مَاهِيَّةُ الرُّوحِ وَعَلَاقَتُهَا مَعَ الْجَسَدِ
الرُّوحُ لَهُ كَيَانٌ ذَاتِيٌّ مُسْتَقِلٌّ وَلَهُ تَجَسُّمٌ رُوحَانِيٌّ قُدْرَوِيٌّ يَصْدُرُ عَنْهُ طَاقَةٌ تَتَشَكَّلُ حَسَبَ مَاهِيَّتِهِ كَمَا أنَّ الرُّوحَ كَيَانٌ يَقْبَلُ التَّضَايُفَ مَعَ جَسَدٍ مُضِيْفٍ ؛ وَإذَا نَزَلَ فِيْ جَسَدٍ مَادِّيٍّ فَإنَّهُ يَتَعَشَّقُهُ وَيَصِيْرُالْجَسَدُ وَالرُّوحُ كَيَانَاً وَاحِدَاً بِالتَّضَايُفِ لَا بِالتَّمَازُجِ ، بَلْ يَبْقَى لِكُلٍّ مِنَ الْجَسَدِ ( فِيْ مَادِّيَّتِهِ كَيَانُهُ الْخَاصُّ ) وَالرُّوحِ ( فِيْ مَعْنَوِيَّتِهَا كَيَانُهَا الْخَاصُّ ) .
وَلَكِنَّنَا نُطْلِقُ عَلَى الْمُتَضَايِفَيْنَ ( الْجَسَدِ وَالرُّوحِ ) اسْمَ ( النَّفْسِ ) بِمَا أطْلَقَ عَلَيْهَا الْحَقُّ تَعَالَى .
وَلِلْأرْوَاحِ صِفَاتٌ وَخَصَائِصُ عَامَّةٌ وَخَصَائِصُ خَاصَّةٌ تَتَفَرَّدُ بِهِ رُوحٌ عَنْ رُوحٍ أُخْرَى وَيُمْكِنُ تَعْدِيْلُهَا بِرَفْعِ قُوَّةِ إشْرَاقِهَا أوْ خَفْضِهِ .
أمَّا لِمَاذَا سُمِّيَتْ رُوحٌ فَهِيَ مِنَ الرِّيْحِ بِقَلْبِ الْيَاءِ وَاوَاً مِنَ الرَّوَاحِ ؛ لِأَّن الرِّيْحَ تَحْمِلُ الرَّائِحَةَ إلَى الْمَشَامِّ وَكَذَلِكَ الرُّوحُ تَحْمِلُ الْأوَامِرَ عَنِ الْحَقِّ ؛ بَلْ هِيَ عَيْنُ الْأْمْرِ الْإلَهِيِّ .
لِذَلِكَ تَتَنَوَّعُ الْأرْوَاحُ بِمَا هِيَ خَارِجَةٌ عَنْهُ مِنْ حَضَرَاتِ الْأسْمَاءِ الْحُسْنَى ؛ وَقَالَ فِيْ الْحَدِيْثِ الشَّرِيْفِ : ( أَجْمِلُوا فِي طَلَبِ الدُّنْيَا فَإِنَّ كُلّاً مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ )
لِأَنَّهُ عَنْ حَضْرَةِ اسْمٍ إلَهِيٍّ مُعَيَّنٍ انْبَثَقَتِ الرُّوحُ الَّتِيْ هِيَ أمْرُهُ بِذَلِكَ الْاسْمِ .
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ : ( فَإِنَّ كُلّاً مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ) أيْ أنَّ لِكُلِّ رُوحٍ هَدَفٌ مِنْ خَلْقِهَا ؛ وَهَذَا الْهَدَفُ هُوَ السَّبَبُ الَّذِيْ خُلِقَتِ الرُّوحُ لِتَحْقِيْقِهِ فِيْ عَالَمِنَا وَلِذَلِكَ يَكُونُ مَعَهَا إذْنٌ خَاصٌّ بِحَيْثُ أنَّهَا حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بَرَزَ هَذَا الْإذنُ الرَّبَّانِيُّ الْخَاصُّ فَتَيَسَّرَتْ أمُورُ سَيْرِهَا نَحْوَ هَدَفِهَا لِتَحْقِيْقِهِ .
وَهَلْ عَذَابُ الْأرْوَاحِ فِيْ الْأْرضِ إلَّا لِأّنَّهَا لَمْ تَفْهَمْ هَدَفَهَا وَمَا هِيَ مُيَسَّرَةٌ لَهُ !؟ ، رُبَّمَا نَرَى إحْدَاهُنَّ الْتَزَمَتْ حُبَّ شَخْصٍ ضَاعَ عُمرُهَا عَلَيْهِ شَهْوَةً مِنْهَا وَالْحَقِيْقَةُ أنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لِإسْعَادِ رَجُلٍ آخَرَ .
وَنَقُولُ عَنِ الرُّوحِ أيْضَاً أنَّهَا بَصْمَةٌ لَاتَتَكَرَّرُ وَنَسْتَطِيْعُ أنْ نَرَاهَا بِظُرُوفٍ خَاصَّةٍ بِشُرُوطِ الرُّؤيَةِ لِلرُّوحِ .
وَنَسْتَطِيْعُ السَّيْطَرَةَ عَلَيْهَا تَمَامَاً وَحَتَّى أنَّهَا تَسْتَطِيْعُ أنْ تَزُورَ الْعَوَالِمَ الْأْخْرَى .
وَكَمَا قُلْتُ سَابِقَاً أنَّ الرُّوحَ سَابِقٌ فِيْ وُجُودِهِ عَنْ وُجُودِ الْجَسَدِ .
وَقَدْ كَانَتْ فِيْ عَالَمِ الْأرْوَاحِ هَائِمَةٌ طَوَّافَةٌ قَبْلَ قَيْدِهَا فِيْ الْجَسَدِ وَهِيَ أنْوَاعٌ :
مِنْهَا مَا يَتَزَوَّجُ وَيَتَنَاسَلُ وَيَتَنَاكَحُ ، وَمِنْهَا مَالَا يُمْكِنُ لَهُ ذَلِكَ حَسَبَ نَوْعِ الرُّوحِ . بِشَكْلٍ عَامٍّ : كُلُّ الْأرْوَاحِ الْإنْسَانِيَّةِ تَتَكَاثَرُ ؛ وَ كَوْنُهَا لَيْسَتْ بِمَادَّةٍ فَهَذَا يَعْنِي أنَّهَا لَاتَتَعَايَرُ بِقَوَانِيْنِ الْمَادَّةِ بَلْ بِقَوَانِيْنِهَا هِيَ .
وَهُنَاكَ عُلُومٌ خَاصَّةٌ بِالرُّوحِ مِنْهَا عِلْمُ قَوَانِيْنِ الرُّوحِ .
أمَّا التَّخَاطُرُ بَيْنَ الْعِبَادِ أوْ حَدِيْثُ الْبَاطِنِ بِالْبَاطِنِ يَكُونُ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْخَوَاطِرِ وَلَيْسَ الرُّوح .
فَفِيْ التَّخَاطُرِ : لَيْسَ الرُّوحُ هِيَ مَنْ تَنْطَلِقُ وَتُرْسَلُ بَلِ الَّذِيْ يُرْسَلُ هُوَ الرِّسَالَةُ التَّخَاطُرِيَّةُ .
فَإنَّ مَسْألَةَ إرْسَالِ الرُّوحِ عَالَمٌ آخَرُ.
والعَطاءُ الرَّبَّانيُّ لِلأرْوَاحِ مِن القُدرَاتِ والْإمْكَانَاتِ ” وَاحِدٌ “ أيْ أنَّ كُلَّ الْأرْوَاحِ تَشْتَرِكُ بِعَطَاءٍ أسَاسِيٍّ ، وَيَتَفَاوَتُ الْإنْسَانُ بَعْدَهَا تَبْعَاً لِتَزْكِيَتِهِ ، فَالْبَشَرُ مُتَسَاوونَ فِيْ حُظُوظِ التَّقَرُّبِ مِنَ الْحَقِّ وَالْكُلُّ يَضْمَنُ لِذَاتِهِ مِنَ الْحَقِّ الْكَرَمَ ، وَلَكِنَّ اخْتِلَافَ وَتَنَوُّعَ الْبَشَرِ أعْطَى خُصُوبَةً فِيْ ظُهُورِ الْكَمَالَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفَتْ مَظَاهِرُ قُدْرَاتِهِمْ ، وَالتَّزْكِيَةُ أسَاسٌ فِيْ هَذِهِ الْمَسْألَةِ ، فَمَتَى لَنَا أنْ نَفْهَمَ أنَّنَا رُوحَاً سَكَنَتْ جَسَدَاً ؟
فَإذَا نَظَرْتَ بِعَيْنِ النَّفْسِ وَجَهِلَتَ حَقِيْقَتَهَا ظَنَنْتَ أنَّهَا جَسَدٌ وَأنَّ الْجَسَدَ هُوَ السَّاكِنُ وَ السَّكَنُ .
أمَّا إذَا نَظَرْتَ بِعَيْنِ الْحَقِّ أدْرَكْتَ أنَّهَا تَمْلِكُ السَّكَنَ .
وَكَمَالُ الرُّوحِ أنْ تَصِلَ إلَى بَارِئِهَا فَلَا تَشْهَدُ سِوَاهُ فَلَا يَكُونُ حُبَّاً لِغَيْرِهِ .
وَيُعْتَبَرُ الصِّدْقُ أقْوَى الْأعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِيْ قُوَّةِ وَقُدْرَةِ الرُّوحِ وَلَهُ الْقِمَّةُ ؛ وَأنْزَلُ مِنْهُ الْإخْلَاصُ ؛ وَأنْزَلُ مِنْهُ الصَّمَدَانِيَّةُ ( أنْ تَصْمُدَ بِقَلْبِكَ للهِ تَعَالَى فَلَا تَضَعُ حَاجَتَكَ عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَا تَرَى قَاضِيَاً لِحَاجَاتِكَ سِوَاهُ ) .