قاعدة إشراق رقائق عيون – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

قَاعِدَةُ إشرَاقِ رَقَائقَ عُيُونٍ حَيثُ لَا تَكُونُ

5- قَاعِدَةُ إشرَاقِ رَقَائقَ عُيُونٍ حَيثُ لَا تَكُونُ : 

– لَيسَ فِيكَ مِنكَ شَيءٌ

فَارحَلْ عَنكَ بِهِ إلَيهِ .. حُبَّاً

وَلَا تَرَ لَكَ فِعلَاً أو وَصفَاً ..

فَسَيُعلِمُكَ الحُبُّ بِحَقِيقَتِهِ ..

أنَّكَ عِندَمَا لَا تَكُونُ ..

تُشرِقُ عُيُونٌ ..

لَاتَرَى إلَّاهُ .

– تُرجمانُ حُبٍّ :

نعمْ .. لقد انطوى فيكَ العالَمُ الأكبرُ .. فصِرتَ مجموعَ العالَمِ ونُسختَهُ المختصرةَ الصغيرةَ المُرَمَّزةَ ، فما مِن شيئٍ إلا و إليكَ منهُ رقيقةً ؛ ومنكَ إليهِ معاينةً دقيقةً

ولكن تنبَّهْ يا وليِّي في اللهِ تعالى .. فكلُّ العالَمينَ منهُ تعالى لا مِنكَ .. وقد قيلَ لمَن هو أعلى جمعاً وإحاطةً وتحققاً : ليسَ لكَ منَ الأمرِ شيئٌ .. فتحقَّقْ ذلكَ تَستَرِحْ راحةَ الأبدِ ، وتُسقِطُ عنكَ آفةَ الادِّعاءِ لمَا ليسَ مِنكَ .. فليسَ فيكَ مِنكَ شيئٌ

رغمَ أنَّكَ جمعٌ لرقائقِ الوجودِ إلا أنَّها عاريةٌ مسترجَعةٌ .. حيث تتلاشى صورتُكَ الماديةُ الجامعةُ لتلكَ الرقائقِ عندَ موتِكَ فتَنحَلُّ الصورةُ فيستعيدُ كلُّ شيئٍ رقيقتَهُ فتبقى أنتَ بلا تعيينٍ.. وبذا تتحرَّرُ الروحُ عندَ الموتِ .. وتبقى في الروحِ آثارُ ذاكَ الجمعِ تعلنُ أنَّكَ كنتَ يوماً مُتعيِّناً عندما انطوى فيكَ العالَمُ الأكبرُ ..

فليسَ فيكَ مِنكَ شيئٌ .. حتى جَمعُكَ لتتعيَّنَ ، وفرقُكَ لتُطلَقَ .. فهو جمعٌ فيكَ لا لَكَ .. وفرقٌ عنكَ لا لَكَ ..

إذاً ليسَ لكَ إلا أن ترحلَ عن كلِّ السِّوى بهِ إليهِ .

فأيُّ شيئٍ تراهُ فيكَ مِنكَ إنما يقيِّدُكَ عن الوصولِ إلى محبوبِكَ ..

و كيفَ يرى لنفسِهِ وَصفاً مَن لا يَرى فيهِ مِنهُ شيئاً ؟!

أم كيفَ يَرى لهُ وَصفاً مَن يعرفُ أنَّ كلَّ الأوصافِ التي ظهرَتْ عليهِ إنما هيَ مُعارَةٌ لهُ ؟

أم كيفَ يَرى لنفسِهِ أوصافاً مَن أخذَهُ حُبُّ محبوبِهِ عن الشعورِ .. ؟!

بلْ هذا فاني الأوصافِ النفسيةِ .. باقٍ بأوصافِ ربِّهِ العليةِ .

فالمحبُّ الصادقُ المخلصُ لا يعيشُ نظرَهُ في تعيُّنِ أوصافِهِ ؛ بل يعيشُ نظَرَ المحبِّ في محبوبِهِ ..

كيفَ يرى لنفسِهِ أفعالاً مَن لا يرى لنفسِهِ أوصافاً ؟

فإنَّ الفعلَ أثرُ الوصفِ ..

فمَن فني وصفُهُ .. فَنِيَ فِعلُهُ .

ويبقى وجهُ ربِّكَ ذو الجلالِ والإكرامِ

فمَن فَنِيَ عن نفسِهِ بالكليَّةِ بقيَ بأوصافِ ربِّهِ العليةِ ، ونزلَ في حقيقةِ رقيقةِ ( إنَّكَ بِأعْيُنِنَا )

و تشرقُ تلكَ العيونُ بحقيقةِ المشهودِ فلا يعِ المحبُّ إلا محبوباً .. وبذا سمَّى الحَقُّ أهلَ تلكَ الحالِ من الملائكةِ بـ ( المهيمين )

وعلى قلبِ أولئكَ الملائكةِ يكونُ المحبُّ من البشرِ على الكمالِ والتمامِ  ..فهو مهيمٌ بَشَريٌّ ..

وحقيقتُهُ أن لا  يكونَ .. ويكونُ محبوبُهُ آنذاكَ على الحقيقةِ :

( كُلُّ شَيْئٍ هَالِكٌ إلَّا وَجْهَهُ )

فوَجهُ المحبوبِ يكونُ حيثُ لا يكونُ المحبُّ .. حيثُ طوَتْه عيونُ الوجهِ .. فما كانَ المحبُّ .. وكانَها .

 


( من الرسالة الأولى في بسط قواعد العشق للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى