تفسيرُ البسملةِ بنورِ اللهِ تعالى في عِلمِ الأسماءِ – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

تفسيرُ البسملةِ بنورِ اللهِ تعالى في عِلمِ الأسماءِ

نتكلَّمُ عن بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ في فاتحةِ الكتابِ ، أي بفاتحةِ الفاتحةِ ؛ و قد قُلنا سابقاً أنَّ بها علومَاً كثيرةً جداً جداً جداً و أنَّ العُلماءَ لم يَستخرِجوا منها إلا العلومَ القليلةَ القليلةَ القليلةَ النادرةَ و التي نَراها اليومَ في المكتباتِ الدينيَّةِ والإسلاميَّةِ .

ولكنْ في الحقيقةِ فإنَّ مكنوناتِ البسملةِ كثيرةٌ جداً جداً و عميقةٌ و قد أكرَمَنا اللهُ سبحانهُ و تعالى بالتفسيرِ النورانيِّ القُدرويِّ الطاقيِّ للقرءَانِ الكريمِ بأن نفهمَ الكثيرَ من هذه العلومِ .

فتعالَوا نعِي مكنونَاً من بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ من كلمةِ ( بِسمِ ) .

أي من أوَّلِ كلمةٍ في القرءَانِ الكريمِ ( بسمِ ) .. من ( بسمِ اللهِ ) .

الاسمُ ؛ ما هوَ الاسمُ ؟

طبعاً الاسمُ لهُ تعريفٌ خاصٌّ عندَ العلماءِ ، فعندما أقولُ : 

بسمِ اللهِ ماذا أعنِي بكلمةِ بسمِ اللهِ ؟

الاسمُ : هو عبارةٌ عن الذاتِ مع الصِّفةِ الخاصَّةِ بها .

و في التسمياتِ الإلهيَّةِ أي في أسماءِ اللهِ سبحانهُ و تعالى : هو عبارةٌ عن الذاتِ معَ صفةٍ مَا .

الاسمُ يُعبِّرُ عن الذَّاتِ الإلهيَّةِ معَ صفةٍ مَا من أوصافِ هذهِ الذاتِ الإلهيَّةِ .

إذاً : عندما أقولُ اسمَ اللهِ الرَّحمنِ أو أذكرُ الاسمَ الرحيمَ ؛ فما معنى الرحيمِ في تِلاوتي ؟ و مَا معنى الرَّحمنِ في قولي ؟

هنا أنا أشيرُ و أدلُّ على وجودِ ذاتٍ موصوفةٍ بأنها رحمانيةٌ ؛ وهذا اسمُ اللهِ الرَّحمنِ . وعندما أقولُ الرحيمَ فإني أدلُّ على اسمِ ذاتٍ موجودةٍ واجبةِ الوُجودِ و موصوفةٍ بأنها رحيمةٌ ، الرَّحمنُ وصفٌ ؛ و الرحيمُ وصفٌ و هذا بالنسبةِ للعامَّةِ من الناسِ .

و لكنْ عندَ أهلِ العِلمِ و عندَ أهلِ الدِّرايةِ عندما أقولُ  : ( الرَّحمنَ ) و عندما أقولُ ( الرحيمَ ) لا يعني فقط الصِّفةُ و إنَّما يدلُّ على صِفةٍ و من ورائِها وجودٌ ذاتيٌّ لهذهِ الذاتِ المَوصوفةِ بهذهِ الصِّفةِ .

إذاً : عندما تقولُ : ( الرحيمَ ) فأنتَ تذكرُ الذاتَ الإلهيَّةَ المَحضةَ ، الذاتَ الإلهيَّةَ الخصوصيَّةَ ، الذاتَ الإلهيَّةَ الموجودةَ ، و لكن بتوجُّهٍ إلى صفةٍ مَا تتصفُ بها هذهِ الذاتُ ، لأنهُ في عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ نؤكِّدُ على ضرورةِ الاعتقادِ بذاتِ اللهِ تعالى الموصوفةِ بالصفاتِ .

الاعتقادُ بالذاتِ والصِّفاتِ معاً :

يأتي شخصٌ و يقولُ : أنا أعرِفُ صفاتِ اللهِ ولا أعرِفُ ذاتَهُ فأنا أنكِرُ الذاتَ .. نقولُ لهُ و العياذُ باللهِ تعالى : أنتَ خرجتَ عن المِلَّةِ وهذا كُفرٌ ؛ فأن تَعترفَ بصفاتٍ فقط فهذا كُفرٌ عندَ أهلِ العقائدِ .. عندَ أهلِ العقيدةِ السُّنيَّةِ .. عندنا نحنُ أهلُ السُّنَّةِ و الجماعةِ .

و لا تستغربُوا فعندنا أناسٌ يعبدون الصفاتِ دون الذاتِ أي هناك أناسٌ تقولُ أنا أعبدُ الرحيمَ ولا أعرِفُ ذاتَهُ فيكفيني أنْ أعرِفَ أنَّهُ رحيمٌ وانتهى ، يلغي الذاتَ الموصوفةَ .. أي يعبدُ الصفةَ فقط !! .

تماماً كشخصٍ بفِكرِهِالأعوجِ يُحبُّني و يقولُ عنِّي أنَّني أشقرٌ وعيناي زرقاوتين فهو يُحبُّ عيناي ولا يُحبُّني لِذَاتي ؛ يُحبُّ لونَ شعري فقط و أنا بِكُلِّيَّتِي غيرُ محبوبٍ لهُ فلا يُحبِّنُي أبداً ؛ ليسَ فقط لا يُحبُّنِي بل لا يعترفُ بِوُجودي أصلاً ؛ يقولُ لي : أنا أرى عيونَاً زرقاءَ و شعراً أشقرَ و بشرةً بيضاءَ و كَفى .. أنا أتعاملُ مع أوصافِكَ فقط .

أمَّا ذاتِي ، وحقيقتِي ، و سِرِّي ، و مكنوناتِي ، باطنِي ، مشاعِري ، أحاسيسي .. هذا كلُّهُ بالنسبةِ لهُ غيرُ موجودٍ لأنَّهُ يُنكرُ الذاتَ .

لذلكَ فهؤلاءِ الناسُ الذينَ قالَوا فقط بالصِّفَاتِ الإلهيَّةِ والعياذُ باللهِ كَفَروا و خَرَجوا عنِ الدِّينِ .

مَن عَبَدَ الذاتَ فقط دونَ الصِّفَاتِ فَسَقَ :

هناكَ مَن يقولُ : نحنُ نعبدُ الذاتَ فقط و هذهِ الصِّفاتُ عبارةٌ عنِ اعتباراتٍ خارجيةٍ أو نِسَبٍ و إضافاتٍ غيرِ حقيقيَّةٍ فنحنُ يُهمُّنَا الذاتَ ، فماذا نريدُ ببقيةِ الصِّفاتِ فيُنكرونَها و العياذُ باللهِ .

يا وليِّيِّ في اللهِ تعالى هذا الكلامُ مرفوضٌ مِن أصلِهِ لأنَّ اللهَ سبحانَهُ و تعالى هوَ الذاتُ الموصوفةُ بالصِّفاتِ هذا مَا هوَ ثابتٌ في عقيدَتِنا نحنُ أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ وهذا هوَ الحقُّ .

فنحنُ نعبدُ اللهَ في ذاتهِ لأنَّهُ موجودٌ حقٌّ .

و نعبدُ اللهَ بحقيقتهِ .

و نعبدُ اللهَ بأنَّهُ ربُّنا و أنَّ لهُ الصِّفاتِ الحُسنى وأنَّهُ موصوفٌ بأنَّهُ القادرُ العليمُ المُريدُ السميعُ الحيُّ المقتدِرُ الصبورُ الشكورُ الرحمنُ الرحيمُ .. وكلُّ مَا وصَفَ ذاتَهُ بذاتِهِ في القرءَانِ الكريمِ و وصَفَهُ نبيُّنا محمدٌ الرسولُ صلَّى اللهُ عليه و آلِهِ وسلَّمَ أو سمَّاهُ في السُّنَّةِ الشريفةِ .

إذاً نحنُ في عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ « نعبدُ الذاتَ المَوصوفةَ بالصِّفاتِ » هكذا جملةً واحدةً وتوحيداً واحداً لا نَخرجُ عن هذهِ العقيدةِ .

وأمَّا الذينَ بَتَروا الصِّفاتِ عن ذاتِ اللهِ سبحانهُ وتعالى فهو أعلمُ بهم و سيُحاسبُهم لأنَّ هذا البترَ خاطئٌ و ليسَ مِنَ الدِّينِ في شيءٍ ، ومَن قصَدَ ذلك فهو فاسقٌ ،  والذينَ بَتَروا الذاتَ و لم يعترِفُوا بِها فهم أيضاً في حالةِ خطأٍ فمَن تقصَّدَ ذلكَ كَفَرَ .

فلا يجوزُ بترُ الذاتِ ولا بترُ الصفاتِ ؛ فالذي ألغى الذاتَ قد أخطأَ و الذي ألغى الصفاتِ قد أخطأَ .. نحن نعبدُ الذاتَ الموصوفةَ بكلِّ الصفاتِ . أهـ

خُلاصةٌ تعريفيَّةٌ في علمِ تراتيبِ الأسماءِ في القرءَانِ الكريمِ :

هو علمٌ فرعيٌّ من عِلمِ الأسماءِ اسمُهُ عِلمُ تراتيبِ الأسماءِ في القرءَانِ الكريمِ ولهُ ضوابطُ و  قواعدُ جميلةٌ جداً جداً جداً وتنطوي تحتهُ أسرارٌ و أنوارٌ دقيقةٌ في بسملةِ سورةِ الفاتحةِ و في بقيَّةِ بسملاتِ السُّوَرِ بل في كلِّ آيةٍ مِن آياتِ القرءَانِ الكريمِ ؛ إذا دَرَسْنا ترتيبَ ألفاظِها يخرجُ معنا أنوارٌ وأسرارٌ ودقائقُ في العُلومِ والمعارفِ لا حصرَ لها ، فإنَّ ظهورَ اسمٍ قبلَ اسمٍ في آيةٍ مَا .. لهُ قراءةٌ قدرويةٌ مختلفةٌ عن ظهورِ نفْسِ الاسمِ بعدَ اسمٍ آخرَ أوِ الاسمِ الذي كانَ قبلَهُ .

وهذا عِلمٌ خاصٌّ أفردْتُهُ في مؤلَّفٍ خاصٍّ .. لم أُسبَقْ إليه في تدوينِهِ وللهِ الحمدُ .

ياوليِّيِّ في اللهِ تعالى يجبُ أن ننتبهَ أنَّ الاسمَ عبارةٌ عنِ الذاتِ معَ صفةٍ ما ؛ أي عِندما نقولُ ( الرحمنَ ) أي نقصدُ ذاتَ اللهِ معَ صِفةِ الرَّحمةِ .

وواضحٌ هنا في البسملةِ أنَّ بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ فيها ثلاثةُ أسماءٍ إلهيَّةٍ أي ابتدَأتِ الآيةُ بذكرِ ( الاسمِ ) ثمَّ ذكرَتْ ما هو الاسمُ  فقالَتْ : اللهِ الرحمنِ الرحيمِ .

وهنا ترتيبٌ للأسماءِ ترتيباً إلهيَّاً .

أي أنَّ اللهَ سبحانهُ وتعالى قالَ : بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ ؛ ثمَ أتبَعَ و ختمَ البسملةَ بالرحيمِ .

فما هوَ هذا الترتيبُ ؟

لماذا كان هناكَ هذا الترتيبُ للتراتيبِ بالأسماءِ في القرءَانِ الكريمِ ؟

فلنراقبِ المسألةَ التاليةَ في بسملةِ الفاتحةِ :

هل الاسمُ الرحمنُ الذي يدلُّ على الذاتِ معَ صفةٍ ما ؛ أتى قبلَ لفظةِ الألوهيَّةِ أم أتى بعدَ لفظةِ الألوهيَّةِ ؟

الجوابُ : بل جاءَ لفظُ الرحمانيَّةِ بعدَ لفظةِ الألوهيَّةِ أي بسمِ اللهِ ؛ أي بسمِ الذاتِ الموجودةِ واجبةِ الوُجودِ الحقِّ الموصوفةِ بأنَّها الإلهُ الحقُّ .

هذا الاسمُ الأولُ ( اللهُ ) اسمُ الألوهيَّةِ وصِفةُ الألوهيَّةِ في هذهِ الذاتِ .

ثم يأتي بعدَها مباشرةً صفةُ الرحمانيَّةِ ، ثم يأتي بعدَها مباشرةً صفةُ الرحيميَّةِ ، إذاً فإنَّ اللهَ سبحانهُ و تعالى افتتحَ البسملةَ بخصوصٍ .

وهنا أيضاً يا وليِّيِّ في اللهِ تعالى يَمنحُنا عِلمُ خصوصِ الأسماءِ الإلهيَّةِ سِرَّاً من أسرارِهِفي البسملةِ .

عِلمُ خصوصِ الأسماءِ الإلهيَّةِ : هو علمٌ يدرسُ الأسماءَ بخُصوصِها كالأسماءِ الأئمَّةِ والأسماءِ الأمَّهاتِ والأسماءِ القرءانيَّةِ والأسماءِ الحُسنى .. الخ . وكيفَ أنَّ هناك :

– أسماءً أشملُ مِن أسماءٍ .

– وأسماءً أعمُّ مِن أسماءٍ .

– وأسماءً أخصُّ مِن أسماءٍ .

– وأسماءً تُطوَى في أسماءٍ أكثر إحاطةً .

– وأسماءً تنوبُ منابَ أسماءٍ في بعضِ العوالِمِ لخصوصٍ مُعيَّنٍ … الخ .

ولا شكَّ أنَّ الاسمَ الذي فيه خصوصيةٌ أعلى ؛ الاسمَ الذي فيهِ استفتاحٌ أعظمُ ، الاسمَ الذي فيه عمومٌ أكثرُ إنَّما هو يجمعُ و يَطوي تحته الأسماءَ الأقلَّ خصوصاً والأسماءَ الأقلَّ جَمعاً .

يُمكننا هنا في بسملةِ الفاتحةِ أن نتكلَّمَ على خصوصيَّتينِ مِن عِلمِ خصوصِ الأسماءِ الحُسنى :

– الخصوصيةُ الأولى :

يجبُ أن ننتبهَ للسِّرِّ التالي في البسملةِ : فاللهُ سبحانهُ وتعالى عِندما قالَ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ فقد حَسَمَ المسألةَ في هذه الصِّفاتِ الثلاثِ في هذهِ الأسماءِ الثلاثةِ .

و قد فرضَ ربُّ العِزَّةِ جلَّ وعَلا علينا بهُويَّتِهِ الذاتيَّةِ أنْ نُبَسمِلَ بهذهِ الخُصوصيَّةِ عندَ كلِّ فِعلٍ ؛ أي أنَّني عِندما أريدُ أن أشربَ اليومَ لا أقولُ باسمِ اللهِ المُقيتِ .. باسمِ اللهِ الرزَّاقِ.. بسمِ اللهِ المتينِ ..لا أقولُ بسمِ اللهِ الباعثِ الباطنِ الرزَّاقِ ؛ لا أقولُ ذلكَ وإن كانَ جَائزاً .. بل أقولُ حسبَ التنزيلِ : بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ .

صحيحٌ أنَّ الأسماءَ الحُسنى كلَّها أسماءُ اللهِ لكنْ عِندما تريدُ أن تُبَسمِلَ على الأشياءِ يجبُ أن تُحضِرَ أوَّلاً صِفةَ الألوهيَّةِ وثانياً صِفةَ الرحمانيَّةِ وثالثاً صِفةَ الرحيميَّةِ .

يجبُ أن تَستحضرَ اسمَ اللهِ ثمَّ اسمَ الرَّحمنِ ثمَّ اسمَ الرحيمِ، في عالَمِ الأسماءِ وعالَمِ الصِّفاتِ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ .

– إذاً لماذا هذهِ الخُصوصيةُ وما السِّرُّ هنا ؟

– لماذا هذهِ الأسماءُ الثلاثةُ بالذاتِ ؟

يجبُ أن تنتبهَ للمسألةِ التاليةِ : وهيَ أنَّ جميعَ أرواحِ العالَمِ وهياكلِ النورِ الكونيةِ كلِّها لِكلِّ الكائناتِ والنورانياتِ العُظمى في المَلكوتِ والمُلْكِ والجَبروتِ و كُلَّ ما خَلقَ اللهُ سبحانهُ و تعالى إنَّمَا هوَ عبدٌ للهِ تعالى .

لذلكَ إذا أردْتَ أن تقومَ بأيِّ فعلٍ يجبُ أن تستحضرَ وتَفعلَ الفعلَ باسمِ الألوهيَّةِ الحاكِمةِ والمسيطِرةِ والقادرةِ على كلِّ شيءٍ .

لذلكَ لا بُدَّ أن تكونَ الألوهيَّةُ هي أوَّلُ مذكورٍ لكَ عندَ أوَّلِ فعلٍ أو عندَ أيِّ فعلٍ أو عندَ أيِّ حركةٍ مهما كانتْ .

والمخلوقاتُ جميعُها في أيِّ حركةٍ تريدُ فِعلَها يجبُ أن تكونَ باسمِ الألوهيَّةِ المُطلَقةِ وهذا أوَّلُ شيءٍ ويُعتبَرُ الخصوصُ الأوَّلُ .

– الخصوصيةُ الثانيةُ :

يجبُ أن تكونَ أيُّ حركةٍ نريدُ فِعلَها إنَّما هي حركةٌ متوجِّهةٌ عن صِفةِ الرحمةِ في الألوهيَّةِ .

أي أن نقولَ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ ؛ أي باسمِ هذهِ الذاتِ الإلهيَّةِ، بهذهِ الذاتِ واجبةِ الوُجودِ الحقِّ ، ولكنْ مِنْ كونِها رحيمةٌ ، فأنتَ لا تفعلُ بسمِ اللهِ بدونِ رحمةٍ .

إذاً : الهدفُ من كلِّ أفعالِكَ عِندما تبدأُ بها أن تكونَ من رحمةِ اللهِ .

أنتَ الآنَ تريدُ أن تشربَ لِترويَ العطشَ فيجبُ أن تنتبهَ أنَّ هذهِ الإرواءاتِ إنَّما هيَ رحمةٌ من الألوهيَّةِ لذلكَ تقولُ : بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ .

فعِندما تَرى بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ وأنَّ كُلَّ فِعلٍ تريدُ القيامَ بهِ إنَّما هوَ صادرٌ باسمِ الإلهِ الرَّاحِمِ .. الإلهِ الرَّحمنِ .. الإلهِ الرحيمِ ؛ و أنَّ كلَّ أفعالِكَ يجبُ أن تكونَ متوجِّهةً لتقومَ بالرحمةِ لتفعِّلَ الرحمةَ .

نعمْ يا وليِّيِّ في اللهِ تعالى  ؛ نعمْ .. باسمِ الرَّحمنِ أصبحَ هناك صَلاحٌ و إصلاحٌ و توجُّهٌ إيجابيٌّ للعبدِ .

فبقولِكَ بسمِ اللهِ الرَّحمنِ تَعي تَماماً أنكَ تتوجَّهُ بإيجابيَّةِ في فِعلِكَ .

أمثلةٌ تَوضيحيةٌ :

قبلَ أن تكتبَ شيئاً مَا .. وعِندما تقولُ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ؛ فأنتَ أمامَ الإلهِ الراحمِ .. الإلهِ الذي أعطى الرحمةَ؛ فلذلكَ لن تستطيعَ كِتابةَ البذاءاتِ أو أن تكتبَ ضدَّ البشريةِ الإيجابيةِ؛ لأنَّ الكتابةَ ضدَّ البشريةِ الصالحةِ بكتاباتٍ سلبيةٍ تُخالفُ الرحمةَ التي خُلِقتَ من أجل أن تقولَ : باسمِهَا أكتبُ .

وكذا عندما تريدُ حلَّ مشكلةٍ مَا .

وكذا عندَ التوجُّهِ من منزلِكَ إلى عملِكَ وتقولُ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ أي أنَّكَ تتوجَّهُ توجُّهَ رحمةٍ ، وَ خلالَ النهارِ لن تقومَ بأفعالٍ تُنافي الرحمةَ لأنكَ بدأتَ بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ .

وقد توجَّهتَ نحوَ العالَمِ الخارجيِّ ببِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ؛ باسمِ الإلهِ الراحمِ الذي رَحِمَ الوجودَ ، فكلُّ توجهاتِكَ اليومَ تكونُ رحمةً بالعبادِ سواءَ برحمانيةٍ أو برحيميةٍ .

البسملةُ بحارٌ من العِلمِ  :

طَوى اللهُ سبحانهُ و تعالى في القرءانِ الكريمِ و في بسملةِ الفاتحةِ كلَّ علومِ القرءانِ الكريمِ ؛ ففيها مجموعةٌ من العُلومِ منها : علومُ العقلِ الأقدَسِ ، علومُ الرُّوحِ الأوَّلِ في بسملةِ الفاتحةِ في علوم روحِ العالَمِ ، علومُ دَولةِ الأرواحِ ، علومُ دَولةِ الأشباحِ ( تعني الأجسامِ  .. فعندما يُطلِقُ أهلُ اللهِ كلمةَ الأشباحِ يُقصَدُ بها  « الأجسادُ المادِّيةُ الترابيَّةُ » ) ، علومُ اليمينِ الرحمانيِّ ، علومُ الباطنِ للعرشِ الإلهيِّ ، علومُ العرشِ ، علومُ الحقِّ « المخلوقِ بهِ الكون » ، علومُ الخيالِ المحقَّقِ و حقيقةِ الخيالِ المُطلَقِ ، علومُ العَمَاءِ في البسملةِ في الفاتحةِ ، علومُ الموجوداتِ القريبةِ إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى ( يعني فيها « علومُ القُرْب » ) ، علومُ الصوَرِ الوجوديةِ جميعِها ، علومُ الأسماءِ الحَسَنَةِ والأسماءِ العُظمى ، علومُ العقولِ الكونيةِ الفعَّالةِ وغيرِ الفعَّالةِ ، علومُ المُلكِ والمَلَكوتِ والجَبَروتِ في بسملةِ الفاتحةِ ، علومُ الحِكمةِ وعلومُ المُنتهى المُوصِلِ للمَبدأِ ، علومُ النِّسَبِ والنعوتِ ، علومُ الفيوضاتِ العِرفانيةِ الوُجوديةِ من « الفيضِ الكاملِ إلى الفيضِ الأتمِّ » ،علومُ وأسرارُ الصِّفاتِ الإلهيةِ وأسرارُ الأفعالِ والانفعالاتِ بأسماءِ اللهِ وفي السلوكِ إلى اللهِ .

( بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ ) في فاتحةِ الكتابِ فيها : علومُ الطريقةِ والوصولِ إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى ، وعلومُ الأخلاقِ ، علومُ التنزُّلاتِ ، علومُ المعارجِ إلى حضرةِ الحقِّ ، علومُ الألوهيَّةِ، علومُ الرحمانيَّةِ ، علومُ الرحيميَّةِ ، علومُ الرمزِ الإلهيِّ ، علومُ الحروفِ النورانيَّةِ .

كلُّ هذهِ العلومِ الخاصةِ بالحروفِ و فواتحِ السُّوَرِ إنَّما تدخلُ في  بابٍ عامٍّ « علومُ الرَّمزِ في القرءَانِ الكريمِ » لأنَّ الحرفَ عبارةٌ عن رمزٍ شكليٍّ يرمزُ إلى مكنوناتِهِ الذاتيةِ في عالَمِ المُلكِ والمَلكُوتِ والجَبَروتِ .

إذاً : في بسملةِ الفاتحةِ عُلومٌ كثيرةٌ جداً جداً جداً .. منها :

علومُ اللَّوحِ المحفوظِ جميعُها .

علومُ الوُسعِ الإلهيِّ والاقتدارِ الإلهيِّ والتدبيرِ الإلهيِّ ..

عِلمُ النِّفسِ ، علومُ الروحِ ، علومُ السِّرِّ الإنسانيِّ ، علومُ العَوالِمِ جميعِها ..

عَوالمُ الحيوانِ والنباتِ و الملائكةِ ..

والعوالِمُ المعنويةُ (جميعُها موجودةٌ في بسملةِ الفاتحةِ ) ..

هذه العُلومُ كلُّها إنَّما تتجلَّى على لِسانِ العُلماءِ ..

نحتاجُ إلى معلِّمٍ أمامَ احتياجِنا للنصِّ القرءَانيِّ والنصِّ الشرعيِّ : 

اللهُ سبحانهُ وتعالى كانَ قادرَاً على أن يبعثَ القرءَانَ الكريمَ و لا يبعثُ الرُّسلَ و لا يبعثُ سيدَّنا محمدَاً صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم و آلهِ وصحبهِ أجمعينَ .. كأنْ يُعطينا الكتابَ وكَفى .

ولكنَّ هذا الكتابَ يَحتاجُ إلى شارحٍ .. يَحتاجُ إلى مَن يعملُ بهِ فيجسِّدُه للمسلمينَ .. لذلكَ أرسلَ سيدَّنَا محمدَاً صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّم وهوَ الذي شرحَ لنا القرءَانَ الكريمَ  .. هو الذي علَّمَنا عن أسرارِ القرءَانِ الكريمِ  .. هو الذي بيَّنَ اللهُ لنا على لسانِهِ هذه الأحكامَ وكيفيةَ فَهمِها و فَهم ِالقرءَانِ الكريمِ .

إنَّ ما يُطلقونَهُ اليومَ لِيُضلُّوا بهِ المسلمينَ و يُضيِّعُوا الأمَّةَ الإسلاميَّةَ حيثُ يقولونَ للشبابِ المعاصرِ ( يُمكِنكُ الاكتفاء بالقرءَانِ الكريمِ و السُّنَّةِ الشريفةِ ) .. لماذا الحاجةُ لِعالِمٍ  ليشرحَ لكَ ويبيِّنَ لكَ ؟ لماذا تحتاجُ لمعلِّمٍ  يُعلِّمُكَ ؟ .

إنَّهم  يقومونَ بمعارضةِ الفِطرةِ و الدِّينِ و الاكتفاءِ بقراءَةِ هذا الكتابِ .. ليست كلُّ العلومِ هي مما يمكنك أن تفهمها لوحدِكَ أو تأتيَ بها من عقلِكَ دونَ فهمٍ أو شرحٍ من قِبَلِ أيِّ مُعلِّمٍ و عدمِ معرفةِ أحكامِها أوِ استدراكِها ليستْ جميعُ العقولِ لها القدرةُ على استنباطِ العُلومِ أو رؤيتِها في الكلمةِ القرءَانيةِ .

فالكتابِ يعطيكَ  المعلوماتِ ، و باتِّباعِك الوليِّ المرشدِ سواءَ كانَ رسولاً أو نبياً أو مُعلِّماً  فإنَّكَ تتعلَّمُ معهُ معارفَ خاصةً من خِبرةٍ خاصةٍ في تلكِ المُمارساتِ لهذهِ النصوصِ المكتوبةِ .

فحينَ تتعلَّمَ العِلمَ منَ الكتابِ فهذا تجلِّي العليمِ .

أمَّا في معرفتِكَ التي تتجلَّى بصحبةِ الإمامِ الحيِّ فهذهِ  معرفةٌ من تجلِّي اسمِهِ الخبيرِ .. ولا تحصلُ على الخِبرةِ إلا بمُمارستِكَ للنصِّ .. يعني المعرفةُ عن خِبرةٍ بَعدَ العِلمِ عن تَعلُّمٍ .

لذلكَ جعلَ اللهُ تعالى العلماءَ ورثةَ الأنبياءِ ( حتى يُبيِّنَ للناسِ ، وأخذَ عليهمُ العهدَ والميثاقَ أن يبينوا للناسِ و هذا أمر مُسلَّمٌ به ) .

الكَسبيُّ واللَّدنيُّ :

اعلمْ ياوليِّيِّ في اللهِ تعالى علَّمَكَ الرَّبُّ علومَ القرءَانِ الكريمِ أنَّ في بسملةِ الفاتحةِ مجموعةً من العُلومِ نحتاجُ إلى عالِمٍ حتى يُبيِّنَ لنا هذه العُلومَ وكيفيةَ فَهمِها ودراستِها .

نعمْ .. في بسملةِ الفاتحةِ علومٌ كثيرةٌ وجميلةٌ منها : العلومُ العميقةُ والعلومُ البسيطةُ والعلومُ الإجماليةُ والعلومُ الفرعيةُ .

عندَ دراسةِ العُلومِ الإلهيَّةِ نأتي بالبسملةِ إلى اسمِ اللهِ لفظِ الجلالةِ « اللَّهِ » .

وعندَ دراسةِ العُلومِ الرحمانيَّةِ نأتي إلى لفظةِ الرحمةِ من اسمهِ « الرَّحمنِ » .

وعندَ دراسةِ العلومِ الخاصة « العُلومِ اللَّدُنيةِ » نأتي إلى لدُنِ اسمِ « الرحيمِ » التأكيد على لدّن هنا :

يوجدُ فرقٌ بين « لدنِّ و عندَ » في القرءانِ الكريمِ .

العلومُ اللَّدنيةُ : هي علومٌ خاصةٌ .

والعلومُ العِنديةُ : أي العلومُ التي مِن عندِ اللهِ ، و تختلفُ عن العلومِ اللَّدُنيةِ .

العلومُ اللَّدُنِيَّةُ ( ويصح اللَّدُنِّيِّةُ ) : هي العُلومُ التي يفتحُ اللهُ سبحانهُ وتعالى بها للعبدِ بنتيجةِ إقامتهِ للمراسمِ الشرعيةِ بمعنى العلومِ الكسبيةِ ، في بسملةِ الفاتحةِ تقابلُ العلومَ اللَّدُنيةَ .

العُلومُ الكسبيَّةُ : هي العلومُ التي تُدرَسُ من الكُتُبِ على يدِ العُلماءِ .

مثالٌ :

عندَ الاستماعِ إلى إذاعةٍ تسمعُ منها التفسيرَ بنورِ اللهِ وتسمعُ العبدَ هَانيبال يتحدَّثُ عنِ العُلومِ القدرويةِ والطاقةِ والأسرارِ و الأنوارِ في القرءَانِ الكريمِ .. هذا يُسمَّى علمٌ كَسبيٌّ لأنَّكَ اكتسبْتَهُ عبرَ حواسِّكَ أي اكتسبْتَ عِلماً مِن حضرةٍ أُخرى .. من حضرةٍ مَخلوقةٍ أنت توجَّهتَ لها و إلى هذا النوعِ مِن العُلومِ فاكتسبْتَهُ اكتساباً « عبرَ حواسِّكَ » .

ففي العِلمِ : توجُّهُكَ لمعلِّمٍ ومدرِّسِ ، وتوجُّهُكَ إلى كتابٍ أو إلى إذاعةٍ دينيةٍ تتعلَّمُ منها ، أو أي قناةٍ دينيةٍ أو إلى مسجدٍ .. إلى عالِمٍ .. هذا كلُّهُ اسمُهُ « كَسْبٌ » .

هناكَ عُلومٌ أُخرى يُعطيها اللهُ للبشرِ و لكنْ من غيرِ طريقةِ الكسْبِ :

مثالُ الصلاةُ : عندما تُصلِّي صلاةً صحيحةً صلاةَ جماعةٍ وفروضُك صحيحةٌ كما أمرَ اللهُ ورسولُهُ وبأحكامٍ شرعيةٍ صحيحةٍ دقيقةٍ وعبادةٍ كاملةٍ متكاملةٍ متألقةٍ .. هذا التألقُ والكمالُ في العبادةِ .. هذه الروحُ الوقَّادةُ في الحفاظِ على ضوابطِ هذهِ العبادةِ يفتحُ بينكَ وبينَ الحقِّ سبحانهُ وتعالى قناةً خاصةً .. تأتيكَ عبرَ هذه القناةِ الخاصةِ فهومُ وعلومُ تلك العبادةِ .

علامةُ العِلمِ اللَّدُني أنَّهُ لا تأتي المعلوماتُ إلا مِن بابِ عبادتِها الخاصةِ :

مثالٌ : شخصٌ يصلِّي ، فالعلومُ اللَّدُنيةُ التي تنفتحُ لهُ في الصلاةِ حَصراً هي أسرارُ الصلاةِ ، أنوارُ الصلاةِ ، خصائصُ الصلاةِ ، دقائقُ الصلاةِ ، روحانياتُ الصلاةِ .. كلُّ ما يتعلَّقُ في الصلاةِ .

هذا مِن بابِ المَعرفةِ الصَّلاتيَّةِ .. فهذهِ المَعارفُ لاتأتي فِي الصومِ أو في عبادةٍ أُخرى .

هيَ من العُلومِ اللَّدُنيةِ الواردةِ في حالةِ الصلاةِ .

ويُمكنُ أن يكونَ هناكَ فتوحاً أًخرى .

مثالُ  الإلهاماتِ : منَ الممكنِ أن يفتحَ اللهُ لكَ في حلِّ مشكلةٍ كونيةٍ مَا .. لمْ يستطعْ أحدٌ حلَّها فيُلهمُك إيَّاها اللهُ سبحانهُ وتعالى أثناءَ الصلاةِ .. يُعطيكَ هذا الإلهامَ و هذا اسمهُ « عِلمٌ إلهاميٌّ  » .
العِلمُ اللَّدُنّي حصراً : العِلمُ الذي يكونُ معرفيَّاً وعن تحقُّقٍ عباديٍّ مأمورٍ فيهِ في الشرعِ .

مثالٌ آخرُ على العُلومِ اللَّدُنيةِ : « الصيامُ » .

عندَ الصيامِ بطريقةٍ صحيحةٍ يبدأ اللهُ بإعطائِكَ الفتحَ الخاصَّ للعلومِ اللَّدُنيةِ مثلَ معرفةِ روحانياتِ الصيامِ و أنوارِ الصيامِ و دقائقِ الصيامِ .. لكن تكونُ هذه المعرفةُ حصراً في عبادةِ الصيامِ وخصوصيةِ الصيامِ .

وتُطبَّقُ العُلومُ اللَّدُنيةُ على كلِّ عبادةٍ بطريقةٍ خاصةٍ مثالُ صلةِ الرَّحمِ لها علومٌ لَّدُنيةٌ خاصةٌ .

الزواجُ ، الحجُّ ، الإنفاقُ في سبيلِ اللهِ ، العُمرةُ ، المُعاملاتُ الماليةُ ، القضاءُ .

كلُّ عبادةٍ نعبدُ فيها اللهَ سبحانهُ وتعالى لها قناةٌ إلى العِلمِ الإلهيِّ لاسمِ اللهِ العليمِ تَفتحُ وتُعطينا علومَها الخاصةَ اللَّدُنيةَ .

ولكلِّ ماسبقَ فإني أحبُّ أن أؤكِّدَ أنَّ في بسملةِ الفاتحةِ علوماً كثيرةً جداً بل هيَ تطوي فيها علومَ القرءَانِ الكريمِ كلَّها وتحتاجُ إلى عالِمٍ يُخرِجُ هذه العلومَ ليستفيدَ منها الناسُ .

خُلاصةٌ تعريفيةٌ في علومِ أمِّ الكتابِ :

اعلَمْ يا وليِّيِّ في اللهِ تعالى فطَّنكَ الرَّبُّ إلى فتحِ الفاتحةِ أنَّ البسملةَ ووجودَها وتناولَها مِن سورةِ الفاتحةِ أسهلُ مِن تناولِها مِن سُوَرٍ غيرِ الفاتحةِ ، وذلك لأنَّ الأنوارَ أكثرُ انضغاطاً في بسملةِ الفاتحةِ ، واللهُ سبحانهُ وتعالى سمَّى الفاتحةَ أمَّ الكتابِ ؛ وكثيرٌ مِن الناسِ لا ينتبهونَ لهذهِ التسميةِ ، فقط اسمُها الفاتحةُ وانتهينا .. على الرُغمِ مِن أنَّ البعضَ يَتلونَها إلا أنَّها لاتكونُ فاتحةً ولكنْ هي في الحقيقةِ لا تنفعلُ معهم لأنَّهم لا يَقرؤونَها بشكلٍ صحيحٍ ، لا يَقرؤونَها بحقيقتِها .. لا يقرؤونَها بضوابِطِها في التجويدِ والتلاوةِ .. وإلى آخِرِه.. يَعني في حين أنَّ الفاتحةَ يَجبُ أن تكونَ فاتحةً على ألسنتِهم تجدُ أنَّها منغلقةُ الأسرارِ .. لا تشرق بها حياتهم .. لماذا ؟؟ .. لأنَّهم بعيدون عنِ الحلالِ .. لأنَّهم يَقرؤونَ شيئاً شبيهَ الفاتحةِ .. يظنُّونَ أنَّهمُ يَأخذونَ ويَتلونَ ويَذكرونَ الفاتحةَ .. في حين أنَّهمُ يَقرؤونَ مَا هو شبيهٌ بألفاظِ الفاتحةِ .. ترديدُ ببغاواتٍ .. أي ترديدُ صيغةٍ مشوَّهةٍ عنِ الحقيقةِ وليست تحقُّقاً وتخلُّقاً .

الفاتحةُ يجبُ أن تكونَ بمعناها .. بحقيقتِها .. يَقرؤونَها بكلِّ معانيها بكلِّ فُهومِها .. يَقرؤونَها بتجويدٍ صحيحِ وتلاوةٍ صحيحةٍ .. حتى نقولَ أنَّهُم يقرؤونَ الفاتحةَ .. هذهٍ مسألةٌ ..

كما أنَّهم لا يَنتبهونَ إلى تسميتِها بأمِّ الكتابِ .. ماذا يَعني هذا  ؟؟؟ ..

الكتابُ معروفٌ وهوَ القرءانُ الكريمُ .. وكلمةُ أمٍّ أيضاً معروفةٌ ..

لِماذا السورةُ اسمُها أمُّ الكتابِ ؟

اسمُها أمُّ الكتابِ لأنَّ الأمَّ هيَ الأصلُ .. أصلُ الأسرةِ .. أي أمهاتُنا الأصلُ الذي نشأنا منهُ .. فأمُّ الكتابِ أي أنَّ هذه العلومَ الموجودةَ في الكتابِ الكريمِ إنَّما هيَ ناشئةٌ منَ الفاتحةِ .. أي إنَّها السورةُ الأساسُ التي هيَ الفاتحةُ .. فالفاتحةُ هي أمٌّ ..

ماذا نَعني بأمِّ الكتابِ ؟؟ ..

يَعني أصلُ الوُجودِ .. الفاتحةُ هي أصلُ الوُجودِ .. يَعني هي الروحُ الأعظمُ المشتملُ على كلِّ العُلومِ وكلِّ الفهومِ وكلِّ الإدراكاتِ وكلِّ الفاعلياتِ وكلِّ الإدراجاتِ وكلِّ القُدُراتِ وكلِّ المَسامعِ و المَسموعاتِ وكلِّ المُبصراتِ وكلِّ المَعلوماتِ .. الخ .. وذلكَ لِما فيها مِن مكنوناتٍ ..

أمُّ الكتابِ تَعني هي أصلُ الوُجودِ الأعظميِّ بكلِّ مُفرداتِ الألفاظِ وحُروفِ ومَكنوناتِ ومَخزوناتِ القرءانِ الكريمِ .. لذلكَ مِنَ المهمِّ بمكانٍ أن نتعلَّمَ عن نورانيةِ الفاتحةِ .. نفهمَ هيكلَها النورانيَّ كيفَ يعملُ ؟ .. نفهمَ لِماذا هيَ سبعُ آياتٍ ؟.. نفهمَ ماذا يَعني أهميةُ الآيةِ الأولى والثانيةِ والثالثةِ والرابعةِ وهكذا .. بالترتيبِ ؟ لِماذا جاءتِ الأولى أولى ؟ .. لِماذا جاءتِ الثانيةُ ثانية ؟.. لِماذا لم يبدأ بالحمدِ للهِ ؟ .. بدأ ببسمِ اللهِ .. لِماذا الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ يَجبُ أن تكونَ آخرَ نَجوَانا ؟ .. آخرَ كلامِنا ؟ .. آخرَ مجلسِنا ؟ .. هُناكَ أسرارٌ روحانيةٌ في هذهِ الأذكارِ يجبُ أن نتَّبعَها ونَمشي عَلى خُطاها .

مِن أسماءِ سورةِ الفاتحةِ : السورةُ الأساسُ :

الفاتحةُ لها أسماءٌ كثيرةٌ وأسرارٌ كثيرةٌ .. وكلُّ اسمٍ من أسماءِ فاتحةِ الكتابِ لهُ سِرُّهُالخاصُّ .. بل أسرارُهُ ..

ولتعلمْ ياوليِّيِّ في اللهِ تَعالى أنَّ الفاتحةَ تَنوبُ مَنابَ كلِّ شيءٍ.. وليسَ كلُّ شيءٍ يَنوبُ مَنابَها .. فعندما تقرأُ الفاتحةَ .. تكونُ كمَن قرأ الوجودَ كلَّهُ .. من أوَّلِهِ لِآخرِهِ.. مِن عرشِهِ لِفرشِهِ .. مِن رأسِهِ لِأساسِهِ .. وهذا بمجرَّدِ أنكَ تقرأ الفاتحةَ .. بينما إذا قرأتَ أشياءَ ثانيةً ليسَ فيها هذهِ الجمعيةُ .. لا تُحققُ هذه القرءاةَ الجامعةَ الشاملةَ .

فإذا أردتَ أن تمرَّ عَلى حقيقةِ كلِّ شيءٍ – كلِّ النورانياتِ .. عليكَ بقراءةِ الفاتحةِ بهذا المعنى .. بهذهِ الروحِ .. بهذا التوجُّهِ .. نعمْ .. أسماءُ الفاتحةِ كثيرةٌ مِنها اسمُ ( الأساسِ ) .

لِماذا الأساسُ ؟ ..

لأنَّها هيَ أساسُ القراءةِ الوُجوديةِ .. لأنَّها هيَ بِالأصلِ الروحُ الأعظمُ الشاملُ الكاملُ الذي فيهِ كلُّ العُلومِ وكلُّ الأشياءِ .. وهيَ مرتكزةٌ فيهِ .

فالعلماءُ اليومَ .. العلماءُ الحقيقيونَ .. الأشخاصُ الحقيقيُّونَ في العِلمِ وليسَ المدَّعينَ أو نَقَلةُ العِلمِ .. فالعالِمُ هو الذي قدَّمَ لِلعِلمِ أشياءَ تُوصَفُ بِالعلميَّةِ أصلاً .. فهُناكَ منَ الرجالِ مَن يُقالُ لهُ بأنَّهُ عالِمٌ .. ويُقالُ بأنَّهُ وضعَ علماً منَ العُلومِ.. اكتشفَ آليَّاتٍ معينةً .. استنبطَ أسراراً خاصةً في القراءنِ لمْ يَسبقْهُ أحدٌ إليها .. هذا يُصنَّفُ منَ العُلماءِ .. وهؤلاءِ هم مَن أقصِدُ بِقَولِي ( عُلماء ) .. الَّذينَ وَصلُوا لمرتبةِ علماءَ على الحقيقةِ .. هؤلاءِ يَعرفونَ تماماً كيفَ يَستنبطونَ الأحكامَ والأنوارَ والأسرارَ والعُلومَ والفهومَ والإدراكاتِ من فاتحةِ الكتابِ ..

وكذلكَ يَعرفونَ أيضاً كيفَ يَقرؤونَ هذهِ العلومَ من بسملةِ الفاتحةِ .. يَعرفونَ تماماً كيفَ يَقرؤونَ هذهِ العلومَ في البسملةِ كَما يقرأُ العلماءُ ورثةُ الأنبياءِ .

فهم يَقرؤونَ في البسملةِ علومَ البسملةِ .. ويَقرؤونَ بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ ومَا فيها مِن عُلومِ وأسرارِ بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ .

ثلاثُ مسائلَ لِمَن يُريدُ فَهمَ العُلومِ مِن بسملةِ الفاتحةِ :

– المسألةُ الأوُلى :

يَجبُ أن نفهمَ ونَعلَمَ ونتيقَّنَ أنَّ المسألةَ فتحٌ إلهيٌّ قولاً واحِداً.. يَعني إذا لمْ يفتحْ لكَ اللهُ تعالى في هذهِ العُلومِ وفي طريقةِ قراءةِ هذهِ العُلومِ المَطويَّةِ فِي بسملةِ الفاتحةِ .. لنْ تستطيعَ أن تقرأَها .. لأنَّها توفيقٌ إلهيٌّ .. هذا أوَّلاً ..

– المسألةُ الثَانِيةُ :

المسألةُ الثانيةُ يجبُ أن تكونَ على ثقافةٍ ودرايةٍ بالشريعةِ الإسلاميةِ .. بقواعدِها ؛ بأحكامِها الشرعيةِ التكليفيَّةِ ( إفعَلْ ولا تفعلْ ) في أصولِ الفِقهِ .. وذلك لكي تفهمَ القرءانَ الكريمَ بأصولِ فقهٍ و ليسَ على مزاجِكَ وكما يُمكنُ أن يتوهمَ عقلُكَ .

فالعشوائيةُ في فَهمِ النصوصِ الشرعيةِ لا تَصحُّ .. النصوصُ الشرعيةُ فيها ضوابطُ وحقائقُ ثابتةٌ أرسلَها اللهُ فلا تَفهمْها أنتَ على مزاجِكَ وتوهُّمِكَ وبلُغةِ عصرِكَ وكيفما شئتَ .. هذا أمرٌ يَجبُ أن نَفهمَهُ بدقةٍ .

– المسألةُ الثالثةُ :

هناكَ أدواتٌ شرعيةٌ في فَهمِ العُلومِ في البسملةِ ..

فالعقلُ اللَّاهي الغافلُ عنِ اللهِ تعالى .. العقلُ غيرُ المتعلِّمِ .. غيرُ المثقَّفِ لا يستطيعُ أن يَفهمَ هذهِ العلومَ .. لذلكَ يَجبُ أن يَدْرسَها على يدِ مَن يفهمُ هذهِ العلومَ.. فأنتَ أحدُ شخصينِ : إمَّا عالِمٌ أو متعلِّمٌ .. وإياكَ أن تكونَ غيرَ هذينِ الوَصفينِ وإلا فأنتَ هالكٌ قَولاً واحِداً ..

يَعني إمَّا أن تكونَ عالِماً تَستطيعُ أن تَدخلَ إلى كلماتِ القرءَانِ الكريمِ وتأخذَ منهُ بدقةٍ وعِلمٍ ومَوضوعيةٍ وبأصولٍ صحيحةٍ ثابتةٍ لا تخرجُ فيها عن الثوابتِ الشرعيةِ .. أو لا تستطيعُ أن تقومَ بهذا الشيءِ .. فأنتَ مُلزَمٌ أن تقفَ موقفَ المُتعلِّمِ وتتعلَّمَ مِن عالِمٍ يُعلِّمُ هذهِ الأشياءَ .

عِندما نقولُ أنَّ الفاتحةَ أمُّ الكتابِ ؛ والبسملةَ عُنوانُ هذهِ الأمِّ.. يَجبُ أن نَعيَ وننتبهَ أنَّ في الفاتحةِ الكريمةِ وفي البسملةِ كلُّ شيءٍ.. الآن عندما أقولُ أنَّ كلَّ شيءٍ موجودٌ فيها ( في بسملةِ الفاتحةِ ) هذا يَعني أنَّ الحروفَ التسعةَ عشرَ التي تشكَّلتْ منهمُ كلماتُ البسملةِ هم ما توزَّعَتْ وتفرَّعَتْ عليهم هذهِ العلومُ .

إذَاً : مَن يريدُ أن يفهمَ العُلومَ مِن بسملةِ الفاتحةِ .. يَجبُ أن يَكونَ عالِماً .. يَجبُ أن يَكونَ دارساً ومتفقهاً في علومِ القرءانِ الكريمِ .. يَجبُ أن يكونَ فطحلاً و متعمِّقاً و متجذِّراً و يفهمَ و يعيَ أبعادَها و معانيَها و ما هي طاقاتُها .. و ما هي روحانياتُها ..

ماذا تَعني الألفُ و اللامُ و السينُ و الميمُ و الراءُ ..؟؟

حاءُ الرَّحمنِ مَاذا تَعني ؟؟

حاءُ الرحيمِ مَاذا تَعني ؟؟

ميمُ الرَّحمنِ مَاذا تَعني ؟؟

ميمُ الرحيمِ مَاذا تَعني ؟؟

الهاءُ في لفظةِ الجلالةِ .. الله .. ؟؟

هذهِ الحروفُ التسعة عشر يَجبُ أن نحفظَها تماماً .. و نعرفَ مكنوناتِها تماماً .. نعرفَ ما هو مَعنى كلٍّ منها و مَبناهُ ..

وكيفَ يَطوي الأنوارَ بحقيقةِ ذاتِهِ .. ؟

كيفَ يُخرجُها .. ؟

كيفَ يسردُها ترتيباً ومَاذا يُفيدُ هذا الترتيبَ .. ؟

كيفَ جعلَ اللهُ هذا الحرفَ عبارةً عن خِزانةٍ كونيةٍ هائلةٍ جداً .. ؟؟؟

في السابقِ كانَ العقلُ البشريُّ يستصعبُ كثيراً هذا الفَهمَ .. يتساءلُ العقلُ : كيفَ لحرفٍ قرءانيٍّ مثلَ حرفِ الراءِ في اسمِ اللهِ الرَّحمنِ في بسملةِ الفاتحةِ أن يوجَدَ فيهِ ألفُ عِلمٍ .. ألفَي عِلمٍ .. خمسةُ آلَافِ عِلمٍ .. كلُّ هذا ممَّا لايمكنُ للناسِ استيعابَه سابقاً .

نضربُ مثالاً بسيطاً توضيحياً  في عِلمِ الإلكترونياتِ ؟؟؟

شريحةُ ذاكرةٍ صغيرةٍ .. شريحةٌ الكترونيةٌ تستطيعُ أن تحوي معلوماتِ المكتبةِ العموميةِ البريطانيةِ برمَّتِها .. ملايينُ الكُتُبِ ممكن أن نضعَها فيها ، فاليومَ أصبحَ باستطاعةِ الإنسانِ المعاصرِ أن يَفهمَ أنَّ ملايينَ الكتبِ يُمكنُ أن توضعَ على شريحةٍ الكترونيةٍ بحجمِ حبةِ العدسِ .. لذلكَ صارَ قريباً للفَهمِ ومَقبولاً للعقلِ أن نقولَ لهُ : إنَّ المسألةَ في الإسلامِ أكثرُ تطوراً منَ الشريحةِ الإلكترونيةِ التي بحجمِ حبةِ العدسِ ألا وهيَ الحرفُ القرءانيُّ .. على بساطتِهِ .. على بساطةِ كتابتِهِ .. فأيُّ شخصٍ يستطيعُ أن يكتبَ الحروفَ القرءَانيةَ العربيةَ ومعَ ذلكَ على بساطةِ هذا الحرفِ ، يُوجدُ في كلِّ حرفٍ مكنوناتٌ هائلةٌ من الأنوارِ من حقائقِ العُلومِ كلِّها ..

طبعاً عِندَما نقولُ شريحةً إلكترونيةً .. يَعني أنَّ الكتبَ تُحتَوى فيها احتواءً إلكترونيَّاً .. وليسَ ورقياً بمعنى أنْ ينضغطَ الورقُ ويصبحَ داخلَ الشريحةِ الإلكترونيةِ .. كذلكَ الأمرُ في الحروفِ فهناكَ احتواءٌ نورانيٌّ حرفيٌّ روحانيٌّ في ذاتِ الحرفِ .. وهذا هو الطيُّ النورانيُّ والحروفيُّ ..

لذلكَ كلُّ مَن يريدُ أن يَفهمَ البسملةَ وعلومَ البسملةِ .. يَجبُ عليهِ أن يبدأَ بدراسةِ الحروفِ القرءانيةِ وخُصوصاً حروفِ البسملةِ .


للمزيد … يمكنك تصفح / تحميل كتاب تفسير بنور الله تعالى – البسملة (الجزء الأول) وذلك عبر الضغط على الصورة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى