رفع الرأس قبل الإمام – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

( رَفْعُ الرَّأسِ قَبْلَ الإمَامِ )

مِنَ العَبْدِ الفَقِيْرِ إلَى رَبِّهِ تَعَالَى هَانِيْبَالْ يُوسُفْ حَرْبْ إلَى (………)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ

وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى  سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ وَبَعْدُ :

 

فَقَدْ أرْسَلَتْ لِيَ الرِّسَالَةَ التَّالِيَةَ وَتقُولُ فِيْهَا :

( السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ شَيْخِي العلَّامَةُ الدُّكْتُور هَانِيْبَالْ يُوسُفْ حَرْبِ الغَالِي عَافَاكَ اللهُ مِن كُلِّ عِلَلٍ ، وَرَفَعَ قَدْرَكَ ، وَحَمَاكَ مِنْ كُلِّ زَلَلٍ ..

اسْتِفْسَارِيْ عَن هَذَا الحَدِيْثِ الشَّرِيْفِ :

عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ : أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأسَهُ رَأسَ حِمَارٍ ؟ أَو يَجْعَلَ اللهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ ؟

اسْتَوْقَفَتْنِي عِبَارَةُ ( أو يَجْعَلَ اللهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ )

هَل مِن تَأوِيْلٍ لِهَذَا الحَدِيْثِ ؟ كَيْفَ يُحَوِّلُ رَأسَهُ رَأسَ حِمَارٍ ؟.. كَيْفَ يَجْعَلُ صَورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ ؟ هَل هُنَاكَ سِرٌّ أو عِلْمٌ خَفِيٌّ لِهَذَا التَّحَوُّلِ مِن صُورَةِ بَشَرٍ إلَى صُورَةِ حِمَارٍ ؟

وَ هَل هَذَا الحَدِيْثُ يَنْطَبِقُ فَقَطْ عَلَى الصَّلَاةِ أمْ أيْضَاً فِي مُسَابَقَةِ الوَلِيِّ الْمُرْشِدِ وَ مُقَاطَعَتِهِ فِي تَعْلِيْمِ مُرِيْدِيْهِ ؟

وَ هَل هَذَا التَّحَوُّلُ حَقِيْقِيٌّ أمْ مَجَازِيٌّ ؟

وَهَلْ فِعْلَاً تَغَيَّرَتْ صُوَرُ بَشَرِيٍّ إلَى حِمَارٍ ؟ مَعَ العِلْمِ أنِّي صَادَفْتُ كَثِيْرَاً مِنَ الْمُصَلِّيْنَ مِمَّنْ يُسَابِقُ الإمَامَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ أرَ تَحَوُّلَاً فِي صُوَرِهِمْ وأشْكالِهِمْ ؟؟

مُنْذُ زَمَنٍ وَ هَذَا الحَدِيْثُ فِي بَاطِنِي وَ أُرِيْدُ مَعْرفَةَ شَرْحِهِ وَتَأوِيْلِهِ وَ أسْرَارِهِ .. جَزَاكُمُ اللهُ كُلَّ خَيْرٍ شَيْخِي الْغَالِي ) .

أوَّلَاً : فِي بَابِ مَا هُوَ سِائِدٌ مِن فَهْمِ الحَدِيْثِ :

إنَّ مُسابَقَةَ الإمَامِ حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الأئِمَّةِ ، وَ لَا يَجُوزُ لِأحَدٍ أن يَرْكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ وَ لَا يَرْفَعَ قَبْلَهُ  وَلَا يَسْجُدَ قَبْلَهُ .

فَإنَّ الحَدِيْثَ المُشَارَ إلَيْهِ حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ رَوَاهُ مُسْلِمُ وَغَيْرُهُ :

عَن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأسَهُ قَبْلَ الإمَامِ أن يُحَوِّلَ اللهُ رَأسَهُ رَأسَ حِمَارٍ ) .

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : ( أن يُحَوِّلَ اللهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَار ) .

