٍ آخرَ يُدِيره مِنَ الأسماءِ الذَّاتيَّةِ ، اسمٌ غيرُ الاسمِ الذِي يُديرُ اسمَ اللهِ البَصيرِ عِندَك ؛ تَختَلفُ الأوجُهُ ؛ ومِنْ هُنا يَأتي التَّنَوُّع ، وعِندَما نَفهَم هَذه الحَقيقةِ نَجِدُ أنَّ هَذا التَّنَوُّعَ مُطلَقٌ غيرُ مَحدُودٍ لَانِهايَة لَه لَمَّا كَانت الأسماءُ لَانِهايةَ لَها ، لِذلِك خَرَجنا فَوقَ قَانونِ الاحتِمَالَاتِ لَمْ يعُد هُناك احتِمَالاتٌ بَل وُجُودٌ مَحضٌ فَقط، عِندما نَتجَاوزُ قَانُونَ الاحتِمالاتِ نُصبِحُ في الإطلَاقِ ، ولَيس يَبقَى سِوَى مَحضُ الوجـودِ .

سِرٌّ آخَـرُ يَقـولُ أنَّ الإنسانَ يُسمَّى بِعـدَّة أسمَـاءٍ :

هَذا الكَلامُ نَقُوله حتَّى نَستَطيعَ الوصُولَ إلى الاسمِ الذَّاتيِّ المُتجلِّي عَلينا ، الإنسَانُ فِيه كُلُّ الأسمَاءِ، فَتَظهرُ عليه كُلُّ الحَضَراتِ، ومِنْ جُملَةِ مَا يظهرُ عَليه ومِنَ المُمْكِن أنْ يَضِيع فِيه هُو وُجـودُ الأسمَـاءِ الصِّفَاتيَّـةِ .

 


( من كتاب علم الاسم المتجلي الأعلى للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى