علم البرامج الروحية العليا – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

تَكْوِيْنُ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا
من بحورعلم الذكاء الروحي

مَعْ بَدْءِ الْإدْرَاكِ الْفَعَّالِ مَعَ بَدْءِ الْحَيَاةِ وَبَعْدَ اسْتِمرَارِ هَذَا الْإدْرَاكِ الْفَعَّالِ يَنْشَأُ الْكَمُّ التَّرَاكُمِيُّ لِلْمُدْرَكَاتِ والْمَعلُومَاتِ الْمُدْرَكَةِ .

وَلَاشَكَّ أنَّ هَذَا التَّرَاكُمَ الْإدْرَاكِيَّ الْفَاعِلَ إنَّمَا هُوَ فِيْ حَالَةِ ازْديَادٍ مُسْتَمِرٍّ ، وَأنَّ خُصُوصِيَّةَ الْإدْرَاكِ فِيْ الرُّوحِ إنَّمَا تَخْضَعُ لِتَسَلْسُلِيَّةِ الْإدْرَاكِ ؛ بِمَعْنَى أنَّ هُنَاكَ مُدْرَكَاتٍ وُجِدَتْ قَبْلَ مُدْرَكَاتٍ وَباِلتَّالِيْ حَصَلَ فِيْ ذَاتِيَّةِ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ الْمُشَكِّلِ لِلْوَعْيِ الرُّوحِيِّ مَا يُسَمَّى بِالتَّرْتِيبِ الْإدْرَاكِيِّ ؛ وَهُوَ أنَّ كُلَّ مُدْرَكَاتِ الْوَعْيِ إنَّمَا هِيَ مُرَتَّبَةُ حَسَبَ أسْبَقِيَّةِ وُجُودِهَا فَمَا أُدْرِكَ أوَّلَاً يَتَرَتَّبُ أوَّلَاً فِيْ الْوَعْيِ ، وَبِالتَّالِيْ نَحْنُ أمَامَ ذَكاءٍ رُوحِيٍّ مُرَتَّبِ الْمُدْرَكَاتِ وَلَيْسَ عَشْوَائِيَّاً .

وَلَا شَكَّ أنَّ الْحَيَاةَ كَمَا شَهِدْنَاهَا فِيْ الْكَوْنِ بِأسْرِهِ تَتَرَتَّبُ عَلَى حَسبِ التَّطَوُّرِ ، فَالْأجِنَّةُ تَبْدَأُ بِالْحَيَاةِ ؛ وَمُدْرَكَاتُهَا تَبْنِيْ وَعْيَ الْخَلِيَّةِ بَيْنَمَا يَأتِيْ التَّعَقُّلُ لِلْأشْيَاءِ بِمَرَاحِلَ مُتَأخِّرَةٍ جِدَّاً عَنْ مَرْحَلَةِ بِنَاءِ وَعْيِ الْخَلِيَّةِ .

وَمُلَاحَظٌ بِدِقَّةٍ فِيْ كُلِّ الْأحْيَاءِ أنَّ الْأكْثَرَ عُمْرَاً يَتَمَتَّعُ بِخَصَائِصَ إدْرَاكِيَّةٍ فَاعِلَةٍ أعْمَقَ إدْرَاكَاً ، لِذَلِكَ فَهِمْنَا تَمَامَاً أنَّ الْإدْرَاكَ الْفَاعِلَ لَيْسَ فَقَطْ مُتَسَلْسِلَاً وَمُتَرَتِّبَاً بِنِظَامِ السَّابِقِ وَالْلَّاحِقِ بَلْ أيْضَاً يُنَظِّمُ نَفْسَهُ حَسَبَ إدْرَاكَاتِهِ .

وَمُدْرَكَاتُ الْحَشَرَاتِ لَا تَتَعَدَّى خَصَائِصَ رُوحِهَا ، وَمُدْرَكَاتُ ذَوَاتِ الْأرْبَعِ لَا تَتَعَدَّى خَصَائِصَ رُوحِهَا وَكَذَلِكَ الْكَائِنَاتُ الْمُفَكِّرَةُ وَالْعَاقِلَةُ فَإنَّ مُدْرَكَاتِهَا لَا تَتعَدَّى خَصَائِصَهَا الرُّوحِيَّةَ ، لِذَلِكَ قُلْنَا بِأنَّ هَذِهِ الْإدْرَاكَاتِ إنَّمَا تَتَسَلْسَلُ أوَّلَاً وَتَترَتَّبُ وَتَدْخُلُ فِيْ نِظَامٍ تَفْرِضُهُ خَصَائِصُ الرُّوحِ عَلَى حَيَاتِهَا الرُّوحِيَّةِ فَيَنْشَأُ مَا نُسَمِّيْهِ الْبَرْنَامَجُ الرُّوحِيُّ الْأعْلَى وَهُوَ مَجْمُوعَةُ الْمَعْلُومَاتِ الْمُدْرَكَةِ الَّتِيْ تَتَآلَفُ مَعَ بَعْضِهَا الْبَعْضِ لِتَحْقِيْقِ إدْرَاكٍ فَاعِلٍ مَا .

مِثَالٌ : التَّعَرُّفُ الْأوَّلُ عَلَى جَوْهَرِ الْبَيَاضِيَّةِ وَإدْرَاكِهِ وَأنَّهُ حَقِيْقَةُ كُلِّ أبْيَضٍ يُسَمَّى البرنامجُ الرُّوحيُّ الأعلى في فهمِهِ للبياضيَّةِ الموجودةِ في كلِّ بياضٍ ، كَذَلِكَ يَنْشَأُ فِيْ حَالَةِ جَوْهَرِ الَخضَارِيَّةِ وَكذَلِكَ فِيْ جَوْهَرِ السَّوَادِيَّةِ وَجَوْهَرِ التَّكْعِيْبِيَّةِ وَجَوْهَرِ الْكَوْكَبِيَّةِ وَهَكَذَا حَتَّى يَسْتَغْرِقَ جَوَاهِرَ كُلِّ الْبِيْئَةِ الْمُحِيْطَةِ بِالْكَائِنِ الْحَيِّ الدَّرَّاكِ الْفَعَّالِ .

فَفِيْ الْبَرْنَامَجِ الرُّوحِيِّ الْأعْلَى الْخَاصِّ بِإدْرَاكِ جَوْهَرِ الْبَيَاضِيَّةِ يَسْتَطِيْعُ الْوَعْيُ الرُّوحِيُّ لْلْكَائِنِ الْحَيِّ التَّعَرُّفَ عَلَى كُلِّ مَاهُوَ أبْيَضُ فِيْ الْوُجُودِ الْكَوْنِيِّ ، فَالْوَعْيُ الرُّوحِيُّ هُنَا فِيْ الْمَرْحَلَةِ الْأوْلَى تَشَكَّلَ مِنْ إدْرَاكِهِ لِجَوْهَرِ الْبَيَاضِيَّةِ وَفِيْ الْمَرَاحِلِ التَّالِيَةِ بَاتَ يَمْلِكُ بَرْنَامَجَاً رُوحَيَّاً فِيْهِ مَعْلُومَاتُ جَوْهَرِ الْبَيَاضِيِّةِ كُلِّهَا الَّتِيْ يَحُكُمُ مِنْ خِلَالِهَا .

إذَاً : حَدَثَ هُنَا تَطَوُّرٌ عَلَى مُسْتَوَى الْإدْرَاكِ الْفَعَّالِ فِيْ بُنْيَةِ الْإدْرَاكِ الْفَعَّالِ حَيْثُ تَعَرَّفَ الرُّوحُ أوَّلَاً عَلَى جَوْهَرِ الْبَيَاضِيَّةِ فِيْ كُلِّ أبْيَضٍ ثُمَّ تَرَتَّبَتْ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ لِتُشَكُّلَ الْبَرْنَامَجَ الرُّوحِيَّ الْأعْلَى الَّذِيْ يَحْكُمُ مِنْ خِلَالِهِ الْوَعْيَ الرُّوحِيَّ عَلَى كُلِّ مَاهُوَ أبْيَضُ فِيْ الْوُجُودِ أنَّهُ مِنْ جَوْهَرِ الْبَيَاضِيَّةِ وَهَكَذَا فِيْ الْخَضَارِيَّةِ وَالصَّفَارِيَّةِ وَالسَّوَادِيَّةِ وَكُلِّ الْجَوَاهِرِ الْلَّوْنِيَّةِ .

وَهَذِهِ الْبَرَامِجُ الرُّوحِيَّةُ سُمِّيَتْ بِالْعُلْيَا لِأنَّهَا أعْلَى مُسْتَوَىً فِيْ الْإدْرَاكِ الْفَاعِلِ فِيْ الْكَيَانِ الرُّوحِيِّ مِنْ حَيْثُ حَاكِمِيَّتِهَا التَّعْرِيْفِيَّةِ عَلَى كُلِّ مَادُونِهَا فِيْ الْوُجُودِ

وَهِيَ مِنْ نِسْبَةٍ أُخْرَى يُمْكِنُ أنْ تُسَمَّى الْبَرَامِجُ الرُّوحِيَّةُ الْعُلْيَا الْأولَى لِأنَّهَا افْتِتَاحَاتُ الْإدْرَاكِ الْحَيَاتِيِّ فِيْ الْكَائِنِ الْحَيِّ فَهِيَ تَدْخُلُ تَحْتَ عُنْوَانِ الْفِطْرَةِ الَّتْي فَطَرَ اللهُ عَلَيْهَا الْخَلْقَ ، فَلِكُلِّ حَيَاةٍ خَلَقَهَا اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَرَامِجُهَا الْفِطْرَوِيَّةُ الْأوْلَى الَّتِيْ تَنْبَنِيْ عَلَيْهَا بِنَقَاءٍ إدْرَاكِيٍّ فَاعِلٍ نَقِيٍّ .

وَيَجْدُرُ بِالْإشَارَةِ هُنَا أنَّ هَذِهِ الْأمْثِلَةَ الَّتِيْ أذْكُرُهَا تَحْتَ هَذَا الْعُنْوَانِ لَيْسَتْ هِيَ فَقطْ مَا يُشَكِّلُ الْفِطْرَةَ بَلْ إنَّ كَلِمَةَ الْفِطْرَةِ كَلِمَةٌ وَاسِعَةٌ جِدَّاً فِيْ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ تَعْنِيْ آلَافٌ وَرُبَّمَا مَلَايِيْنُ لَاتُحْصَى مِنَ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا الْأوْلَى الَّتِيْ تُصَاغُ مِنْهَا شَخْصِيَّةُ الْكَائِنِ الْحَيِّ الرُّوحِيَّةُ .

فَإنَّ تَحَرُّكَ السُّلَحْفَاةِ عِنْدَ فَقْسِهَا مِنَ الْبَيْضِ تَحْتَ رَمْلٍ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَبِاتِّجَاهِ الْمَاءِ حَصْرَاً فِيْ لَحْظَةِ التَّفْقِيْسِ الْأوَّلِ إنَّمَا هُوَ بَرْنَامَجٌ مُنَظَّمٌ فِيْ رُوحِ السُّلَحْفَاةِ وَمُوَجَّهٌ وَقَائِدٌ لِكُلِ كَيْنُونَتِهَا ، وَيَدْخُلُ فِيْ هَذَا الْبَابِ كُلُّ الْبَرَامِجِ التَّنْظِيْمِيَّةِ لِعَمَلِ وَظَائِفِ الْكَائِنِ الْحَيِّ مُنْذُ لَحْظَةِ الْخَلْقِ مِثْلَ تَتَابُعِ الرِّئَتَيْنِ بَيْنَ شَهِيْقٍ وَزَفِيْرٍ ، نَبْضِ الْقَلْبِ بِوَتِيْرَةٍ وَنَسَقٍ مُذْهِلَيْنِ ، بَرَامِجِ الْإشْرَافِ عَلَى عَمَلِ الْغُدُدِ وَالنِّظَامِ الْمُعْجِزِ الْأعْظَمِ الَّذِيْ هُوَ نِظَامُ التَّغْذِيَةِ الَّذِيْ يَصِلُ إلَى الْخَلَايَا مِنْ وَرَاءِ أدَقِّ الشُّعَيْرَاتِ الدَّمَوِيَّةِ فِيْ الْكَائِنِ إلَى الْإدَارَةِ الْعَصَبِيَّةِ إلَى بَرَامِجِ الْإدْرَاكِ النَّفْسِيِّ لِلْمُحِيْطِ الْخَارِجِيِّ وَعَمَلِيَّاتِ بِنَاءِ الْعَلَاقَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ دَرَجَاتِ وَعْيِهَا مَعَ كَيْنُونَاتِ الْبِيْئَةِ الْمُحِيْطَةِ وَهَذِهِ الْبَرَامِجُ كُلُّهَا نُسَمِّيْهَا الْبَرَامِجَ الرُّوحِيَّةَ الْعُلْيَا الْأوْلَى ( الْفِطْرَوِيَّةَ )

وَهُنَاكَ أيْضَاً الْبَرَامِجُ الرُّوحِيَّةُ الْعُلْيَا الَّتِيْ تَبْنِيْهَا تِلْكَ الْبَرَامِجُ الرُّوحِيَّةُ الْعُلْيَا الْأوْلَى (الْفِطْرَوِيَّةُ ) وَهِيَ بَرَامِجُ رُوحِيَّةٌ أكْثَرُ تَرَابُطَاً بِالْإدْرَاكِ وَالْفَاعِلِيَّةِ فَهِيَ لَيْسَتْ فَقَطْ نَاتِجَةً عَنْ إدْرَاكِ مُفْرَدٍ بِمُفْرَدٍ إدْرَاكْيٍّ فَاعِلٍ بَلْ هِيَ تُزِيْدُ عَلَى ذَلِكَ بِأنْ تَكُونَ مُدْرَكٌ إدْرَاكِيٌّ فَاعِلٌ بِمُدْرَكٍ إدْرَاكِيٍّ فَاعِلٍ وَاحِدٍ أوْ بَرْنَامَجٍ رُوحِيٍّ أعْلَى كَامِلٍ يُشَكِّلُ بِنَتِيْجَتِهِ مُدْرَكَاً ، فَهُنَاكَ مُدْرَكٌ وَاحِدٌ مَعَ بَرْنَامَجٍ رُوحِيٍّ وَهُنَاكَ بَرْنَامَجٌ رُوحِيٌّ أعْلَى أوَّلِيٌّ فِطْرَوِيٌّ مَعَ بَرْنَامَجٍ رُوحِيٍّ أعْلَى أوَّلِيٍّ فِطْرَوِيٍّ آخَرَ ، مِثْلَ إدْرَاكِ الْبُرْتُقَالَةِ فَإنَّ بَرْنَامَجَاً رُوحِيَّاً أعْلَى أوَّلِيَّاً ( فِطْرَوِيَّاً ) يُدْرِكُ الْبُرْتُقَالِيَّةَ الْلَّوْنِيَّةَ يَرْتَبِطُ مَعَ إدْرَاكِ بَرْنَامَجٍ رُوحِيٍّ آخرَ أعْلَى أوَّلِيٍّ فِطْرَوِيٍّ هُوَ بَرْنَامَجُ إدْرَاكِ الْحَامِضِيَّةِ ، وَتَكُونُ النَّتِيْجَةُ إدْرَاكَ مَعْلُومَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ الْلَّونُ الْبُرْتُقَالِيُّ الْحَامِضُ وَيَتَشَكَّلُ مِنْ هَذِهِ الْإدْرَاكَاتِ الْفَاعِلَةِ بَرْنَامَجٌ رُوحِيٌّ أعْلَى يُدْرِكُ كُلَّ الْمُدْرَكَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِيْ الْبُرْتُقَالَةِ وَيَتَعَرَّفُ عَلَيْهَا فِيْ كُلِّ بُرْتُقَالَاتِ الْعَالَمِ بِبَرْنَامَجٍ رُوحِيٍّ وَاحِدٍ يَجْمَعُ الْبَرْنَامَجَ الْجُزْئِيَّ الَّذِيْ هُوَ الْبُرْتُقَالِيَّةُ وَ الْبَرْنَامَجُ الْجُزْئِيُّ الَّذِيْ هُوَ الْحَامِضِيَّةُ وَ الْبَرْنَامَجُ الْجُزْئِيُّ الَّذِيْ هُوَ الْكُرَوِيَّةُ وَ الْبَرْنَامَجُ الْجُزْئِيُّ الَّذِيْ هُوَ التَّحَزُّزِيَّةُ وَ الْبَرْنَامَجُ الْجُزْئِيُّ الَّذِيْ هُوَ اللُّبِّيَّةُ وَ الْبَرْنَامَجُ الْجُزْئِيُّ الَّذِيْ هُوَ الْقِشْرِيَّةُ  وَ الْبَرْنَامَجُ الْجُزْئِيُّ الَّذِيْ هُوَ الْفَاكِهِيَّةُ .. إلَى آخِرِ مَا يُدْرِكُهُ الرُّوحُ فِيْ تِلْكَ الْفَاكِهَةِ الْمُسَمَّاةِ الْبُرْتُقَالَةِ .

