عِلْمُ التَّدَرُّجِ الرُّوحِيِّ
هُوَ عِلْمٌ هَامٌّ فِي سُلُوكِ الطَّرِيْقِ إلَى اللهِ تَعَالَى ، وَفِي قَصَّةِ الْخَضِرِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وُضُوحٌ فِي هَذَا الْبَابِ : كَيْفَ أنَّ الْخَضِرَ قَامَ بِإعْطَاءِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمَعْلُومَاتِ وَالْخُبُرَاتِ بِتَدَرُّجٍ ، وَلَيْسَ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَهَذَا مُهِمٌّ لِتَحَمُّلِ الرُّوحِ .
لِذَلِكَ نَجِدُ فِي السُّلُوكِ وَعُلُومِ السُّلُوكِ تَدَرُّجَ أحْوَالٍ فِي الْمَقَامِ الْوَاحِدِ ؛ وَتَدَرُّجَ مَقَامَاتٍ فِي السُّلُوكِ بِشَكْلٍ عَامٍّ .. فَلَا يَنْتَقِلُ الشَّخْصُ إلَى الْوُصُولِ بِلَا تَدَرُّجٍ ، لِأنَّ انْفِسَاحَ الرُّوحِ لِتَلَقِّي تَجَلِّيَاتِ الْحَقِّ الْعَالِيَةِ الْمَحْتَدِ يَحْتَاجُ هَذَا التَّدَرُّجَ .. سُبْحَانَ رَفِيْعِ الدَّرَجَاتِ ذِي الْعَرْشِ .
وَلَعَلَّنَا نَرَى هَذَا التَّدَرُّجَ الرُّوحِيَّ فِي نِسْبَةِ الْإرَادَةِ مِنَ الأفْعَالِ الثَّلَاثَةِ :
مَرَّةً بِصِيْغَةِ الْمُفْرَدِ لِخَرْقِ السَّفِيْنَةِ ( فَأَرَدتُّ ) .
وَ مَرَّةً بِصِيْغَةِ الْجَمْعِ لِقَتْلِ الْغُلَامِ ( فَأَرَدْنَا ) .
وَأخِيْرَاً بِصيْغَةِ الْمُفْرَدِ الْعَائِدَةِ لِلَّه سُبْحَانَهُ فِي إيْجَادِ الْكَنْزِ ( فَأَرَادَ رَبُّكَ ) .
أيْ أنَّ الْحَقَّ تَعَالَى سَاقَ الْخطَابَ لِلنَّاسِ بِتَدَرُّجٍ وَرَوِيَّةٍ ، فَفِي الْأصْلِ أنَّ الْعَبدَ لَا يَشَاءُ إلَّا بِمَشِيْئَةِ الْحَقِّ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى : { وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً {30} سُورَةُ الْإنْسَانِ ، وَلَكِنْ لِلْحَقِّ حِكْمَةُ التَّدَرُّجِ فِي ظُهُورِ إرَادَتِهِ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ .
فَفِي الْبِدَايَةِ كَانَ مَشْهَدُ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أنَّ الْعَبْدَ الصَّالِحَ يَتَصَرَّفُ مِنْ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُلَاحِظْ أوَامِرَ الْحَقِّ لَهُ فَكَانَ الْخِطَابُ ( فَأَرَدتُّ ) .
وَفِي الْأوَاسِطِ منَ السُّلُوكِ ( فِي الْمَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ ) تَدَرُّجٌ فِي الْخِطَابِ وَ قَدْ أدْخَلَ الْحَقُّ فِي اللَّفْظِ مَا يُظْهِرُ إرَادَتَهُ اللَّصِيْقَةَ بِإرَادَةِ الْعَبْدِ فَجاءَ الْخِطَابُ ( فَأَرَدْنَا ) .
أمَّا نِهَايَاتُ السُّلُوكِ فِي الْمَرْحَلةِ الْعُلْيَا فِي نِهَايَاتِ التَّدَرُّجِ الرُّوحِيِّ فَقَدْ ألْغَى الْحَقُّ إرَادَةَ الْعَبْدِ الظَّاهِرَةَ لِمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأثْبَتَ إرَادَتَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعالَى وَبِوُضُوحٍ وَظُهُورٍ فَجَاءَ الْخِطَابُ بـِ ( فَأَرَادَ رَبُّكَ ) .
فَهَذَا تَلْقِيْنٌ بِتَدَرُّجٍ رُوحِيٍّ دَقِيْقٍ فِي عَالَمِ الْإرَادَةِ مِنْ إرَادَةِ الْعَبْدِ إلَى إرَادَةِ الْعَبْدِ وَالْحقِّ إلَى إرَادَةِ الْحَقِّ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ .
مِنْ عَالَمِ الْعَقْلِ الَّذِي يَرَى إرَادَةَ الْعَبْدِ مُسْتَفْرِدَةً مُسْتَقِلَّةً فِي قَولِهِ : ( فَأَرَدتُّ ) .
إلَى الْحَقِيْقَةِ الْجَامِعَةِ أنَّ إرَادَةَ الْحَقِّ تَجَلَّتْ عَلَى الْعَبْدِ فِي قَولِهِ : ( فَأَرَدْنَا ) .
إلَى الْحَقِيْقَةِ الرُّوحِيَّةِ التَّوْحِيْدِيَّةِ الْوَاقِعَةِ : { وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ .. {30} سُورَةُ الْإنْسَانِ ، فَمَا ثَمَّ إلَّا مَا أرَادَهُ الْحَقُّ { .. ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً {82} سُورَةُ الْكَهْفِ .
( من كتاب علم الحقائق البرزخية بين الحضرتين الموسوية والخضرية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب ) .
أقرأ التالي
5 أبريل، 2020
الانتِظَامُ الكَونِيُّ النِّسبِيُّ – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
9 يونيو، 2020
محل الإسلام ومحل الكفر – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
3 أبريل، 2020
مثال عن البرنامج الروحي الأصلي والفرعي – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
زر الذهاب إلى الأعلى