قَانُونُ الْقُدْسِيَّةِ فِيْ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

قَانُونُ الْقُدْسِيَّةِ فِيْ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ

الْقُدْسِيَّةُ ضَرُورِيَّةٌ لِمَسِيْرَةِ ارْتِقَاءِ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ .

إنَّ حَقِيْقَةَ الْقُدْسِيَّةِ هَامَّةٌ هُنَا فِي مَوَاضِيْعِ الرُّوحِ وَمِنْهَا الذَّكَاءُ الرُّوحِيُّ ، فَإنَّ الْارْتِقَاءَ الْأمْثَلَ إنَّمَا هُوَ مُرْتَبِطٌ بِالطُّهْرِ وَالنَّقَاءِ وَبِشَكْلٍ عَامٍّ بِالْقُدْسِيَّةِ الَّتِيْ هِيَ التَّنَزُّهُ عَنْ كُلِّ شَائِبَةٍ تَمْنَعُ الْارْتِقَاءَ ؛ تِلْكَ الشَّوَائِبُ الَّتِيْ نُسَمِّيْهَا الْحُجُبَ .

فَلَوْ أنَّكَ دَخَلْتَ إلَى غُرْفَةٍ فِيْهَا صُنْدُوقٌ يَحْوِيْ شَيْئَاً مَجْهُولَاً بِالنِّسْبَةِ لَكَ فَإنَّ وَعْيَكَ الرُّوحِيَّ سَيَسْتَقْبِلُ هَذَا الصُّنْدُوقَ وَيَتَوَقَّفُ فِي مُعَالَجَةِ بَيَانَاتِ رؤيتهِ عِنْدَ حُدُودِ جَهْلِكَ بمَا فِيْ الصندوقِ ، وَلَا تَسْتَطِيْعُ أنْ تُدْرِكَ مَافِيْهِ حَتَّى نَفْتَحَ لَكَ هَذَا الصُّنْدُوقَ فَتُشَاهِدَ مَافِي دَاخِلِهِ وَإلَى أنْ نَفْتَحَ الصُّنْدُوقَ سَيَبْقَى الْإدْرَاكُ الرُّوحِيُّ هُنَا فِي حَالَةِ انْتِظَارٍ وَبِالتَّالِي لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ ذَكَاءٌ رُوحِيٌّ بِهَذَا الْخُصُوصِ إلَّا إذَا تَوَجَّهَتِ الرُّوحُ إلَى الْبَحْثِ فِي مُدْرَكَاتِ ذَكَائِهَا الرُّوحِيِّ عَنْ طَرِيْقَةٍ مُنَاسِبَةٍ لِإزَالَةِ الْحِجَابِ الْمَانِعِ مِنْ إدْرَاكِ مَا يَحْتَوِيْهِ .

إذَاً : فِي الدَّرَجَةِ الْأولَى :

الذَّكَاءُ الرُّوحِيُّ يَتَأثَّرُ بِأيِّ حِجَابٍ يَمْنَعُ ارْتِقَاءَهُ فِي تَوَجُّهٍ مَا .

فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ :

لَوْ أنَّكَ دَخَلْتَ غُرْفَةً مَا لِأوَّلِ مَرَّةٍ  فَإنَّ مَا يَفْعَلُهُ الذَّكَاءُ الرُّوحِيُّ إنَّمَا هُوَ رَبْطُ الْعَلَاَقَاتِ الْوَارِدَةِ لَهُ مِنَ الْحَوَاسِّ فَهُوَ يُمَارِسُ إدْرَاكَهُ بِفَاعِلِيَّةٍ عَلَى ( السَّتَائِرِ ) وَمَاهِيَّتِهَا وَمُوَاصَفَاتِهَا وَحَالَتِهَا وَصِفَاتِهَا وَمَقَايِيسِهَا وَكَذَلِكَ يُمَارِسُ إدْرَاكَهُ وَفَعَالِيَّتَهُ عَلَى الطَّاولَاتِ وَالْبَلَاطِ وَالْإنَارَةِ وَالْحِيْطَانِ وَالْأبْوَابِ وَالطِّلَاءِ وَالْكَرَاسِيِّ فَهُوَ يُحْدِثُ لِكُلِّ مَوْجُودٍ فِي الْغُرْفَةِ إدْرَاكَاً يُدْرِكُهُ بِهِ ثُمَّ يَقُومُ بِرَبْطِ هَذِهِ الإدْرَاكَاتِ لَيُكَوِّنَ مُجْمَلَ الْوَعْيِ الرُّوحِيِّ الَّذِيْ يُعْطِيْنَا الصُّورَةَ الْأخِيْرَةَ لِلْوَاقِعِ الَّذِيْ دَخَلْتَ إلَيْهِ .

وَهَذَا يَعْنِي أنَّ الْإدْرَاكَ الْفَعَّالَ لِلْحَيَاةِ الرُّوحِيَّةِ الْمُتَوَهِّجَةِ عَنْ هَذَا الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ إنَّمَا لَهُ وَظِيْفَةٌ تَجْعَلُهُ مُطْلَقَاً فِي مُمَارَسَةِ وَظِيْفَتِهِ فَالْحَيَاةُ الرُّوحِيَّةُ إنَّمَا هِيَ ذَاتُ ذَكَاءٍ رُوحِيٍّ لَا يُوَفِّرُ أيَّ شَيْءٍ يَقَعُ تَحْتَ سَطْوَتِهِ لِيُمَارِسَ عَليْهِ إدْرَاكَهُ الْفعَّالَ .

فَإنَّ ثَلَاثَةَ عَنَاصِرٍ تَسْتَدْعِيْ مِنَ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ ثَلَاثَةَ إدْرَاكَاتٍ فَعَّالَةٍ أوَّلِيَّةٍ لِلْعَنَاصِرِ الثَّلَاثَةِ وَمِنَ ثَمَّ إدْرَاك الصِّلَاتِ بَيْنَ هَذِهِ الْعَنَاصِرِ الثَّلَاثَةِ ؛ فَنَحْنُ هُنَا أمَامَ تِسْعَةِ إدْرَاكَاتٍ فَعَّالَةٍ .

وَإنَّ مَائَةَ عُنْصُرٍ يُطَوِّرُ عَشَرَةَ آلَافِ إدْرَاكٍ فَعَّالٍ فِي الْوَعْيِ .

فَانْظُرْ إلَى الْكَمِّ الْكَبِيْرِ مِنْ تَشَابُكَاتِ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ الَّتِيْ تُشَكِّلُ الْوَعْيَ فِي الرُّوحِ إذَا عَلِمْتَ أنَّكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ إنَّمَا أنْتَ مُتَلَقٍّ لِمِلْيَارَاتٍ مِنَ الْبَيَانَاتِ خِلَالَ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ وَتَخَيَّلْ كَمْ تُصْبِحُ بَعْدَ سَنَوَاتِ طُفُولَتِكَ وَحَتَّى سَنَوَاتِ شَيْخُوخَتِكَ .. إنَّهُ لَكَمٌّ هَائِلٌ نَعْجَزُ عَنِ الْإحَاطَةِ بِهِ مَع أنَّهُ تَحْتَ سَطْوَةِ تَسْخِيْرِنَا بِحَيْثُ أنَّكَ تَسْتَجْلِبُ مِنْ هَذَا التَّشَابُكِ جُمْلَةً قَالَهَا لَكَ وَالِدُكَ وَأنْتَ بِعُمْرِ الْخَمْسِ سَنَوَاتٍ .

إنَّ الذَّكَاءَ الرُّوحِيَّ لَهُوَ حَقَّاً مُعْجِزَةٌ إلَهِيَّةٌ مَنَحَنَا إيَّاهَا الرَّبُّ لِيَرْتَقِيْ بِنَا لِنَكُونَ خُلَفَاءَهُ فِي هَذَا الْوُجُودِ .

هَذَا إذَا لَمْ يَحْجُبِ الْوَعْيَ شَيْءٌ وَتَمَّتْ مُمَارَسَةُ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ بِحَالَةِ نَقَاءٍ تَامٍّ أيْ بِقُدْسِيَّةٍ رُوحِيَّةٍ .

إذاً : مِنَ الْمُهِمِّ وَالضَّرُورِيِّ لِمُمَارَسَةِ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ بِكُلِّ طَاقَاتِه أنْ يَكُونَ الْإْنسَانُ بِحَالَةٍ مِنَ التَّنَزُّهِ الرُّوحِيِّ عَنْ كُلِّ مُدَنِّسَاتِ الرُّوحِ..وَهُنَا كَانَتْ وَظِيْفَةُ الْأدْيَانِ .

فَالدِّيْنُ يُحَافِظُ عَلَى رُوحِ الْإْنسَانِ فِي حَالَةِ نَقَاءٍ لَائِقٍ يَصْلُحُ مَعَهُ أنْ يَتَقَبَّلَ وَارِدَاتِ التَّجَلِّيْ الْإلَهِيِّ الْقُدُّوسِ .

وَكَذَلِكَ يَصْلُحُ مَعَهُ أنْ يَتَقَبَّلَ وَارِدَاتِ مَا يَسْتَقْطِبُهُ بِحَوَاسِّهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ .

وَكَذَلِكَ يَصْلُحُ مَعَهُ أنْ يَتَقَبَّلَ وَارِدَاتِ مَا يَنْتِجُ عَنِ التَّشَابُكِ النُّورَانِيِّ لِلْإدْرَاكَاتِ الْفَعَّالَةِ لِيُكوِّنَ كُلُّ ذَلِكَ ذَكَاءً رُوحِيَّاً .


( نقلاً عن كتاب علم الذكاء الروحي للمفكر الإسلامي الشيخ د. هانيبال يوسف حرب ) .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى