كينوناتٌ كثيرةٌ في فًهمِ حروفٍ
اعلمْ يا وليِّي في اللهِ تعالى أنَّكَ عندما تقولُ كلمةً مؤلَّفَةً من حرفَين مثلَ : فم ( فاء ، ميم ) فإذا أردتُ أن أكتبَ لكَ تعريفَ الفمِ أو مكنوناتِ الفمِ فمِن الممكنِ أن أكتبَ نصفَ صفحةٍ من الكلماتِ ، هذه النصفُ صفحةٍ إنَّما هي مخزونةٌ ومكنونةٌ في ذاتِ الفاءِ والميمِ المعبِّرَين عن الفمِ في عينِ الفَهمِ والوعيِ لتلكَ الكلمةِ .
كما أستطيعُ أن أحدِّثَكَ عن الأسنانِ واللسانِ وعن الأضراسِ ، والفرقِ بين الضرسِ والسِّنِّ .
وكذلك فمنَ الممكنِ الحديثُ عن الخدِّ من الداخلِ واللثَّةِ وأمراضِ اللثَّةِ واللُّعابِ وسقفِ الحلقِ ، وما يخرجُ من الفمِ من حُروفٍ .
وكذلكَ يمكنُ الحديثُ عن الشفاهِ .. وباطنِ الشفةِ العليا وباطنِ الشفةِ السفلى والعروقِ الموجودةِ فيها .
وكذلكَ فمنَ الممكنِ الحديثُ عن الحُليماتِ الذوقيةِ على اللسانِ .. إلى آخرِهِ ..
فكلُّ هذه الأشياءِ موجودةٌ في كلمةِ ( فم ) .. أجَلْ .. فبمجردِ أن نقولَ ( فم ) فنحنُ نقصدُ كلَّ هذهِ الأشياءِ .
هذهِ حقيقةٌ من حقائقِ الكلماتِ في الوجودِ لأنَّ الوجودَ مبنيٌّ على هذهِ الحقيقةِ في الكلامِ ؛ والوجودُ كلُّهُ إنَّما هو كلماتُ الحقِّ التي أوجَدَها الحقُّ حينَ أمرَ بـ ( كُنْ ) فكانتِ العوالمُ .. كُنِ العالَم .. كُنِ العالمينَ .. وهوَ ربُّ العالمينَ .
فالنظرةُ السطحيةُ فقط لحروفِ الكلمةِ في البسملةِ لا تُعطي عِلماً ، بل إنَّها لا تُعطي أكثرَ من برَكةِ النظرِ إلى هذهِ الألفاظِ الأربعةِ .
البسملةُ عالَمٌ ظاهرٌ وباطنٌ :
قد يقولُ قائلٌ :
لقد درسْتُ وفهمتُ وأريدُ أن أتعلَّمَ القرءانَ الكريمَ .
هنا يجبُ عليهِ أن يتعلَّمَ :
– ما هو العِلمُ ؟
– وما معنى أنْ يتعلَّمَ ؟
– وأيُّ علمٍ يجبُ أن يتعلَّمَ ؟
فالعِلمُ الحقيقيُّ يكونُ من وراءِ الألفاظِ كما هو في ظاهرِها ، لذلكَ هنالكَ حرَكتان كونيَّتان في الوجودِ وقد نشأ الناسُ على هذهِ المسألةِ ، وهاتان الحَرَكتان هُما :
الحَرَكةُ الظاهريَّةُ والحَرَكةُ الباطنيَّةُ .
حيثُ نجدُ أنَّ هناكَ أُناساً باطنيِّينَ يلغونَ الظاهرَ ويَعيشونَ فقط في الباطنِ الخاصِّ ونحمَدُ اللهَ ربَّ العالمينَ أننا لَسنا منهم ، كما أنَّنا لَسنا من الظاهريِّين الذينَ يقولونَ بظاهرِ القرءانِ الكريمِ فقط .
فالبسملةُ عالَمٌ ظاهرٌ وباطنٌ ، والظاهرُ لا يُلغي الباطنَ والباطنُ لا يُلغي الظاهرَ مثلما ذكَرْنا سابقاً إنَّ كلمةَ ( فم ) فيها أبعادٌ كثيرةٌ من الممكنِ أن يُتحدَّثَ عنها ، وكذلكَ فإنَّ كلمةَ ( عالَمٍ ) فيها أبعادٌ كثيرةٌ من الممكنِ أن يُتحدَّثَ عنها ، وكذلك اسمُ كلِّ واحدٍ منكم عندما نلفظُهُ فهو أيضاً عالَمٌ بكلِّ ما فيهِ .
عندما نقولُ كلمةَ ( ماء ) فهيَ مكونةٌ من ثلاثةِ حروفٍ : ( ميم وألف وهمزه = ماء ) ، إلا أنَّنا في العلمِ يجبُ أن ننظرَ إلى حقيقةِ الباطنِ المائيِّ ، فإذا قلتُم لي : الماءُ سائلٌ فقط ؛ أقولُ لكم : لا .. الماءُ ليسَ سائلاً فقط بل هوَ أيضاً مكوَّنٌ من غازِ الهيدروجين وغازِ الأوكسجين H2O ومعادلتُه الكيميائيةِ H2+O مع ارتباطٍ بين جزيئاتِ الذرَّةِ .. هذهِ هيَ الحقيقةُ الكونيَّةُ لهذهِ الحالةِ الغازيَّةِ ؛ فالاتِّحادُ بينَ الأوكسجين والهيدروجين ( 2 هيدروجين مع 1 أوكسجين ) شكَّلَ جزيءَ الماءِ .
إذاً لا نستطيعُ أن نكتفيَ بالقولِ إنَّ الماءَ هوَ ( ميم ، ألف ، همزه ) فقط وانتهى ؛ بل إنَّ في باطنِ هذهِ الكلمةِ عوالمَ أكبرُ بكثيرٍ مما تُظهِرُهُ الكلمةُ ، وكذلكَ الأمرُ في كلِّ الكلماتِ فهناكَ عوالمُ أكثرَ بكثيرٍ مما نراهُ في ظاهرِ أيِّ كلمةٍ ممَّا هو في باطنِها .
وكذلكَ هيَ الحروفُ التسعةَ عشر المجتمعةُ في { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } والتي هيَ حروفُ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } فهذهِ الحُروفُ وإن كانت بهذهِ البساطةِ الظاهرةِ في العَدِّ ، إلا أنَّ هنالكَ عمقَاً علميَّاً حقيقيَّاً وراءَ كلِّ لفظةٍ .
للمزيد … يمكنك تصفح / تحميل كتاب تفسير بنور الله تعالى – البسملة (الجزء الثاني) وذلك عبر الضغط على الصورة .

أقرأ التالي
16 يونيو، 2020
العنصر الأول في السر الروحي للحياة المتفوقة – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
28 مايو، 2020
قاعدة رقائق العشق لا تقبل خلائط – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
18 يونيو، 2020
مجالس العلم
زر الذهاب إلى الأعلى