فِي بَيَـانِ الـرُّكْـنِ الشَّدِيْـدِ
جَاء في الحَديثِ عَن حَبِيبِي المُصطَفَى صلى الله عليه وسلم حَيثُ قَالَ : ” رَحِمَ اللهُ أخِي يُونِسَ لَقَد كَانَ يَأوِيْ إلى رُكْنٍ شَدِيْدٍ “ مَاذا فَعلَ سَيدُنا يُونُسَ حِينَ رَأى الضَّغطَ الشَّديـدَ عَليه مِنْ كُلِّ مكـانٍ في زَمنِـه ؟ ، مَاذا قـالَ :
بسم الله الرحمن الرحيم { قَـالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءَاوِي إِلَى رُكْـنٍ شَدِيـدٍ } هود (80) .
أو تُفيدُ التَّخييرَ ، لَو عِندي قُوةٌ لَتَمَلكتُ هذِه العَوَالِم مِنْ حَولِي أو أرحَلُ إلى رُكْنٍ شَدِيـدٍ .
الرُّكـنُ هُو الزَّاويــةُ الشَّديـدَةُ ذَاتُ المَلَكَـةِ التِي يستطيعُ أنْ يَستنِدَ إليهَـا ، في عَصرِنــا يَقولونَ إنَسانٌ ليسَ لـه ظَهرٌ ؛ أيْ غَيرُ مَسنودٍ .
لمَّا قرَأ هذِه الآيةَ سَيدُنا مُحمَّدٌ عَليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قَالَ : ” رَحِمَ اللهُ أخِي يُونُسَ لَقَد كانَ يَأوِي إلى رُكنٍ شَديدٍ “ ، في الحَقيقَةِ كانَ يَأوِي إلى رُكنٍ شَديدٍ ، وهوَ هذَا السَّندُ الذِي يَدعَمُ هذَا الكَـائِن . مَاهوَ هـذَا السَّندُ ؟
هوَ الوَجـهُ الخَــاصُّ .. فَبينَ ” أو التَّخييرِيَّةِ “ اليُونُسيَّـة و بَينَ التَّعرِيفِ المُحمَّديِّ عَلمْنــا أنّ :
الرُّكـنَ الشَّديدَ هوَ الوَجهُ الخَـاصُّ الدَّاعِـمُ لِلعَبدِ ، وهوَ الاسمُ المُتجـلِّي الأعـلَى الذِي هوَ بِالأصلِ مُتَرجِمٌ لِحقِيقةِ الوَصفِ الذَّاتيِّ المُتجلِّيـةِ على قَلبِ العَبدِ ، يُسمِّيه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رُكـنَاً شَديدَاً ، هذَا هوَ السَّندُ ، ليس كمَا يَقولُون في عَصرِنا .
ونَرَى في نِهايَة قِصَّة سَيدِنا يُونُسَ عَليه السَّلامُ أنَّه انْتَصرَ رَغمَ كُلِّ المُشكِلاتِ ، لأنَّه لَاخَوفٌ عَليهم ولَاهُم يَحزَنُون ، وبِالنَّتيجَة لَايَخافُ لَدَيَّ المُرسَلون ، هذَا لايَعنِي أنَّ الحَضَاراتِ لَا تُحَاربُهم ولَا تَقْرَبُهم الشَّيَاطِينُ ، وهذَا لايَعنِي أنَّ اللهَ سُبحانَه وتَعَالى يَترُكُهم دُونَ مِحنَةٍ واختِبَارٍ ، بَل يَئِزُّ عَليهِمُ الشَّياطِينَ أزَّاً ، ويَقولُ لهُمُ اللهُ : اذْهبُوا ونَاظِروهُ وبِالنَّتيجَــةِ يَنتَصِرُ المُرسَلُ ، ويَهزِمُ كُلَّ الحَضَراتِ الشَّيطَانيـَّـة مَهمَا طَالتِ المَعرَكــةُ ، ولَكِنَّ العَاقِبــةَ لِلتَّقوَى ؛ لأنَّ الـرُّكنَ الشَّديـدَ هوَ الذِي يَدعَمُ هذِه الحَضَـراتِ .
( من كتاب علم الاسم المتجلي الأعلى للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب ) .