كُلُّ مَا ذَكَرْتُهُ هُنَا فِيْ هَذِهِ السُّطُورِ مُهِمٌّ لَنَا نَحْنُ الْبَشَرُ وَلَكِنَّ الْأهَمَّ هُوَ تِلْكَ الْبَرَامِجُ الرُّوحِيَّةُ الْعُلْيَا الَّتِيْ تَصِيْغُ سُلُوكَنَا الْفَعَّالَّ ، هَذَا السُّلُوكُ الَّذِيْ يَنْبَنِيْ عَلَى قَوَانِيْنَ رُوحِيَّةٍ عُلْيَا نَاظِمَةٍ قَدْ أنْشَأتْهَا تَوَهُّجَاتُ الرُّوحِ الْحَيَاتِيَّةِ مِنْ إدْرَاكِهَا الْفَاعِلِ لِلْقِيَمِ وَالْأحَاسِيْسِ وَالْمُعْتَقَدَاتِ وَالْعَادَاتِ وَالتَّقَالِيْدِ وَالثَّقَافَةِ وَالْمَشَاعِرِ وَالْمَعْلُومَاتِ الْبِيْئِيَّةِ الْمُحِيْطَةِ وَالْمُدْرَكَاتِ الْفِطْرَوِيَّةِ وَكُلِّ مَا يَرِدُ إلَى الرُّوحِ مِنْ لَوَاقِطِهَا الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ .

وَفِيْ هَذِهِ الْبَرَامِجِ الرُّوِحيَّةِ الْعُلْيَا يَكُونُ الْعَمَلُ عَلَى تَطْوِيْرِ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ وَإدَارَتِهِ وَتَنْظِيْمِهِ وِفْقَ الْإرَادَةِ الْإنْسَانِيَّةِ لِتَشْكِيْلِ وَعْيٍ رُوحِيٍّ مُتَفَوَّقٍ يَمْنَحُ الْإنْسَانَ الظُّهُورَ الْأكْمَلَ بَيْنَ أقْرَانِهِ .

وَعَلَى مَاسَبَقَ نَجِدُ أنَّ الْحَاكِمِيَّةَ فِيْ الْحَيَاةِ الرُّوحِيَّةِ مُرْتَبِطَةٌ بِقُوَّةِ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ الْمُشَكِّلِ لِلْوَعْيِ الرُّوحِيِّ الْعَامِّ لِلْكَائِنِ .

وَهُنَا نُقْطَةٌ مِفْصَلِيَّةٌ فِيْ الْعَمَلِ عَلَى تَطْوِيْرِ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ وَصِيَاغَةِ وَعْيٍ رُوحِيٍّ أمْثَلَ ، فَالْبَرَامِجُ الرُّوحِيَّةُ الْعُلْيَا هِيَ الْمَسْؤُولَةُ عَنْ صِنَاعَةِ الْكَائِنِ وِفْقَ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ الَّذِي كَوَّنَ الْوَعْيَ الرُّوحِيَّ الْعَامَّ لِلْكَائِنِ .

مِثَالٌ : الْوَعْيُ الرُّوحِيُّ الْعَامُّ لِلْكَائِنِ يُدْرِكُ حَاجَتَهُ لِتَعَقُّلِ وَارِدَاتِ الْحَوَاسِّ الْظَّاهِرةِ عِنْدَ الْإنْسَانِ فَيُصَنِّعُ لِلْعَقْلِ الْبَرَامِجَ الرُّوحِيَّةَ الْعُلْيَا الْمُنَاسِبَةَ الْحَاكِمَةَ وَالضَّابِطَةَ وَالْمُوَجِّهَةَ لِعَمَلِ الْعَقْلِ فَيُصَنِّعُ الْبَرْنَامَجَ الرُّوحِيَّ الأعْلَى الْمُسَمَّى بِبَرْنَامَجِ التَّحْلِيْلِ الْعَقْلِيِّ وَكَذَلِكَ يُصَنِّعُ بَرْنَامَجَاً آخَرَ يُسَمَّى بِبَرْنَامَجِ التَّرْكِيْبِ الْعَقْلِيِّ وَ يُصَنِّعُ بَرْنَامَجَاً ثَالِثَاً يَعْتَمْدُ عَلَى نَتَائِجِ الْبَرنَامَجَيْنِ التَّحْلِيْلِيِّ وَالتَّرْكِيْبِيِّ لِيُعْطِيَ نَتِيْجَةً تَرْجِيْحِيَّةً بَيْنَهُمَا وَيُسَمِّيْهِ بَرْنَامَجَ التَّرْجِيْحِ الْعَقْلِيِّ .

هَذِهِ الْبَرَامِجُ الثَّلَاثَةُ تَقُودُ مَايُسَمَّى الْعَقْلُ وَكُلَّمَا تَوَجَّهَتْ إرَادَةُ الْإنْسَانِ لِتُحَرِّكَ الْعَقْلَ إلَى شَيْئٍ مَا مِنْ مُحِيْطِهَا لِيَعْقِلَهُ فَإنَّهَا تُوَجِّهُ هَذِهِ الْبَرَامِجَ الرُّوحِيَّةَ الثَّلَاثَةَ ( التَّحْلِيْلُ وَالتَّرْكِيْبُ وَالتَّرْجِيْحُ ) فَتُمَارِسُ هَذِهِ الْإدْرَاكَاتِ الْفَاعَلَةِ لِهَذِهِ الْبَرَامِجِ الثَّلَاثَةِ فَإذَا بِنَا نَصِلُ إلَى خُلَاصَةٍ عَقْلِيَّةٍ ، هَذِهِ الْخُلَاصَةُ الْعَقْلِيَّةُ نُسَمِّيْهَا الذَّكَاءَ الْعَقْلِيَّ فَهُوَ حَرَكَةُ هَذِهِ الْبَرَامِجِ الثَّلَاثَةِ فِيْ مُسْتَوَى الْعَقْلِ وَمَا دُونَهُ وَهَذِهِ الْبَرَامِجُ الثَّلَاثَةُ هِيَ مِمَّا فَوْقَ مُسْتَوَى الْعَقْلِ نُسَمِّيْهَا بِمُجْمَلِهَا الذَّكَاءَ الرُّوحِيَّ الْعَقْلِيَّ الَّتِيْ تُشَكِّلُ مَا نُسَمِّيْهِ الْوَعْيَ الرُّوحِيَّ الْعَقْلِيَّ .

وَالْجَدِيْرُ بِالذِّكْرِ هُنَا أنَّنَا كُلَّمَا طَوَّرْنَا الْبَرَامِجَ الرُّوحِيَّةَ الْعُلْيَا الثَّلَاثَ ( التَّحْلِيْلُ وَالتَّرْكِيْبُ وَالتَّرْجِيْحُ ) كُلَّمَا زَادَ الذَّكَاءُ الرُّوحِيُّ الْعَقْلِيُّ وَبِالتَّالِيْ نَضَجَ الْوَعْيُ الرُّوحِيُّ الْعَقْلِيُّ مِمَّا يُؤَثِّرُ إيْجَابَاً عَلَى حَرَكَةِ الْعَقْلِ فِيْ صِيَاغَةِ ذَكَائِهِ الْعَقْلِيِّ الْمُتَحَرِّكِ فِيْ إدْرَاكِ الْأشْيَاءِ دُونَهُ .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى