قِمَمُ الجَمالِ وقِمَمُ الجلالِ
ياوليِّي في اللهِ تعالى : أستطيعُ القولَ هنا أنَّ في القرءانِ الكريم قِمماً في الجلالِ وقِمماً في الجَمالِ .
واعلمْ ياوليِّي في الله تعالى أنَّ علومَ الجَمالِ والجلالِ موجودةٌ في ثنايا وتضاعيفِ السُّوَرِ القرءانيةِ ؛ كذلك هناك علومٌ من الجَمالِ والجلالِ تؤخَذُ من تضاعيفِ وثنايا الآياتِ القرءانيةِ .
وعلى سبيلِ المثالِ لا الحصرِ :
فإنَّ من قِمم علمِ الجَمالِ في بابِ السُّوَرِ في القرءانِ الكريمِ ( سُورةَ الكوثرِ ) ، وإنَّ أعلى أعلى أعلى نقاطِ علومِ الجَمالِ في هذهِ السُورةِ إنَّما تتجلَّى في قولِهِ تعالى : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } .. هذا في بابِ السُّوَرِ ..
كما توجدُ أيضاً قِممٌ جماليةٌ في بابِ الآياتِ ..
فمِن قِمم علمِ الجَمالِ في بابِ الآياتِ قولُه تعالى في الآيةِ (5) من سُورةِ الضحى : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى } أترَون هذهِ الجَماليةَ العُظمى في هذهِ الآيةِ ؟
إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُعطي العبدَ وخصوصاً سيِّدَنا محمداً صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وآلهِ وصحبهِ أجمعينَ .. يُعطيهِ ويُعطيهِ ويُعطيهِ حتَّى يرضى ..
نَعم .. هذا منَ الجَمالياتِ العُظمى المُطلقةِ التي يتمناها كلُّ كائنٍ منَّا ، فلَو أنَّه صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ استمرَّ في طلباتِهِ لَبَقيَ الوعدُ الإلهيُّ يُعطيهِ حتى يَرضى .
ولو قالَ مثلاً : أرضى منكَ أن تُصعِّد العَطاءَ وتزيدَ لي ولأمَّتي على التوالِي إلى الأبدِ لَكَانَ لهُ ذلكَ لِطَلاقةِ القدرةِ الربَّانيَّةِ .. فانظرْ إلى حقيقةِ هذا الجَمالِ .
ما هيَ صلةُ هذهِ القِمةِ الجَماليةِ العطائيِة معَ بسملةِ سُورةِ الفاتحةِ بما أنَّنا نفسِّرُ بسملةَ سُورةِ الفاتحةِ ؟
أقولُ : إنَّ في بسملةِ سُورةِ الفاتحةِ هذا النوعَ مِن العطاءِ حيثُ يعطيكَ اللهُ تعالى بلا حدودٍ حتى ترضى فهي الفاتحةُ بإطلاقٍ .. لذلك كانت بسملةُ سُورةِ الفاتحةِ بسملةً قويةً جداً جداً جداً لأنها مِفتاحُ سُورةِ الفاتحةِ ، وبالتالي فإنَّ روحانيةَ العطاءِ والتي هي روحُ { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى {5} سورة الضحى ، موجودةٌ ومطويّةٌ ومخزونةٌ ومكنونةٌ فيها لأنَّنا عندما عاشَرْنا وعِشنا ودرَسْنا وترعرَعنا وتعلَّمْنا من أهلِ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ورأينا أهلَ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } من أولياءِ الشامِ وأولياءِ بلادِ الشامِ في فلسطينَ .. ولبنانَ .. وفي ديوانِ الأولياءِ ممَّن عرَفتُ من أهلِ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } كان لديهم إجماعٌ واحدٌ أنه بـِ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ( مِفتاحُ سُورةِ الفاتحةِ ) ستكونُ سلطاناً بالعطاءِ حيثُ يُعطيكَ اللهُ تعالى بها ما تشاءُ .
مِن وجوهِ الخصوصيةِ المكنونةِ في البسملةِ :
سُئلَ أحدُ العُلماءِ :
– كيفَ يحدثُ معكَ بأنْ تخطوَ بخطوةٍ من شرقِ الأرضِ إلى غربِها ؟
– كيفَ يرَونَكَ هنا ويرَونَكَ في مدينةِ حمص ( في سوريه ) ؟
– كيفَ تكونُ عندَنا في دمشقَ ويَرَونَكَ في مدينةِ حلبَ ( في سوريه ) ؟
فكان جوابُهُ واحداً :
فقط .. بِـ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } .
سُئلَ مرةً أخرى :
فقط بقولِ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } يحدثُ معكَ هذا ؟
فقالَ :
نَعَم .
إذاً : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } لها جاهٌ خاصٌ وخصوصيةٌ خاصةٌ عندَ اللهِ تعالى ؛ وهيَ تُعطي العبدَ هذهِ القدرةَ ، كما يوجَدُ فيها قدراتٌ أخرى أيضاً .
وقد توجَّهَ أحدُهم بالسؤالِ التالي إلى إحدى السيداتِ في دمشقَ حيثُ ينتظرُ الناسُ عندَ بابِ منزلِها صفوفاً .. وكلُّ ما تفعلُهُ هو أنَّها تضعُ يدَها على المريضِ فيَشفى فسألها قائلاً :
– كيفَ تستطيعينَ شفاءَ جميعِ هذهِ الأمراضِ ؟
أجابَت : أقولُ : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } فقط لاغير .. نَعمْ فقطْ لاغير !
قالَ لها : لِماذا ؟
قالَت : يا بنيَّ .. { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } فيها كلُّ شيءٍ .. ألا تعلمُ ؟!!
لقد تعجَّبتْ هذهِ السيدةُ من السؤالِ وهيَ تظنُّ أنَّ الكلَّ يَعلَمُ هذا الأمرَ ويمارسُهُ .
ما هوَ السبيلُ لمعرفةِ علومِ ومكنوناتِ البسملةِ ؟
إنَّ الحقائقَ التي تمَّ ذكرُها تُوجبُ علينا أنْ ندرسَ الشريعةَ ونتعلَّمَ ، إلا أنَّنا في الحقيقةِ ذهبْنا إلى الجامعةِ ودرَسْنا الشريعةَ ونِلْنا درجاتِ البكالوريوس والماجستير والدكتوراه ولم يُعلِّمْنا أحدٌ عن مكنوناتِ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ؛ فكلُّ الدراساتِ والعلومِ في الجامعاتِ اليومَ تقولُ : إنَّ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } فيها قدراتٌ وخصوصياتٌ ولكن مِن أينَ لنا أن نتعلَّمَ هذه القدراتِ والخصوصيَّاتِ ؟
وجدْنا أنفسَنا نعودُ أدراجَنا وبالتوجيهِ الإلهيِّ إلى الأولياءِ الورثةِ العلماءِ الربَّانيينَ ونجلسُ باحترامٍ على الرُّكَبِ في المسجدِ ونتعلَّمُ منهم بشكلٍ خاصٍّ وبالتلقينِ الشخصيِّ .
ياوليِّي في الله تعالى أحبُّ أن أؤكِّدَ وأقولَ : إنَّ هذهِ العلومَ وهذه الفهومَ في { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } إنَّما هي خصوصياتٌ يمنحُها اللهُ تعالى للعبدِ لذلكَ يجبُ أن يدرسَها على يدِ أهلِها .
هذا لا يعني أنَّ الكلامَ النظريَّ في الكتبِ لا يُفعِّلُ الحقيقةَ .. وإنَّما يقومُ بالإعلامِ والإعلانِ .. حيثُ يُعلِنُ عن الأسرارِ ويُعلِمُ ذاتَك و وعيَك بوجودِ هذا النوعِ من الأسرارِ لتبحثَ عنها عندَ أهلِها .
وقد قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ في الآية (7) من سُورةِ الأنبياءِ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }
وقال أيضاً في الآية (14) من سورة فاطر : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }
أي أنَّ الخِبرةَ والعِلمَ يَكونا عندَ أهلِ الخبرةِ والعِلمِ وعندَ الأولياءِ العالِمينَ العامِلينَ ؛ فلا تأخذْ هذا النوعَ من العلومِ والقدراتِ إلَّا منَ العاملينَ بها .
ولايكفي أنْ تدرسَ كتاباً فقط .. إنما أنتَ بحاجةٍ للمُعلِّمِ الحَقانيِّ العاملِ الربانيِّ الوارثِ حتى يرقِّيكَ في مَقاماتِ ومدارجِ ما أدركَهُ ولم يعِهِ وعيُكَ من خلالِ الكتابِ ونصوصِ الكتابِ .
فاعلمْ يا وليِّي في اللهِ تعالى أنَّ الوقوفَ على النصوصِ فقط بلا مُعلِّمٍ عمليٍّ واقعيٍّ حيٍّ إنما هوَ جمودٌ .. والإسلامُ حركةُ حياةٍ فافهمْ ترشَدْ .
للمزيد … يمكنك تصفح / تحميل كتاب تفسير بنور الله تعالى – البسملة (الجزء الثاني) وذلك عبر الضغط على الصورة .

أقرأ التالي
16 يونيو، 2020
حضرة الجود – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
18 يونيو، 2020
آداب التواصل الإلكترونية
1 أبريل، 2020
تعريجٌ على البَسملاتِ – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
زر الذهاب إلى الأعلى