عِلْمُ الْمُسَاوَقَةِ
اعْلَمْ يَا وَلِيِّي فِي اللهِ تَعَالِى أنَّ عِلْمَ الْمُسَاوَقَةِ فِي الْقُرْءَانِ الْكَريْمِ عِلْمٌ وَاسِعٌ جَلِيْلٌ ، لَهُ ثَمَرَاتٌ بَدِيْعَةٌ مِنَ الْمَعَارِفِ وَالْحَقَائِقِ الرُّوحِيَّةِ ، وَلِهَذَا الْعِلْمِ مَبَادِئُ عَشَرَةٌ مِنَ الْحَدِّ وَالْمَوضُوعِ وَالْمَسَائِلِ وَالشَّرَفِ وَالْاسْتِمْدَادِ وَمَا إلَى آخِرِهِ مِنْ أبْعَادِ الْعُلُومِ الْعِرْفَانِيَّةِ فِي الْقُرْءَانِ الْكَريْمِ ، وَلَكِنِّي فِي هَذِهِ الْعُجَالَةِ ألَخِّصُ لَكُمْ بِبَسِيْطٍ مُفِيْدٍ وَهُوَ :
أنَّ خُطُوطَ الْأقْدَارِ الْعِلْمِيَّةِ لَهَا مَسَارَاتٌ وُجُودِيَّةٌ ، وَعِلْمُ الْمُسَاوَقَةِ فِي الْقُرْءَانِ الْكَريْمِ يَدْرُسُ حَقَائِقَ سَوْقِ أنْوَارٍ مُعَيَّنَةٍ لِأنْوَارٍ أُخْرَى ؛ وَإلَيْكُمْ مِثَالَاً تَوضِيْحِيَّاً عَلَى سَبِيْلِ الذِّكْرِ لَا الْحَصْرِ :
فَإنَّ لِلشَّرِيْعَةِ مَسَاقَاً يَسِيْرُ بِالْعَبْدِ إلَى رَبِّهِ ؛ وَلَكنَّ هَذَا الْمَسَاقَ الشَّرْعِيَّ يَتَرَافَقُ مَعَ حَقَائِقَ يَسُوقُهَا مَعَهُ لَهَا تَأثِيْرٌ عَلَى الْعَبْدِ مِثْلَ سَوْقِ الشَّرْعِ لِأنْوَارِ الرَّحْمَةِ لِتَدُورَ فِي فَلَكِهِ فَيَصِيْغَ مِنَ الرَّحْمَةِ الْمُطْلَقَةِ قَوَانِيْنَ وَقَوَاعِدَ يَسْهُلُ عَلَى الْعَبْدِ تَنَاوُلَهَا ، فَفِي حِيْن أنَّ الْعَبْدَ يَأخُذُهَا عَلَى أنَّهَا قَوَاعِدُ شَرْعِيَّةٌ فَإذَا بِهِ فِي عِلْمِ الْمُسَاوَقَةِ يَسُوقُ عَلَى ذَاتِهِ أنْوَارَ وَأسْرَارَ تِلْكَ الرَّحْمَةِ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ إطْلَاقِهَا كَمَا تَقْتَضِي حَقِيْقَتُهَا ، وَفِي نَفْسِ الْوَقتِ فَإنَّ مُسَاوَقَتَهَا لِلتَّشْرِيْعِ تَجْعَلُ مِنْهَا قَابِلَاً لِلصِّيَاغَةِ فِي قَوَاعِدَ هِيَ تَكَالِيْفُ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَمَا إلَى ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ أيْضَاً مُسَاوَقَةُ الْمَصْلَحَةِ مَعَ الشَّرْعِ ، وَكَذَلِكَ مُسَاوَقَةُ الْعَدَالَةِ ..
فَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ عَلَى أنَّ شَرْعَنَا مُسَاوِقٌ لِلْعَدَالَةِ بَيْنَمَا وَجَدْنَا الْكَثِيْرَ مِنَ الشَّرَائِعِ وَخُصُوصَاً غَيْرِ السَّمَاوِيَّةِ لَا تَحْمِلُ نُورَ عِلْمِ الْمُسَاوَقَةِ الَإلِهِيَّ ، فَإذَا بِهَا تَفْقِدُ الرَّحْمَةَ مِنْ جَانِبٍ أوِ الْعَدَالَةَ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ أوِ الْمَصْلَحَةَ مِنْ جَانِبٍ ثَالِثٍ هَذَا بِشَكْلٍ عَامٍّ .
وَلَعَلَّ عُلُومَ الصُّحْبَةِ إنَّمَا تَسْحَبُ مُصَاحِبَهَا بِالْمُسَاوَقَةِ فَمَا مِنْ صَاحِبٍ صَحِبَ صَاحِبَهُ إلَّا وَكُتِبَ عَلَيْهِ الْانْسِيَاقُ مَعَهُ ، وَمِنْ هُنَا قَالُوا الصَّاحِبُ سَاحِبٌ .
( من كتاب علم الحقائق البرزخية بين الحضرتين الموسوية والخضرية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب ) .
أقرأ التالي
9 يونيو، 2020
محل منفذ الإحسان
6 يونيو، 2020
المعرفة بالموازين
زر الذهاب إلى الأعلى
نرحب بتعليقاتكم