خُلُقُ كُنْ المُحَمّديّ مِنْ وَجْهٍ
قال المُجَدّدِيّ : الّلهم صلِّ على سيّدنا مُحَمّد و على آله و صحبه و سلّم صلاة و سلام الكَامِل المُطْلَق على الحبيب الأوّل ، فإنّك يا وليّي في الله تجد أنّ رسول الله مُحَمّد صلّى الله عليه و سلّم حبيبه و حبيبنا كان أوّل مُجِيبٍ لـ كُنْ الحَقِّيّة – الحَقّ الذي كان و لا شيء معه – فتَقَلّبَ في أصْلَاب السَاجِدين ليَهِبَ لكلّ مَنْ كان في صُلْبِهِ مِنْ حَضْرة السِّيْن زمان وجوده و مسافة زمانه ، حتّى كان بَاطِنَاً في أبيه ظاهراً في نَفْسِه عليهما الصّلاة و السلّام ، بَاطِنَاً إجابةً لـ كُنْ الاقتدار الإلهي ، ظاهراً لحكمة الختام القدروي ، و الذي كان بظُهُوره خير قَرْنِ بصَرِيحِ تعبيره الجَامِع للكَلَم ، فكان ظهوره صلّى الله عليه وآله وسلّم ظُهُور الصَادِق في خير قَرْنٍ ، هو خيرٌ لظهوره صلّى الله عليه وآله وسلّم فيه ، و لصدق ما يَظْهَر فيه مِنْ مُحبِين و الذين هم جَمْع الصحابة رضي الله تعالى عنهم الصَادِقُون في إجابة كُنْ الحَقّ ، الصَادِقُون في ظُهُورهم للحَقّ ، الصَادِقُون في ظُهُورهم بالحَقّ لصِدْق استعداداتهم المُوافَقَة لخير قرنٍ ، هذا الذي ظَهَر فيه كلّ خيرٍ مِنْ كلّ صِدْقٍ مِنْ كُنْ لـ كلّ صِدْقٍ مِن َالصَادِقين ، و الذي مَشرَبِي هذا مِنْ فيض صِدقِهم مع الحَقّ حيث أمرهم فقال لهم : { كُونُواْ.. } [1] فكانوا، و الحَمْدُ لله رَبّ العَالَمِين .
قال المَلِك العَبْد : بعد الاستماع بعَيْن الاستمتاع نطلبُ مِنْ البَاحِث خُلاصُة المَبَاحِث .
– قَوْل الباحِث :
يقول البَاحِث : خلاصة المَبَاحِث أنّ الحَديث عن ذَوْقِ الأخلاق يطول في طور ما وراء العقول ، فما أفردَ الأكْبَريّ قدّس الله تعالى سرّه في أربعةٍ جَمَعَه المُجَدّدِيّ في واحدٍ ، فكُنْ الخُلُق المُجَدّدِيّ خُلُق جَمْعٍ و الفَرْق و النّور المَسْتُور الحَقّ ؛ و خُلُق إعدام الأسباب في عين وُجُودها مِنْ حَضْرة جُودِها مِنْ عَيْن اليَد ، و ما الأربعة إلا عَيْن الواحد ، و ما كان الواحد مِنَ الأخْلَاق عند هذا المُجَدّدِيّ إلا عين الأربعة ، فكأنما الأمر عند المُجَدّدِيّ تفصيل عرفان جامع للأكبري و كأنّما الأمر عند الأكْبَريّ قدّس الله تعالى سرّه تفصيلُ عِرْفَانٍ ظاهرٍ للمُجَدّدِيّ ، و لا تعارض بلْ عَرَضٌ مِنْ حَضْراتٍ مختلفةٍ ، و قد عرفتُ مِنْ إتمام ذَوْقِ الغزالي بذَوْقٍ مُجَدّدِيٍّ أنّ ما في الآن إلا أبْدَع إمْكَان ، و عليه أجْزُم أنّ ذَوْق الأكْبَريّ قدّس تعالى الله سرّه كان في أنّه أبْدَع إمْكَانه و ذَوْق المُجَدّدِيّ الآن أبْدَع إمْكَان و قد زاد على الأكْبَريّ قدّس الله تعالى سرّه – و لا نقول أنّه قيّد كلّ أذْوَاقه بلْ ما كان في وارِد وقته – بإشارات الخُلُق مع الزمن ؛ و مع الأزل ؛ و مع الأبد ؛ و مع عِلْم الاقتدار الإلهيّ ..