وَفِي رِوَايَةٍ لِلإمَامِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ ) .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِهَذَا الحَدِيْثِ : هَذَا كُلُّهُ بَيَانٌ لِغِلَظِ تَحْرِيْمِ ذَلِكَ.

وَقَالَ المُبَارَكْفُورِيُّ : فِي تُحْفَةِ الأحْوَذِيِّ : يُحْتَمَلُ أن يَرْجِعَ إلَى أمْرٍ مَعْنَوِيٍّ، فَإنَّ الحِمَارَ مَوْصُوفٌ بِالبَلَادَةِ فَاسْتُعِيْرَ هَذَا الْمَعْنَى لِلجَاهِلِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِن فَرْضِ الصَّلَاةِ وَمُتَابَعَةِ الإمَامِ ، وَهَذَا لِأنَّ الْمُؤتَمَّ مُتَّبِِعٌ لِلإمَامِ مُقْتَدٍ بِهِ ، وَالتَّابِعُ الْمُقْتَدِي لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى مَتْبُوعِهِ وَقُدْوَتِهِ ، فَإذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ كَانَ كَالحِمَارِ الَّذِي لَا يَفْقَهُ مَا يُرَادُ بِعَمَلِهِ .

كَمَا جَاءَ فِي حَدِيْثٍ آخَرَ : ( مَثَلُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ وَالخَطِيْبُ يَخْطِبُ كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أسْفَارَاً ) .

وَمَن فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ العُقُوبَةَ وَالتَّعْزِيْرَ الَّذِي يَرْدَعُهُ وَأمْثَالَهُ .

 كَمَا رُوِيَ عَن عُمَرَ أنَّهُ رَأى رَجُلَاً يُسَابِقُ الإمَامَ فَضَرَبَـهُ وَقَالَ : ( لَا وَحْدَكَ صَلَّيْتَ ، وَلَا بِإمَامِكَ اقْتَدَيْتَ ) .

وَإذَا سَبَقَ الإمَامَ سَهْوَاً لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لَكِنْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ بِقَدْرِ مَا سَبَقَ بِهِ الإمَامَ كَمَا أمَرَ بِذَلِكَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأنَّ صَلَاةَ المَأمُومِ مُقَدَّرَةٌ بِصَلَاةِ الإمَامِ ، وَمَا فَعَلَهُ قَبْلَ الإمَامِ سَهْوَاً لَا يُبْطِلُ صَلَاتَهُ .

ثَانِيَاً : مِن بَابِ فِقْهِ كَلِمَةِ ( بَلِيْدٍ ) :

كَلِمَةُ بَلِيْدٍ مُفرَدٌ جَمْعُهَا بُلَدَاءُ : صِفَةٌ مَشَبَّهَةٌ تَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ مِن بَلُدَ وَبَلِدَ ، فَكُلُّ مَا هُوَ فَاقِدٌ لِإمْضَاءِ الأُمُورِ فِي مَجْرَاهَا عَلَى طَبِيْعَتِهَا فَهُوَ بَلِيْدٌ .

وَنَقُولُ : بَلِيْدَ الحِسِّ أي جَامِدُ الحِسِّ .

وَنَقُولُ : بَلِيْدُ الفَهْمِ أي بَطِيْئُ الذَّكَاءِ وَهَكَذَا …

وَعَلَيْهِ فَإنِّي أرَى هُنَا البَلَادَةَ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ لا مَعْنُوِيَّاً وَلا مَجَازَاً وَ لا عَلَى الحَقِيْقَةِ فِي هَذَا الحَدِيْثِ الشَّرِيْفِ بَلِ المَقْصُودُ أمْرٌ آخَرُ .

ثَالِثَاً : ضَرَبَ اللهُ مَثَلَاً فِي القُرْءَانِ الكَرِيْمِ وَقَالَ :

{ .. كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً .. {5} الجمعة ، عَنْ كُلِّ مَنْ يَحْمِلُ العِلْمَ وَلَكِنَّهُ لَايَفْقَهُهُ وَلَا يُطَبِّقُهُ عَلَى نَفسِهِ قَبْلَ غَيْرِهِ ؛ فَهُوَ لَيْسَ أكْثَر مِن حَامِلِ عِلْمٍ غَيْرِ فَقِيْهٍ .. وَهُوَ بِذَلِكَ حِمَارٌ .

وَهُنَا يَجِبُ أن نَنْتَبِهَ إلَى مَاهُوَ الْمَقْصُودُ مِن تَحَوُّلِ رَأسِهِ إلَى رَأسِ حِمَارٍ؟ وَ فِيْهِ احْتِمَالَاتٌ :

1- إذَا كَانَ يَقْصِدُ الحَقِيْقَةَ فِي التَّحَوُّلِ : فَهَذَا مَعْنَاهُ أنَّ الَّذِي يَسْبِقُ الإمَامَ سَوْفُ يُمْسَخُ حِمَارَاً .. وَهَذَا مُمْكِنٌ مِنَ المُمْكِنَاتِ العَقْلِيَّةِ ، وَلَكِنَّنَا لَمْ نَسْمَعْ عَن أحَدٍ مِنَ الأُمَّةِ مُسِخَ حِمَارَاً هَكَذَا ، لِذَلِكَ أسْتَبْعِدُ أنْ يَكُونَ القَصْدُ هُوَ المَسْخُ الشَّكْلِيُّ ؛ وَإنْ كَانَ وَارِدَاً عَقْلَاً وَشَرْعَاً وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مَعَ وُُجُودِ الكَثِيْرِيْنَ مِمَّنْ يَسْبِقُونَ الإمَامَ اليَوْمَ .

2- إذَا كَان الْقَصْدُ مَجَازِيَّاً : فَالحُرْمَةُ فِي الْحَدِيْثِ هُنَا وَالنَّهْيُ نَهْيٌ تَوْبِيْخِيٌّ إنْكَارِيٌّ لا تَحْرِيْمِيٌّ ، وَالوَاقِعُ أنَّ النَّهْيَ فِي الحَدِيْثِ تَحْرِيْمِيٌّ .. إذَاً لَا يُمْكِنُ أن يَكُونَ مَجَازَاً .

3- بِمَا أنَّهُ لَا يُمْكِنُ أن يَكُونَ مَجَازَاً حَسبَ الاحْتِمَالِ الأوَّلِ ، وَلَيْسَ مَمْنُوعَاً عَقْلَاً وَشرْعَاً حَسبَ الاحْتِمَالِ الثَّانِي ؛ فَإنِّي أُشِيْرُ إلَى قَضِيَّةٍ ثَالِثَةٍ هُنَا وَهُوَ المَوْضُوعُ الاعْتِبَارِيُّ فِي عَالَمِ التَّأوِيْلِ وَذَلِكَ لِأنَّ :

1- الأعْيَانَ ثَابِتَةٌ لاتَنْقَلِبُ : فَلَا يَصِيْرُ الرَّبُّ عَبْدَاً وَلَا عَيْنُ العَبْدِ تَصِيْرُ رَبَّاً ؛ وَبِالتَّالِي فَلَن يَنْقَلِبَ العَبْدُ الإنْسَانُ حِمَارَاً فِي عَيْنِهِ وَإنَّمَا يُمْكِنُ أن يَتَحَوَّلَ فِي الصُّوَرِ حِمَارَاً وَيَبْقَى فِي السُّورَةِ أيِ المَنْزِلَةِ إنسَانَاً .. وَهَذَا يَعْضُدُهُ أنَّ عَيْنَ الرَّأسِ مِنَ الأعْضَاءِ .

2- التَّأوِيْلُ حَضْرَةٌ جَامِعَةٌ : تَقْبَلُ الحَقِيْقَةِ مِن وَجْهٍ وَهُوَ كَوْنُ هَذَا الحَدِيْث حَدِيْثَاً صَحِيْحَاً .

وَتَقْبَلُ اثْنَيْنِيَّةَ الصُّورَةِ بَيْنَ إنسَانٍ يُصَلِّي وَحِمَارٍ مُخَالِفٍ لِلإمَامِ .

3- القَضِيَّةُ فِي سَبْقِ الإمَامِ مُخَالَفَةُ الإمَامِ وَعَدَمُ مُوَافَقَتِهِ : وَاعْتَبَرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ هَذَ الأمْرَ بَهِيْمِيَّةً ؛ وَعَيَّنَهَا بِصُورَةٍ حَمِيْرِيَّةٍ ، وَلَا شَكَّ أنَّ المُخَالَفَةَ فِي الاتِّبَاعِ مَذْمُومَةٌ مُحَرَّمَةٌ مَمْنُوعَةٌ ؛ وَلِلحِمَارِ عَلَى الحَقِيْقَةِ مِثْلُ هَذِه المُخَالَفَاتِ فِي وَاقِعِهِ .

إذَاً : المَقْصُودُ هُنَا هُوَ التَّحَوُّلُ مِن صُورَةِ الظَّاهِرِ المُُوَافِقِةِ إلَى صُورَةِ المُخَالَفَةِ البَاطِنَةِ ، وَهُنَا القَصْدُ إذَاً لِلهَيْئَةِ ، فَمَا وَافَقَ كَانَ إنسَانَاً ؛ وَمَا خَالَفَ كَانَ حَيَوَانَاً حِمَارَاً، وَهَذَا مِن صُوَرِ التَّأوِيْلِ فِي الشَّرْعِ .

فَقَدْ شَبَّهَ الرَّسُولُ مُحَمَّدٌ حَبِيْبِي وَحِبِّي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْكَثِيْرَ مِن هَذِهِ الحَقَائِقِ بَيْنَ التَّأوِيْلِ الظَّاهِرِ وَالتَّحْقِيْقِ البَاطِنِ؛ فَوَسَمَ مَن لَايَطْمَئِنُّ بِصَلَاتِهِ بِالدِّيْكِ وَنَقْرِهِ وَ هَذَا تَأوِيْلٌ ؛ أي مَنْ لَمْ يَطْمَئِنّْ فِي كُلِّ رُكْنٍ مِن أرْكَانِ الصَّلَاةِ فَصَلَاتُهُ كَنَقْرِ الدَِّيَكَةِ ؛ وَهَذَا حَالُ المُصَلِّي نَقَرَاً فِي البَاطِنِ أنَّهُ وَافَقَ الدِّيْكَ مِنَ الحَيَوَانَاتِ ؛ وَالمُوَافَقَةُ بَاطِنٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ عَلَى ظَاهِرٍ إنسَانِيٍّ تَرَكَ إنسَانِيَّتَهُ المُطْمَئِنَّةَ وَتَحَوَّلَ إلَى نَقْرِهِ المُتَسَرِّعِ .

وَكَذَا قَالَ لِآخَرَ : ( إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ البَعِيرُ وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ ) ، فَهَذَا أيْضَاً تَأوِيْلٌ شَرْعِيٌّ فِي المَسْألَةِ وَلَا أرَى حَدِيْثَ السَّبْقِ لِلإمَامِ وَمُخَالَفَتِهِ وَتَحَوُّلِ رَأسٍ إلَى رَأسِ حِمَارٍ إلَّا مِنْ هَذَا الْبَابِ ، فَإنَّهُ مِنَ المَعْرِفَةِ النَّادِرَةِ الَّتِي رُبَّمَا تَفُوتُ الفَقِيَهَ وَلَكِنَّهَا لَا تَفُوتُ العاَرِفَ بِاللهِ تَعَالَى .

وَعَلَى كُلِّ مَاسَبَقَ أقُولُ :

الجَوَابُ الكُلِّيُّ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ :

عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ وَعَلَى وَجْهِ العُمُومِ :

أمَّا عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ :

المَقْصُودُ فِي تَحَوُّلِ رَأسِهِ إلَى رَأسِ حِمَارٍ هُوَ حَقِيْقَةٌ تَأوِيْلِيَّةٌ شَرْعَاً .. فِيهَا دَلَالَةُ قِيَامِ مُخَالَفَةٍ شَرْعِيَّةٍ فِي ذَاتِ المُؤتَمِّ بَاطِنَاً وَخُرُوجِهِ عَنِ الإمَامِ ظَاهِرَاً .

وَكَمَا أنَّ المُخَالَفَةَ البَاطِنَةَ حَقِيْقَةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعَاً فَإنَّ لَهَا دَلَالَةً تَأوِيْلِيَّةً فِي الظَّاهِرِ أنَّ صَاحِبَهَا رَأسُهُ رَأسُ حِمَارٍ .

وَالتَّحَوُّلُ : إنَّمَا هُوَ تَعْبِيْرٌ عَن حَالِ المُؤتَمِّ أنّهُ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفَاً وَصَارَ بِالسَّبْقِ لِلإمَامِ مُخَالِفَاً فَكَانَ بِرَأسِ إنسَانٍ وَصَارَ بِرَأسِ حِمَارٍ .

وَعَلَى مَاسَبَقَ :

إنَّ الشَّخْصَ إذَا اسْتَمَرَّ بِالسَّبْقِ وَالخُرُوجِ عَلَى الإمَامِ هَكَذَا وَلَمْ يَسْتَغْفِرْ وَيَتُبْ فَإنَّهُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى صُورَةِ إنسَانٍ رَأسُهُ رَأسُ حِمَارٍ لَا مَحَالَةَ لِأنَّ التَّأوِيْلَ حَقِيْقَةٌ وَاقِعَةٌ .

وَأمَّا عَلَى وَجْهِ العُمُومِ :

فَإنَّ مُخَالَفَةَ الإمَامِ وَسَبِقَهُ تَمَرُّدٌ وَخُرُوجٌ عَنِ الجَمَاعَةِ وَهَذَا لَا يِصِحُّ فِي جَسَدِ البُنْيَةِ الحَقِيْقِيَّةِ لِلمُسْلِمِيْنَ ، وَلَعَلَّنَا نَرَى كَيْفَ أنَّ قُطْعَانَاً مِنَ الحَيَوَانَاتِ تَتَسَابَقُ الدُّنْيَا تَخْرُجُ عَن جَمَاعَةِ المُسْلِمِيْنَ وَهِيَ تَدَّعِي أنَّهَا مِنْهَا ، وَتُقَاتِلُ مِن أجْلِ القُرْءَانِ الكَرِيْمِ وَهِيَ تُخَالِفُ تَعَالِيْمَهُ ، وَتَدْعُو إلَى السُّنَّةِ الشَّرِيْفَةِ وَعُلُومِهَا وَهِيَ أجْهَلُ النَّاسِ بِهَا ، وَتَأمُرُ بِمَعْرُوفٍ شَرْعِيٍّ وَلَاتَأتِيهِ ، وَتَنْهَى عَن مُنْكَرٍ شَرْعِيٍّ وَلَا تَنْتَهِي ، فَهَذِهِ قُطْعَانُ بَشَرٍ رأسُ كُلٍّ مِنْهُمْ رَأسُ حَيَوَانٍ وَ قَدْ سَمَّاهُ الحَقُّ ( رَأسُ حِمَارٍ ) .

فَانْظُرْ يَا وَلِيِّي فِي اللهِ تَعَالَى كَمْ رَأسَاً اليَوْمَ بَيْنَ الصُّفُوفِ ؟َ! تَعْلَمْ سَبَبَ تََخَلُّفِنَا وَتَنسِيْقِنَا وَرَاءَ الأُمَمِ عَلَى الرُّفُوفِ .

وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ

 


( من كتاب‏‏ الكتب الخيرة للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى