حرف الهاء

هيكل الوهب والوجدان

موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

باب في معرفة هيكل الوَهب والوجدان من السرّ الإبراهيميّ في الحضرة المحمّديّة‏‏

 

اعلم يا وليي في الله تعالى أن أحد الهياكل الحقّانيّة‏‏ لهذا الوجود الحقّ الأحدي هو هيكل الوَهب والوجود ، فهو وإن كان يستغرق الوجود بأحديّة‏‏ واحدة إلا أننا لا بد للمعرفة والعلم أن نُفرِده باسم الفَرْد لنعرف أبعاد حقائقه الذاتيّة ،‏‏ فلا تخرج رعاك الله وحماك من حجابٍ يحجبك عن أحديته عن شهود أحديّة‏‏ الهياكل .

أما هذا الهيكل فله بوابة عظيمة إذا رآها الكائن علم كل ما وراء تلك البوابة إن فهم قراءتها، فهي مسطورة بلغة الملائكة ، فإن فيها التعريف الإلهي بجميع الخيرات الظاهرة في الظاهر ؛ والخيرات الباطنة في الباطن ، حيث تجلّت البوابة براء المَحْق فجمعت مدارج الهيكل التي لها من العدد اثنين وخمسين ، وطابقت البوابة كرمز لما في الهيكل من تعيينات في عالَم العدد اسمه الوهّاب الواجِد ، ولما كان الحَرْف للحقّ والعَدَد للخلق عرفنا أن التحقيق الوهبيّ الإيجاديّ متوجه على عوالم هذا الهيكل المتفرّد ، وإن أجمل ما فيه أنك تستطيع بعرفانك لبوابته معرفة ما فُصّل فيه فهي إجماله والهيكل تفصيلها ، فقد وجدتُ في هذا الهيكل علوما كثيرة .

منها علم الاكتتاب المُجمَل في الحَرْف النوريّ فإنّك إنْ بسطت المُجمَل في بوابة هذا الهيكل علمتَ أنّها أَجمَلت آيات الكون كلها ؛ لا من كل الحضرات بل من حضرة الخير الظاهر والخير الباطن ، فإذا علمتَ أن الخير من اسمه تعالى الحكيم أدركت أن الحكمة هي بوابة الوهب والوجدان وعنوان هذا الهيكل وفي هذا العلم أيضا معرفة أن الحقائق الربّانيّة‏‏ تقبل الإجمال والتفصيل من ذاتها .

ومن علوم هذا الهيكل أيضاً : علم أسبقيّة‏‏ الإجمال على التفصيل ، والجمع على الفرق ، والكل على الجزء ، وأن الإجمال وإن كان مجملاً فإنه يسمح لحقيقته التعريف والإفصاح عن مكنونه .

ومن علوم هذا الهيكل أيضاً : علم الإنزال المُجمل وتجد فيه أنّ الإنزال لا يكون إلا وفق الحكمة السارية في الوجود ، وأنه لا بد للإنزال من مَنزلٍ ؛ ومُنزَلٍ عليه ؛ وغاية ينتهي إليها الإنزال ، وأنّ هذا الهيكل بالذات لم يتعيّن في ذاته كما هو في ذاك التعيين بل هو مُنزل إلى ذاك التعيّن ليتمّ ظهوره ويُفصّل الهيكل ما أَجملت البوابة ، وكلاهما مُنزل لهدف معيّن يعلمه كلُ مَنْ له تعلّق بهذا الإنزال وبأي وجه من الوجوه .

ومن علوم هذا الهيكل أيضاً : علم الأفعال المتعلقة بحضرة الوهب والوجدان .

ومنها أيضاً : علم الإخراج ويتعين فيه جملة علوم فرعيّة‏‏ منها علم إخراج الناس من الظلمات الى النور ، ومنها علم الإخراج عن الملّة ومنها علم الإخراج عن الرسالة ومنها علم الإخراج عن التبليغ .

ومنها أيضاً : علم الأُذون الربّانيّة‏‏ الخاصة بعالَم النّور .

ومنها أيضاً : علم الصراط العزيز الموصوف بأنّه الحميد وفيه الذِكْر الخاص به الذي إذا أُذن للعبد أنْ يذكُرَه على لسانه كان وارِده إيصال العبد إلى ربه في مقامات النّور حصراً من طريق الصراط العزيز الحميد .

ومنها أيضاً : علم عزّة الصراط حيث يَعرِف من يلج بوابة هذا الهيكل مبدأ الصراط ومنتهاه ، ومَنْ يأذن بسلوكه من الأسماء العليا التي بيدها عالم الأذون الأسمائية ، وهل الإذن هنا صادر عن اسم الله أو عن اسم الربّ أو عن اسم الرحمن ، وفيه معارف جمّة يضيق الورق عن تدوينها و وصف مكنونات هذا الصراط و مدارجه فمقامات الوقوف عند معالِمه .

ومنها أيضاً : علم الوصف بالمَلكيّة‏‏ للاسم المشرف على صراط العزيز ففي الهيكل إشراق واضح لذاك الاسم وسطوته على السموات والأرض من جهة العوالِم القهريّة‏‏ .

ومنها أيضاً : علم الحضرة الخاصة التي صدر منها وادي وَيل والذي هو أحد الوديان في جهنم ، و فيه علم اختصاص وادي وَيل بالعذاب الموصوف بالشدّة فإنّه مناسب للملكيّة‏‏ التي ذكرناها سابقا والتي هي صادرة عن امتلاك المالك بربوبيّته زمام تلك العوالم ، والذي يتطلع على تلك العوالم في هذا الهيكل يعرِف أنّ سكان هذا الوادي هم الموصوفون أولاً بأنّهم يستحبّون الحياة الدنيا على الآخرة ؛ وثانياً أنّهم يصدّون عن سبيل الله ؛ وثالثاً أنهم يبغون العِوَج فمن تحقّق بهذه الأوصاف الثلاثة كان من أصحاب ذاك الوادي .

ومنها أيضاً : علم تّعريف حال الضلال البعيد ويَعرِف من يُطالع هذا المَطْلَع في هذا الهيكل لمَ كان الضلال يستحقّ وصف البُعد ،

ويدرك باليقين أنّ البُعد هنا ناتج عن ممارسات الضلال لأفعال مخصوصة منها الاستحباب المذموم ؛ والاعوجاج عن الصراط العزيز ؛ و الطريق الحقّ ؛ بالإضافة إلى الصد عنه والكفر بربّ هذا الهيكل .

ومنها أيضاً : علم الإرسال التبيينيّ وفيه أنّ هذا النوع من الإرسال لا يكون إلا لقوم بعينِهم، وأنّه لا يكون إلا بلسانهم ، ولا يكون إلا للتبيين لهم ، وأنّ من نتائج علم الإرسال التبييني الإضلال والهدى حسب تخصيصات المشيئة الإلهيّة ،‏‏ فتظهر على المرسل إليهم عزّة العزيز الذي لا يغلب ، وحكمة الحكيم الذاتيّة ‏‏، ومن أبهج ما في هذا العلم أن الإرسال التبيينيّ إنما هو في قوامه ذاتيّ العزّة والحكمة ، ومن هناك يعرف صاحب المقام الموسويّ ذاتيّة‏‏ إرسالات مقامه وأهدافها وخصوصا إخراج الناس من الظلمات إلى النور ؛ وأوامر التذكير بعلوم الحوادث والآيات ؛ وكيف أن هذه الآيات لظهور سلطان العزّة والحكمة فيها لا يستطيعها إلا من توجه عليه اسمان من أسماء الله الخاصّة وهما سيدا حضرتيّ الصّبر والشُكْر في خِلَع ( بكسر الخاء وفتح اللام ) المُبالغة .

ومنها أيضاً : علم مدرج في علم الإرسال التبييني هو : علم الأمر بذِكر النعمة من المقام الموسويّ في الحضرة المحمديّة ‏‏.

ومنها أيضاً : علم البلاء العظيم وما فيه من ذبح النفوس واستحياء النساء ومفتاح النجاة من هذا البلاء ، حيث أن كلّ مَنْ عَلِم المفتاح عَرَف سبب تسمية هذا البلاء بالعظمة .

ومنها أيضاً : علم الزّيادات من النِعَم وأيّ اسم يأذن بهذه الزيادات ويتعرّف في هذا الدرج السابع عن علاقة الزّيادة بالشُكْر ، والاسم المشرف على الاسم الشّكور ومن أي حضرة تمتنع الزيادات وتُستبْدل بالعذاب الموصوف بأوصاف المبالغة في الشدة ، وفي هذا الدرج السابع سبعٌ وثمانون ألف خاصيّة‏‏ لا أعلم أن أحدا من البشر قد حازها على التفصيل وإنما عرّفني الحقّ أنّه أذن لأحد ملائكة هذا الهيكل يعلم عددها ، و فاتني في الواقعة أن أسأل ذاك الملاك إن كان أحد من البشر قد حازها جميعا ، وما فاتني ذلك الفوت آنذاك إلا لسطوة أنوار هذا الهيكل التي أذهلتني بجمالها عن ذاك السؤال .

ومنها أيضاً : علم الغنى الإلهي التوقعيّ، وفي هذا العلم مسائل من أدق وأعجب ما في العلوم الإلهيّة‏‏ حيث يُفصّل في النتائج الذاتيّة‏‏ والحقائق الافتراضيّة‏‏ التي يمكن للألوهيّة‏‏ أن تتّخذها لو أنّ أمرا مُفترَضاً قد حدث ، ومن العجب العجاب في هذا العلم أنّه جلّ وعلا يخاطب صور التعيّنات باعتبار حجابها وعدم معرفتها له ، ومن المحيّر في هذا الهيكل أنك ترى مسائل افتراضيّة‏‏ في هذا العلم يبتّ الله الإجابة على نتائجها ، فتجد على سبيل المثال لا الحصر الإجابة الحسميّة‏‏ على افتراضٍ تقدّمه الحضرة الموسويّة‏‏ وهو استغراق النوع الإنساني بالكفر هذا النوع الذي اختصه الله تعالى لأن يكون مجلى وجه الألوهيّة‏‏ المُطْلَق‏ فلا يتجلّى باسمه الإله المُطْلَق‏ إلا بصور هذا النوع الإنساني ؛ هذه الصور التي لا تحدّه ولا تقيّده وغير متناهيّة‏‏ فيها تجلياته ، ولو أن هذا النوع على نُدرَته استغرق في الكفر – وهو افتراض في الحضرة الموسويّة‏‏ – فإنّ الغنى الإلهي عن كل هذا النوع هو الجواب الحتميّ على هذا الاستغراق ولعل مما يهول العقل في هذا العلم أن ما هو افتراض كان مُنبثِقا في مقامات الحضرة الموسويّة‏‏ يكون صورة محقّقة هي سبب من أسباب قيامة القيامة لتحقّق هذا الافتراض في عالم الوجود باعتباره شرط لقيام الساعة ، فتفكر رحمك الله الغني الحميد في عظمة هذا الإله وكيف أن الافتراض الذي ينشئه في حضرة ما يتحقّق وجودا في حضرة أخرى ، وهذا إنّ دلّ على شيء وأفاد عِلماً فإنّما يفيد قوة الحياة الإلهيّة‏‏ في الإيجاد وعظمة التكوين الإلهي النافذ في بنية‏‏ هذا العالم .

ومنها أيضاً : علم مبالغة حمد الغنى الإلهي وفيه معارف جمّة فتعلم من هنا لمَ كان الحمد وصف الغنى الإلهي ، ومن أيّ حضرة كان على المبالغة بالحمد وكيف أن حضرة الغنى المحمود بمبالغة الفاعل و المفعول هو مفتاح الإجابات العلميّة‏‏ والمعرفيّة‏‏ على كل ما يمكن أن يتوهّمه أهل الحجاب وعليه أستطيع القول إن كل إجابة على سؤال توهميّ يفتتحه أهل الحجاب لا يكون صادراً عن حضرة مبالغة حمد الغنى الإلهي فهو جسم بلا معنى ، فتفكّر .

ومنها أيضاً : علم أَنباء الأمم باعتبار اجتماعهم على المعنى الواحد ومن هنا يَعرِف المُعاين لهذا الهيكل نقاط التشابه والالتقاء بين الأمم من بدء ظهور النوع الإنساني وحتى يوم القيامة .

ومنها أيضاً : علم الله تعالى بالأمم اللاحقة بكل أمة ، ويجدر الإشارة هنا أن هذا العلم ليس هو علم اللوح المحفوظ المكتوب فيه ما هو كائن إلى يوم القيامة ؛ بل هو علم لا يعلمه إلا الله تعالى ، بينما علوم اللوح المحفوظ هي مما يتطلع عليه بعض الملائكة الكرام وبعض الأولياء المصطفين الأخيار أصحاب التجلّي الصمدانيّ القلبيّ الذين أحبهم الله فكان سَمْعَهم الذي يسمعون به ، وبَصَرَهم الذي يُبصرون به، ويَدَهم التي يَبطشون بها ، وقلبهم الذي يتجلّى عليه .

ومنها أيضاً : علم الأمم المجتمعة على تكفير الرسل .

ومنها أيضاً : علم مجيء الرسل ، وعلم ردّ الأيدي في الأفواه ومما يكون ولمَ وعلى من يظهر هذا الحال .

ومنها أيضاً : علم الشّك وهو علم إجمالي فيه علوم تفصيلية ،

من هذه العلوم التفصيليه في علم الشك :

علم الشّك الموصوف بالرَيبة .

وعلم الشّك بفاطر السموات والأرض .

وعلم تخصيص الشّك بالكافرين .

وعلم الشّك برسائل الرسل ، وقد وجدت في الواقعة لطيفة جميلة خاصة بهذا العلم أرى من المناسب أن أذكرها هنا وهي أن الحقّ تعالى جعل الشك برسائل الرسل شكاً به ، وشكاً بفاطريته للسموات والأرض .

ومنها : علم تحديد محور النسبة وفيه معرفة النقطة النسبيّة‏‏ الأولى المجعولة في جعل الحقّ لها كنقطة علّام زمانيّة‏‏ تحدد نسبة القَبْل ونسبة البَعْد بالنسبة لأنباء الأمم، وكيف أن هذه النقطة متحرّكة في جدار الزمن بتحرّك الظهور الأول للتعيين المحمّديّ الأشرف وتمتد حتى وفاة آخر مسلم على سطح هذه البسيطة .

ومنها أيضاً : من علوم الأنباء الفرعيّة :‏‏ علم أنباء الأقوام المذكورة في القرءان الكريم مثل قوم نوح وقوم عاد وثمود واليهود وقوم إبراهيم .

ومنها : علم الدعوة الإلهيّة‏‏ لتحقيق العطاء ، وفيه علوم تفصيليّة‏‏ في علم العطاء منها علم وهب المغفرة ثوابا لإجابة الدعوة ، ومنها علم وهب التّأخير إلى أجلٍ مسمّى .

ومن العلوم في هذا الهيكل : علم معيّنات الأجل المسمّى وبما هو مسمّى ، ومن معرفة مسمّاه يَعرف النازل في هذا الهيكل أن هناك أجل آخر غير الأجل المسمّى وأنّ الأجل المسمّى غير الأجل الذي لا يوصف بأنّه مسمّى .

ومنها أيضاً : علم التمسّك بعبادة الآباء و وجه التلبيس الحاصل لديهم والذي يدفعهم إلى التمسك بعبادة الآباء الخاطئة ، وما الذي توهّموه ، وماذا طلبوا ليتركوا هذا التمسك ، وهل هم تاركون أو لا ، و العلم الذي حصل عندهم حتى كانوا كذلك ، و منه علم التماثل البشري ومن أي وجهة نظر حجابيّة‏‏ يتناولونها .     

ومنها أيضاً : علم الجدل الدينيّ .

ومنها أيضاً : علم منطقيّة‏‏ رسل الحقّ .

ومنها أيضاً : علم السلطان المُبين وتَعرِف فيه من يطلبه ولمَ وممن ولأي شيء وصف السلطان بالإبانة ، وهل السلطان معنويّ أو لا .

ومنها أيضاً : علم المِنّيّة‏‏ الإلهيّة‏‏ وفيه أنّه من علوم الاثنينيّة‏‏ ،

وهل المسؤول عن المنّيّة‏‏ الإلهيّة‏‏ الإرادة أو المشيئة ، فإن عَرفت أنّها المشيئة رأيت كيف خُصّصت المنّيّة‏‏ الإلهيّة‏‏ بمقام العبوديّة ‏‏.

وفي هذا الهيكل أيضاً من علم الأذونات : علم الإذن بالسلطان .

وعلم توكل المؤمنين الجالب لهذا السلطان الطالب لهذا الإذن .

وعلم الهداية إلى السُبل المخصوص بمفاتيح التوكل .

وعلم صبر الرسل وعلى ما يكون ولِمَ .  

ومن علوم هذا الهيكل أيضاً : علم توحيد جمع القًصص وفيه أبعاد جميلة للأدباء والعلماء الذين يكتبون ويؤلفون القصص وما شابه ، وكيف أنّ للأديب أنْ يروي عشرات القصص بجملة واحدة وبسياق واحد مع الحفاظ على كل قصة بذروة المضمون الذي تحتويه ، وعلى أي شيء تتحد تلك القًصص في السياق الواحد، وأنّه لا بد من وجود موحّد مشترك يجمعها ، وكيف أن هذا العلم يمنح كل ما تمنحه القصص المفردة من حيث المضمون والبيئة والأذواق والمشاعر والأحاسيس والتجليات والتنزلات والعِبر والعِظات والمُناظرات والكيفيّات والعُقَد القصصيّة ‏‏؛ والبدايات والنهايات حتى أدق تفاصيل المشاهد الفرديّة ‏‏، وما يتمخض عنها من علوم و معارف مما هو إعجاز تفرّدت به الحضرة الإلهيّة‏‏ العلميّة‏‏ الخبيرة .

ومن علوم هذا الهيكل : علم الوحي المُستنزَل بالوقائع وكيف أنّه مخصوص بالرسل ، وأنّ الهدف منه تأييدهم وجعل العاقبة لهم ، فإنّك إنْ نظرت في هذا العلم وجدت فيه الوعود الربّانيّة‏‏ لهم فيما يخص النصر تارةً ، والغلبة تارةً ، والثواب تارةً ، وعقاب من خالفهم تارةً أخرى .

ومن علوم هذا الهيكل : علم خوف المقام الربّاني .

وعلم خوف الوعيد الربّاني وما يخرج عنهما من سكنى الأرض من قبل رسل الحقّ بعد تجبّر أهل الكفر فيها ، حيث يتضمن هذا الهيكل الإشارة إلى أن ثواب الرسل يكون من جنس ما حُوربوا عليه وما مُنعوا من قبل الكافرين عنه .

ومن علوم هذا الهيكل أيضاً : علم خيبة الجبّارين ، حيث خُصّص في هذا الهيكل الحديث عن نوع معين من الجبّارين وهو أهل التجبّر ممن وصف بالعِناد ، وأين منتهاهم وأوصاف الشراب الذي يسقون منه في جهنم هل هو ماء عادي أم ماء مخصوص بأوصاف مخصوصة؛ وطريقة تناولهم ذاك الماء ، فإنْ عَرفت أنّ الصَديد وصفه أَعلمك الحقّ عن هيئة استساغته ،

وكيف هو حالهم مع الموت ، فإذا نظرت فيهم وجدّتهم في سكرات ونزاع مستمر لا ينتهي بهم إلى موت ، كما تجد في ذاك المشهد أعاذنا الله وإيّاكم وصف الأفق الخاص لمواضع هؤلاء وأنه عذاب محْض أبرز ما فيه الغلظة .

ومن علوم هذا الهيكل أيضاً : علم تّعريف الضلال الموصوف بالبُعد و ذلك من وجه القدرة المكتسبة ، حيث أنّه جلّ وعلا يعلّم عبيده كيف ينظرون إلى وجوه الأشياء فيعرّفها لهم ليعرِفوا الأشياء حولهم كما يعلّمهم ، فتارةً يعطيهم وجه القُدْرة في التّعريف ؛ وتارةً يعطيهم وجوها أخرى عن ذات الموضوع المُعرّف .

ومن علوم هذا الهيكل : علم الخلق بالحقّ وفيه علم المخلوق بالحقّ وإقامة الحجّة به ورؤيته وما الذي خلق بهذا الحقّ من العالم العلوي ، وما خلق بهذا الحقّ من العالم السفليّ .

ومن علوم هذا الهيكل أيضاً : علم الذَهاب والإتيان بالخلق ، وهل هذا الذهاب والإتيان تابع للإرادة أو المشيئة وكيف أنّ الذهاب بالخلق من تخصيصات المشيئة لا الإرادة عند من يقول أن المشيئة غير الإرادة ، فالإرادة للإيجاد ؛ والإعدام للمشيئة ؛ وكلاهما للتخصيص ؛ فكانت الإرادة لتخصيص الإيجاد ، وكانت المشيئة لتخصيص الذهاب ، وهل في هذا الذهاب إعدام لمخلوق أو لا ، وهل في ذاك الإتيان تخصيص إيجاد ، كما في هذا العلم أيضاً : معرفة من أيّ حضرة من الحضرات يتجدّد الخلق ، وأيّ الأسماء الإلهيّة‏‏ تدعم هذا الجديد ، و من أين دخل على هذه الحضرة عزّة الحقّ ، وهل هذه العزّة ربانيّة‏‏ أو رحمانيّة‏‏ أو إلهيّة ‏‏.

ومن علوم هذا الهيكل : علم البروز لله وفيه تحقيق البروز وأنّه من اسم الله الجامع المُمِد  لحضرة جامعة لكل الموجودات ، حيث تظهر هذه الموجودات فيها على التفصيل ، ومن تفصيلات هذه الحضرة ظهور الضعف للضّعفاء ، ومن أي حضرة كانوا ضعفاء، وهل يقابلهم في هذه الحضرة الأقوياء أو لا ، وأنّهم موصوفون بالاستكبار على الضعفاء ، وكيف أن الضعفاء من تلك الحضرة كانوا أتباعاً لهؤلاء المستكبرين ، وكيف يتنصّل المستكبرون من الضعفاء في ذاك البروز ، وفيه أقوال المستكبرين وحجّتهم في التخلي عمن تبعهم .

ومن علوم هذا الهيكل : علم الإدخال إلى الجنّة و من يدخل فيها ، و وصفه العام ، و وصف عمله ، و وصف مكانه ، و وصف حاله ، وعن أي إذن تمّ الإدخال أقصد الاسم الإلهي الذي خرج منه إذن الداخلين وفيه غياب الداخلين عن بعضهم بعضاً ،

والتقاءاتهم و تحياتهم بينهم ، وماذا يقولون للتحيّة‏‏ ومن أي اسم تجلياتها .

ومن علوم هذا الهيكل أيضاً علم جليل هو : علم الشجر و الذي هو علم أصلي يتفرّع عنه مجموعة من العلوم كعلم شجرة النار ، و علم شجرة سدرة المنتهى ، و علم شجرة طوبى ، و علم شجرة الزقّوم ، والكثير من هذه العلوم الفرعيّة‏‏ التي لا يحصيها إلا الله تعالى إلا أنّني رأيت في هذا الهيكل حصراً  أحد هذه العلوم الشجريّة‏‏ وهو يصبغ أربع درجات من هذا الهيكل هو علم شجرة الكلمة ، حيث تختص الدرجة الأولى من هذه الدرجات الأربع بالشجرة الطيبة وتنسحب على الدرجة التي بعدها ، بينما اختصّ الحقّ تعالى الدرجة الثالثة من هذه الأربع بالشجرة الخبيثة ، وقد وجدت في هذه الدرجات علوم جميلة وجليلة ترتبط بهذه الحقائق و تنطوي في حقيقة الكلمة عندنا نحن البشر فعلمت هناك أنّ من كلماتنا ما يشابه كلمات الشجر الطيب ، ومنها ما يشابه كلمات الشجر الخبيث ، وفي هذا العلم علمت أهم ميزات كل كلمة منهما وأن الطيبة ثابتة الأصل والخبيثة ليست كذلك ، وأن الطيبة كريمة الذات والخبيثة ليست كذلك ، وعرفت في ذاك المشهد الاسم الإلهي الذي يتجلى على الشجرة الطيبة فيمنحها أذونات إثمار الأكل ، وفي هذا العلم أيضاً : تتعرف على الحكمة من وجود هذه الشجرة في هذا الهيكل بالإضافة إلى سبب وجودها وهو إنعاش الذكريات من الذاكرة و إيجاد حال التذكّر .

ومن علوم هذا الهيكل أيضاً : علم الأمثال وفيه جملة من العلوم منها علم الأمثال المضروبة للنّاس وسبب وجوده وفاعليّته في النّاس بإذن ربّه .

ومن علوم هذا الهيكل أيضاً : علم القول الثابت ورأيت فيه انبساطه في الحياة الدنيا والآخرة ، و ما ثمرة هذا العموم وهو التثبيت ولمَ اشتقّ من هذه الثمرة اسم هذا العلم وذلك لاختصاص معلومات علم القول بالحضرة الربانيّة‏‏ غير المضافة إلى الأشياء وكيف أن إمداداتها من اسمه الربّ ، وكيف أنّ رقائق النور التثبيتيّة‏‏ في هذا العلم لا تقع إلا على صنف مخصوص من البشر لا تقع على غيرهم ، وهذا الوقوع هو إكرام إلهي لهذا الصنف الإنساني الموصوف بالإيمان ، وعلمت من هناك أنّ رقائق النور التثبيتيّة‏‏ إنما هي إكرام اسم الربّ لمن اتصف بالإيمان به من عبيده البشر الذين تنزع أرواحهم نحو كمال ربوبيته ، وكيف أنّ الصنف الظالم من عبيد الربّ يُحرَم من هذه الكرامة الإلهيّة‏‏ بل يُمنَح رقائق الإضلال فيفقد هذا الصنف الظالم الرسوخ والثبات و القرار .

ومن علوم هذا الهيكل : علم اختصاص الفعل الإلهي بالمشيئة ولعل أجمل ما شهدت في هذا العلم عندما طالعت الدرجة السابعة والعشرين من هذا الهيكل البديع حقيقة استغراق المشيئة للأفعال ، واتحاد المشيئة والفعل بالزمن الحاضر ، وكيف أنّ المشيئة في الزمن المضارع تستغرق الأفعال وعلمتُ من هنا أنّ في حضرة الأفعال الإلهيّة‏‏ ليس في الآن إلا آثار مشيئة الرحمن ، فمن شهد الفعل بطنت فيه المشيئة عرف المُشاهد أم لم يعرف ، ومن شهد المشيئة فقد بطن فيها الفعل عرف المشاهد أم لم يعرف ، وفيه من الأسرار ما ليس هذا التسطير موضعه .

ومن علوم هذا الهيكل : علم جعل الأنداد الإلهيّة‏‏ وفيه توضيح حال من اتخذ ندّاً لله وأنّ علّة اتخاذه ندّاَ هو الإضلال عن سبيل الله ، وفيه وصف أفعال أولئك في تبديلهم النِعم الإلهيّة‏‏ والاستعاضة عنها بالكفر ، وكيف أنّهم علّة حلول أقوامهم في دركات دار البوار التي هي من دور جهنم والعياذ بالله ، وأن جعل الأنداد لله كان سبباً في قرارهم في جهنم ، ولعل أجمل ما في هذا العلم تلك اللطيفة الرحيمة التي وصلت إليهم من ربهم قبل دخولهم واستقرارهم في جهنّم وهو وعد الله لهم بتمتيعهم قدراً ، فانظر رحمك الله تعالى رحمة الله التي وسعت كل شيء كيف أنهم اتّخذوا الأنداد وسيقوا إلى الكفر والعذاب ، ومع كل ذلك منحهم الله سبحانه وتعالى من كرم رحمته متعةً تسبق عذابهم ، والحكم عليهم بالقرار في دار البوار و إنّ في ذلك لحكم كثيرة منها وِسع الرحمة الإلهيّة‏‏ ، ومنها اشتداد العذاب عليهم في جهنم ، فإننا نعلم أن العذاب إن سبقه متعة كان أشدّ من العذاب الذي لا تسبقه تلك المتعة فإن المتعذّب بالعذاب الذي تسبقه المتعة معذَّب بعذابه القائم عليه ، وبعذاب آخر هو حرمانه من متعته السابقة ، فانظر بعين الكمال إلى هذا العلم الربّاني و كيف أنّ الحقّ جلّ وعلا كامل في رحمته حيث متّعهم ، وكامل في انتقامه حيث عذّبهم أعاذنا الله وإياكم وكتب لنا عنده براءة من الشرك والنفاق والكفر آمين .

ومن علوم هذا الهيكل : علم الأوامر الربّانيّة‏‏ للمؤمنين و فيه الأوامر الخاصة للذين آمنوا خصوصاً و أبرزها إقامة الصلاة ، والإنفاق من رزق الربّ ، والجدير بالذِكر هنا ما حصل معي قبل أن أتعرّف على هذه الدرجة من هذا الهيكل فإنّي أحبّ أن أذكره فإن فيه فائدة للمؤمنين عسى أن ينفعني الله بها وهي أنني كنت أظن أنّ الأوامر الإلهيّة‏‏ بالصلاة والإنفاق إنما هي من حضرة واحدة لكل العباد ، إلا أنّني و عند مطالعتي لأنوار هذه الدرجة من هذا الهيكل الوَهبيّ الواجديّ عرّفني الله تعالى أنّ التكليف الصادر عن أمره إنما هو من عدة حضرات يجب على العبد المؤمن المحسن أن يتابعها و يتحراها فإنّ تحتها علوماً جمّة تفيد العبد في معرفة ربه ، فإن الأمر بالصلاة وإن كان تكليفاً منه إلا أنّ أمر الصلاة الذي يُقصد به غير المؤمن هو غير أمر الصلاة الذي يُقصد به المؤمن ؛ وإن تشاكل الأمران بصورة الخطاب ، إلا أن الحضرات الإلهيّة‏‏ التي تنبثق عنها تلك الأوامر تتنوع على حسب أحوال المكلّف ويظهر هذا بوضوح في ثمرات الصلاة ، فمن صلّى عن أوامر تكليف إيمانيّة‏‏ من حضرة ربانيّة‏‏ يُفتح له بما لا يفتح لمن أخذ أوامر الصلاة من غير حضرة الربوبيّة‏‏ وشتّان بين ثمرة وثمرة وصلاة و صلاة وأمر وأمر ، شتان بين من يصلي للرحمن ومن يصلي للشيطان ، وشتان بين من يصلي وهو مؤمن وبين من يصلي وهو غير مؤمن ، وشتان بين من يصلي عن أمر ربانيّ تكليفيّ و بين من يصلي عن أمر ربانيّ شُكريّ ، ولك مثال في الحضرة المصطفويّة‏‏ صلى الله عليه وآله وسلم فقد كانت صلاته عن أمر ربّانيّ تكليفيّ حتى نزول سورة الفتح إنّا فتحنا لك فتحا مبينا وغُفِر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر فصارت صلاته عن أمر ربّانيّ شُكريّ ، حيث صرح بذلك و قال لمن سأله عن صلاته بعد نزول هذه الآيات بقوله : « أفلا أكون عبدا شكورا » و هذا نص في أنّ صلاته قبل سورة الفتح كانت ربانيّة‏‏ تكليفيّة‏‏ وأن صلاته بعد نزول سورة الفتح كانت ربّانيّة‏‏ شُكريّة ‏‏، قبل سورة الفتح صلاة إحسان تكليفيّة‏‏ وبعد سورة الفتح صلاة إحسان تشريفيّة‏‏ ، ولك مثال آخر في أهل بدر فإن صلاتهم كانت ربانيّة‏‏ تكليفيّة‏‏ وبعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله : « لعلّ الله اطّلع على أهل بدر فقال افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم » فإنّ صلاتهم هناك ربانيّة‏‏ وهبيّة‏‏ من اسمه الوهّاب وأقول الوهّاب لا الشّكور لأن الشّكور تجلّى على النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فكان وصفا له فكانت صلاته وصفاً ، ومن علامات كون هذا الاسم وصفا له أنّه لم يتخلّف عنه حتى التحق بالرفيق الأعلى بينما في أهل بدر كان هذا التشريف من حضرة الأفعال فكان من اسمه الوهّاب لا الشّكور ، ولهذا ظهر من الصحابي الجليل الذي شارك في بدر وهو حاطب بن أبي بلتعة ذنب هو مغفور له ، فالذي تجلّى عليه الشّكور بتعينه وصفا له كانت صلاته شكراً ،
ومن تجلّى عليه الوهّاب بتعينه واهب أفعاله كانت صلاته وهباً ثوابيّاً ، والله لا يضيع أجر المحسنين فالذي ظهر على حاطب رضي الله عنه فعل لم يتكرر والذي ظهر على حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وصفا تكرر عنه عشرات الأفعال الصلاتيّة‏‏ التي استمرت حتى التحاقه بالرفيق الأعلى كما قدّمنا ، ومن هذه الدرجة في هذا الهيكل تعلم أنّ الأمر بالإنفاق للمؤمنين إنما هو مزدوج ؛ زوج منه الإنفاق في عالم السرّ؛ والزوج الآخر الإنفاق في العالم العلنيّ ، وعند هذه الدرجة من هذا الهيكل رأيت ما تعجّبت له وكل ما في الهياكل عجيب حيث أنني رأيت أمر الربّ بالإنفاق هنا بكلا زوجيه مؤقّت بزمان محدود ينتهي الإنفاق عنده هو اليوم الأخير للإنفاق ، بينما لم تُحدّ أوامر الصلاة بهذا الزمن ولا بهذا اليوم فهي مُطْلَقة بالأمر العام هذا من جهة الأوامر الربّانيّة‏‏ للمؤمنين أما من جهة من قيل افعل ما شئت فقد غفرت لك فهذا استثناء خاص يختص الله به من يشاء .

ومن علوم هذا الهيكل أيضاً : علوم التسخير الكونيّ ومنها علم تسخير الأنهار ، وعلم تسخير مراكب البحر ، وبأي روحانيّة‏‏ تتحرك ، وعلم الدأب الشمسي والقمري ، وعلم تسخير الليل والنهار ، وعلم تسخير الشمس والقمر ، وفي هذه الدرجة من هذا الهيكل يلحظ سرّ العبد إشراف السماء الرابعة على هذه الدرجة من الهيكل ، ومن العلوم أيضاً : علم إيتاء الأشياء لسائليها ولو على سبيل التبعيض .

ومنها علم تعجيز الخلق في إحصاء النعم المطويّة‏‏ والمجملة في النعمة الواحدة ، ومنها أيضا علم قوة المفصِّل على اسم المحصي ومنه علمت تفاضل الأولياء من بعض الحضرات فإن الوليّ الذي يُفتح له باسم المحصي لا يقوى قوة الوليّ الذي يفتح له من اسمه المفصِّل ، فالأخير أعلى درجة من سابقه وذاك عالمه إمداد السماء الثانية سماء سيدنا عيسى عليه السلام ، بينما الذي يفتح له من اسمه المفصِّل إمداده مما هو فوق السموات وليس هاهنا مكان البسط في هذه الحضرة على أن أذكره في مكانه إن شاء الله تعالى .

ومنها علم الدعاء الإبراهيمي في هذا الهيكل وأن الأولياء في المقام الإبراهيمي من الحضرة المحمّديّة‏‏ إذا كانت إمداداتهم من هذا الهيكل كان المتجلّي عليهم باسمه الربّ فيمدّهم بإمدادات اسمه المؤمن بما يكفي بلد كامل إلى يوم القيامة ويكون اسم الله المؤمن هنا ممدّا بأمر الربّ بإمداد خاص يختلف عن بقيّة‏‏ الإمدادات ، وتعرف من هنا أن الأمان من اسمه المؤمن إذا سرى من هذا الهيكل كان بالجعل .

ومنها أيضاً علم اجتناب عبادة الأصنام ، ومنها أيضاً علم تأنيث كل ما يعبد من دون الله وأنه منفعل لعابده، ومنها أيضا علوم التبعيّة‏‏ الموحِّدة للحضرات فتعرف فيه سرّ التابع والمتبوع ، ولم رضي التابع أن يتبع المتبوع، ومن أي حضرة قبِل المتبوع وجود التابع ، وفي هذا العلم أسرار تحار بها العقول فإنك تجد التابع والمتبوع في حضرة اثنينيّة‏‏ في العالم الخارجي وسرّهما واحد يكون فيه التابع بضع المتبوع، ويسري عليه في عالم الحقيقة ما يسري على المتبوع من أحكام ، ومن أعجب ما شاهدت في هذه الحضرة أن الكثير من التابعين يظنّون استقلالهم عن التابع الذي هم تابعون له ، وحقيقتهم أنّهم منه كائنون .

وفي هذا الهيكل أيضاً : علم رحمة المتبوع بالتابع رغم معصية التابع للمتبوع ، ويمد سرّ هذا المتبوع رقائق أنوار الغفر والرحيميّة ‏‏.

وفي هذا الهيكل أيضاً : علم من أشد العلوم غرابة في مناجاة الله حيث أتاح الله للعبيد من هذا الهيكل أن يَعرضوا عليه ما هو معلوم له ولو استفاضوا في عرض المعلومات ، فهو علم عرض المعلومات على العليم وسرّ هذا العلم ولأجل ماذا سمح الله بذلك مع علمه بتلك المعلومات ، وكيف أنّه جعل هذا العرض طريقاً لاستمطار عطاياه ، ويجد فيه المطالع لهذا الهيكل في هذه الدرجة أنّ السرّ الإبراهيمي ظهر بهذا العلم ليحقّق الاستمداد من الربّ ليمده برقائق اسمه الشّكور وليبسط ربّه باسمه الشّكور رقائقه على ذريته أبداً .

وفيه أيضاً علم الربّ بما خفي وأعلن في حضرة المكان ( السماء والأرض ) .

وفيه أيضاً : علم حمد الربّ على الهبات وأعلاها هبة المعجزات وأكثرها إيناسا في حضرة العبوديّة‏‏ هبة الولد .

وفيه أيضاً : علم جباية الدعاء وفيه معرفة الاسم السميع وكيف أنه يجبي أدعية العبيد وأنه يجبيها ليضعها بين يدي الاسم الربّ ، وأن الاسم الربّ هو غاية ما يجبيه السميع وأنه هو الذي يأذن بالقبول وخصوصاً قبول الدعاء مهما كانت توجهات الأسماء فيه .

وفيه علم قبول الدعاء وأي اسم هو له ومن أي حضرة كان له القبول وإشرافه على الأسماء الإلهيّة‏‏ ، وكيف أن اسم الربّ هو الذي يأذن للأسماء بالقبول لتنفيذ تجلياتها على حسب طلب العبد ، وقد شهدت هنا إحدى سطوة الاسم الربّ في ديوان قبول الدعاء الاسم القيوم ، وكان في إقامة أحوال الصلاة في الحضرة الإبراهيميّة‏‏ وما فيها من الذريّة‏‏ إلى يوم القيامة ، والاسم الجاعل الذي يجعل هذه الرقائق النورانيّة‏‏ في المجعولات ، والاسم الغفّار وهو يمدّ برقائق الغفران المؤمنين فقط ، والعجيب في هذا المشهد أن تلك الأنوار التي شهدتها تم قبولها من حضرة الربوبيّة‏‏ من زمن إبراهيم أبينا عليه الصلاة والسلام ، وأن رقائق الغفران النورانيّة‏‏ هذه لم تظهر على أصحابها المؤمنين إلا آخر يوم من الدنيا ، ولما طلبت من الربّ تعالى أن يريني مساقط الأنوار عليهم يومئذ فإذا به يقبل دعائي ويريني أنها تسقط على المؤمنين في مواقف قيام الحساب ، فتستر ما لم أستطع معرفته لقوة الغفر فيها ، ومنذ ذاك المشهد وأنا أطلب من الربّ بهذا العلم أن أكون من أولئك وكذا من ذريتي ومن تبعني بإحسان إلى يوم الحساب .

