عَوَالِمُ الاسمِ المُتَجَلِّي الأعْلَى تَأتِي بِالإِفْـرَادِ
في القُرآنِ الكَريمِ هُناكَ قَوَاعِدُ في هَذا الاسمِ المُتجلِّي الأعلَى ، نَبـدَأُ بِالقَـاعـدةِ التالِيـةِ :
أنَّه لَمْ يُخاطِبِ الإنسَانَ مِنْ جِهةِ الاسمِ الأعلَى إلاّ بِخُصُوصيَّـةِ
بسم الله الرحمن الرحيم { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْـهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيـدِ } سورة ق (16) .
نَحنُ أقرَبُ إليهِ مِنْ حَبلِ الوَرِيدِ لَاحِظْ كيفَ أنَّ ألفَاظهَا مُفرَدَةٌ ” أقربُ – إليهِ “ للعبدِ ، لكنَّ المَقصُودَ بِهَا كُلُّ العَبيدِ ، مع أنَّ الخِطَابَ كـانَ بِالإفـرَادِ .
لِيَنْتَبِهَ أنَّها قَاعِدةٌ عَامَّـةٌ ، قَانونٌ عَــامٌّ في عِلمِ الاسمِ المُتجلِّي الأعلَى ، ولَكِنَّها خَاصيَّــةٌ لِكلِّ فَردٍ .
دَعُونَا نَدرسُ هذِه الخَاصيَّةِ في سُورَةِ مَريمَ ، والتِي تَفتَحُ لَنَا قَوانِينَ وأبواباً جَميلةً في عِلمِ الاسمِ المُتجلِّي .
حَضرةُ السُّورةِ المَريَميَّـة سُورةُ مَريمَ عليهَا السَّلامُ :
قَالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عِندمَا تَحدَّثَ لَنَا عَنْ سَيدِنـا اسمَاعِيلَ عَليه السَّلامُ :
بسم الله الرحمن الرحيم { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا {54} وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا {55} .
تُعطِينَا هَذه الآيـةُ مَعلُومةً عَنْ هـذَا العَبدِ لِيُعطِينَا مِنْ خِـلالِ هذِه المَعلُومـةِ سِرَّاً جَميلاً مِنْ أسرَارِ عِلمِ الاسمِ المُتجلِّي الأعلَى :
الشَّاهدُ في الآيـةِ في قَولـهِ ” عِندَ رَبِّهِ مَرضِيَّا “ هذِه الآيـةُ بِالذَّاتِ تَدعَمُ القَـاعدةَ التِي تَكَلمْنـا عَنها، حَيثُ قُلنَـا أنَّ عَوَالِمَ الاسمِ المتجلِّي الأعلَى تَأتِي دَائِماً بِشَكلٍ مُفرَدٍ ، وإنْ كانَت هِيَ قَوانِينُ عَامَّـةٌ لِجَميعِ المَخلُوقَاتِ ، حَيثُ أنَّه لَمْ يَقُلْ : كانَ عندَ الرَّبِّ مَرضِيَّا ، بَل كانَ عندَ رَبِّـه بِالذَّات . لماذا ؟ رَبُّه غَيرُ رَبِّ العَالَمينَ ، مِنَ المُؤكَّدِ لاَ .. رَبُّه هُو رَبُّ العَالَمِين كُلُّهم ، ولَكنْ عِندَما يُخَصِّصُ في القُرآنِ الكَريمِ رُبُوبِيَّته بِمظهَرٍ مَا بِتَجَلٍّ مَا فَهو يُشيْر إلى تَجلِّي هَذهِ الرُّبُوبيَّة مِنْ خِلالِ وَصْفٍ إلَهيٍّ ذَاتيٍّ مَا ، وبِالتَّالي يُوصَف هَذا التَّجلِّي مِنْ خِلالِ هَذا الوَصفِ الإلَهيِّ بِاسمٍ مُعَيَّنٍ مُحدَّدٍ يُمكِنُ لِلمُتجلَّى عَليه ؛ لِلعَبد المَخلُوقِ أنْ يَفهمَ مِنْ خِلَاله التَّواصُل مَعَ حَقِيقتِـه ، وهِي الرُّبُوبيَّةُ المُتجلِّيةُ عَليه ، لأنَّ الرُّبوبيَّةَ المُطلَقـةَ لايَستطيعُ أحَدٌ أنْ يَصِلَهَا ، لَيستْ مِنْ مُدرَكَـاتِ وطَـاقـاتِ واستِطَاعـاتِ المَخلُوقــاتِ .
( من كتاب علم الاسم المتجلي الأعلى للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب ) .