هيكلُ الكلمةِ النورانيُّ – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

هيكلُ الكلمةِ النورانيُّ

أُحبُّ أن أقولَ هنا : إنَّ في عقيدتِنا – عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ و الجماعةِ – و بالنسبةِ للأسماءِ نعتقدُ أنَّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى مُسمَّىً بهذهِ الأسماءِ قبلَ أن يَخلُقَ العالَمَ ، فهوَ لم يصبحِ اسمُهُ رزَّاقاً عندمَا خلَقَ الناسَ ورزَقَهُم .. لا ؛ بل هُو رزَّاقٌ قبلَ أن يَخلُقَ الناسَ الذينَ سيرزقُهُم ، هو رزَّاقٌ في ذاتِهِ ، فالأسماءُ الحُسنى للهِ تعالى في ذاتِهِ سواءً كانَ العالَمُ موجوداً أو غيرَ موجودٍ ، وسواءً كانَ العالَمُ مَخلوقاً أم لم يُخلَقْ .

فاللهُ سُبحانَهُ وتعالى مُسمىً بهذهِ الأسماءِ الحُسنى قبلَ خَلقِ العالَمِ وبعدَ خَلقِ العالَمِ .
أما بالنسبةِ للتراتيبِ الحرفيَّةِ فقد ذكرْنا سابقاً أنَّ الذي يريدُ فَهمَ علومِ القرءانِ الكريمِ وعلومِ البسملةِ والعلومِ المَطويَّةِ في البسملةِ يَجبُ أن يتعلَّمَ عن الحُروفِ ويَعلَمَ عن كلِّ حرفٍ :

ما هيَ أبعادُهُ ؟
وما هيَ فهومُهُ ؟
وما هيَ روحانيَّاتُهُ ؟
وذلك لكي يَعلَمَ كيفَ تتراكبُ وتتراتبُ هذه الأرواحُ الموجودةُ في بُنيةِ الحُروفِ لتُخرِجَ منها ألفاظاً ذاتَ روحٍ معيَّنةٍ ، فإنَّ لفظاً معيَّناً يَدلُّ على روحانيةٍ معيَّنةٍ :

كما لاحَظنَا وجودَ الفَرقِ بينَ اسمِ الرَّبِّ واسمِ البَرِّ وأنَّ بينَهما عشراتِ الدرجاتِ ، فوجَبَ علينا أن ننتبهَ إلى أنَّ تراتيبَ الحُروفِ تؤثِّرُ في تَعيينِ مستوى اللَّفظَةِ وتعيينِ الأحكامِ الصادرةِ عن هذهِ اللَّفظَةِ .

وبالتالي فإنَّ بَسملةَ الفاتحةِ تحتوي على تسعةَ عشرَ حرفاً مرتَّبةً بترتيبٍ إلهيٍّ دقيقٍ مُفتَتَحَةً بالباءِ { بِسْمِ } ومُختَتَمَةً بالميمِ .. ميمِ اسمِ اللهِ { الرَّحِيمِ } .
فإذا فهِمْنا روحانياتِ هذه الحُروفِ فَهِمْنا لماذا جاءَتِ الباءُ أوَّلاً ؟
ولماذا جاءَتِ الميمُ آخِراً ؟
ولماذا يوجَدُ في البسملةِ رَاءان ؟
ولماذا يوجَدُ حَاءان ؟
فلا أكثرَ من حَائَين ولا أكثرَ من رَائَين ؟
لماذا يوجَدُ فيها هاءٌ واحدةٌ ؟
ولماذا يوجَدُ في البسملةِ أكثرُ مِن ألِفٍ .. مِنها الباطنَةٌ ومِنها الظاهرةُ ؟

إنَّ هذهِ الحقائقَ جميعَها ؛ إنَّمَا تُدرَسُ في علمِ الحرفِ وتحتاجُ العقولُ البشريةُ إلى فَهمِها ، ويَحتاجُ العَالِمَ الذي يريدُ تفسيرَ القرءانِ الكريمِ وفَهمَهُ أن يَعيَ هذه الحُروفَ .
للأسفِ فإنَّنا نَشهدُ اليومَ شخصاً حائزاً على درجةِ دكتوراه في الشريعةِ الإسلاميةِ ويقومُ بإعطاءِ دروسٍ كثيرةٍ جداً ويَتِمُّ دعمَهُ من قِبَلِ التياراتِ السياسيةِ ( لأنَّهم يريدُونَه أن يُصبِحَ شَيخاً ويَفرضونَهُ على الأمةِ الإسلاميةِ فَرضاً ) مع العِلمِ بأنه ليسَ بِعالِمٍ إنما يقتصرُ تعليمُهُ للآخَرينَ من كونِهِ قارئاً لِكُتُبِ دينٍ فقط وليسَ بِعالِمٍ ، وللأسفِ يأتي مَن يسألُهُ :
– ما هو تفسيرُ{ الٰم } شيخي ؟
فيقولُ :
– اللهُ أعلَمُ بمُرادِهِ مِنها .. انتهى ، ويُغلقُ الموضوعَ وينتقلُ إلى آيةٍ أخرى !! .

وبالتالي فإنَّ الإنسانَ المسلمَ الذي يعيشُ في اليابانِ أو في الصينِ أو في أوروبا عندما يَسمعُ لهذا ( العالِمِ المدَّعي ) ويلاحظُهُ كيفَ يقفزُ عن الآيةِ ويتجاوزُها ويرحَلُ عنها ولا يفسِّرُها .. بل يقولُ عنِ الآيةِ ( هذه مجهولةٌ ! ) يتبادرُ إلى ذهنِ هذا المسلمِ أسئلةٌ مختلفةٌ منها : ‏

هل أريدُ أن ‏أقرأَ مَجهولاً ؟
هل أريدُ أن أعبُدَ اللهَ بأشياءَ مجهولةٍ ؟
وهنا لابدَّ لي أن أقولَ جازماً : لا يَجوزُ ‏أن يكونَ هناكَ شيءٌ مَجهولٌ في القرءانِ الكريمِ ..

لذلك فإنَّي سأقومُ بتفسيرِ فواتحِ السُّوَرِ وتفسيرِ حُروفِ القرءانِ الكريمِ جَميعاً بإذنِ اللهِ تَعالى

في هذا التفسيرِ النورانيِّ الذي هو تفسيرٌ بنورِ اللهِ سُبحانَهُ وتَعالى – ‏التفسيرُ النورانيُّ

والقدرويُّ والطاقيُّ للقرءانِ الكريمِ لكي ‏يَستطيعَ كلُّ المسلمينَ على سطحِ الأرضِ أن يفهمُوا

بُنيةَ القرءانِ الكريمِ ويُطارحواهذه ‏الغوامضَ وهذه الأسرارَ .
‏‏إنَّ عددَ حُروفِ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } تسعةَ عشرَ حَرفاً ، وإنَّ ترتيبَ الحُروفِ على هذهِ الشاكلةِ يدلُّ على أهميَّةِ الهيكلِ النورانيِّ للألفاظِ ..

ماذا يَعني الهيكلُ النورانيُّ الحرفيُّ ؟

يَعني أنَّ كلَّ ‏لفظةٍ ‏تتألفُ من عِدةِ حُروفٍ ( ثلاثةُ حروفٍ أو أربعةُ حروفٍ أو سبعةُ حروفٍ .. ) هذا التركيبُ الحرفيُّ ‏ونوعُهُ و‏تراتبُ الحُروفِ وتلاصقُها مع بعضِهَا لتشكيلِ كلمةٍ واحدةٍ يُشكِّلُ في بنيةِ الكلمةِ هَيكلاً نورانيَّاً خاصَّاً نُسمِّيهِ الهيكلَ النورانيَّ لهذهِ الكلمةِ .

ما هوَ هذا الهيكلُ النورانيُّ ؟

ما هيَ أبعادُهُ ؟

ما هيَ روحانيَّاتُهُ ؟

‏نحنُ لا ‏نستخدمُ عادةً كلمةَ (هيكلٍ نورانيٍّ ) بل نستخدمُ كلمةَ ( نورانيَّةِ الكلمةِ ) أو ( روحانيَّةِ الكلمةِ ) .

‏والذي أريدُ قولَهُ هنا : إنَّ روحانيَّةَ الكلمةِ شيءٌ ونورانيَّةَ الكلمةِ شيءٌ آخرُ .
فروحانيَّةُ الكلمةِ : هي عبارةٌ عن رُوحِ الحُروفِ المُشكِّلَةِ للكلمةِ التي تشكِّلُ الروحَ الأحديَّةَ لهذهِ الكلمةِ من جُملَةِ حروفِها ، فالروحُ هي روحُ الكلمةِ ؛ والكلمةُ هيَ جسدُ تلكَ الرُّوحِ .

لن أتحدَّثَ الآنَ بتفاصيلِ روحِ الكلمةِ بل سأنتقلُ إلى ( نورانيَّةِ الكلمةِ ) لأتكلَّمَ عنِ الأنوارِ المُختَزَنَةِ في هذهِ الكلمةِ .

فلنأخذْ كلمةً بسيطةً مثلَ كلمةِ ( لَعِبَ ) :

لاحِظُوا كلمةَ لَعِبَ ( لَامٌ ، عَينٌ ، بَاءٌ ) هُناكَ أنوارُ رقائقَ نورانيَّةٍ في حرفِ اللامِ ، وأنوارُ رقائقَ نورانيَّةٍ في حرفِ العَينِ ، وأنوارُ رَقائقَ نورانيَّةٍ في حرفِ الباءِ .

ولنفترضْ أنَّهُ يُوجَدُ عددٌ معيَّنٌ لكلِّ حَرفٍ ، فعِندمَا تتركَّبُ الكلمةُ من هذهِ الحُروفِ ستكونُ أنوارُ الكلمةِ هيَ مجموعُ أعدادِ تلكَ الحروفِ .

وأسوقُ بشكلٍ دقيقٍ وعلميٍّ مثالاً من علومِ النّورِ لأنَّنا نتحدَّثُ بتفسيرٍ نورانيٍّ ونتحدَّثُ عن نورانيَّةِ الكلمةِ :  
يوجَدُ في حرفِ اللامِ ثلاثونَ نُوراً أي ثلاثونَ رقيقةً نورانيَّةً تُشَكِّلُ ثلاثينَ مَرتبَةً ، بينما في حرفِ العينِ سبعونَ رقيقةً نورانيَّةً ، وحرفُ الباءِ فيهِ رَقيقتانِ نورانيَّتانِ .. هذا عندَ أهلِ الأنوارِ .

بينما عندَ أهلِ الأسرارِ فهناكَ تصانيفُ أخرى .

وعندَ أهلِ المَطالِعِ يوجَدُ تصنيفٌ آخَرُ .

وعندَ أهلِ الذِّكْرِ ، وعندَ أهلِ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } يوجَدُ لها اعتباراتٌ أخرى وتصانيفُ أخرى .

نتابعُ في مثالِ كلمةِ ( لَعِبَ ) : ففي حرفِ اللامِ ثلاثون نُوراً ، وفي حرفِ العَينِ سَبعونَ نُوراً وفي حرفِ البَاءِ نوران ؛ فيكونُ المَجموعُ مائةً ونورين ، بينما الهيكلُ النورانيُّ لكلمةِ لَعِبَ صارَ فيهِ من الأنوارِ أكثرُ من مائةٍ ونورين ، لِماذا ؟
لأنَّ الحروفَ عندما تكونُ على انفرادِها أي عندما تكونُ اللامُ منفردةً والعَينُ منفردةً والباءُ منفردةً فإنَّ مجموعَ هذه الأنوارِ التي قُمنا بِعدِّها يكون ( مائةً واثنين ) ، ولكن عندما تتصلُ الحروفُ مع بعضِها بهذا الترتيبِ فإنَّ هذهِ الأنوارَ تُشرقُ مع بعضِها ويصبحُ بينهُم أنوارٌ برزخيةٌ ؛ أي أنَّ الثلاثينَ نوراً في اللامِ يتفاعلُ مع السبعينَ نوراً في العَينِ ويتفاعلُ مع نورَي حرف الباءِ فتَنتجُ التقاءاتٌ وانبثاقاتٌ نورانيَّةٌ جديدةٌ تُعبِّر عنها كلمةُ ( لَعِبَ ) ، فروحُ كلمةِ لَعِبَ فيها أنوارُ كلِّ حرفٍ لوحدِهِ وتزيدُ على الحُروفِ الثلاثةِ بأنوارٍ ليسَت موجودةً في هذه الحُروفِ وإنَّما هي أنوارٌ صادرةٌ وناتجةٌ عن التقاءِ الأنوارِ مع بعضِها البعضِ .

فكم عددُ هذهِ الأنوارِ ؟

هذا شيءٌ لا يَعلمُهُ إلا اللهُ سبحانَهُ وتَعالى ويُعلِّمُهُ لمَن شاءَ ، فمنَ المؤكَّدِ أنَّنَا نحنُ البشرُ لا نَعلَمُ الغيبَ ، فلا يَعلمُ الغيبَ إلا اللهُ سبحانَهُ وتَعالى ؛ ولكنَّ اللهَ يُعلِّمُ بعضَ البشرِ ويُعطيهم من العلومِ التي لا يعرفُها أحدٌ ، كأنْ يُعلِّمَ شخصاً معيَّناً اسمَاً من أسمائِهِ كما جاءَ في الحديثِ الشريفِ : ( أسألُكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ أنزَلتَهُ في كتابِكَ أو علَّمْتَهُ أحدَاً من خَلقِكَ .. ) .

( أوعلَّمْتَهُ أحَداً من خَلقِكَ ) :  فلا أحدَ من خَلقِ اللهِ تعالى يَعلَمُ الغيبَ ، ولكنَّ أحَداً من خَلقِ اللهِ تعالى يُمكنُ أن يُعَلِّمَهُ اللهُ من غَيبِهِ معلومةً .

إذاً : فإنَّ هذهِ الأنوارَ عندَ اجتماعِها وانبثاقِها تحتاجُ إلى حقيقةٍ إمداديَّةٍ من العلومِ اللَّدُنيَّةِ من الرَّبِّ سبحانَهُ وتَعالى ؛ فالرَّبُّ هُو الذي يُعلِّمُ هذه الأنوارَ وهذه الأسرارَ وكم يبلُغُ عُمقُها و .. و .. و .. غيرُها منَ الأبعادِ ، ونحنُ البشرُ بحَقيقتِنا ولِوَحدِنا لا نستطيعُ الدخولَ إلى هذهِ الأعماقِ في الكلمةِ .

وإليكُم يا أوليائي في اللهِ تعالى السرَّ التَّالي .. ولاحِظوا معي جَمالَ هذا السرِّ :

قُلنا أنَّ في حرفِ اللامِ ثلاثينَ نُوراً وفي حرفِ العَينِ سبعين نوراً وفي حرفِ الباءِ نُورَين وقد شَكَّلُوا مع بعضِهم البعض مائةً ونورَين لِكلمةِ لَعِبَ .

نتابعُ هذه الحقيقةَ معَ مِثالٍ آخَرَ مِحورُهُ كَلمةُ ( بَلَعَ ) :

لو أخذْنا كلمةَ ( بَلَعَ ) سَنجدُ فيها الحُروفَ ذاتَها لكلمةِ لَعِبَ ( لَعِبَ – بَلَعَ ) .

وكذلكَ فإنَّ عددَ أنوارِ الحُروفِ لكلمةِ ( لَعِبَ ) مائةٌ ونوران وهيَ نفسُ عددِ أنوارِ الحُروفِ لكلمةِ ( بَلَعَ ) .

ولكنْ لاحِظُوا أنَّ الهيكلَ النورانيَّ ( جُملةَ التركيبِ النورانيِّ ) الذي شكَّلَهُ ترتيبُ حُروفِ ( بَلَعَ ) يختلفُ عن الهيكلِ النورانيِّ الذي شَكَّلَهُ ترتيبُ حُروفِ ( لَعِبَ ) .

فالترتيبُ النورانيُّ الذي شكَّلَتْهُ حُروفُ ( لَعِبَ ) أقوى بالطاقةِ وأوسعُ بالمَعنى وأسطعُ في الفَهمِ ، حتى في الواقعِ العمليِّ فإنَّ قدراتِ اللَّعِبِ في الواقعِ العمليِّ واسعةٌ جداً جداً جداً بشكلٍ لا نستطيعُ مقارنتَهُ معَ الهيكلِ النورانيِّ لكلمةِ بَلَعَ .

ولاحِظُوا أيضاً كيفَ أنَّ الهيكلَ النورانيَّ لكلمةِ ( بَلَعَ ) مقيَّدٌ ؛ بينما الهيكلُ النورانيُّ لكلمةِ ( لَعِبَ ) مطلَقٌ .

ماذا يعني مُقيَّدٌ ومطلَقٌ ؟ ( طبعاً نقصدُ هنا الإطلاقَ النسبيَّ وليسَ الإطلاقَ ‏الإلهيَّ ) .

الإطلاقُ النسبيُّ : أي الإطلاقُ الواسعُ الذي لا يستطيعُ أحدٌ منَّا نحنُ البشرُ أن يَحدَّهُ أو يعرفَ أينَ حدودُهُ ولكنَّ اللهَ تعالى يَحدُّهُ .
فالهيكلُ النورانيُّ لكلمةِ ( بَلَعَ ) أكسبَهَا في هذا الترتيبِ التي هي عليهِ حُدوداً معيَّنةً ، وهذهِ الحُروفُ هي التي شكَّلَتِ الهيكلَ النورانيَّ للكلمةِ ، وهذا التشكيلُ النورانيُّ والترتيبُ لا يكونُ إلا بإذنِ اللهِ تعالى لأنَّ هذهِ الحروفَ هي حروفٌ عربيةٌ أنزلَها وخاطبَ اللهُ تعالى بها المؤمنَ ، فهي توقيفيَّةٌ أي أنَّها نَزلَت هكذا من عندِ اللهِ سبحانَهُ وتعالى .

لفظُ  ( بَلَعَ ) : عندَ البشريينَ أمثالِنَا الإنسانيِّين معشرِ بَني آدمَ هوَ لفظٌ من ألفاظِ عالَمِ الفمِ المتعلِّقِ بالأكلِ حصراً ، أي لا تستطيعُ أن تقولَ : إنَّ العينَ تَبلَعُ ؛ أو إنَّ اليدَ تَبلَعُ ؛ أو إنَّ القدَمَ تَبلَعُ .

إذاً :
هذا الهيكلُ النورانيُّ لهذهِ الكلمةِ إنَّما يشيرُ إلى هذا العالَمِ المحدودِ جداً ‏ألا وهوَ عالَمُ الفمِ وعالَمُ البلعومِ وعالَمُ الجهازِ الهضميِّ وهو غيرُ عالَمِ اللسانِ والمَضغِ ؛ لأنَّ البَلعَ شيئٌ محدودٌ ولايُعبَّرُ عنهُ بالمَضغِ ، فالبَلعُ لفظٌ محصورٌ ودقيقٌ يُعبِّرُ عن حالةٍ من حالاتِ الأكلِ الذي لَهُ أيضاً حدودٌ معيَّنةٌ وليسَ في الأكلِ كُلِّهِ ، فحالةُ الأكلِ تتضمنُ المضغَ والامتصاصَ والرَّشْفَ والشُربَ والابتلاعَ وجميعُهم من أفعالِ الفمِ ، ولكن لكلِّ كلمةٍ خصوصيةٌ .

فكلمةُ ( بلَعَ ) تختلفُ عن كلمةِ ( مَضَغَ ) وعن كلمةِ ( ( استساغَ ) الأكلَ رويداً رويداً ) ..  فالتعبيرُ بكلمةِ بلَعَ تؤكِّدُ دقةً معيَّنةً حيث تدلُّ على تناولِ الطعامِ وإدخالِهِ إلى الجهازِ الهضميِّ .

بينما لفظُ ( لَعِبَ ) فهو لفظٌ مطلَقٌ ، تستطيع أن تقولَ : لَعِبَتِ اليدُ ، لَعِبَتِ العَينُ ، لَعِبَتِ القدمُ ، لَعِبَ الرأسُ ، لَعِبَ اللِّسانُ ، لَعِبَ الناسُ ، لَعِبَ المجتمعُ ، لَعِبَتِ الدنيا بأسْرِها .. .

كذلكَ تستطيعُ أن تقولَ : لُعبَةُ التنسِ ، لُعبةُ الخَيلِ ، لُعبةٌ إلكترونيةٌ .. فاليومَ تستطيعُ رؤيةَ كلِّ أنواعِ اللَّعِبِ في الكونِ بأكملِهِ بحالةٍ عظيمةٍ جداً .. فكلُّ لَعِبٍ في الكونِ نستطيعُ أن نُدخِلَهُ تحتَ هذا الهيكلِ النورانيِّ الموجودِ في كلمةِ لَعِبَ ( ل ع ب ) .

نُلاحظُ أنَّ نفسَ الحُروفِ ونفسَ الأنوارِ موجودةٌ في الكلمتينِ ( لَعِبَ وبَلَعَ ) إلا أنَّ اختلافَ ترتيبِ الحُروفِ أدَّى إلى تعيينِ هيكلٍ نورانيٍّ محدودٍ عيَّنَ مستوىً مُعيَّنَاً وعيَّن حقيقةً معيَّنةً في عالَمِ الكلمةِ .
فيَا وليِّي في اللهِ تعالى فَتَحَ اللهُ بصيرتَكَ على نورِ الحُروفِ وهياكِلِها انظرْ كيفَ أنَّنا نستطيعُ أن نوثِّقَ هنا قاعدةً هامَّةً في روحانيَّةِ الترتيبِ الحرفيِّ وهيَ أنَّ :
اختلافَ ترتيبِ الحُروفِ أدَّى إلى تعيينِ هيكلٍ نورانيٍّ محدودٍ عيَّنَ مستوىً معيَّناً وعيَّن حقيقةً معيَّنةً في عالَمِ الكلمةِ .


للمزيد … يمكنك تصفح / تحميل كتاب تفسير بنور الله تعالى – البسملة (الجزء الثاني) وذلك عبر الضغط على الصورة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى