مُمَارَسَةُ التَّفَكُّرِ الرُّوحِيِّ ذَاتِيَّةُ الحَوَافِزِ تِلقَائِيَّةُ الإدرَاكِ
إنَّ الذهابَ إلى حَقلِ السَّعادَةِ الأكبرِ هوَ المَيلُ الطبِيعيُّ لِلعقلِ، لأنَّه وفي هذِه المُمارسَةِ لِلتَّفَكُّرِالرُّوحِيِّ يُوضَعُ العَقلُ الوَاعِي في طريقِه لِمُعايَنةِ المَاوَرَائيَّاتِ خلفَ المُقيَّدَاتِ التِي لَها أنْ تَهَبَ الوَعي بِإِطلاقِها سَعادةَ الإدرَاكِ الفَعَّالِ، فَيَجِدُ العقلُ بأنَّ الطرِيقَ جَذَّابةٌ بِشكلٍ مُتزَايدٍ كُلَّمَا تَقدَّمَ باتجَاهِ النَّشوَةِ .
فَكمَا أنَّ الضَّوءَ يُصبِحُ خَفيفاً وبَاهِتاً كُلَّمَا ابتَعدْنا عَنْ مَصدَره، وتَزدَادُ غزَارتُه كُلَّمَا اقتَربْنا مِنَ المَصدرِ، فإنَّه عندَما يَتَّجِه الوعي إلى السَّعادةِ المُطلَقةِ في ذاتِيَّةِ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ، يَجِدُ المَفَاتِنَ تَتزَايدُ في كُلِّ خُطوةٍ لِتقدُّمِه .
فَيُؤخَذُ الوعي بِالتجلِّياتِ السَّعاديَّةِ مِمَّا يَقودُه إلى الاستِزَادةِ مِنْ مَعرِفةِ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ .
وهكذَا نَجِدُ أنَّ مُمارَسةَ التَّفَكُّرِ الرُّوحيِّ هيَ مُمارَسةٌ مُمتِعةٌ لِكُلِّ وَعيٍ، مَهما كانَ مُستوَى التَّطوُّرِ عندَ مَنْ يَطمحُ لِذلكَ، سواءٌ أكانَ مُتطوِّراً مِنَ الناحِيةِ العَاطِفيةِ أم لا، أو كانَ مُتقدِّماً مِنَ الناحِيةِ الفِكرِيَّةِ أم لا .
وَبِنزعَةِ الوَعيِ الحَقِيقيةِ لِلذهابِ إلى بَحرٍ مِنَ السَّعادةِ الأكبرِ، سَوفَ يَجِدُ بِذاتِه الطرِيقَ إلى تَجاوُزِ الحالةِ المُرهَفةِ لِلتَّفكِيرِ، ويَصِلُ سَعادةَ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ .
لِهذَا السَّببِ إنَّ المُمارسَةَ لَيسَت سَهلةً فَقط، بَل هيَ ذاتِيَّةُ الحَوافِزِ وتِلقَائِيَّةُ الإدرَاكِ .
فإنَّ أقلَّ تَكشُّفٍ مَهمَا يَكُنْ يَتركُ شَاهِدَه المَعلومَ في صفحةِ الوَعيِ دونَ إبهَامٍ، وذلكَ لأنَّ تجلِّيَ التَّوهجِ الحَياتيِّ في الأصلِ هوَ توَهجٌ دَرَّاكٌ فَعَّالٌ لِكُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ .
( من كتاب الهوية للمفكر الإسلامي الشيخ د. هانيبال يوسف حرب ) .