مَحَلُّ مَنْفَذِ الإحسَانِ
اِعلَمْ يَا وَلِيِّي مَنَحكَ الله الإحسانَ أنَّ مَحَلَّ مَنفَذِ الإحسان هوَ عَينُ الإنسانِ ، لاحِظ يَا وَلِيِّي في الله تعالى كيفَ عَبَّرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا المَحَلِّ عندما تَجسَّدَ جِبريلُ بَشرَاً جَمِيلاً ، وَوَضعَ رُكبَتيهِ مُلامِسَاً لِرُكبَتَي رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه أجمعين فَسَألَه مَا الإسلامُ ؟ ومَا الإيمانُ ؟ ومَا الإحسانُ ؟ ، فكان جوابُ يَس عليه الصَّلاة والسَّلام وآله وصحبه أجمعينَ الإحسانُ أنْ تَعبُدَ الله كَأنَّك تَرَاه فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ ، وفي هذا الجواب أنَّ إحسانَ العبدِ هوَ أنْ يَعبُدَه كأنَّه يَرَاه فَرَبطَ في مَقَامِ الإحسانِ العُبودِيَّة بالرُّؤيةِ ، وجَبَرَ كَسْرَ مَنْ لَم يَصِلْ إلى الرؤيةِ مِن ذاتهِ بالاكتفاءِ برؤيةِ ذاتِ الله لَهُ .
هَاتانِ دَرَجتان في مَقامِ الإحسَانِ الأولى أنْ ترَاه وأَنْزَلُ منها فإنْ لَم تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ ، وفي كِلَا الدَّرَجتين كانَ مَنْفذُ الإحسانِ عَينَ الرُّؤيةِ ، ففِي الأولَى كانَت رُؤيةٌ مِنَ العَبدِ لِلحَقِّ ، وكانَت الثانيةُ رُؤيةُ الحَقِّ لِلعَبدِ .
وعليهِ نستطيعُ أنْ نقولَ أنَّ مَحَلَّ مَنْفَذِ الإحسَانِ إنَّمَا هو الرؤيةُ ، وإيَّاكَ يَا وَليِّي في الله تعالى أنْ تَفهمَ مِنِّي أننِي أقصدُ العين التِي في الوجه فإنَّها مَادةٌ وتَنَزَّهَ الله عَنِ الحُلُولِ والاتِّحادِ ، وإنَّمَا أقولُ مَحَلُّ نُفُوذِ الإحسَانِ الرؤيةُ التي هيَ رُوحُ العَينِ ، كَمَا السَّمعُ رُوحُ الأُذُنٍ كَمَا الشَّمُ رُوحُ الأنفِ ، فمَيِّزْ ومَحِّصْ في الألفاظ فإنَّها دَقِيقةٌ .
وانتبهْ لِحديثِ الحُبِّ الناتج عَن التَّقرُّبِ إلى الله تعالى بِالنوافل حيثُ قالَ حَبيبِي عَزَّ وجَلَّ في الحديثِ القدسِيِّ :
(( كُنتُ سَمعَه الذي يَسمعُ به )) ، و ( لم يَقُلْ ) ما قال كُنتُ أُذُنَه التي يَسمعُ بها ، (( وقالَ كُنتُ بَصرَه الذي يُبصِرُ به )) ، و ( لم يَقُلْ ) ما قال كنتُ عَينَه التِي يُبصِرُ بها . فَتَنَبَّه !
( من كتاب علم المحلات للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب ) .