و عِلْم التّكوين ..
و عِلْم المَراتِب ..
و عِلْم المَنَازِل …
و عِلْم الأبْعَاد الخُلُقية ..
و عِلْم النَفَس الرّحمانِي ..
و عِلْم تجديد النَواشِئ الغَيبِيّة ..
و العِلْم العِيْسَويّ ..
و عِلْم الاستعداد ..
و اجتمع مع الأكْبَريّ قدّس الله تعالى سرّه في أنْكِحَة الأخْلَاق بعِلْم المَراتِب ، و كلّ أخذهُ مِنْ وَجْه ، فالمُجَدّدِيّ أخذهُ مِنْ مَراتِب أهل الأنْوَار و الأكْبَريّ قدّس الله تعالى سرّه أخذهُ مِنْ مَراتِب أهل الأنْوَار ، و الأكْبَريّ قدّس الله تعالى سرّه أخذهُ مِنْ مَراتِب أهل التَخصيص ، و تعرّض الأكْبَريّ قدّس الله تعالى سرّه إلى عِلْم الأهل ، و عِلْم أسماء الإحْصَاء ، و عِلْم توزع الأخْلَاق ، و عِلْم المَظَاهِر ، فجَمَع في صفحاته الأربعة عِلْم أنْكِحَةِ خمسةِ علومٍ مع عِلْم أخْلَاقه في ذَوْق السؤال ، بينما جَمَع المُجَدّدِيّ في صفحاته الثلاث و العشرين بإسقاط صفحات العنوان اثنا عشر عِلْماً مع عِلْم أخْلَاقه في ذَوْق السؤال نَفْسه .
فصار مجموع العلوم المُشَارِكَة في أذْوَاق هذا السؤال /15/ خمسة عشر علماً باعتبار تَكامُليّة العِرفَان فطُوبَى لمِنْ عَلِمَ ففهم و حَوَى فمَا أرتوى .
قال المَلِك العَبْد : هل مِنْ تعليق قبل الاخْتِتَام و التَعْلِيق ؟
قال المُلاحِظ : إنْ أَذِنَ لي مَلِك السَفَر ؟
قال المَلِك العَبْد : تفضّل ؟
قال المُلاحِظ : لاحظتُ مِنْ جُمْلَة الأذْوَاق سرّاً في الأخْلَاق و هو أنّها ليست علومٌ تكتسب بلْ هي مَعارِف تُوهَب .
قال القُدْسيّ : هذا ما أراده الحَكِيم رضي الله تعالى عنه و طلب .
قال المُلاحِظ : و لاحظت في خُلُق كُنْ و هو عنوان العِلْم العِيْسَويّ أنّه خُلُقٌ سَويٌّ و أنّ أخذ العِلْم العِيْسَويّ خُلُقٌ .. هو المَقصُود مِنَ الرَبّ عنايةً .
قال المُجَدّدِيّ : هذا ذَوْقٌ مِنْ عناية الرَبّ للسماء الثانية ، و لكلّ سماءٍ عنايةٌ ، و في كلّ عنايةٍ خُلُقٌ ، و لهذا كانت مائة و سبعة عشر ، و أرى أنْ تنتهي على ذلك الفِكَر و تنطوي عِبَارَات العِبَر .
قال الملك العبد : الحَمْدُ لله رَبّ العَالَمِين .
[1] بعض من الآية /79/ سورة آل عمران .
( من كتاب نبوغ المجددية في تطوير الأذواق العرفانية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب ) .