وفي هذا الهيكل أيضاً : علم تطهير معلومات العبد بالنهي وخصوصاً نهي العبيد عن تحجير علم الله ، وتأكيده عزّ وجلّ لهم بأنّه ليس بغافل عن الظالمين وسياسة التأخير لعذابهم وأن هذا التأخير لن يتجاوز الدنيا بل هو لآخر يوم في الدنيا ، وفيه الإعلان أيضا بأنه لا يخلف وعده لرسله .

وفي هذا الهيكل أيضاً : علم أحوال أسرار العبيد الظالمين ، وكيف أنّهم بوصفهم ظَلمَة يشتركون في أوصاف هم عليها، ويتباينون في أوصاف على حسب أعمالهم ، وأنّ مِن الأحوال المشتركة لهؤلاء الظلمة شخوص البصر ، وإقناع الرؤوس ، وجمود الطرف فلا يرتد، وهوائيّة‏‏ قلوبهم .

وفيه أيضاً علم استغاثات الظَلَمَة يوم القيامة ، وشهدتُ فيه طلبهم من اسم الربّ أن يؤخّر عذابهم ولو إلى أجل قريب، وكيف يأملون إذا استجاب لهم أن يستجيبوا لدعوة الحقّ ويتّبعوا الرسل ، وشهدتُ رفض الربّ قبول طلباتهم وتقريع الملائكة لهم وتذكيرهم بكلمات هم ناطقوها في أيام حياتهم الدنيا ، ومنها أقسامٌ بأنّهم باقون لا يزولون .

وفيه علم تذكير الظالمين بجرائمهم الدنيويّة‏‏ وتطالع من هناك أقسامهم وعِنادهم ومساكنهم وكيف أنّها مساكن ظالمين .

وفيه أيضاً علم مكر الظالمين ، وأين ينتهي مكرهم وأين هو الآن وقوة هذا المكر ، وقد هالني في ذاك المشهد أنّ مَكْرهم من القوّة والسطوة لو مكروا لجبلٍ لأزالوه ، وأن الله شهدَ لهم بذلك ، وأن العنديّة‏‏ الإلهيّة‏‏ حاوية لهذا المَكْر .

وفيه علم التعريف بالعزّة الإلهيّة‏‏ وأن العزيز الاسم صاحب انتقام فهو غالب لا يُغلَب .

ومن علوم هذا الهيكل أيضاً : علم تبديل الأرض والسموات بغير الأرض .

ومنها أيضاً : علم البروز البشري للحضرة الإلهيّة‏‏ من حضرة الوحدانيّة‏‏ والقهر .

ومنها : علم هيئة المجرمين وما هم عليه من هيئة يوم القيامة وكيف أنهم مقرنين ، و بما كبلوا وأنّهم مسربلين ، و وصف المادة التي سربلوا بها ، والعنصر الذي غشاها فيرى كل مُبصر هناك أنّهم بالأصفاد مقرّنين وأن مادة السربال قُطران، وأنّ عنصر الغشيان الوجهيّ هو النّار .

ومن هذا الهيكل علم الجزاء عن سرعة الحساب وأن ما كسبت النفس في الدنيا من كينونات هي جزاؤها في ذاك المشهد ، وعند مطالعتي لهذا السرّ عرفتُ صورتي يوم القيامة وأنها إجمال كل صورة أنشئها في الدنيا ، وعلمت أن هذا الفتح هو من سرعة حساب الله سريع الحساب حيث أن كل نفس تعرف ما سترى في آخر يوم من الزمن الدنيوي وعلى اليقين والتفصيل ، ولو أنّ النّاس تفطّنوا لهذا الأمر ما عصوا الله قيد شعرة ، وما أنشؤوا لأنفسهم صوراً يرفضون أن تكون حقيقتهم آنذاك ، وعلمت أنني في حياتي الدنيويّة‏‏ مُنشِئٌ لصوري في الآخرة وأنّ يوم القيامة سأكون في حقيقتي منشور هذه الصور ، غفر الله لنا ولكم كل صورة لا ترضيه عنّا ومكننا في دنيانا من إنشاء صور يرضاها في دنيانا وآخرتنا .

والجميل أن أذكر هنا أن صبغة هذا الهيكل في كل علومه التي ذكرتها والتي لم أذكرها بل ذكرت اليسير منها إنما هي صبغة إنذار وبلاغ ، وأن سرّ هذا الهيكل الجامع لهذه العلوم المخصوصة بالذات إنّما هو واحديّة‏‏ الإله ، وأن الهدف العام في كل علوم هذا الهيكل إنما هو إقامة التذكير لأولي الألباب ، وقد علمت من هذا الجمع العلمي أنّ الألباب جمع لبّ ، وأنّ أولي الألباب واحدهم ذو اللبّ ؛ وأنّ اللبّ لا يكون إلا سرّ الكائن ، وبالتالي لا يمكن لصاحب سرّ أنْ يخلو عن هذه العلوم والمعارف ، وهنا تتّضح ذاتيّة‏‏ هذا الهيكل من أنه هيكل الوهب والوجدان .

 والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل والحمد لله ربّ العالمين

 


( من رسالة المجددية الأولى في الإشارة عن الهياكل النورانية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى