مَا هوَ الكَيَانُ التَّفَكُّرِيُّ ؟
الكَيانُ التَّفَكُّريُّ : هوَ مَسرَحُ الحَياةِ، حيثُ تَسرَحُ الصِّفاتُ بِأفعَالِها .
إنَّه الانفِعالُ الذَّاتيُّ نحوَالوجُودِ الذاتيِّ لِوعيِّ الذاتِ .
لِنكونَ، لِنَعيشَ، لِنَتوَاجدَ .
فإنَّ الكَيانَ يَجِدُ تَعبِيرَاً لَه في مُختَلفِ نَواحِي الحياةِ الوجُوديَّةِ : في التَّفكِيرِ والتَّكلُّمِ والعَملِ والاختِبَارِ والشُّعورِ .
لأنَّ جميعَ نوَاحِي الحياةِ لَهَا أُسُسها في الكَيانِ التَّفَكُّرِيِّ فَذَاتُكَ تَعِي بهذَا الكَيانِ تَجلِّياتِ الحَيِّ بِآياتِ حَياتِه السَّاريَةِ بِقَيُّومِيَّتهِ .
وهُنا يَتُمُّ طرحُ السُّؤالِ عَنْ كَيفِيةِ فَهمِ الكَيانِ التَّفَكُّرِيِّ الذاتِيِّ لِلعَلاقةِ مَعَ الحَياةِ مِنْ كُلِّ النَّوَاحِي المُختَلِفةِ لِلحياةِ التِي نَحنُ مُتآلِفينَ مَعَها .
كيفَ يُمكِننا أنْ نَعرِفَ كَيانَنا التَّفَكُّريَّ الحَيَّ بالنسبةِ لِلعالَمِ عِندمَا يَكونُ فِكرةً في هذَا الكَيانِ، وعندَما يكونُ حَقِيقةً تَجسدِيةً لهذِه الفِكرَةِ المُتجَلِّيةِ خَارجَ حُدودِ الكَيانِ التَّفَكُّرِيَّ، أمْ هل العَالَمُ بوجُودِه خَارجٌ عَنْ كَيانِنا التفكريِّ مَا دُمْنَا نَعتَقِدُ أنَّ فِينا انطَوَى العَالَمُ الأكبَرُ، ومَا هيَ العَلاقةُ بَينَ الكَيانِ التَّفكرِيِّ وبَينَ عالَمِ الأشكَالِ و الظوَاهِرِ التِي نَعِيشُ فِيها ؟
كيفَ نَستطِيعُ أنْ نُميِّزَ الوجُودَ عَنِ المَوجُودِ ؟
الوجُودُ : هوَ مَعنىً مُجرَّدٌ يَعِيَه الكَيانُ التَّفكرِيُّ لِذاتِ الفَردِ، أمَّا المَوجُودُ فهوَ التَّجلِّي المَعرُوفُ المَعلُومُ بِحَقيقةِ الكَيانِ التَّفكُّريِّ البَاصِرةِ لِمعلومَاتِه التِي تُشكِّلُ مَيدَانَ تَفكُّرِه الحَياتِيِّ .
قد نَقولُ إنَّ الوجُودَ هوَ الحياةُ بِذاتِها، في حِينِ أنَّ مَا هوَ مَوجودٌ هوَ الحَالةُ الظَّاهِرةُ ودَائمَةُ التَّغيُّرِ لِحقِيقتِهِ غَيرِ المُتغيِّرَةِ حَقيقةِ الوجُودِ المَحضِ .
إنَّ الوجُودَ : هوَ التَّجلِّياتُ المُجرَّدةُ لِلهُوِيَّةِ الحَياتيَّةِ التِي تَمَّ عليهَا بِنَاءُ مَا نُسمِّيهِ النَّاحيةَ المَلمُوسةَ للحياةِ، والتِي تَشمَلُ كُلَّ النَّواحِي الفَرديَّةِ مِنَ الجِسمِ والعَقلِ والتَّفكِيرِ والتَّكلُّمِ والعَملِ والسُّلوكِ والاختِبارِ والتَّأثِيرِ في المُحيطِ بِمَا في ذلكَ كُلُّ نوَاحِي الوجُودِ الكَونِيِّ .
تُعبِّرُالحياةُ عَنْ ذاتِها بِأسالِيبَ مُختلفةٍ لِلعَيشِ، إنَّ كُلَّ مَا يَعِيشُ هوَ التَّعبِيرُعَنِ الحياةِ، أمَّا المَوجُودُ فهوَ التَّعبِيرُ بِمختلفِ تَجلِّياتِهِ عَنِ الوجُودِ ثَابتِ الحَقِيقةِ .
إنَّ الوجُودَ أو الحياةَ أو الذاتِيَّةَ هيَ الحَقِيقةُ غَيرُ الظاهِرةِ لِكُلِّ مَا هوَ مَوجودٌ أو مَا هوَ حَيٌّ أو مَا هوَ كَائِنٌ .
إنَّ الذاتِيَّةَ هيَ الحَقِيقةُ الأسمَى لِكُلِّ مَا كانَ، وكُلِّ مَا يَكونُ وكُلِّ مَا سَوفَ يَكونُ، إنَّها الهُوِيَّةُ إنَّها الكُنْهُ .
إنَّها أبَديَّةٌ وغَيرُ مَحدودةٍ والأسَاسُ لِكلِّ الوجُودِ الظاهِريِّ لِلحياةِ الكَونيَّةِ .
إنَّها مَصدرٌ لِكُلٍّ مِنَ الزمانِ والمَكانِ والسَّببِيَّةِ .
إنَّها وُجودُ الكُلِّ ونِهايَةُ الكُلِّ .
إنَّها الفَيضُ الأزَلِيُّ المَوجُودُ في كُلِّ شَيءٍ لِلإبدَاعِ الخَلَّاقِ جَامِعِ القوَّةِ .
أنَا وَجهٌ مُقيَّدٌ تَفَكُّريَّاً مِنْ وجُوهِ هذِه الذاتِيَّةِ الأبَديَّةِ، وأنتَ كذَلكَ، وكُلُّ هذَا هوَ وَجهُ تِلكَ الذاتِيَّةِ الأبدِيَّةِ في طَبيعَتِها الأسَاسيَّةِ، والذِي يُقيِّدُه الكَيانُ التَّفكُّرِيُّ في الوعيِّ الوجُودِيِّ لِلحياةِ .
لَقد أظهَرَت المعرفة الكيَانِيَّةُ التَّفكُّريَّةُّ أنَّ الكَيانَ التفكريَّ هوَ وَعيُ السَّعادَةِ، وهوَ مَصدَرُ كُلِّ التَّفكِيرِ لِلخَلِيقةِ المَوجُودَةِ بِرُمَّتِها .
لأنَّ الذاتِيَّةَ تَوجَدُ خَارِجَ الوجُودِ النِّسبيِّ حيثُ يُترَكُ صَاحِبُ الاختِبَارِ – المُسمَّى الوَعي – يَقظاً بِذاتِه وبِإدرَاكِه الكَاملِ لِذاتِه دونَ اختبارِ أيِّ غَرَضٍ، فَيَصِلُ العَقلُ الوَاعِي إلى حَالةِ الوَعيِّ الرُّوحِيِّ الصَّافِي الذِي هوَ مُستَجلِبُ كُلَّ تَفكِيرٍ .
إنَّ الإبدَاعَ الخَلَّاقَ جَامِعَ القُوَّةِ بالنسبَةِ لِلمُطلَقِ هوَ مَصدَرُ كُلِّ إبدَاعٍ ( مِنْ حُدودِ الإنشَاءِ إلى الذكَاءِ إلى الإيجَادِ عَنْ فِكرَةٍ ) .
فالذاتِيَّةُ هيَ مَصدَرُ كُلِّ قُوَّةٍ .
وذلكَ لِتجلِّي هُوِيَّةِ الكَيانِ فِيها، كَمَا أنَّها مَصدرُ كُلِّ الطبِيعَةِ وكُلِّ القوَانِينِ الطبِيعيَّةِ التِي تُحافِظُ على الأشكالِ والظوَاهِرِ المُختَلفةِ في الخَلِيقَةِ .
إنَّ الحَقِيقةَ الأسَاسيَّةَ ذَاتِيَّةَ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ هيَ وَعيُّ السَّعادَةِ المُطلَقِ، وبِعدَمِ المَعرفةِ لأسَاسِ الحَياةِ الذِي هوَ وَعيُّ الغِبطَةِ المُطلَقِ، تَكونُ الحياةُ مِثلَ البِناءِ المَبنِيِّ بدونِ أسَاسٍ .
إنَّ الحياةَ النسبِيَّةَ كُلَّها والخَاليَّةَ مِنَ الأساسِ المُدرِكِ لِلهُوِيَّةِ الذاتِيَّةِ، تُشبِه سَفينَةً ليسَ لَها دَفَّةُ الاتِّجاهِ، فهيَ تَسيرُ تحتَ رَحمةِ البحرِ الذِي يَتَقاذَفُها .
إنَّها مِثلُ وَرقةِ الشَّجرِ اليابسةِ والمَترُوكةِ على الأرضِ تحتَ رَحمةِ الرِّيحِ تتَطَايرُ في كُلِّ اتِّجاهٍ يَأخذُها بِه الرِّيحُ، ذلكَ لِعدَمِ ارتِبَاطها بِالجُذورِ التِي تُثَبِّتُها في مَوضِعِها .
إنَّ حياةَ الفردِ دونَ إدرَاكٍ لِلهُوِيَّةِ الذاتِيَّةِ هيَ بِلَا أسَاسٍ وبِلَا مَعنَىً وبِلَا نَفعٍ .
لِذلكَ إنَّ الهُوِيَّةَ الذاتِيَّةَ هيَ أسَاسُ الحياةِ، فهيَ تُعطِي الحياةَ المَعنَى وتَجعلُها نَافِعةً .
إنَّ الهُوِيَّةَ الذاتِيَّةَ هيَ الوجُودُ الحَيُّ الإلَهيُّ وحَقِيقةُ الحياةِ المُنبَثِقةُ تَجَلِّيَاتُها عَنه .
إنَّها الحَقِيقةُ الأبَدِيةُ القَادرَةُ .
إنَّها المُطلَقُ في ذَاتيَّةِ هُوِيَّةِ الحياةِ الأبَديَّةِ .