صفات الخضر عليه السلام – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

صِفَاتُ الْخَضِرِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

 

وَلَقَدْ وَصَفَ الْحَقُّ تَعَالَى الْخَضِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِصِفَاتٍ ثَلَاثَةٍ هِيَ الصَّلَاحُ وَالْعِلْمُ وَ الرَّحْمَةُ .

أمَّا الْعِلْمُ فَكَانَ لَدُنِيّاً ، وَالْفَهْمُ الدَّقِيْقُ لِلْفَرْقِ بَينَ الْعُلُومِ اللَّدُنِيَّةِ وَعُلُومِ الْوَحْيِ يَقِيْنَا مِنَ الْوُقُوعِ فِي مُغَالَطَاتٍ عَقْلِيَّةٍ .

1- الْفَرْقُ بَيْنَ عُلُومِ الْوَحْيِ وَالْعُلُومِ اللَّدُنِيَّةِ :

الْوَحْيُ آلِيَّةُ خِطَابٍ بَيْنَ الْحَقِّ وَالأنْبِيَاءِ وَلَيْسَتْ هِيَ مَادَّةُ الْعِلْمِ وَهَذَا مَا تَتَمَايَزُ بِهِ عَنْ عِلْمِ اللَّدُنِيَّاتِ .. فَرُبَّمَا يَكُونُ الْوَحْيُ بِمَادَّةِ عِلْمٍ لَدُنِيَّةٍ ، وَرُبَّمَا يَكُونُ الْوَحْيُ بِمَادَّةِ عِلْمٍ شَرْعِيَّةٍ مِثْلَ الْأحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَى الْأنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَرُبَّمَا يُوحِي الْحَقُّ لِلنَّبِيِّ بِوَقَائِعَ تَاريْخِيَّةٍ قَدِيْمَةٍ أو وَقَائِعَ تَارِيْخِيَّةٍ سَتَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ .. وَلِلْحَقِّ أنْ يُرْسِلَ مَا شَاءَ مِنَ الْعُلُومِ اللَّدُنِيَّةِ وَغَيْرِ اللَّدُنِيَّةِ لِمَنَ شَاءَ مِنَ العَبِيدِ .

أمَّا أنْ نَضَعَ الوَحْيَ عَلَى أنَّهُ نَوْعُ عِلْمٍ أعْلَى مِنَ الْعُلُومِ اللَّدُنِيَّةِ فَهَذَا خَطَأٌ، فَفِي قِصَّةِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ نَرَى كَيْفَ أنَّ اللهَ تَعَالَى أعْطَى الْعِلْمَ اللَّدُنِيَّ لِسَيِّدِنَا الْخَضِرِ وَلَمْ يُعْطِهِ لِسَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .. وَبِهَذَا لَادَاعِيَ لِلَّجِّ وَالتَّصَادُمِ مَعَ العَقْلِ وَقَدْ أنْهَى النَّصُّ الشَّرْعِيُّ هَذِهِ الْمُشْكِلَةَ ، فَعَقْلُنَا وَإمْكَانِيَّاتُهُ .. بَعْدَ الشَّرْعِ وَلَيْسَ قَبْلَهُ .. لِيَدْعَمَ مَابَتَّهُ الشَّرْعُ فِي أمُورِ حَيَاتِنَا لَا لِيُحَاكِمَ الشَّرْعَ ، فَإنَّهُ لَا يُحَاكِمُ الشَّرْعَ بِعَقْلِهِ إلَّا غَبِيٌّ أو شَكَّاكٌ بِالإيْمَانِ أو كَافِرٌ أعْمَاهُ جَهْلُهُ .

وَمِنْ هَذَا الْعِلْمِ اللَّدُنِيِّ اسْتَقَيْنَا الْعُلُومَ الـسَّبْعِينَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي البِدَايَةِ وَزِيَادَةٌ عَلَيْهَا الَكَثِيْرُ .. مِثْلَ عِلْمِ السِّيَاحَةِ الرُّوحِيَّةِ ، وَعِلْمِ النِّسْيَانِ ، وَعِلْمِ التَّأوِيْلِ الْوَاقِعِيِّ لِصُوَرِ الْحَيَاةِ .. الخ .

2- مَاهِيَّةُ الْعُلُومِ اللَّدُنِيَّةِ :

وَ الْعُلُومُ اللَّدُنِيَّةُ هِيَ عُلُومٌ وَهْبيَّةٌ لَا كَسْبِيَّةٌ، يَهَبُهَا اللهُ تَعَالَى هِبَةً خَاصَّةً حَيْثُ تَتَنَزَّلُ عَلَى سِرِّ الإنْسَانِ وَرُوحِهِ وَقَلْبِهِ وَبَاطِنِهِ بِشَكْلٍ عَامٍّ ، جَزَاءً وَإكْرَامَاً عَلَى تَخَلُّقِهِ وَتَشَرُّعِهِ بِحَقِيْقَةٍ مَا ، فَإذَا كُنْتَ تُرِيدُ أنْ تَحْصَلَ عَلَى عُلُومٍ وَهْبِيَّةٍ مِنْ لَدُنِهِ ، فَعَلَيْكَ بِالسُّلُوكِ إلَى اللهِ تَعَالَى عَلَى يَدِ وَلِيٍّ مُرْشِدٍ يُعَلِّمُكَ التَّخَلُّقَ وَالتَّحَقُّقَ بِالْقُرْءَانِ وَالسُّنَّةِ ؛ فَإنَّ لِهَذِهِ التَّخَلُّقَاتِ وَالتَّحَقُّقَاتِ عِنْدَهُ ثَوَابَاً خاصَّاً وَجَزَاءً أخَصَّ مِنَ الْهِبَاتِ اللَّدُنِيَّةِ .

أمَّا الرَّحْمَةُ فَهِيَ الْمَغْزَى فِي هَذِهِ القِصَّةِ وَمَدَارُ الْحَيَاةِ وَالَّتي هِيَ الْحَقِيْقَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ ، قَالَ تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ {107} سُورَةُ الأنْبِيَاءِ .

فَهَذِهِ الرَّحْمَةُ هِيَ الْمُهْدَاةُ وَهِيَ الْمُرْسَلَةُ وَهِيَ هُنَا الْحَقِيْقَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ بِنُورَانِيَّتِهَا الأصْلِيَّةِ فِي عَالَمِ الذَّرِّ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ {219} سُورَةُ الشُّعَرَاءِ .

وَبِذَلِكَ كَانَ لِسَيِّدِنَا الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَأيِيدٌ مُبَاشَرٌ مِنَ الْحَضْرَةِ المُحَمَّدِيَّةِ ، الرَّحْمَةِ السَّارِيَةِ فِي الْكَونِ .

 


( من كتاب علم الحقائق البرزخية بين الحضرتين الموسوية والخضرية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى