تَطْوِيْرُ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا الْخَاصَّةِ – موسوعة هانيبال للعلوم الإسلامية الروحية

تَطْوِيْرُ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا الْخَاصَّةِ بِالذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ الْعَقْلِيِّ

وَلِيَكُنْ عَلَى سَبِيْلِ الْمِثَالِ بَرْنَامَجُ التَّحْلِيْلِ مِنْهَا : فَكُلُّ الْقَوَاعِدِ الَّتِيْ يَتَلَقّاهَا الْعَقْلُ مِنْ خِلَالِ تَعَلُّمِهِ لِلرِّيَاضِيَّاتِ فِي تَحْلِيْلِ الْأعْدَادِ الطَّبِيْعِيَّةِ وَالْكَسْرِيَّةِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ إنَّمَا تَصُبُّ فِي بَابِ تَطْوِيْرِ الذَّكَاءِ الْعَقْلِيِّ وَلَا يُطَوُّرُ الْبَرْنَامَجَ الرُّوحِيَّ الْأعْلَى الْخَاصَّ بِالتَّحْلِيْلِ وَذَلِكَ لِأنَّهَا خَاضِعَةٌ فِي أصْلِ تَلَقُّنِهَا لِسَطْوَةِ الْبَرْنَامَجِ الرُّوحِيِّ الْأعْلَى الَّذِي هُوَ بَرِنَامَجُ التَّحْلِيْلِ ، فَالْبَرْنَامَجُ الرُّوحِيُّ الْأعْلَى الْمَسَمَّى ( تَحْلِيْلٌ ) هُوَ الَّذِيْ يُعَالِجُ الْبَيَانَاتِ الرِّيَاضِيَّةِ بِالتَّحْلِيْلِ عَلَى مُسْتَوَى الْعَقْلِ فَهِيَ لَا تَصْلُحُ أنْ تُصْبِحَ جُزْءَاً مِنَ الْبَرْنَامَجِ الرُّوحِيِّ فَهِيَ مَادَّةٌ عَقْلِيَّةٌ وَلَيْسَتْ مَادَّةً رُوحِيَّةً أيْ أنَّهَا بَيَانَاتُ عِلْمٍ خَاصَّةٍ بِالذَّكَاءِ الْعَقْلِيِّ وَلَيْسَتْ مَادَّةَ حَيَاةٍ دَرَّاكَةٍ فَعَّالَةٍ .

إذَاً لِتَطْوِيْرِ الْبَرْنَامَجِ الرُّوحِيِّ الْأعْلَى الْمُسَمَّى ( بَرِنَامَجَ التَّحْلِيْلِ ) وَالَّذِيْ يَقُودُ الْعَقْلَ وَعَمَلِيَّاتِ الذَّكَاءِ الْعَقْلِيِّ فِي تَحْلِيْلِ كُلِّ مَا حَوْلَهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْوَعْيِ الرُّوحِيِّ الْأعْلَى لَا بِالْوَعْيِ الْعَقْلِيِّ ، وَبِمَعْنَىً آخَرَ فَإنَّ تَطْوِيْرَ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِآلِيَّاتٍ رُوحِيَّةٍ تُسَيْطِرُ عَلَى الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ وَتُهَيْمِنُ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ تَطْوِيْرُهُ بِالْمَعْلُومَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِيْ يَبْنِيْهَا الذَّكَاءُ الْعَقْلِيُّ .

عِنْدَ دِرَاسَتِيْ لِهَذِهِ الْحَقِيْقَةِ وَجَدْتُ أنَّ الْبَرَامِجَ الرُّوحِيَّةَ الْعُلْيَا فِي عَالَمِ الرُّوحِ إنَّمَا تَنْفَعِلُ حَصْرَاً لِكُلِّ مَاهُوَ مُدْرِكٌ رُوحِيٌّ فَعَّالٌ وَهِيَ فِي عَالَمِنَا تَتَمَثَّلُ بِالْأسْمَاءِ الْإلَهِيَّةِ وَالْآيَاتِ وَالنُّصُوصِ الْعَزَائِمِيَّةِ ذَاتِ التَّحَكُّمِ الرُّوحِيِّ .

وَعِنْدَ التَّمَعُّنِ الدَّقِيْقِ فِي هَذَا الْأمْرِ نَجِدُ عَامِلَاً مُشْتَرَكَاً بَيْنَ كُلِّ تِلْكَ الَحَاكِمِيَّاتِ الرُّوحِيَّةِ وَهُوَ عَالَمُ الْحُرُوفِ الَّذِي تَتَرَكَّبُ مِنْهُ كُلُّ النُّصُوصِ بِمَا فِيْهَا تَرَاكِيْبُ وَتَرَاتِيْبُ الْأسْمَاءِ الْإلَهِيَّةِ عَلَى اخْتِلَافِهَا فِيْ كُلِّ الْأدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ .

إذَاً نَسْتَطِيْعُ أنْ نَقُولَ أنَّ الْحُرُوفَ هِيَ الْحَاكِمُ الْأبْسَطُ مِنْ بَيْنَ الْحُكَّامِ الَّتِيْ تَحْكُمُ عَالَمَ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ ، فَالْحُرُوفُ هِيَ الْبَسَائِطُ الْأوَّلِيَّةُ الَّتِيْ تُصَاغُ مِنْهَا الْبَرَامِجُ الرُّوحِيَّةُ الْحَاكِمَةُ بَلِ الْمُشَكِّلةُ لِلْوَعْيِ الرُّوحِيِّ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ .

وَفِي التَّجْرِبَةِ الدَّقِيْقَةِ الَّتِي لَمْ تَتَخَلَّفْ وَجَدْنَا أنَّ مَنْ يَذْكُر أسْمَاءً إلَهِيَّةً مُعَيَّنَةً يُفَعِّل فِي حَيَاتِهِ الرُّوحِيَّةِ الْبَرَامِجَ الرُّوحِيَّةَ الْعُلْيَا مَهْمَا تَكُنْ .

فَكَمَا أنَّ مُدَاوَمَةَ الذِّكْرِ عَلَى اسْمِ اللهِ الصَّبُورِ تُقَوِّي الْبَرَامِجَ الرُّوحِيَّةَ الْعُلْيَا الْخَاصَّةَ بِالصَّبْرِ فَيُصْبِحُ الْإنْسَانُ أكْثَرَ صَبْرَاً ؛ كَذَلِكَ هُنَاكَ مَا يُقَوِّي الْإدْرَاكَ وَالْفَاعِلِيَّةَ مِنَ الْأسْمَاءِ وَمَا يُقَوِّي الْوَعْيَ وَمَايُقَوِّي الْفَهْمَ وَمَا يُقَوِّي التَّحْلِيْلَ وَالتَّرْكِيْبَ وَالتَّرْجِيْحَ فِي كُلِّ مُسْتَوَيَاتِ الْمُمَارَسَةِ .. وَقَدْ أجْرَيْتُ تَجْرِبَتِيْ الْأولَى فِي العَقْدِ الْأوَّلِ مِنَ الْقَرْنِ الَحَالِيِّ عَلَى طُلَّابِ الْمَدْرَسَةِ الْابْتِدَائِيَّةِ الَّتِي كَانَ فِيْهَا ابْنِي فَقَدْ عَمَدْتُ إلَى تَعْلِيْمِ الطُّلَّابِ أنْ يَذْكُرُوا الْأسْمَاءَ الْخَاصَّةَ بِتَنْمِيَةِ الْبَرْنَامَجِ الرُّوحِيِّ الْأعْلَى لِلْإدْرَاكِ فَإذَا بِالنَّتَائِجِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ السَّنَةِ تَكُونُ مُذْهِلَةً فِي تَقَدُّمِ الطُّلَّابِ بِنِسْبَةِ 90 % عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْفَصْلِ الدِّرَاسِيّ الْأوَّلِ مِمَّا دَفَعَنْي لِفَتْحِ تَجْرِبَةٍ جَدِيْدَةٍ فِي الَعَامِ الَّذِي يَلِيْهِ مُنْذُ بِدَايَةِ الْعَامِ مَعَ كُلِّ الْأهَالِيْ مِنْ حَوْلِي وَالَّذِيْنَ لَهُمْ أبْنَاءٌ فِي الْمَدَارِسِ مِنَ الْجِيْرَانِ إلَى الْأقَارِبِ إلَى الْمَعَارِفِ إلَى الْأصْدِقَاءِ حَيْثُ كُنْتُ أصِفُ لَهُمْ لِزِيَادَةِ الْإدْرَاكِ عِنْدَ أبْنَائِهِمْ لِمَزِيْدٍ مِنَ التَّحْصِيْلِ الْعِلْمِيِّ ذَاكَ الْاسْمَ الْإلَهِيَّ .

وَكَانَتِ النَّتَائِجُ مُذْهِلَةً فِي زِيَادَةِ الْإدْرَاكَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِالذَّكَاءِ الْعَقْلِيِّ وَتَنْمِيَةِ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا ( التَّحْلِيْلُ وَالتَّرْكِيْبُ وَالتَّرْجِيْحُ ) مِمَّا انْعَكَسَ عَلَى تَفَوُّقِ الطُّلَّابِ وَفَتَحَ الْمَزِيْدَ مِنَ التَّجَارِبِ عَلَى الْأسْمَاءِ الْخَاصَّةِ بِالْوَعْيِ وَالْفَهْمِ وَالتَّعَلُّمِ فِيْمَا بَعْد .

فللإدراك اسم إلهي خاص وللفهم اسم إلهي خاص وللتعلم اسم إلهي خاص .. وهكذا ..

وَهَكَذَا بَدَأتُ بِإقَامَةِ دَوْرَاتٍ تَدْرِيْبِيَّةٍ أدَرِّسُ فِيْهَا الْبَرَامِجَ الرُّوحِيَّةَ الْعُلْيَا الْخَاصَّةَ بِالتَّعَلُّمِ وَالْإدْرَاكِ لِتَطْوِيْرِ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ عِنْدَ طُلَّابِ الْمَدَارِسِ الَّذِيْنَ اسْتَفَادُوا مِنْ هَذَا الْعِلْمِ .

حَيْثُ لَمْ أكُنْ أدَرّسهُمْ أصُولَ وَقَوَاعِدَ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ وَلَا أيِّ شَيْءٍ مِنْ عِلْمِ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ بَلْ كُنْتُ ألَقِّنُهُمْ فَقَطِ الْأسْمَاءَ الْحَاكِمَةَ عَلَى الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا وَأشْرَحُ لَهُمْ أدِلَّةَ عَمَلِهَا وَأدِلَّةَ وُجُودِهَا النَّقْلِيِّ فِي الْقُرْءَانِ الْكَرِيْمِ وَالسُّنَّةِ الشَّرِيْفَةِ مَعَ عَرْضِ نَتَائِجَ مَنْ سَبَقُوهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ وَمَا ذَلِكَ إلَّا مُرَاعَاةً لِأعْمَارِهِمْ وَمُسْتَوَيَاتِ تَعْلِيْمِهِمْ وَكُنْتُ أسَمِّيْهَا دَوْرَاتِ التَّفَوُّقِ الدِّرَاسِيِّ حَتَّى بَاتَتْ تِلْكَ الدَّوْرَاتُ تُطْلَبُ مَعَ بِدَايَةِ كُلِّ عَامٍ دِرَاسِيٍّ فِي بَعْضِ الْمَعَاهِدِ الَّتِي تَفَطَّنَتْ لِهَذِهِ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا .

وَهُنَا كَانَتِ الْمَرْحَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي نَقْلِ تِلْكَ التِّقَنِيَّاتِ الرُّوحِيَّةِ إلَى مَرْحَلِةِ تَعْلِيْمِ الْكِبَارِ حَيْثُ دَرَسْتُ بِالتَّجْرِبَةِ الْعَمَلِيَّةِ مَدَى مُؤَثِّرِيَّةِ التَّرَاكِيْبِ وَالتَّرَاتِيبِ الْحَرْفِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِالْأسْمَاءِ الْإلَهِيَّةِ فِي تَطْوِيْرِ أنْوَاعِ الذَّكَاءَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا عِنْدَ الْإنْسَانِ فَكَتَبْتُ حِيْنَئِذٍ رِسَالَةً أسْمَيْتُهَا رِسَالَةَ ( فَتْحِ طَاقَاتِ التَّعَلُّمِ ) وَبِتُّ أصِفُهَا كَوَصْفَةِ الدَّوَاءِ لِكُلِّ مَنْ يَرْغَبُ بِتَلَقِّي الْعِلْمِ عَلَى يَدَيَّ ، فَإنَّ ثَمَّةَ بَرْنَامَجَاً رُوحِيَّاً أعْلَى خَاصَّاً بِاسْمِهِ الرَّحْمَنِ يُعْطِي الْمُتَلَقِّيَ لِلْعِلْمِ خَصَائِصَ مُعَيَّنَةً لَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيْلُهَا بِغَيْرِ هَذَا الْبَرْنَامَجِ وَهَكَذَا مَنَحَنِي الرَّبُّ تَعَالَى الْفُرْصَةَ لِتَدْوِيْنِ تِلْكَ الْحَقَائِقِ وَاخْتِبَارِ تِلْكَ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا وَرَصْدِ النَّتَائِجِ وَمِنْ ثَمَّ تَنْظِيْمِهَا فِي دَوْرَاتٍ تَدْرِيْبِيَّةٍ ألَقِّنُهَا لِطُلَّابِ الْعِلْمِ .

وَهَكَذَا كَانَتْ وِلَادَةُ عِلْمٍ جَدِيْدٍ فِي هَذَا الْعَالَمِ هُوَ مِنَ الْعُلُومِ الْفَرْعِيَّةِ لِعِلْمِ الذَّكَاءِ الرُّوحِيِّ سَمَّيْتُهُ ( عِلْمُ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا ) من كتاب علم الذكاء الروحي .

وهكذا أطلقت في العالم  علم الذكاء الروحي .

وأهم شيء في علم الذكاء الروحي أن فيه قواعد إداركية في بنية الوعي يستطيع الإنسان من خلالها أن يدير كل ماحوله كما يشاء .. بإدارة روحية كونية .. تجعله متفوقاً ونادراً وتحقق له أهدافه .

إن العقول النقية التي لم تُحجَب عن الروح والإدراك الروحي الفاعل أقرَّتْ بقوة حاكمية الروح عليها وأنَّ الروح إنما هي طور فوقها وأنَّ العقل والجسد المادي إنما هو مستمَّد من توهجها فسلَّمَ لها ما أظهرتْ له من قدرتها على الاستمرار بحياة ذات عناصر تختلف عن عناصر الحياة الدنيا ..
العشق محرك وطاقة لنا ؛ وعلم الذكاء الروحي يختصر كثيراً من الطريق  على العاشقين لأن العشق مترابط مع الروح ، لذلك يجب أن نكون أذكياء في العشق ، أذكياء في الحب ومالكين لعلم الذكاء الروحي العاطفي الإدراكي والفاعل .

 


( نقلاً عن كتاب تعلم معي علم الذكاء الروحي للمفكر الإسلامي الشيخ د. هانيبال يوسف حرب ) .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى