حكمة عدم تقييد خلق كن – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

حِكْمَةُ عدم تقيّد خُلُق كُنْ و كَوْنُه خُلُقُ وِلَايَةٍ

 

قال المُجَدّدِيّ : ليعلم  وليّي في الله أنّ خُلُق كُنْ له تجلّيات مُتعدِدَة و كثيرة في مِنَصّات التجلّي ، و الذي يُثمِر في المِنَصّة عَيْن الاستعداد ، و الاستعدادات مُتفاوِتَة و كذلك تكون تجلّيات هذا الخُلُق ، و هذا مِنْ الحِكْمة التي مَنعتْ تقيّد هذا الخُلُق مع جُمْلَة الأخلاق ، و هو مِنْ أسماها و أعلاها ، و هي مِنَ العظيم الذي وُصِف به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بكلام الحَقّ تعالى : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [1] .

فهي مِنْ أخلاق الإنسان الكامِل المُكَمِّل ، و المُتَتَبِع لهذه الآية حسب ترتيبها في القُرْآن يجد أنّها بعضٌ مِنْ سورةٍ أوّلها ” ن “ و اسمها القَلَم ، سبقها ذِكر الماء المَعين مِدَادُ هذا القَلَم، و الماء بعضٌ مِنْ سُورَة المُلْك ، فالمُلْك مَوجُودٌ عن كُنْ بالجملة ، هذا في حَضْرة الإجْمَال مِنْ اسمه المُدَبِّر ، و أمّا تفصِيله فهو عن ماءِ كلّ شيءٍ حَيٌ بالحَيّ الحَامِل ، و هو ” ن “ المُلْك و المَلَكُوت ، ” ن “ و القَلَم تفصيل كُنْ الحَقّ [2] كلمة الحَضْرة ، و صَاحِب خُلُق كُنْ مِنْ أهل المَطْلَع له حَضْرة الإجْمَال أمّا أهل الكِتَابة الإلهيّة فليس بالضرورة اتّصافهم بخُلُق كُنْ، لأنّ علمهم مِنْ حَضْرة التّفصيل الجَامِع ، فعَمَلهم و إنْ كان ظاهره إيجادٌ إلا أنّ حقيقته جَمْعٌ للأجساد مع الأرواح مع الأنوار ضمن ثلاثيّة مِنْ صور التّركيب و الوقت و القَلَم المُناسِب ، فيحصل المَطلٌوب إظهاره بعون اليمين الإلهيّة .

فعَمَلهم على هذه الشَاكِلة جَمْعٌ لموجوداتٍ عن كُنْ الإلهيّة لا إيجادٌ ، و إلا لكان عَمَلهم بِهِم ، و لا يكون عمل أهل الكتابة الإلهيّة إلا بالله تعالى .

و يَعْلَمُ ذلك مَنْ نَزَلَ مَنَازِل خُلُق كُنْ في القُرْآن الكريم ، و إليك إشارةً إلى هذه المًنازِل مِنْ وَجْهٍ لا مِنْ كلّ الوُجُوه و ذلك في المبْحَث اللاحق .

قال المَلِك العَبْد : لا ينزل مَنَازِل خُلُق كُنْ في المبْحَث اللاحق إلا عبدٌ صادقٌ فاصدقْ و انهلْ .


[1] سورة القلم الآية /4/ .

[2] أي كن الحقية التي هي من الحق .

 


( من كتاب‏‏ نبوغ المجددية في تطوير الأذواق العرفانية للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب  ) .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى