مدخل أرض التأسيس – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

مَدْخَلُ أرضِ التّأسيسِ

تَرْجَمَةُ الكِرَامِ

 

في يوم الرَبّ ، وفي ساعة العليم ، الليلة قبل الأخيرة ، وصل المَلِكِ العَبْد وخُدّامه إلى أرض التّأسيس الأصليّة ذات الأسس الجميلة ، الأساس الأوّل فيها :  

الشيخ أبو عبد الله مُحَمّد بن علي بن الحسن الحَكيم التِرمذيّ مؤسس العِرفَان الصُوفيّ ، الثابت في مولده أنّه مِنْ مواليد القَرْن الثالث الهجري المشهود له بالخَيْرِيّة ، و الغالب أنّه توفي في مطلع القرن الرابع ، له كتبٌ كثيرةٌ مِنْ أهمها كتابه خَتْم الأولِيَاء ، الذي بسط فيه جملةً مِنْ أذْوَاقه المعرفيّة في الحقائق الدينيّة الظَاهرة و البَاطِنة ، و مِنْ أهمّ أعماله كما أراها أنّه حصر الأسئلة الرُوحيّة في التصَوّف لاختبار مُدَّعي الولاية و كشف حقيقة ما يدّعيه الزَاعِم ، فالمطلوب في أجوبة هذه الأسئلة الرُوحيّة أذْوَاق الولي نفسه لا  بَسْط ما حفظه مِنْ أذْوَاق غيره .

و هذا شرطٌ لا يمكن أنْ يؤدّيه إلا وليٌ حقٌ لا مدخِل للإدّعاء فيه ، فكان الحَكيم رضي الله عنه أوّل مَنْ حفظ الولاية مِنَ الاختراق ، كما أنّه رضي الله عنه يُنسَب إلى مدينة تِرْمِذ و عُرِف عنه رضي الله تعالى عنه أنّه أوذي في بِدْء حياته كثيراً ، و ظلمه النّاس بشكلٍ مَلحُوظٍ ، و اتّهمه الكثيرون بالكُفْر و الزَنْدَقة [1] ، إلى أنْ أيّده الله بفرجه و صار مِنْ عُلَمَاء عَصْرِه ، و مِنَ الواضح جداً أنّه كان يهتم بعالَم الأمثال لكثرة ما ورد في كتابه خَتْم الأولياء عن رُؤَىً كانت تُرى له و لِزَوْجِه ..    

أمّا الأساس الثاني : فهو الشيخ الأكبر مُحَمّد بن علي بن مُحَمّد بن أحمد ، بن عبد الله الحاتِميّ الأندلسيّ ، ولِد في مرسيه يوم /17/ رمضان من عام /560/ هـ ، قرأ القُرْآن بالسبع على (( أبي بكر بن خلف )) .. ارتحل من مرسيه سنة /568/ هـ ثمان و ستين و خمسمائة إلى إشبيلية و أقام بها إلى سنة /598/ هـ ثمان و تسعين و خمسمائة ، ثم ارتحل إلى المَشْرِق ، أجازه جماعةٌ منهم :

الحافظ السَلَفيّ – مُحدّث الإسكندرية – وابن عساكر، و أبو الفرج ابن الجوزي .. مات بدمشق سنة /638/ هـ ثمان و ثلاثين و ستمائة وقيل سنة /637/ هـ سبع وثلاثين وستمائة :  ليلة الجمعة لثمانٍ وعشْرِين مَضَيْنَ مِنْ شهر ربيع الآخر [2] .

له شخصيةٌ فِكريّةٌ و أدبيّةٌ خاصةٌ تبلورت في مؤلفاته مِنْ كَونِه مِنْ سَلَاطِين التصَوّف ، و مِنْ أبرز مؤلَّفاته كِتَاب الفتوحات المَكِيّة و مُفتَاحه كِتَاب فُصُوص الحِكَم الذي كان وارِده على الشيخ رضي الله تعالى عنه بأمرٍ نَبَويّ في رُؤيا رآها ، فكان خلاصة عالِم ؛ و زبدة الزمن ؛ و مفتاح الطريق القُرْآني ، و من الجدير بالتّرجَمَة أنْ نقول أنّه كان صُوفيّاً عِرْفَانيّاً رزقه الله تطوير المعرفة العِرفانيّة التي بَذَرَها الشيخ الحَكِيم قدّس الله سرّه و أرضاه .

أمّا الأساس الثالث : فهو شيخنا الأستاذ عِطْر المَلَكُوت الإنسانيّ د. مُحَمّد عبد اللطيف صالح الفرفور حفظه الله تعالى و زاد في فضله ، ولِد في مدينة دمشق الفيحاء /1364/ هـ الموافق لـ /1944/ م في أسرةٍ علميّةٍ عريقةٍ معروفةٍ بالعِلْم و القَضَاء و الفُتْيَا منذ مئات السنين ، أكْرَمَه الله تعالى بإجازاتٍ علميّةٍ كثيرةٍ على يد أفاضل علماء الدين الإسلامي مِنْهم :  الشيخ المُقرِئ الجامع ياسين الحويجاني رحمه الله تعالى ، و والده الشيخ العلّامة المُوَقّر الفقيه مُحَمّد صالح الفرفور الحَسَنيّ رحمه الله تعالى ، و مِنْهم المُفْتي الأسْبَق للجمهورية العربية السوريّة الشيخ د. مُحَمّد أبي اليسر عابدين رحمه الله تعالى ، و الشيخ مُفْتي المَالِكيّة سماحة العلّامة مُحَمّد المَكيّ الكتّانيّ رئيس رابطة العلماء طيب الله ثَرَاه ، و مِنْهم الشيخ الجليل مُحَدّث الحرم العلّامة علَوي عباس المالكيّ تغمده الله برحمته ، و كان ثمرة جهودِ لطائِفَ قُدسيّة حملتها أكفّ هؤلاء العلماء النوابِغ برعاية المَوْلَى الكريم حتّى تخرج من جامعة دمشق بالإجازة الجامعيّة في الشريعة الإسلامية ، ثمّ أتمّ تحصيله الجامعي في جامعة الأزهر في مصر فنَالَ إجازة القانون والفقه بتفوقٍ ، ثم حاز درجة الماجستير في الفقه المُقَارَن عام /1972/ م ، ثم حاز درجة الدكتوراه بامتيازٍ مع رتبة الشَرَف الأولى مع التّوصية بطبع رسالته على نفقة الجامعة و تبادلها مع جامعات العالم و هي بعنوان  ” ابن عابدين و أثره في الفقه – دراسة مقارنة بالقانون – “ وذلك في عام /1978/ م .

أسّس في دمشق مَجْمَعَاً عِلْميّاً عالياً عام /1410/ هـ – /1990/ م وانبثقت عنه جامعة علمية تخصصيّة في جامعة العلوم الإسلامية و العربية .

رَأَسَ وَفْدَ بلادنا للمؤتمر التّأسيسي لمَجْمَع الفقه الإسلاميّ العالمي بمَكّة المُكَرّمَة في /1983/ ، و هو الآن عضو مجمع الفقه الإسلاميّ الدوليّ بجدة ممثِّلاً القطر العربي السوري ، و رئيساً لشعبة التّخطيط في المَجْمَع المَذْكُور منذ أول عام /1404/ هـ – /1984/ م .

هذا كلّه في جانب مِنْ عمله الإسلاميّ ، أمّا مِنْ جوانب أُخرى فهو مؤَلِّف لأكثر مِنْ أربعين مُؤَلَّفاً في علوم إسلاميّة و عربيّة و شِعْرِيّة و قانونيّة .

أمّا الأهمّ في عوالِمه الدينيّة هو أنّه أسّس طريقاً صُوفيّاً عِرفَانيّاً ، فهو شيخ طريقةٍ مِنْ وَجْه ، مؤسّسٌ للمُجَدّدِيّة مِنْ وَجْه ، مرشدٌ مِنْ وَجْه ، عِرفَانيّ مِنْ وَجْه ، له اجتهادٌ خاصٌ في اصطلاحاته و طريقته ، مِنْ أبرز أفكاره فكرة التّجديد الإسلاميّ في المُتَغَيرات الإسلاميّة مع المُحَافَظَة على الثوابت الإسلاميّة ، و فكرة تطوير العِرفَان الصُوفيّ و إحكام ضبطه بالشريعة و تطهيره مِنْ كلّ المُدْخَلات الفاسدة و البِدَع المُشِينَة المُسِيئَة للشريعة ، و فكرة التوجُه الفكري نحو التغيير بعيداً عن ناريّة و ظُلْمانيّة التغيير .

و أخيراً في هذا الوَصْل يكفي أنْ أعبّر عن شُكْري لهذا الإنسان المُرَبّي الفاضل الذي يحمل بكلّ جدارة وسام الإنسان الحر ، فأنّي برسمي و اسمي على فَقْري و ضَعْفي ثمرةٌ مِنْ ثمراته الفكرية الصُوفيّة ، فقد زرع فييَّ ثمرات أُسُسِهِ التطويريّة للمدرسة العِرفانيّة التِرمذيّة المصهورة في قوالب الأكْبَريّة ليجعلها شراب مُجَدّدِيّةٍ عصريّ أَرْتَوي منه و أرشف ، و أعتقد أنّ هذا المُؤَلَّف المُتَواضِع خير دليلٍ على روح شيخي الفاضل المُجَدّد و بهاء فكره المُعاصِر ، فهذه صناعة ، و أنا الخَامَة ، و هو صانِع ، و الصانِع المُمِدّ مِنْ وراء القصد .

الأساس الرابع : هو ماعليه الفقير الى ربه ، عبده الراجي رحمته ، محب شمس الأكوان محمد  صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم  الخويدم للعلم هانيبال يوسف حرب .

الحَمْدُ لله رَبّ العَالَمِين

 


[1] انظر ترجمة الأستاذ عبد الرحمن حسن محمود للشيخ في كتاب النزلات الموصليّة طبعة عالم الفكر – الغورية – ص6 -7 .

[2] انظر ترجمة الأستاذ عبد الرحمن حسن محمود للشيخ في كتاب النزلات الموصلية طبعة عالم الفكر – الغورية – ص6 -7 ، انظر إن شئت مجموعة تراجم له مثل فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي ج2 ص478 – شذرات الذهب ج5 ص190 – و نفخ الطيب من غصن الأندلس الرطيب للشيخ أحمد بن مُحَمّد المقري التلمساني – و شجرة النور الذكية في طبقات المالكية ص155 .وكتاب التنزلات الموصلية مراجعة الأستاذ عبد الرحمن حسن محمود في مقدمته .

 


( من كتاب‏‏ نبوغ المجددية في تطوير الأذواق العرفانية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى