في وجوب التعرف على الاسم المتجلي الأعلى – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

في وُجُوبِ التَّعَرُّفِ علَى الاسمِ المُتَجَلِّي الأعلَى

هَل وَاجـبٌ على العبدِ التَّعـرُّفُ علَى الاسمِ المُتجلِّي الأعـلَى ؟

الجَوابُ : هُوَ أنَّ التَّعرُّفَ على الاسمِ المُتجلِّي الأعلَى ليسَ وَاجِبَاً فَحَسبُ بَل فَرضٌ ، لأنَّ سِياسَةَ الكَونِ العُليــا الإلَهيـَّةِ لِسيَاسةِ أهلِ الدُّنيـَـا هي :

بسم الله الرحمن الرحيم { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } الذاريات (56) .  

وَمرفُوضٌ أنْ يَعبدَ المَخلوقُ المَجهُولَ ، فَالكَائناتُ عندَما عَبدَتِ المَجهولَ عُوقِبَتْ ، عَاقبَهم اللهُ سُبحَانه وتَعَالى عِندَما عَبدُوا أحجَاراً وأصنَاماً لاتَضرُّ ولاتَنفَعُ ، لَو سَألنَا الذِين عَبدُوا الحَجَرَ عَلى زَمَنِ سَيدِنا إبرَاهِيمَ أو إسمَاعِيلَ مَاهي البُنيَةُ الذَّريـَّةُ لِهَذا الحَجَرِ ؟ لايَعرفُونَ شَيئاً ، فَكانُوا يَعبُدونَ المَجهولَ .

نَحنُ في الإسلَامِ لانَعبُدُ المَجهُولَ أبداً ، وفِي هَذَا البَابِ في هذَا البَحرِ قالَ الإمَامُ عَليٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجهَهُ عليه كُلُّ الصَّلاةِ والتَّسلِيمِ وآلِ البَيتِ أجمَعِينَ : ” قَالُوا : يَا إمَـامُ ، أتَعرِفُ رَبَّكَ ؟ قـالَ : وهَل أسجُدُ لِمَنْ لا أعرِفُ ” .  

نَحنُ في الإسلَامِ لانَعبدُ المَجهولَ بَل نَعبدُ المَعلومَ المَشهودَ الذِي عَرَّفَنَــا على ذَاتِـه بِذاتِـه ، فَلا تَستطيعُ أنْ تَتعرَّفَ عَليه بِنَفسِكَ بَل تَتَعرَّفُ عَليه بِنَفسِهِ ، لاتَتعرَّفُ عَليه بِعلمِكَ بَل تَتعرَّفُ عليه بِعِلمِـه ، لاتَتعرَّفُ عليه بِمَعرِفتِك بَل تَتعرَّفُ عَليه بِمَعرِفتِه . ومِنْ هُنا كـانَ السُّلوكُ ، وكانَت وَظِيفةُ الوُلِيِّ المُرشِدِ أنْ يُخَلِّصكَ مِنْ نَفسِك ومِنْ عِلمِك ومِنْ مَعرِفتكَ لِيُعطِيكَ نَفْسَهُ وعِلمَـه ومَعرِفَتـَه .

مَعرِفتُك مَخلُوقــةٌ قَاصِرةٌ ، أمَّا مَعرِفتـُـه فَهِيَ مُطلَقـةٌ ، فَلا يَعرِفُ المُقَيَّدُ المُطلَقَ ، فَيجِبُ أنْ تَصِلَ إلى مَرحَلةٍ بَرزَخيَّـةٍ فِيها شَيءٌ مِنَ الإطلَاقِ كَي تَتَكَشَّفَ لَكَ أنوَارُ الإطلَاقِ ، هذِه الحَضرةُ هِيَ حَضرَةُ الأسمَــاءِ ، هِيَ هذَا الاسمُ  المُتجلِّي الأعلَى ويَرمُـزُونَ لَهـا بِـالفَنـَـاءِ ، يعنِي أنَّك سَوفَ تَتخلَّى تَمامـاً عَنِ القَيدِ والمَخلُوقيَّـةِ ، فَتَصِلُ إلى أنْ تَتَحقَّقَ بِالإطـلَاقِ .

بِمَا أنَّكَ مَخلوقٌ مُقيَّـدٌ مَاذَا يَحصُلُ ؟؟؟

تَنفَصِلُ عَنْ ذَاتِكَ البَشريـَّـةِ ، وتُصبحُ فِي حُدودِ الفَصْلِ ، فَلا تَستطيعُ الوُصولَ إلى الإطلَاقِ ، ولاتَستطِيعُ التَّخلُّصَ مِنَ القَيْدِ ، لَكنْ لايُصبحُ القَيدُ حَاكِمَك ، وإنَّمَا تَتَحرَّرُ مِنَ القَيدِ .

هذِه الحُـريـَّـةُ مِنَ القَيـدِ هِيَ أوَّلُ عَتبَةٍ مِنَ الإطــلَاقِ ، وهُنا يَحصُلُ الفَنَاءُ ، وتَبدَأُ أنوَارُ الذَّاتِ بِأنْ تَأتيَ إليكَ فَتَتعرَّفُ فَتُصبحُ مِنَ العَـارِفينَ ، هذِه حُـدودُك لاتَستطيعُ أنْ تَتَجـاوَزَها وتُصبحَ مُطلَقاً .

 


( من كتاب علم الاسم المتجلي الأعلى للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى