خصوصيةُ علومِ الجَمالِ والجلالِ في سُورةِ طَه
المُناظَرَةُ الكلاميَّةُ والمُناظَرَةُ القُدرويَّةُ في سُورةِ طَه :
مَن يريدُ أن يتوجَّهَ إلى بسملةِ سُورةِ طه فسيجدُ فيها أنواراً من علومِ الجَمالِ والجلالِ خاصةً بالنظرةِ الإلهيةِ وبإظهارِ القدرةِ ، أي أنَّ علومَ الجَمالِ والجلالِ الخاصَّةَ في هذهِ السُورةِ ليست بالمُناظرةِ الكلاميَّةِ بل بالمُناظرةِ القُدرويَّةِ .. فهي عالَمٌ آخرُ .
ولتعلمْ ياوليِّي في اللهِ تَعالى أنَّ هُناكَ نوعينِ مِن علومِ المناظرةِ ؛ مناظرةٌ كلاميَّةٌ ومناظرةٌ قدرويَّةٌ :
المُناظَرةُ الكلاميَّةُ : وهي أن تأتيَ بدليلٍ ؛ ويأتي الشخصُ الآخَرُ الذي يريدُ أن يحاججَكَ بدليلٍ آخرَ .
فتقولُ لهُ : إنَّ دليلَهُ خطأٌ لأنَّهُ كذا وكذا وتأتي بدليلٍ يُثبتُ بأنَّ كلامَهُ خطأٌ ، فيحاولُ أن يُبرهِنَ بأنَّ كلامَهُ على صوابِ ويأتي بأدلةٍ تُثبِتُ ذلكَ .
هذهِ المُناظَرةُ تُسمَّى مناظرةٌ كلاميَّةٌ .
أمَّا المُنَاظرةُ القدرويَّةُ : فهي المناظرةُ الأعجبُ ، وهنا لا يَتِمُّ التحدُّثُ بها بأسلوبِ القولِ وعرضِ إمكانيةِ الفعلِ كأن يقولُ الأوَّلُ : أنا أطيرُ في الهواءِ .
ويقولُ الثَّاني : أنا أستطيعُ أن أشفيَ المريضَ .
ويقولُ الثالثُ : أنا أحيِي الميِّتَ بإذنِ اللهِ تعالى .
ويقولُ الرابعُ : مَا يَستطيعُ فِعلَهُ ..
بلْ تبدأُ المنافسةُ هنا بين الأشخاص في الأدلَّةِ القدرويَّةِ وإظهارِ القدرةِ المَمنوحةِ لهم من اللهِ سبحانهُ وتعالى وبإذنِ اللهِ تعالى .. فتبرزُ تلك الرقائقُ القدرويَّةُ من كلٍّ مِنهم في الواقعِ حيثُ يُثبِتُ كُلٌّ منهم ما يَجعلُ تلكَ القدرةَ دليلاً عليهِ .
أما إذا أردْنا الدخولَ إلى عالَمِ الجَمالِ والجلالِ فهناكَ علومٌ جماليةٌ جلاليةٌ في بابِ المُنَاظرةِ الكلاميَّةِ ؛ وهناكَ علومٌ جَماليةٌ جلاليةٌ في بابِ المُنَاظرةِ القدرويَّةِ .
علومُ المُناظرةِ الجَماليةِ الجلاليةِ الخاصةِ بالكلامِ :
إذا أردتُم أن تَفهمُوا علومَ المُناظرةِ الجَماليةِ الجلاليةِ الخاصةِ بالكلامِ ليسَ لكم سوى الحضرةُ الإبراهيميةُ ؛ حيثُ تستطيعونَ أن تدخلُوا إلى جميعِ قِصصِ وعِبَرِ سيِّدِنا إبراهيمَ عليهِ السلامُ في القرءانِ الكريمِ بشكلٍ عامٍ ، كما تستطيعونَ أن تدخلُوا بشكلٍ خاصٍّ إلى سُورةِ إبراهيمَ { الر } .
ففي بسملةِ وسُورةِ إبراهيمَ مكنونٌ عجيبٌ جداً جداً جداً وجميلٌ جداً يَعلمُهُ أهلُ الذِّكرِ ؛ لذلكَ أصبَحوا من أهلِ الذِّكرِ .. فاذكُرُوا هذهِ الآياتِ ، واذكرُوا بسملةَ سُورةِ إبراهيمَ ؛ وبسملةَ سُورةِ الفاتحةِ ؛ وبسملةَ سُورةِ طهَ أيضاً لأنَّ اللهُ سبحانهُ وتعالى طَوى في بسملةِ سُورةِ طهَ مكنوناتِ علومِ الجَمالِ والجلالِ الخاصةِ بالمُناظرةِ الكلاميَّةِ .
علومُ المُناظرةِ الجَماليةِ الجلاليةِ الخاصةِ بالقدرةِ :
أما لأجلِ علومِ الجَمالِ والجلالِ الخاصةِ بالمُناظرةِ القدرويَّةِ فعليكمُ الذهابُ لدراستِها بشكلٍ خاصٍّ في سُورةِ طهَ ، ومِن الممكنِ أن تأخذُوها بشكلٍ عامٍ من قِصصِ سيدِنا مُوسى عليه الصلاةُ والسلامُ ؛ إلا أنها تظهرُ بشكلٍ جليٍّ في سُورةِ طه : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { طَهَ {1} مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى {2} إذ ترَونَ فيها المُناظرةَ القدرويَّةَ التي تُظهِرُ الجلالَ الإلهيَّ كما تُظهِرُ الجَمالَ الإلهيَّ حيثُ تَظهَرُ علومُ ورقائقُ الجَمالِ والجلالِ في هذهِ المسألةِ .
فمِن مظاهرِ الجَمالِ في سُورة طه قولُهُ تعالى في الآية (68) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى } وهذا مَظهَرٌ جَماليٌّ .
ومثلُها قولُهُ تعالى في الآية (139) من سورة آل عمران : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ } .
وكذا قولُهُ تعالى في الآية (53) من سورة الزُّمر : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً } فهَذا جَمالٌ .
أما مِن مظاهرِ الجلالِ التي نجدُ فيها تدابيرَ اللهِ سبحانهُ وتعالى قولُهُ تعالى في الآية (21) من سُورة طه : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { خُذْهَا وَلَا تَخَفْ } .
ومثلُها قولُهُ تعالى في الآية (42) من سُورةِ القمر : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ } ففيها عَظَمَةٌ من الجلالِ ..
كما أننا نجدُ في هذه السُورةِ ظهورَاً كبيرَاً لفَلْقِ البحرِ وهو جلالٌ .
وكذلكَ حقيقةُ الحيَّةِ التي انقلبَتْ عنِ العَصا ثم عادَتْ عصىً ولقفَتْ ما رمى السَّحَرَةُ ( سَحَرَةُ فِرعونَ ) .
ومنَ الصورِ الجلاليةِ في سُورةِ طه صورةُ عقابِ فِرعَونَ للسَّحَرَةِ الذينَ آمنُوا مع سيدِنا مُوسى عليهِ السلامُ .. والكثيرُ من هذهِ الدساتيرِ الدقيقةِ والعميقةِ بشكلٍ عامٍ .
إذاً : فإنَّ علومَ الجَمالِ والجلالِ الموجودةِ في سُورَةِ طَهَ هي علومٌ خاصةٌ بالمُناظَرةِ القدرويَّةِ .
للمزيد … يمكنك تصفح / تحميل كتاب تفسير بنور الله تعالى – البسملة (الجزء الثاني) وذلك عبر الضغط على الصورة .

أقرأ التالي
28 مايو، 2020
قاعدة رقائق عشق فرداني – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
10 ديسمبر، 2016
الروح وأجساد أهل الجنة – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
5 أبريل، 2020
كُنْهُ الهُوِيَّةِ المُطلَقُ وتَوَهُّجُ القَانُونِ الكَينُونِيِّ – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية
زر الذهاب إلى الأعلى