خاتمة كتاب الهوية
لَعلَّنَا في الخَاتمةِ يَا وَلِييِّ في اللهِ تعَالى بعدَ هذِه المَوجَةِ الحَيَاتيَّةِ التِي كُنَّا فيها في تَضَاعِيفِ هذَا المَسطُورِ قد ألقَينَا الضَّوءَ، ولَوبِشيءٍ يَسيرٍ على بعضِ رَقائِقِ النُّورِالذاتِيَّةِ في قولِه تعَالى هُوَ الْحَيُّ مِنْ آيةِ غَافرٍ حيثُ قالَ : { هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {56} غافر، ولَكِنْ مَا يَجبُ التَّنبِيهُ عليه أنَّ هذَا المَسطُورَ كَمَا أمَلَى الحَقُّ في وَارِدِ الوقتِ، إنَّمَا هوَ فقط في هَاتَينِ الكَلِمتينِ هُوَ الْحَيُّ، وأنَّ في بَقيَّةِ الآيةِ مَعارِفَ جَمَّةً، ولَعلَّ اللهَ جَلَّ وعَلا يَأذَنُ لِي إذا أمَدَّ في عُمُرِي أنْ أكتُبَ جُزءَاً ثانياً مُكمِّلاً، أُظهِرُ فيهِ بعضَ أسرارِ بَقيَّةِ الآيةِ في قولِه لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، ثُمَّ أُردِفُه بِجُزءٍ ثالثٍ في بقيةِ الآيةِ، والذِي هوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، ومِنْ ثَمَّ أُردِفُه بِجُزءٍ رابِعٍ هوَ في بَقيةِ الآيةِ الذِي يقولُ فيهِ الحَقُّ عَنْ مَعَالِمِ الوصُولِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
فإنَّكَ إنْ عَلِمتَ مِنْ مُؤلَفِي هذَا أنَّ البَدْءَ كانَ مِنْ هوَ الحَيُّ، فَفِي الجُزءِ الرَّابعِ يَجِبُ أنْ تُدرِكَ أنَّ الإنَابةَ إليهِ على سَبِيلهِ خَاتِمَتُها الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ .
فَالآيةُ تَصِفُ كُلَّ الرِّحلَةِ مِنه وإليهِ؛ إنَّا للهِ وَإنَّا إليهِ رَاجِعونَ .
إنَّا للهِ بِحقائقِ هُوَ الْحَيُّ، وإنَّا إليهِ رَاجِعونَ بِحقائِقِ رَقائِقِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وسُلوكُ الحَقِيقةِ في الآيةِ بِـلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وسُلوكُ الطرِيقةِ في الآيةِ بِـفَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ .
وإنِّي لَشَغوفٌ أنْ أكتبَ الجُزءَ الثانيَ مِنَ المُؤلَفِ هذَا إذا سَمَحَ لِيَ الحَقُّ، وكانَت حُروفُه مِنْ رِزقِي، لِأخُطَّ فيهِ مَعالِمَ النِّسَبِ الصِّفَاتيَّةِ والأسمَائِيَّةِ التِي تَوَهَّجَت بها حَياةُ كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ .
فَالحَقِيقةُ في الهُوِيَّةِ أنَّها ظاهِرةٌ بَاطِنةٌ .. وبِاعتِبارِالتَّوهجِ ظهَرَت نِسَبُ اسمِه الظاهِرِ، وباعتِبارِ الكُنْهِ عَلِمنَا نِسَبَ اسمِه البَاطِنِ، وباعتِبارِ تَوَهجِ الكُنْهِ في ذَاتِهِ عَلِمنَا نِسَبَ اسمِه النُّورِ، وبِجَمعِهِ لِكُلِّ هذَا عَلِمنَا نِسَبَ اسمِه الجَامعِ، وبِاعتِبارِ كَينُونَةِ التَّوَهجِ عَلِمنَا نِسَبَ اسمِه المُبدِئ، وبِاعتِبارِ مَرجِعيَّةِ النِّسَبِ كُلِّها إلى كُنْهِ الهُوِيَّةِ المُطلَقِ عَلِمنَا نِسَبَ اسمِه المُعِيدِ، وبِمُلاحَظةِ الهُوِيَّةِ بِالانحِجَابِ عَنِ التَّوَهجِ الحَياتِيِّ عَلِمنَا نِسَبَ اسمِه الأوَّلِ، وبِمُلاحظةِ التَّوَهجِ الحَياتِيِّ بِالانحِجَابِ عَنِ الهُوِيَّةِ عَلِمنَا نِسَبَ اسمِهِ الآخِرِ، وبِاعتِبارِذَاتِيَّةِ التَّوَهجِ عَلِمنَا نِسَبَ اسمِه القَوِيِّ، وبِاعتِبارِ قُوَّةِ الحَياةِ عَلِمنَا نِسَبَ اسمِه القَادِرِ، وبِاعتِبارِ كُلِّ مَاذَكرنَا عَرَفنَا نِسَبَ اسمِه المُقَدِّرِ، وبِاعتِبارِأنَّه هوَ الحَيُّ عَلِمنَا نِسَبَ اسمِهِ العَلِيمِ، فإنَّ المَيتَ لا يَعلَمُ، وهكذَا فإنَّنَا نَشهَدُ في عَينِ التَّجلِّي الوَاحِدِي كُلَّ تِلكَ الأسمَاءِ لِلصِّفاتِ الحَقَّانِيَّةِ، وبِهذَا الاعتِبارِ عَلِمنَا وَاحِديَّةَ نِسَبِ اسمِه الوَاحِدِ، حتَّى نَمشِي في بَيَانِ تَفاصِيل التَّجلِّياتِ لِمَزيدٍ مِنَ الشُّهُودِ وإطلاقِ مُقيَّدَاتِ الوَعيِّ فِينَا، كُلُّ ذلكَ في حَقائِقِ رَقَائِقِ وَعِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ من قولِه تعَالى : بسم الله الرحمن الرحيم : { هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {56} غافر .
( من كتاب الهوية للمفكر الإسلامي الشيخ د. هانيبال يوسف حرب ) .