( مُسْتَنَدُ الضَّلَالِ )
مِنَ العَبْدِ الفَقِيْرِ إلَى رَبِّهِ تَعَالَى هَانِيْبَالْ يُوسُفْ حَرْبْ إلَى (………)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ
وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ وَبَعْدُ :
اعْلَمْ يَا وَلِيِّي فِي اللهِ تَعَالَى أَنَّ جَوَابَ سُؤالِكَ عَن « حَضْرَةِ الضَّلَالِ » مِنْ أَيِّ اسْمٍ إلَهِيٍّ خَرَجَتْ ؟ .. إنَّمَا هُوَ فِي آيَةٍ مِن سُورَةِ يَاسِيْنَ فِي القُرْءَانِ الحَكِيْمِ ، وَلَكِنْ قَبْلَ أَنْ أُجِيْبَكَ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ دَعْنِي أُؤَكِّدُ لَكَ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلّا اللهُ ، فَقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيْثِ الشَّرِيْفِ فِي مَا أَروِيْهِ بِسَنَدِي المُتَّصِلِ عَن أَشْيَاخِي « ألا كُلُّ شيءٍ ما خَلا اللّهُ باطِلُ » .
وَجَاءَ فِي التَّنْزِيْلِ قَوْلُ حَبِيْبِي عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ } النِّسَاء78 .
وَفِي رُوْحٍ قُدْسِيٍّ آخَرَ صَرَّحَتْ ذَاتُ الحَقِّ عَزَّ وَجَلَّ بِآيَةٍ وَاضِحَةٍ حَيْثُ قَالَ فِيْهَا : { كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا } الإسْرَاء 20 .
فَاعْلَمْ أَيَّدَكَ اللهُ بِالإيْمَانِ الكَامِلِ أَنَّهُ كَمَا أَمَدَّ أَهْلَ الصَّلَاحِ بِالصََّلَاحِ وَأَهْلَ الإيْمَانِ بِالإيْمَانِ ؛ كَذلِكَ أَمَدَّ أَهْلَ الضَّلَالِ بِالضَّلَالِ ، وَلَا تَظُنّْ أَنَّهُ إنَّمَا يُمِدُّهُمْ بِذَلِكَ الضَّلَالِ تَجَنِّيَاً عَلَيْهِمْ مِنْهُ بَلْ عَدْلَاً ، حَيْثُ أَنَّهُ نَظَرَ فِيْهِمْ بِأَنَّهُ العَلِيْمُ الخَبِيْرُ الحَكِيْمُ فَوَجَدَ أَنَّ ذَوَاتِهِمْ قَدِ اخْتَارَتْ بِمَحْضِ إرَادَتِهَا اسْتِجْلَابَ رَقَائِقِ الضَّلَالِ وَاسْتِمْدَادَهَا فَإذَا بِحَضْرَةِ الرَّبِّ الرَّحْمَنِ المُرِيْدِ الضَّارِّ يُمِدُّهُمْ بِاخْتِيَارَاتِهِمْ وَبِمَا اخْتَارُوا مِن إمْدَادَاتِهِ ، فَإذَا بِالضَّلَالِ هُوَ اخْتِيَارُهُمْ وَمُرَادُهُمْ ، فأَمدَّهُمْ بِالضَّلَالِ وَأَسْبَغَ عَلَيْهِمُ اسْمَ الضَّالِّيْنَ – نَعُوذُ بِاللهِ مِن هَذَا الحَالِ – فَلَا تَسْتَغرِبْ أَنْ يُمِدُّ الحَقُّ الجَامِعُ لِحَقائِقِ القُدْرَةِ بِأنَّهُ الْقَادِرُ أَهْلَ النُّورِ فّيَهْدِيَهِمْ وَيَكْتُبَ لِمُعَانِدِيهِمْ أَنْ يِكُونُوا مِن أَهْلِ الضَّلَالِ ، فَمِنْهُ بَدْءُ الأَمْرِ وَإلَيْهِ الأمْرُ يَعُودُ ، وَلَا جَبْرَ بَلْ مَحْضُ اخْتِيَارٍ مِنَ الإنْسَانِ .
أَمَّا مِنْ أَيِّ اسْمٍ هُوَ الضَّلَالُ ؟
فَاعْلَمْ – نَوَّرَ اللهُ بَصِيْرَتَكَ بِنُورِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَتَجَلِّيَاتِهِ الْمُثْلَى – أَنَّهُ مَا مِن شَيْءٍ فِي هَذَا العَالَمِ إلَّا وَلَهُ مُسْتَنَدُهُ فِي الأَسْمَاءِ الإلَهِيَّةِ ، حَيْثُ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ إنَّمَا هُوَ مَظْهَرٌ لِتَجَلِّي ذَلِكَ الاسْمِ أَوْ تِلْكَ الأْسْمَاءِ .
أَمَّا عَنْ قُدْرَةِ الضَّلَالِ وَطَاقَاتِهِ ، فَإنَّمَا هُوَ وَاضِحٌ فِي قَوْلِ حَبِيْبِي عَزَّ وَجَلَّ : { أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ {32} إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {42} يَس ، فَفِي هَذَا الكَلَامِ البَدِيْعِ تَوْضِيْحٌ لِعَمَلِ رَقَائِقِ أَنْوَارِ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى فِي إيْجَادِ قُدْرَةِ الضَّلَالِ ، فَإذَا تَوَجَّهَ الرَّحْمَنُ بِعِلْمِهِ وَخِبْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ لِمُسْتَحِقِّ الضَّلَالِ بِأنْ يَجْعَلَهُ ضَالَّاً أَرَادَ ذَلِكَ ؛ فَإذَا بِاسْمِهِ المُرِيْدِ يُمِدُّ تَوَجُّهَ الاسْمِ الرَّحْمَنِ بِرَقَائِقِ الإرَادةِ حَامِلاً أَوامِرَ الرَّحمانيَّةِ لاسْمِهِ تَعالى الضَّارِ فيمُدُّ ذَاتَ العَبْدِ بأنوارِ اسْمِهِ الضَّارِِّ ؛ فَإذَا بِذَاتِ العَبْدِ تُصْبِحُ مَجْلَىً لِجَمْعِ أَحَدِيَّةِ أَنوَارٍ رَحْمَانِيَّةٍ وَأَنوَارٍ إرَادِيَّةٍ وَأَنوَارِ الضُّرِّ ؛ وَ إذَا بِجَمْعِيَّةِ هَذِهِ الرَّقَائِقِ النُّورَانِيَّةِ تُفَعِّلُ فِي ذَاتِ العَبْدِ الضَّلَالَ العَبْدِيَّ ، لِذَا كَانَتْ كَلِمَاتُ الرَّحْمَنِ وَاضِحَةً فِي سُورَةِ يَاسِيْن : { إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ {32} يس ، أَي إذَا تَوَجَّهَ عَلَيَّ الجَمْعُ الأحَدَيُّ لِرَقَائِقِ هَذِهِ الأسْمَاءِ الثَّلَاثََةِ ( الرَّحْمَنِ ، المُرِيْدِ ، الضَّارِّ ) ، فَقَدْ ظَهَرَتْ عَلَيَّ كَعَبْدٍ ثَلَاثُ نَتَائِجَ :
الأُولَى : { .. لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً .. {32} يس .
الثَّانِيَةُ : اسْتِحَالَةُ أَنْ يُنقِذَنِي أَحَدٌ ؛ فَإذَا بِي فِي دَائِرةٍ أَنحَجِبُ فِيْهَا عَن أَيِّ قُدْرَةِ إنْقَاذٍ يُمْكِنُ أَن تَتَوَجَّهَ إلَيَّ .
وَالثَّالِثَةُ : { إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ {42} يس ، أَي فِي ضَلَالٍ وَاضِحٍ ظَاهِرٍ لَا يَخْفَى عَلَى نَاظِرٍ – أَعَاذَنِي اللهُ وَإيَّاكُمْ مِن أَنْ نَكُونَ مَظْهَرَ هَذِهِ الْحَقِيْقَةِ – .
وَلْتَعْلَمْ يَا وَلِيِّي فِي اللهِ تَعَالَى – فقَّهَكَ اللهُ بِعِلْمِ أَسْمَائِهِ – أَنَّ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا يُعْطِي فِي تَجَلِّيْهِ قُدْرَةً وَاحِدَةً بِانْفِرَادِهِ .
وَمِنَ القُدُرَاتِ مَا يَكُونُ عَن تَجَلِّي رَقاِئقِ اسْمَيْنِ مِن أَسْمَائِهِ تَعَالَى .
وَمِنَ القُدُرَاتِ مَا يَكُونُ عَن تَجَلِّي رَقَائِقِ ثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ .
وَمِنَ القُدُرَاتِ مَا يَكُونُ عَن تَجَلِّي رَقَائِقِ أَرْبَعَةِ أَسْمَاءٍ ، وَمِنْهَا أَكْثَرُ .
وَقُدْرَةُ الضَّلَالِ هُنَا الظَّاهِرَةُ فِي العَبْدِ مِثَالٌ وَاضِحٌ عَنِ القُدْرَةِ الَّتِي يَتِمُّ ظُهُورُهَا فِي العَبْدِ بِإمْدَادِ رَقَائِقِ ثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ .
وَأَخْتِمُ كِتَابِي إلَيْكَ بِقَولِهِ تَعَالَى : { مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } الْأعْرَاف 186 ، فَفِي هَذِهِ الكَلِمَاتِ البَدِيْعَةِ تَصرِيْحٌ وَاضِحٌ بِأنَّ اللهَ هُوَ مَنْ يُضْلِلُ ، فَلَا تَسْتَغْرِبْ أَنْ يُضْلِلَ اللهُ عَبْدَاً إذَا اسْتَحَبَّ العَبْدُ عَالَمَ الضَّلَالِ وَأَنْ يَكُونَ ضَالَّاً وَلَمْ يَسْتَمِدّْ مِن رَقَائِقِ أنْوَارِ اللهِ إلَّا رَقَائِقَ إِضْلَالِهِ .
وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ
( من كتاب الكتب الخيرة للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب ) .
أقرأ التالي
16 يونيو، 2020
الوضوح الروحي هو من أكبر شعائر الصدق – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
16 يونيو، 2020
حضرة الإحسان – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
30 مايو، 2020
الاسم المتجلي هو حضرة معرفية – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
زر الذهاب إلى الأعلى