طي الأنوار – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

( طَيُّ الأْنْوَارِ )

مِنَ العَبْدِ الفَقِيْرِ إلَى رَبِّهِ تَعَالَى هَانِيْبَالْ يُوسُفْ حَرْبْ إلَى (………)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ

وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى  سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ وَبَعْدُ :

 

اعْلَمْ يَا وَلِيِّي فِي اللهِ تَعَالَى – زَادَكَ اللهُ نُورَاً عَلَى نُورٍ – أنّهُ لَمَّا كَانَ كُلُّ شَيْءٍ قَدْ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ مِن جِهَةِ عَالَمِ العَنَاصِرِ؛ فَإنَّ كُلَّ شَيْءٍ فِي عَالَمِهِ المَعْنَوِيِّ إنَّمَا قَامَ بِالنُّورِ حَتَّى المَاءَ العُنْصُرِيَّ .. وَاسْمَعْ قَولَهُ تَعَالَى إنْ شِئْتَ : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } النُّور35 ، فَبُنْيَةُ السَّمَوَاتِ وَالْأرْضِ الْمَادِّيَّةِ ، إنَّمَا أُقِيْمَتْ نَشْأتُهَا بِحَضْرَةِ النُّورِ ، فَلَا تَسْتَغْرِبِ النُّورَ الَّذِيْ يَشْهَدُهُ قَلْبُ العَارِفِ فِي بُنْيَةِ المَوَادِّ ؛ فِي حِيْن يَعْجَزُ العَقْلُ عَن رُؤيَةِ تِلْكَ الأنْوَارِ وَفَهْمِ مَعَانِي الرُّوحِ مِن وَرَاءِ تِلْكَ النُّورَانِيَّةِ .

فَإنَّ مَالَا تَسْتَطِيْعُ المَادَّةُ الْانْدِرَاجَ فِيْهِ يُمْكِنُ لِلنُّورِ أنْ يَنْدَرِجَ فِيْهِ بِكُلِّ مَا فِيْهِ مِنَ الخَصَائِصِ وَالعُلُومِ وَالطَّاقَاتِ وَالنُّورَانِيَّاتِ حَتَّى بَيَانَاتِ المَادَّةِ الَّتِي يُمْكِنُ أنْ يُشَكِّلَهَا الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ عَلَى تِلْكَ الأنْوَارِ ، وَيُعْرَفُ هَذَا عِنْدَنَا بِعِلْمِ طَيَّ الأنْوَارِ .

وَالْمُلَاحَظُ فِي القُرْءَانِ الكَرِيْمِ أنَّ كَلِمَةَ « نُورٍ » هِيَ لِلْجَمْعِ وَالإفْرَادِ ، فَلَا تَجِدُ مِنْ جَذْرِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي القُرْءَانِ الكَرِيْمِ لَفْظَةَ « أنْوَارٍ » ، بَلْ كُلُّ مَا عَبَّرَ بِهِ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ حَضْرَةِ النُّورِ سَوَاءً بِالجَمْعِ أوِ التَّفْصِيْلِ فَإنَّمَا يَأتِي بِلَفْظَةِ « النُّورِ » بَيْنَمَا فِي حَضْرَةِ الظَّلَامِ تَجِدُ لَفْظَةَ ظُلْمَةٍ ، وَتَجْمَعُهَا لَفْظَةُ ظُلُمَاتٍ .

فَالنُّورُ إنَّمَا هُوَ وَاحِدٌ بِاللَّفْظِ مَهْمَا تَنَوَّعَتْ مَكْنُونَاتُهُ وَتَعَدَّدَتْ ، وَلَقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيْثِ الشَّرِيْفِ أنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ عُلُومَ العَالَمِيْنَ فِي الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ الْأرْبَعَةِ ، وَقَدْ جاء في مجمل الأثر أنَّ اللهَ جَمَعَ عُلُومَ العَالَمِيْنَ فِي الكُتُبِ الأرْبَعَةِ : التَّوْرَاةِ وَالزَّبُورِ وَالإنْجِيْلِ وَالقُرْءَانِ ، وَجَمَعَ عُلُومَ الكُتُبِ الأرْبَعَةِ فِي القُرْءَانِ الكَرِيْمِ ، وَجَمَعَ عُلُومَ القُرْءَانِ الكَرِيْمِ فْي الْمُفَصَّلِ مِنْهُ ، وَجَمَعَ عُلُومَ الْمُفَصَّلِ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ .

فَانْظُرِ يَا وَلِيِّي فِي اللهِ تَعَالَى – فَتَحَ اللهُ لَكَ فِي الأنْوَارِ المَطْوِيَّةِ فِي الحَضَرَاتِ الكَوْنِيَّةِ – كَيْفَ أنَّ الْحَقَّ طَوَى أنْوَارَ هَذِهِ العُلُومِ فِي فَاتِحَةِ الكِتَابِ ، وَبِنَصٍّ جَرَى عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى .

وَإنَّ مِنْ أمْثِلَةِ هَذَا العِلْمِ مَا يَحْتَاجُ لِمُجَلَّدَاتٍ ، أذْكُرُ مِنْهَا عَلَى سَبِيْلِ الْعَرْضِ لَا الاسْتِغرَاقِ :

الضَّمَّةُ الجِبْرِيْلِيَّةُ لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الغَارِ ؛ حَيْثُ ضَمَّهُ ثَلَاثَاً ، وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ يَقُولُ : اقْرَأ ؛ وَ فِي الثَّالِثَةِ كَمُلَ فِي ذَاتِهِ الشَّرِيْفَةِ فَتْحُ الأنْوَارِ المَطْوِيَّةِ فِي  ذَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ .

وَمِنْهَا أنْوَارُ المَعَانْي المَطْوِيَّةُ فِي الحُرُوفِ ، فَفِي نُورِ لَفْظَةِ « رَحْمَةٍ » مَعْنَى المَطَرِ ، فَنَقُولُ عَنِ المَطَرِ رَحْمَةً ، وَفِي نُورِ لَفْظَةِ رَحْمَةٍ مَعْنَى الحَنَانِ وَالرَّأفَةِ فَنُطْلِقُ هَذِهِ الْلَّفْظَةَ عَلَى عَاطِفَةِ الأمُومَةِ ، فَانْظُرْ – فَتَحَ اللهُ لَكَ – الفَرْقَ الكَبِيْرَ بَيْنَ العَاطِفَةِ فِي الأُمِّ وَالمَطَرِ مِنَ السَّمَاءِ ، هَذَا حِسِّيٌّ وَالآخَرُ مَاءٌ عُنْصُرِيٌّ مَادِّيٌّ ، وَكِلَاهُمَا يُعَبِّرُ عَنْهُ كِيَانٌ حَرْفِيٌّ حَمَلَ نُورَ هَذِهِ المَعَانِي هُوَ أحَدِيَّةُ لَفْظَةِ « رَحْمَةٍ » .

وَمِنْهَا طَيُّ الأنْوَارِ الحَاصِلِ فِي السُّوَرِ القُرْءَانِيَّةِ ، فَإنَّ فِي قِرَاءَتِكَ لِسُورَةِ الإخْلَاصِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَرَاءَةَ القُرْءَانِ كُلّهِ ، وَمَنْ قَرَأَ سُورَةَ يَاسِيْن كَمَنَ قَرَأَ القُرْءَانَ عَشَرَةَ مَرَّاتٍ ، فَفِيْ هَذَا وُضُوحٌ ظَاهِرٌ فِيْ طَيِّ الثَّوَابِ القُرْءَانِيِّ فِي سُورَةٍ مُفْرَدَةٍ مِنْهُ ، وَلَا شَكَّ أنَّ هَذَا لَا يَحْصُلُ فِي  الْمَادَّةِ الظَّاهِرَةِ بَلْ فِي الأنْوَارِ المَكْنُونَةِ فِي الذَّاتِيَّاتِ الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا المَادَّةُ .

وَمِنْهَا الطَّاقَةُ الحَرَارِيَّةُ وَالضَّوْءُ المُتَوَهِّجُ المَكْنُونَانِ المَطْوِيَّانِ فِي عُنْصُرِ الفَحْمِ الأسْوَدِ البَارِدِ ، فَانْظُرْ – مَتََّعَكَ اللهُ بِنُورِ البَصَرِ – مَا أعْجَبَ هَذِهِ الآيَةِ ، جََمَعَتْ بَيْنَ ظُلْمَةٍ وَإضَاءَةٍ وَبَيْنَ سُخُونَةٍ وَبُرُودَةٍ ، فَأيْنَ النُّورُ الَّذِي تُصْدِرُهُ الْفَحْمَةُ مِن ظُلْمَةِ سَوَادِهَا ؟! وَأيْنَ السُّخُونَةُ الَّتِي تُحَرِّرُهَا الْفَحْمِةُ مِن بُرُودَةِ مَادِّيَّتِهَا ؟!َ .. سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَلِيِّ الأعْلَى الوَهَّابِ .

وَلْتَعْلَمْ يَا وَلِيِّي فِي نُورِ الْحَقِّ أنَّ المَادَّةَ المَيِّتَةُ لَا تَخْرُجُ مِنْهَا الْحَيَاةُ إنْ لَمْ تَكُنِ الحَيَاةُ مَطْوِيَّةً فِي نُورِهَا الْحَامِلِ لِمَادَّتِهَا .. وَكَذَلِكَ حَيَاةُ المَادَّةِ ؛ فَإنَّهَا لَا تَلْبَسُ صُورَةَ المَوْتِ مَا لَمْ يَكُنِ المَوْتُ قَدْ طُوِيَ فِي النُّورِ الَّذِي يُشِعُّ بِمَادَّةِ الحَيَاةِ ، وَهُنَا تُدْرِكُ أنَّهُ مَا دَامَ النُّورُ قَدْ طُوِيَ فِيْهِ – بِجَعْلِ الخالِقِ – أنْوَارُ الْمُحْيِي وَالْمُمِيْت ؛ فَقَدْ وَضَحَ لِلْإدْرَاكِ الإنْسَانِيِّ أنَّ النُّورَ الحَقَّ القَادِرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ ، وَفِي ذَلِكَ مِثَالٌ وَاضِحٌ عَلَى طَيِّ الأنْوَارِ فِي النُّورِ الحَقِّ الَّذِي قَامَتْ بِهِ المَادَّةُ .

وَمِنْهَا أنَّ مَنْ حَفِظِ القُرْءَانَ الكَرِيْمَ فَكَأنَّمَا أُدْرِجَتِ النُّبُوَّةُ بَيْنَ جَنْبَيْهِ .

وَمِنْهَا أنَّ قِطْعَةً مَادِّيَّةٌ مِنْ مَعْدَنٍ صِنَاعِيٍّ مِنَ الْلَّدَائِنِ تُسَاوِي فِيْ حَجْمِهَا حَجْمَ الْعَدَسَةِ مِنْ تِلْكَ الَّتِيْ نَشْرَبُهَا فِي حَسَاءِ الْعَدَسِ إنَّمَا تَحْمِلُ مَعْلُومَاتٍ تُسَاوِي فِي حَجْمِهَا أكْبَرَ مَكْتَبَةٍ عَلَى سَطْحِ الْأرْضِ !! ، فَانْظُرْ فِي كَمِّ الْمَعْلُومَاتِ الْهَائِلِ كَمْ هُوَ كَبِيْرٌ ، وَانْظُرْ فِي الْحَجْمِ الْمَادِّيِّ لِلْعَدَسَةِ كَمْ هُوَ صَغِيرٌ ، وَمَعَ ذَلِكَ طُوِيَتِ المَعْلُومَاتُ عَلَى كِبَرِهَا فِي الْمَادَّةِ عَلَى صِغَرِهَا ، وَفِي النِّهَايَةِ هِيَ طَيُّ أنْوَارٍ فِي النُّورِ الحَامِلِ لِلْمَادَّةِ .

وَمِنْهَا المَرْأةُ الحَامِلُ إذ تُطْوَى فِيْهَا أنْوَارُ رُوحِهَا الذَّاتِيَّةُ وَأنْوَارُ رُوحِ جَنِيْنِهَا فِي رَحِمِهَا .

فَلَا تَسْتَغْرِبْ يَا وَلِيِّي فِي اللهِ تَعَالَى أنْ يَطْوِيَ الْحَقُّ سُبَحَانَهُ أنْوَارَ العَذَابِ فِي جُثَّةِ مَيِّتٍ يَتَعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ أو أنْ يَطْوِيَ أنْوَارَ المُتْعَةِ فِي نَفْسِ الجُثَّةِ المَيِّتَةِ فِي قَبْرِهَا .

وَمِنْهَا مَا يُطْوَى مِن أنْوَارِعَوَالِمَ كَثِيْرَةٍ وَمُتَعَدِّدَةٍ فِي مَادَّةِ النَّائِمِ حِيْنَ مَنَامَهِ ، فَإذَا بِمَادَّتِهِ جَامِدَة لِرُؤى العَيْنِ ؛ بَيْنَمَا أنْوَارُهُ تَعيْشُ كُلَّ أبْعَادِ تِلْكَ العَوَالِمِ وَذَاتِيَّتِهَا ، بِشَاعِرِيَّتِهَا وَصَخَبِهَا ، بِجُمُوحِهَا وَهُدُوئِهَا .

هَذَا وَقَدْ وَصَلَ إلَيْكَ فِي طَيِّ الأنْوَارِ بَعْضٌ مِمَّا هُوَ فِي :

1- عِلْمِ فَتْح ِالأنْوَارِ .

2- عَالَمِ العِلْمِ الكَوْنِيِّ .

3- عَالَمِ الكَلِمَة المَعْنَوِيِّ .

4- عَالَمِ السُّوَرِ .

5- عَالَمِ الفَحْمِ الحَجَرِيِّ .

6- عَالَمِ الحِفْظِ القُرْءَانِيِّ .

7 -عَالَمِ ضَغْطِ  البَيَانَاتِ .

8- عَالَمِ الأرْحَامِ .

9- عَالَمِ القَبْرِ .

10- عَالَمِ الأحْلَامِ .

وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ

 


( من كتاب‏‏ الكتب الخيرة للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى