من صور الصحابة – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

مِنْ صُوَرِ الصَّحَابَةِ رِضوَانُ اللهِ عَلَيهِم

 

 

أروِي بِسَنَدِي عَنْ أشيَاخِي، قالَ أبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضيَ اللهُ عنه : (( لَو كُشِفَ الحِجَابُ مَا ازدَدتُ يَقِيناً )) .

هَدَانا اللهُ هذَا القرآنَ وتَكلَّمَ فيهِ عَنْ سَبعةِ سمَوَاتٍ، وسَبعَةِ أرَاضِينَ، وَجَنَّةٍ عَرضُها السَّماواتُ والأرضُ، فهذِه الكَلمةُ حَقِيقةٌ مُشاهَدةٌ في الوَاقِعِ المَحسُوسِ، فلَو كَشَفَ اللهُ بَصَرَ أبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ وشَاهَدَ الجَنَّةَ حَقِيقةً مَا ازدَادَ يَقِينُه بِوجُودِ الجَنَّةِ، وذلكَ لِدِرايتِه بهذَا العِلمِ وهذَا التَّحَقُّقِ .

فحِينَ أخبَرُوه أنَّ مُحَمَّداً صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عَرَجَ إلى السَّماواتِ صَدَّقَ القولَ بِيقينِ المُشاهدَةِ القَلبِيَّةِ، وقالَ : ” إنْ قَالَ مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ هذَا فَقَد صَدَقَ “ ، لأنَّه يَعلَمُ أنَّ كَلِمتَهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ تَتحقَّقُ في الوُجودِ .

في حَادثةٍ أُخرَى وَعَدَ سَيِّدُنا مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُرَاقةَ بنَ مَالكٍ بِسوَارَي كِسرَى، ومَرَّ الزَّمنُ وفَتحَ المُسلمونَ بِلادَ فَارِسَ، ولبِسَ سُرَاقةُ سِوَارَي كِسرَى في يَدَيهِ، فَرَآه أَحدُ الصَّحابةِ فبَكَى، وقالَ : ” تَحقَّقتْ كَلمةُ رَسولِ اللهِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ “ ، تَحقَّقتِ الكلمةُ حِينَ كانَ في الأصلِ يَفعَلُ مَا يَقولُ في حَيَاتِه، يَأمرُ النَّاسَ بِالزَّكاةِ ويُزَكِّي، ويَأمرُ النَّاسَ بالصَّلاةِ ويُصلِّي، يَأمرُ النَّاسَ بالحُبِّ ويُحِبُّ، يَأمُرُ النَّاسَ بِالغُفرَان ويَغفِرُ، ويَأمُرُ النَّاسَ بالرَّحمَةِ ويَرحَمُ، ولَحظةَ الألَمِ والانكِسارِ تَدعَمُه المَلائِكةُ جُندُ الحَقِّ .

سَيِّدُنا عَليُّ بنُ أبِي طَالِبٍ خَلعَ بَابَ خَيبَرَ بِيدٍ وَاحِدةٍ فَقط فَنَزعَه نَزعاً مِنْ بَوَابتِه، وعَشرَةُ رِجالٍ مِنْ صَنَاديدِ قُريشٍ مَا استَطَاعوا زَحزَحَتَه في مُحاوَلةِ إعَادَتِه، وكانَ عَليُّ بنُ أبِي طَالِبٍ في تِلكَ المَعرَكةِ مَريضَ البَدنِ، وحِينَ سَألُوه كيفَ فَعلَ ذلكَ دُونَ كَلَلٍ ؟! أجابَ : ” لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ “ فَفَتحَ البَابَ بِقوَّةِ الحَقِّ عَزَّ وجَلَّ، فكانَ عليٌّ كَرَّم اللهُ وجهَهُ مِمَّنْ يَقولُونَ مَا يَفعَلونَ، فَاستَحتِ المَلائكةُ في هذِه المِحنَةِ ألَّا تُسَاعدَه في هِمَّتِه، وقَد كانَ مَريضَ البَدنِ ضَعِيفاً في صِحَتِه،  فَجُبرَتْ بقوَّتِه وآزَرَتهُ .

فَمَنْ يقولُ مَا لا يَفعلُ تَأتِيه المَلائكةُ لِتَجبُرَ خُطَاهُ، فَتَترَدَّدُ بأنَّه يقولُ مَا لا يَفعلُ فَلَرُبَّمَا هَمَّ بالمَسألةِ إلَّا أنَّه مُتقلِّبُ الرَّأيِّ غَيرُ فَعَّالٍ لأقوَالِه، فتُحجِمُ الملائكةُ عَنْ مُساعَدَتِه، ويَتبيَّنُ لَها أنَّه حَقَّاً أحجَمَ عَنِ المَسألَةِ .

و جاءَ في الحديثِ الصَّحيحِ : رَوَى أبُو أُمامَةَ البَاهِليِّ في مَجْمَعِ الزَّوائِدِ لِلهَيثَمِيِّ : ” إنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لَيَرفَعُ القَلمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ العَبدِ المُسلِمِ المُخطِئِ أو المُسِيءِ فإنْ نَدِمَ واستَغفَرَ مِنها ألقَاهَا وإلَّا كُتِبَتْ وَاحِدةً ” .

إنَّ مَلَكَ الشِّمَالِ مَأمُورٌ بكِتابةِ السَّيئَاتِ فَلِمَ الانتِظَارُ سِتَّ سَاعَاتٍ ؟! الجَوابُ : لأنَّه سَمِعَ قَولَ مَلَكِ اليَمِينِ، إذاً مَلَائكةُ الرَّقِيبِ عَتِيدِ تَسمعُ القَولَ وتَتفَاعلُ مَعه وتَنفَعِلُ له .

نَستفِيدُ مِنْ ذلكَ فِكرةَ العَقدِ بَينَك وبَينَ مَلاكِ السَّيئَاتِ، وقَد قالَ عَزَّ وجَلَّ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ .. } المائدة1 ، فمَلَكُ الشِّمَالِ مَخلُوقٌ لِكتابَةِ سَيئَاتِكَ، كُلَّمَا أخطَأتَ خَطِيئةً استَغفِرِ اللهَ عَزَّ وجَلَّ مِنها، فَيَقضِي مَلَكُ الشِّمالِ وَقتَه بِذِكرِ اللهِ تعَالى، وثَوابُ ذِكرِه يكونُ بِمِيزانِ حَسنَاتِكَ، فتَقولُ : ” أيُّها الرَّقيبُ العَتيدُ الّلذَانِ وكَّلَكُمُ اللهُ بِسيئَاتِي وحَسنَاتِي إنْ أخطَأتُ الخَطِيئةَ أسأَلُكم بِوَجهِ اللهِ الكريمِ الذِي وكَّلَكُم بِكتابةِ سَيئَاتِي وحَسنَاتِي أنْ تُذَكِّرُونِي “ ، فإنْ أنتَ أخطَأتَ الخَطِيئةَ يُذَكِّرُوك بِها، ويُساعِدُوك في استِغفَارِك عَنها وهذِه مَسألَةٌ مُجرَّبةٌ .

فَمَنْ قالَ كلمةً حسنةً تَتَجسَّدُ حَقائِقَ حَسنةً، مَلَاكاً مُخلَّقاً مِنْ كَلِمتِك، ثَوابُ تَسبِيحِه يكونُ لَكَ، و مَنْ قالَ كَلمةً خَبِيثةً تَتَجسَّدُ حَقائِقَ خَبِيثةً، مَلَاكاً مُخلَّقاً مِنْ كَلِمتِكَ يَنتَقِمُ مِنكَ .

قالَتْ زَوجَةُ أبِي لَهَبٍ : ” ضَعُوا لِمُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ نَارَاً ذَاتَ لَهَبٍ ” ، فَخلَّقَ اللهُ مِنْ كَلِمتِها مَلَاكاً مُنقَلِباً عليها، فجَاءَ في القرآنِ الكريمِ : { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ {4} فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ {5} المسد ، هذَا الحَبلُ هوَ كَلمَتُها ( مَظهَرُ كَلمَتِها الخَبِيثةِ ) ، فكَمَا تَدِينُ تُدَانُ .

 


( من كتاب علم رؤية القول بالبصر للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى