مقدمة نبوغ المجددية – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

مقدمة كتاب نبوغ المجددية في تطوير الأذواق العرفانية

سألتهُ .. فأجابَني ..

قلتُ لهُ .. فقالَ لي ..

سألتُه : ما مَركبُ وَصْلِك ؟

الجواب : عِشْقه .

أخذتُها .. كسرتُها .. بانَتْ لي أسرارُها

عِشْ      قِ      هـِ

عِشْ :  لهُ و بهِ منهُ و إليهِ .

قِ :  نفسَك و أهلَك غضبَه و نارَه

هـِ : الـ هو .. وحدَه لا غيرَه

عِشْ + قِ + هـِ = عِشْقه

ذاكَ مَركبُ وَصلِهِ

فأعددتُ العُدّة ، وضَربتُ أشرِعَة الأسماء على صاريةِ المَركب الواصِل ، وخُضتُ البحرَ النّوريّ بِمَركبٍ سُروريّ ، والقُبْطَان مُجَدّدِيّ ، وإِليك يا وليّي في الله تعالى  ما في مقدّمةِ هذا السَفَر ، فلكُلّ نبأٍ مُستَقَر ، ومن مُستَقَر المُقدّمة نُنَزِّل مِدَاد هذا المَطر ، يُحْيي به الحَجَر ، ويُغِيثُ به الشَجَر ، شَجَر الوَلِيّ الواقِفِ على أبوابِ المَشَارِف ، يُبَدّد مِنْ أجل اللّطيف الكَثَائِف .. ويُكَثّف مِنْ أجْلِه اللّطائِف، ليَدْخُلَ حَضْرة العِرفان .. ويُوَحِد الرّحمن .. ويُنفِق مِنَ البَيَان .. قُرْبَاً مِنَ الدَّيَّان .. شُرْبَاً بالجِنَان كؤوس الحُبّ الأبَدِيّ .. الفيّاضَة بالنّور الأبَدِيّ المُعَمّرَة بالنّور الأَحَدِيّ .. فلا ارْتَوَتْ ولا ذَاَقتْ مهما حَوَتْ .. فالعَطَشُ هناك سَرْمَدِيّ ؛ ولا عَطَش .. رِيٌّ ولا ارْتِوَاءٌ .. والقلب سُجُود والحَقّ اسْتِواءٌ .. توحيدٌ في عَيْنِ التّبديدِ .. تمديدٌ في عَيْنِ التّجديدِ .. والبَصَر هُنا قُصُورٌ .. وهُناك حديدٌ .. هُناك في هُنا .. أنْتَ حيث الأَنَا .. مِنْ ذَاك اللا أيْنَ واللا زَمَنَ كان فَيْضُ نُورِ هذا البَحْث ، وفاض النّور بأنْوارٍ ، وهذا نُور المُقدّمة الأوّل .

 

قاعدة البَحْث :

قاعِدة البَحْث ثلاثيّة الأبعاد والكأس واحدٌ ، والكأس عِرفانٌ ، والأبعاد تابعيّةٌ مِنْ حَضْرة أصليّة جذورها حَكِيميَّة هي للحكيم التِرمذيّ رضي الله تعالى عنه ، وأكْبَريّة الخَتْم ابْن عربيّ قدس الله تعالى سره ، ومُجَدّدِيّة عِطر المَلكوت الدِمشقيّ .

حيث أشار سيادته أنْ لا أكتبَ في بَحْثي ألقاب تفخيمٍ قبل وبعد اسمه ، وأراد بذلك تواضع النُبوّة المُحَمّديّة لله تعالى ، إلا أنْيّ ما استطعت ذلك عملاً بأخلاق السَلَف الصالح رضي الله عنهم ، فلم يكُنْ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم يوماً يَهوى مِنْ صحبه متعة التفخيم والتوقير ، بل كان خُلُقه معهم التواضع والتدلّي ، إلا أنّهم لمْ يكفّوا عن احترامه وتوقيره وتفخيمه ، وهنا تكرّر المَوقِف بيننا مع الفَارِق ، فوقف معي حفظه الله بخُلُقٍ نبويٍّ شريفٍ ، ووقفْتُ معه بخُلُقٍ صحابيٍّ شريفٍ جعلنا الله معهم في جنان الرحمن .

ولمْ أَجعل البَحْث قاعدةً واحدةً بلْ جعلتُه بِعَون الله تعالى ثلاث قواعدٍ ، وعملتُ على بثّ روح التّوحيد في أجساد هذه القواعد ، ممّا أبرز هذا البَحْث بلباسٍ مُجَدّدِيّ يتناسبُ مع روح هذا العصر وروح الخُلُق المُجَدّدِيّ الصوفي ، فلا تجد بين قواعد هذه المدارس العِرفانيّة الثلاث أيّ مقارنةٍ تُفيد تفاضلاً ، بلْ روح التّوحيد عندنا إعطاء كلّ طريقةٍ مكانها ، وعرض الأذْوَاق لإفادة التّكامُل والتّتابع والتّتام ، و هذا مِنْ أخلاق المُجَدّدِيّة ، فهي تَعي تماماً أنّ : ما في الآن إلا أَبدع إمكان ، فالأكبَريّةُ سيّدةُ الزَمن الأكبَريّ ، والمُجَدّدِيّة امتدادُ عِرفانٍ ؛ وعليها إثبات عوالِمها ليكون لها الزمن المُجَدّدِيّ ، فلكلّ زمانٍ دولةٌ ورجالُ ، ولكلّ رجلٍ عِرفَانه ، وهذا البَحْث في عِرفان رجال هذا الزمن ، والخلاصة هي التي تفيد هذا القرار .

وقد اقتصرتُ في هذا البَحْث على جوانب المُجَدّدِيّة الذَوْقية الصوفيّة لخصوصيّة البَحْث ، إلا أنّه مِنَ الجدير بالذكر أنْ أعترفَ بفضل هذا الطريق على هذا العصر ، فقد وجدت في شباب المُجَدّدِيّ  فُحُولَ نورٍ رفعوا لواء التّجديد ، وهم يخدمون هذا اللواء بتفان ٍعجيبٍ ، سيبقى كرامة العصر لدمشق الشام ، فهذا البَحْث في جناحٍ مِنْ أجنحة لواء التّجديد في بَسْطِ ذَوْق مُجَدّدِيّ صُوفيّ عِرفانيّ ، مَصَبُّ المدارس الصُوفيّة ، فما على المُتابِع لهذا البَحْث إلا النزول في مرحلة العِرفان الأولى عند الحَكيم رضي الله عنه ، ثم عند المرحلة الثانية عند الأكبَريّ قدس الله سره ، ثم في المرحلة الثالثة مرحلة الآن عند المُجَدّدِيّة ، فَيَتَحَصّل في عوالم الحِسّ صورُ أرواحِ المراحلِ ، فتكتمِلُ الصورة ، وما جعلت قَوْل الباحِث – وهي مباحث نَشرتُها في هذا البَحْث لإسقاط الذَوْق على بعض المناهِل التّطويريّة والإشارة إلى مواضع التألّق العِرفانيّ المُجَدّدِيّ – إلا تأكيداً على الذَوْق الناضِج لهذه الطريقة التي وُلِدَت في عصرٍ شَهِدَ له كلّ عُقُول الكوكب – مع بعض الاستثناء – أنّه غارقٌ في المَاديّة ، وما على المُتَابِع لهذا البَحْث إلا مراقبة القفزة العِرفانيّة التي بلغَتْ مسافتها قُرابة الألف سنة بين الأكبَريّة والمُجَدّدِيّة لإحياء منابِع العِرفان ، وجَعْلِ الأكبَريّة قاعدةَ عرفانٍ متينٍ للانطلاق نحو فضاءاتٍ مُجَدّدِيّةٍ مُطْلَقَةِ العَنَان في عوالِم العِرفان .

فالمُجَدّدِيّة عينُ العِرفَان الأكبَريّ مِنْ وَجْه

ولغةُ العِرفَان العَصريّ مِنْ وَجْه

وامتداد بذرة الحَكيم رضي الله عنه مِنْ وَجْه

وشطرُ التصوّف العِرفانيّ مِنْ وَجْه

والوَجْه الجديد للعِرفَان مِنْ وَجْه

أمّا النّور الثاني لهذه المُقَدّمَة فهو :

عَمَلي في هذا البَحْث

بدايةً فإنّ هذا البَحْث هو بأمْرِ مولانا الله تعالى وإذْنِه لهذا العبد الضعيف بالتّدوين لِنَيل درجة الدبلوم في الدراسات العليا في العِرفان ، وقد اعتمدتُ في كُتِب العِرفَان على كتاب الفتوحات المَكيّة  للشيخ الأكْبَر ، وكتاب خَتْم الوِلايَة للحكيم التِرمذيّ ، ورسالة الولي ورسالة خُلُق كُنْ خُلُق الأولياء ؛ وهما رسالتان فتح الله بهما علي بعد إذْنِ مولانا العِطْر المَلكوتيّ بالتقييد لأجساد هذا البَحْث ، ومن ثُمّ تنوَرتُ ببعض الشُروح العِرفانيّة التي  كان يبثُها حبيبنا عطر الملكوت الدمشقي بين أبناء الطريقة المُجَدّدِيّة مُشَافَهَةً ، وخصوصاً علم المصطلح المُجَدّدِيّ ، فللمُجَدّدِيّة مُصطلحاتها الصوفيّة الخاصة وهذا من ميّزاتها في علوم الحقيقة ، فلها كيانٌ وشخصيةٌ مستقلةٌ وإنْ كانتْ قد صَهرت عِرفان ما قبلها .. في قالب أنوارها .. فنحن أعلامُ إتباعٍ مُحَمّديٍّ .. لا صُنّاع ابتداعٍ .. فلكُلّ ذَوْقٍ عِندنا دليلُه الشَرعيّ وإلا فهو ردٌّ على صاحِبه ، ولهذا حاولتُ قدر الإمكان تطريز وزركشة هذا البَحْث بالأدلّة العقليّة تارةً ، والنَقْليّة تارةً ، ولمْ أُغرق في بسط الأدلّة لأنّني أكتبُ لغةً صوفيّةً لعقلِ مُتَلّقٍ بروحٍ مُتَفَهّم ، ولأنّي اشترطتُ على المُتَابِع لهذا البَحْث أنْ يكون مِنْ أهل العِرفان مِنْ أيّ بابٍ كان ، ولِيُتَنَبَّه !

 إنّه لا لومٌ على مَنْ يكتب ما لا يُفهَم عند البعض ، بلْ كُلّ اللوم على مَنْ لا يفهمْ ما يُكتَب للبَعض .

وقد جعلتُ الفصلَ وحدةً أساسيةً أقسامُها مَبَاحِثٌ ، وجعلتُ باب الفصل عين سؤال الخَتم .

النور الثالث للمقدمة هو :

بِعَون الله

نور الأسلوب :  من المَعلوم أنّ الأذْوَاق الصُوفيّة أذْوَاق نُوريّة لا تحدّها العِبَارة ولا تُحِيزُها الإشارة ، لهذا كان لا بدّ مِنْ تجديدٍ للمُجَدّدِيّة  في طرح الأذْوَاق الروحيّة ، فاختزلْتُ مَعارِفي المُتواضِعة في عِلْم التّأليف ، وكوّنْتُ حَضْرة جامعةً لكلّ أشكال الطَرْح الإعداديّ والتأليفيّ في منطق ٍ تَولِيفيّ وهذا ما أجده – كمُجَدّدِيّةٍ – الأليَقَ بلُغَة العَصْر .

فَمَنْ خَبِرَ لُغَة التّأليف اليوم ، يجدُ في البَحْث قِصَصِيّة الأسلوب الأدبيّ ولُغَته ، ومنهجيّة  الأسلوب العلمي وصِفَته ، تدوينٌ مدرسيٌ في عينِ تسطيرٍ تحديثيٍّ ، ومِنْ عُلوم التّأليف الوَصْفِيّ أخذتُ وَصْفِيّة التّعبير الحِوَاري ، وهو وَصْفٌ مِنْ أرقى لُغَات التّعبير التجسيديّ بشهادة أهلِ الفَنّ قاطبةً على وَجْه هذا الكوكب ، ومِنْ عُلوم التّأليف الدَرَاميّ أخذتُ تكامليّة شُخوص الأنوار المُشارِكة في الوَاقِعة ، مما ساعد على خروج الأذْوَاق بإتقانٍ مدروسٍ ، لا تداخلَ للحَضَرات فيه ، فحَضْرة القُدْسيّ مثلاً في هذا البَحْث شخصيةٌ مُستقلّةٌ ، مما يُساعِد المُتابِع لهذا البَحْث على إمساك معالم الذَوْق القُدْسيّ بلغةٍ نَفْسيّةٍ مضبوطةٍ ، ضاعت معالِمُها في كُتُب الأذْوَاق عند مَنْ قبلَنا مِنَ المُدَوّنين للعِرفان الصُوفيّ .

ومِنْ عُلوم التّأليف الحَرَكيّ ، أخذتُ الحَركة التّركيبيّة لتَتَابُع الصُوَر البَصَريّة الحامِلَة للمعاني والمُتكامِلة فيما بينها ، وذلك لصياغة الأذْوَاق الحَقّية النُوْريّة في حَضْرة البَصِيرة بلغةٍ مكتوبةٍ ، تُبْرز تجلّيات البَصِير النُوْرانيّة في أرواح الوَاقِعة ، مما أدى بالصُورَة أنْ تُحافِظ على السُورَة ، فتنتعش الفُهُوم بما يُناسِب لُغَةَ تخاطُبِ الحَوَاس البَاطِنة ، وخصوصاً المُخيّلة لدى المُتابِع لمَبَاحِث هذا البَحْث ، وقد جعلتُ أبرز حُلَلِهِ في وادي التّعريف ، ولم أزِدْ على ذلك في غيره أُسوةً حَسَنةً بالقُرْآن الكريم الذي عمد فيه الحَقّ على تلوينِه لحِكْمَة تمكينه ، فالمُؤَلِّف عندما يقرأ القُرْآن الكريم بعقل المُؤَلِّفين يجد حلاوة هذه البدائع الصُنْعِيّة في صياغة الأذْوَاق الإلهيّة ، فهو الإعجاز الأوّل مِنْ حَضْرة تأليفٍ حقّيةٍ لقلوب خُلْقيّة ، هذا بلُغَة مُصطلحات العصر ، إلا أنّني تعرفتُ عليها في القُرْآن الكريم ولمْ أجدْ مَنْ تكلّم عنها قَبْلي ، فعاِلم اللُغَة المَسرحية الشكسبيريّة يقف عاجزاً مَبهوتاً أمام قَوْل السماوات والأرض بـ ” أتينا  طائعين “ ، وحَدِيث النَملة ، وهاروت وماروت ، وأصحاب النِعاج ، والهُدْهُد ، وضيوف لوطٍ ، وتسبيح الجبال .. وأهل عُلوم التأليف يَبْهَتون أمام الحركة التّركيبيّة لتَتَابُع الصُوَر البَصَريّة الحامِلة للمعاني والمتكاملة فيما بينها :

(( فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُود ٍوَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ )) [1] .

(( وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ )) [2] .

فهل أجملُ مِنْ هذه التّجلّيات البَصَريّة للقلوب المُبْصِرَة في حَضْرة البَصِيرة مِنْ اسمه البصير! و فوق كُلّ هذا فهو قيّد الحَرْف القُرْآنيّ في إبداعٍ مكتوبٍ بيانِيٍ ، فلنا الاقتداء ولنْ نَصِل بلْ نرتقي إلى حَضْرة قُرْبٍ .

وقد صُغت كلّ ذلك بإسلوبٍ عِلْميّ في مراحله المُتفرِّقة ، وهي في عِينها مُتّصلَة في الوحدة ، مجتمعة في البناء ، وهذا ما يُعرَف عند أهل التّألِيف بالمُتّصِل المُنْفَصِل ، وسور القُرْآن الكريم مِنْ أبدع ما عَرفتُ مِنْ مُنْفَصِلٍ مُتّصِلٍ ، فالسُوْرَة حَوَتْ الصُوُرَة ، والمُتّصِل حَوَى المُنْفَصِل في عين انْفِصَال المُتّصِل ، فما أبدعه مِنْ قرآنٍ كريمٍ ، ولا أسُوقُ هذا الكلام باصطلاح أهل الفَنّ إلا إشارةً إلى مَقامٍ قرآنيٍّ رفيعٍ ينفعُ المُجَدِّدَ مِنَ المُؤلِّفين ، حيث أنّ مِنَ الوَاجِب عليه الاقتداء بالبيان القُرْآنيّ واستخدام كلّ ما يتيسر له مِنْ فُنونه البديعة .

ومِنَ المعروف أنّه مِنَ الأذْوَاق ما لا يُقَال ، ومنها  ما يُقَال ، والذي لا يُقَال ربّما لصُعوبة تنزّله في جَسَد الحَرْف ، وربّما لكونه فوق أطوار الإدراك المُلْكِيّ – الشَهَادِيّ في عالَم الشَهَادة – وربما هو مِنَ الأسرار التي لا يجب إباحتها [3] ، أو أنّها أذواقٌ خاصةٌ بِحَالِ الذَوَّاق فقط ، إلا أنّ أذْوَاق هذا البَحْث كلّها التِرمذيّة والأكبَريّة والمُجَدّدِيّة أذواقٌ مدونةٌ على وَجْه التّقريب في حَضْرة حروفٍ ؛ فكلماتٍ ؛ فجُمَلٍ ؛ فعباراتٍ ؛ فنُصُوصٍ ، ولأَبْسُطَ الذَوْق المُجَدّدِيّ بسطاً لائقاً سهلاً في التّناول مِنْ قِبَل أصحاب التصوّف العَمَليّ ، توكلتُ على الحَيّ الذي لا يموت في استخدام عوالِم الواو في بَسْط أنوار الإجمال في عوالِم التّفصيل ، فكانتْ هناك علومٌ مُساعِدةٌ في حَضْرة التّفصيل ، قيّدتْ أنْوَار الأذْوَاق كما هي في وارِد الوَقْت أذكر منها :

– عِلْم الأسماء الإلهيّة .

– عِلْم التّوحيد .

– عِلْم المَقامات .

– عِلْم المَنَازِل .

– عِلْم الأحْوَال .

– عِلْم التلخيص .

– عِلْم الأخلاق الإلهيّة .

– عِلْم الأحَدِيّة .

– عِلْم الجَمْعِيِّة .

– عِلْم الاقتدار الإلهيّ .

– عِلْم عالَم الأنْفَاس .

– عِلْم التّكوين .

– عِلْم الحُرُوف .

– عِلْم الحَوَاس .

– عِلْم المَرَاتِب .

– عِلْم الشَكْل .

– عِلْم الحِيَازة .

– عِلْم الحَضَرَات .

– عِلْم النِسَب والإضَافَات [4] .

– عِلْم الإجْمَال .

– عِلْم التّفْصِيل .

– عِلْم الدَهْر .

– عِلْم الأبْعَاد الخَلقيّة .

– عِلْم النَفَس الرَحْمَاني .

– عِلْم تجديد النواشِئ الغَيْبِيّة .

– العِلْم العِيسَوي .

– عِلْم الاسْتِعْدَاد .

– عِلْم الأهل .

– عِلْم البَوَاعِث .

– عِلْم الأذْكَار .

– عِلْم الجَبْر .

– عِلْم التّنْقِيَة .

– وعِلْم السَبَق .. الخ .

 وبالإضافة إلى هذه العلوم المُسَاعِدة استخدمتُ عدّة لُغَاتٍ صُوفيّة منها :

لُغَة أهل الأنْوَار ، لُغَة أهل الأسْرَار ، لُغَة العَارِفين مِنْ أهل الأنْوَار والأسرار ، لُغَة أهل الحَدّ ، لُغَة أهل المَطْلَع ، لُغَة أهل البَاطِن ، ولُغَة مَنَازِل الرَمْز .

أمّا نُور المُقَدّمة الخامس فهو :

بَلَّوْرَة خُصُوصيّة هذا البَحْث

باتَ معلوماً لدى الأوساط الصُوفيّة أنّ عُلوم الأكبَريّ قدّس الله سرّه قدْ أخذتْ مساحةً واسِعةً مِنْ أوراق الباحِثين ، حتّى بلغَت الآلاف بلْ ما يزيد على اثني عشَرَ آلفاً ، ولكن ما خُصوصيّة هذا البَحْث بينَ تلك الأبحاث ؟

أقَوْل : كُلّ بَحْثٍ له هَدفه ، والهَدف دائماً يأسُر الباحِث ، فمنهم من يجعل علوم الأكبَريّ قدّس الله سرّه مَطِيّته إلى عالَم التصوّف ، ومنهم مَنْ يريد إبْرَاز شخصيّتِه العِلميّة في الوَسَط الإسلاميّ بِدفعةٍ مِنْ العِلْم الأكبَريّ ، ومنهم مَنْ يريد إثبات تفوّقه على الخَتْم فيفزع إلى النقد والتّجريح و الإتهام ليُثبِتَ صوته ، ومنهم مَنْ يجد في علوم الأكبَريّ جوانب تحتاج للبَحْث إمّا سَلباً أو إيجاباً ، وكلّ ذلك يتمّ عَبْر طرقٍ معروفةٍ :

مِنْها : أنْ يكون البَحْث ضمن كُتُب الأكبَريّ قدّس الله سرّه ، وهذا أسلوب توليد المعلومة ذاتيّاً وكما تَقُول العَامّة : مِنْ دهنه سَقّيله .

ومنها : أن يكون البَحْث مِنَ النوع المُقَارِن بين كُتُب الأكبَريّ قدّس الله سرّه وكُتُب مَنْ هو عَلَمٌ مِنْ أعلام الفك .

ومنها : أنْ يكون البَحْث في عوالِم النَظَر فتجد أنّ شخصية البَحْث تتبلور بِمناهِل النظريات وافتراضاتها ونتائجها وتطبيقاته .. إلخ .

هذا مِنْ ناحية الخَامَة المَصْنُوع مِنْها البَحْث أمّا مِنْ جهة القَالب فهو يتَذَبْذَب بين عوالِمه الصُوفيّة ، فمَنْ أخذ بعوالِم الفلسفة كما هي عِنْد الفلاسفة انحَرَفَ وظَهَرَ في عوالِمه الاعتراض والتشنيع على الإمام .

ومَنْ أخذ بعوالِم النظر العقليّ توسط بين الاعتراض والتسليم ، فما فهمه بنظره و طابَقَ العِلْم الأكبَريّ فهو بالتسليم ، وما لمْ يفهمه بنظره ولمْ يُطابِق العِلْم الأكبَريّ اشتعلَتْ فيه عوالِم الاعتراض .

ومَنْ أخذ بعوالِم الغَيْب وتجاوز طَوْر العَقْل وفهم الأذْوَاق الأكبَريّة ، ثمّ عمد على التعامل مع الذَوْق الأكبَريّ بلغةٍ عقليّةٍ مجازيّةٍ تكاد لا تُعَبّر عَنْ حقيقة الذَوْق ، فقدْ سَلِم على غالِب الظنّ .

أمّا هذا البَحْث المُتواضِع فهو تيّارٌ جديدٌ في صياغة الفِكر الإسلاميّ والذَوْق الصُوفيّ الجديد، فنحن نقول بكلّ ما سَبَق مِنْ أذْوَاقٍ سليمةٍ يُقِرّها الشَرْع  ونضيف إليه ما وجدنا أيضاً مِمّا يُقِرّه الشَرْع ، إلا أنّنا نَنْسِب كلّ عالَم إلى عالَمِه ولا نخلط بين العَوالِم، فعوالِم النَظَر عندنا لا مكان لها إلا علوم النَظَر ، وعوالِم الفلسفة عندنا لا مكان لها إلا علوم الفلسفة ، وعلوم الغَيْب الإنسانيّ – لا الإلهيّ فهذا ممنوع عن البشر – لا مكان لها عندنا إلا عوالِم الغَيْب الإنسانيّ ، وكذلك الأذْوَاق المُجَدّدِيّة فليس لها عندنا إلا علوم الذَوْق المُجَدّدِيّة .

هذه خاصيّة ، والخاصيّة الأجْمَل لهذا البَحْث أنّه تكامُليٌّ تَتَامِيُّ الأساس ، بناؤه التَتَابُع والإتّباع لا التّفاضُل والابتِدَاع ، فهذا أوّل بَحْثٍ عِرفانِيٍّ في العِرفان الأكبَريّ والتِرمذيّ بتوجه مُجَدّدِيّ ، وهذا مما لم أُسْبَقُ إليه ، فلا تجد في هذا البَحْث نقَاشاً حول معلومة أكْبَريّة أو تِرمذيّة ، بل تجد معلومة ذَوْقيّة هي مما وراء ذلك الذَوْق الأكبَريّ ، والمطلوب مِمَنْ هو قادم بعد هذه المرحلة من مُجَدّدِيّتنا الوقوفُ على قواعدنا كما وقفنا على قواعد مَنْ سبقنا ، والنظر بعين الذَوْق إلى ما وراء أذْوَاقنا ، ليَتَصَحَّحَ مسار الطريق العِرفاني و يأخذ جانب البناء الأيجابيّ والتطوّر الفكري ، فإنْ كان البَحْث في جسد الأذْوَاق لإبراز الجواهر فهذا أمرٌ حَسَنٌ ، أمّا لِغَير ذلك فهو مراوحةٌ في المكان ، وتعطيل لسيل الفكر الإسلاميّ ، وتحديدٌ لسير النهوض الفِكري العِرفاني .

فهذا النوع مِنَ الأبحاث مِنْ أصعب الأنواع وأرقاها ، فهو لا يَعْمَد إلى خامة الموضوع ويُجري عليها عوالِم التّركيب والتّحليل والتّوليد المَعْلُومَاتِيّ سلباً أو إيجاباً ، بل هو يَعْمَد على إيجاد خامة مُستقِلّة تكون هي مسقط التّحليل والتّركيب لِعَيْنِ المَوضوع ، فتبرز الجَواهِر وتَتَبَلوَر مِنْ روح التقابل والتناظر ، فتَتَوَحّد شخصيات النَاكِح والمَنْكُوح المَعنَويّ ، وتتداخل أرواح الآباء و الأمّهات والأبناء ، ويختفي وراء الأدب ، الناسِف والمَنْسُوف ، مع الاحتفاظ  للقارِئ المُتَابِع بحقوق التّرجيح والمُوازَنَة والتّقريب والتّخصيص ، حتى يصبح و كأنّه يُشارِك البَاحِث بَحْثَه ، ويقرّر معه إثبات الخُلاصَات وتقرير النتائج .

وهنا في هذا البَحْث كانتْ الخَامَة المُسْتَقِلّة هي أذْوَاق الفِكر المُجَدّدِيّ ، والذي هو هنا في مَقام النَظير المُقتَرِن الساقط عليه نور الفِكر العِرفانيّ الأكبَريّ ، والذي هو بدوره خَامَةٌ مٌستَقِلّةٌ ومَسقَطٌ حُرٌّ للفِكر التِرمذيّ ، فالاتصال يقول : أبٌ عن أبٍ عن جدٍ هو بِذْرة للحفيد الثمرة .

والانفصال يقول : أخٌ لأخٍ لأخٍ أكْبَر هو الراعي للأخ الأصغر الآنيّ .

وحَضْرة التّوحيد ، توحيدُ الاتصَال والانفِصَال تقول :  كُلٌّ يعمل على شَاكِلَتِه ، والعين واحدةٌ والهيئات متنوعةٌ .

وأَقُول : مَنْ أنْصَفَ هيئته فقد أنْصَفَ عينه ، ومَنْ أنْصَفَ عينه  فقد أنْصَفَ غيره ، ومَنْ نَسَفَ غيره فقد أساء لِعَيْنِهِ ، فاضطربَتْ صورته لِغفلَته عَنْ شاكلته .

وفي خِتَام هذه المُقدّمة ، اخترت فاصلةً كريمةً هي الإهداء ، ليكون الختام نوراً مِنْ أنْوَار هذا التّقديم ، كما أنّ المُهْدَى إليهم هذا البَحْث أنوارٌ مِنْ أنْوَار الهُدى ، وهم قوائم العرش الإلهيّ ، وأخصُ بالإهداء حَامِليّ الروح مِنْ عرش المَلِك العظيم صلّى الله عليهما وآله وسلّم .

الحَمْدُ لله رَبّ العَالَمِين


[1]  سورة الواقعة الآيات / 28 – 34 / .

[2] سورة الغاشية الآيتان / 15 – 16 / .

[3] لا يجب إباحتها لقاصري العقول و فاقدي الحكمة ، لا لعلة قادحة في مشروعية ذاك السر ، فسلوكنا إلى الله تعالى قائم على أسس شرعية ، و كل ما سوى ذلك مردود .

[4] عند غير المُتكلّمِين ممن أثبتوا الأعراض النِسبيّة ، انظر كتاب طوالع الأنوار للإمام ناصر الدين البيضاوي – كتاب المُمْكِنات منه الفصل الرابع في الأعراض النسبيّة .

 


( من كتاب‏‏ نبوغ المجددية في تطوير الأذواق العرفانية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى