قضية الامتحان الكوني – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

قَضِيَّةُ الامْتِحَـانِ الكَونِيِّ

كُلُّ المَخلوقَاتِ غَيرِ الإنسِ والجِنِّ على مَعرِفةٍ بهذَا الوَجهِ الخَاصِّ ، الحَجَرُ ، الشَّجرُ ، الحَيواناتُ ، المَلائِكةُ ، السَّمواتُ ، الأرَاضِينَ كُلُّهُم يَعرِفونَ هذَا الوَجهَ ، لكنْ لايَعلمُوه فَهُم يَعرفُونه ويَخضَعونَ لَه ، ويُوجدُ أدلَّـةٌ كَثيرَةٌ في القرآنِ الكريمِ على هذَا الكَـلامِ مِنْ جُملَتِها :

بسم الله الرحمن الرحيم { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } النور (41) .

كُلٌ قَد عَلمَ صَلاتَه وتَسبيحَه لِربِّه الذَّاتِيِّ ، لِمَصدرِه الذِي نَشأَ مِنه . فَيَصِلُون يَعبدونَ المَجهولَ أمِ المَعلومَ ؟ بِالتَأكِيد إنَّه المَعلومُ ، ليسَ مَعلوماً بَل مَعروفاً ، وتَميَّزَ الإنسانُ بِكلِّ الحَضاراتِ فَكانَ عِلماً ومَعرِفةً وأبعَاداً أخرَى ، أمَّا الإنسُ والجِنُّ لِقضيَّةِ الامتِحانِ الكَونيِّ حُجِبُوا عَنْ هذِه الحَقيقَةِ ، ولكنْ إلى مَتَى ؟  حتَّى لَحظةِ المَوتِ .

بسم الله الرحمن الرحيم { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } الحجر (99) . واليَقينُ هُنا في الآيةِ هوَ المَوتُ، لأنَّكَ في لَحظةِ الوَفاةِ وفي حَالةِ النَّزعِ تَبدَأ الرُّوحُ بِالرُّجُوعِ إلى عَالَمِهـا الأصلِي إلى حَقِيقَتها الذَّاتِيـَّةِ .              

بسم الله الرحمن الرحيم { لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } ق (22) .

فَكشَفْنَا عَنك غِطَاءَك فَعرَفتَ الاسمَ المُتجلِّيَ عليكَ وأبعَادَكَ كُلَّها ، فَبَصَرُك اليَومَ حَديدٌ مِنَ الحِدَّةِ، صِيغَة مُبالَغةٍ على وَزنِ فَعِيْل ، وليسَ حَدِيدَ مَعدَنٍ ، بَصرُكَ حَديدٌ ثَاقِبٌ ، اختَرَقَ الحُجُبَ فَرَأى الحَقِيقةَ فَلَم يَجِدْ إلاَّ اللهَ مُتجلِّياً عليه ، وكَمَا حصلَ مَعَ فِرعَونِ مُوسَى فِي لَحظةِ التَّكشُّفِ :

بسم الله الرحمن الرحيم { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ ءَامَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي ءَامَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ } يونس (90) .

فَبَنِي إسرَائيلَ آمَنُوا بِرَبِّ هَارونَ ومُوسَى ، آمَنُوا بِربِّهم وبِالنَّتيجَة لمَّا وَصَلَ فِرعونُ إلى الحَقِيقـةِ الكَـاملةِ آمَنَ .

في لَحظَاتٍ مُعيَّنةٍ ظَنَّ أنَّه هوَ اسمُ اللهِ الأعظَمِ ، ظَنَّ أنَّه هوَ الاسمُ المُتجلِّي على العِبادِ فَادَّعى الرُّبوبِيَّةَ ، وقالَ أنَا رَبُّكمُ الأعلَى ، أنَا المَظْهَرُ الأسمَى ، أنَا الذِي أُطعِمُكم وأسْقِيكم ، أنَا خَزَائِنُ مِصرَ كُلُّها بِيَديَّ ، أنَا أحكُمُ على فُلانٍ يَموتُ أو يَعِيشُ ، أنَا المُتصرِّفُ الأوَّلُ في الكَونِ اليومَ ” وفِعلاً كانَ هوَ المُتصرِّفُ المَادِّيُّ الأوَّلُ ” ، فهوَ رَأَى نَفسَه مُتصرِّفاً في المَادةِ في الأبعَادِ الرُّوحِيَّةِ كُلِّها مِنْ حَولِه ، ولكنْ لمَّا وَصلَ إلى هذَا الإطلَاقِ وهذِه الفَلسفَاتِ ، وعَلَّمُوه كُلَّ العُلومِ كَي يُصبحَ فِرعَوناً ، فَرَأى نفسَه الأعلَى الأفهَمَ ، هوَ المُتصرِّفُ الحَاكمُ الأوَّلُ والآخِرُ فِيهم ، فَادَّعى الرُّبوبِيَّةَ لِنفسِه انْخَدَع لأنـَّـه وَصلَ إلى مَرحلةِ التَّحرُّرِ ، وعَرفَ اسمَــه الـذَّاتِيَّ ، فَظَنَّ نفسَـه وَصَلَ إلى الإطــلَاقِ ، وَظنَّ نفسَه أنـَّـه هـوَ الـرَّبُّ .

بَينمَا لمَّا جَاءَت الآياتُ التِّسعةُ القُمَّلُ والجَرَادُ ، وأمْطَرتِ السَّماءُ نَاراً ، وصَارَ النِّيلُ كُلُّه دَمَاً ، هذِه المَظـاهرُ لًمْ يَستطِعْ أنْ يَدفعَهـا عَنْ نفسِه ، فَعَرفَ أنَّه ليسَ بِـإلَهٍ .

 


( من كتاب علم الاسم المتجلي الأعلى للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى