( تَوَجُّهٌ رَحْمَانِيٌّ )
مِنَ العَبْدِ الفَقِيْرِ إلَى رَبِّهِ تَعَالَى هَانِيْبَالْ يُوسُفْ حَرْبْ إلَى (………)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ
وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ وَبَعْدُ :
رَدَّاً عَلَى سُؤَالِكَ : بِمَاذَا يَتَوَجَّهُ أَهْلُ الحَقِّ حِيْنَ يَذْكُرُونَ الرَّحْمَنَ جَلَّ وَعَلَا ؟
أقُولُ : اعْلَمْ يَا وَلِيِّي فِي اللهِ تَعَالَى – رَحِمَكَ اللهُ بِرَحْمَانِيَّتِهِ العُظْمَى وَرَحِيْمِيَّتِهِ الْمُثْلَى – أَنَّ الذَّاكِرِيْنَ بِاسِمْهِ الرَّحْمَنِ إِنَّمَا يَذْكُرُونَهُ بِرَحْمَتِهِ الجَامِعَةِ لِلأسْمَاءِ الْحُسْنَى : { قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى } الإسْرَاءُ 110 .
إِلَّا أنَّ لأِهْلِ اللهِ تَعَالَى تَوَجُّهَاتٍ فِي ذِكْرِ هَذَا الاسْمِ العَظِيْمِ؛ فَإنَّهُ حَاجِبُ الاسْمِ الْأعْظَمِ ؛ وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } طَهَ 5 ، رُغْمَ أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَرْشِ إِنَّمَا هُوَ صَادِرٌ عَنِ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى المُنْطَوِيَةِ فِي اسْمِهِ الرَّحْمَنِ ..
فَمِنهُمْ مَنْ يَذْكُرُ الرَّحْمَنَ وَتَوَجُّهُهُ القَلْبِيُّ وَالقَالَبِيُّ إلَى اسْمِ اللهِ الأعْظَمِ ، هَذَا عِندَمَا رَزَقَهُ اللهُ تَعَالَى مَعْرِفَةَ هَذَا الْاسْمِ الْعَالِي الجَنَابِ العَظِيْمِ الوَجْهِ .
وَمِنهُمْ مَن يَذكُرُ الرَّحْمَنَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى حِيَاضِ الرَّحْمَةِ لِيَتَشَرَّبَ مِنهَا مَا قَسَمَ اللهُ تَعَالَى لَهُ ، وَغاَلِبَيَّةُ هَؤُلَاءِ هُمْ مِن أَهْلِ الْحَقِّ الَّذِيْنَ تَتَوَالَى عَلَيْهِمُ الَأسْمَاءُ الْقَهْرِيَّةُ فَتَرَاهُمُ يُتَابِعُونَ الذِّكْرَ بَعْدَ الذِّكْرِ بِأسْمَاءِ الجَمَالِ الرَّحْمَانيَّةِ لِتَرْطِيْبِ مَا حَصَلَ عِنْدَهُمْ .
وَمِنهُمْ مَنْ يَذْكُرُ الرَّحْمَنَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى رُبُوبِيَّةِ الْحَقِّ عُبُودِيَّةً مَحْضَةً وَتَعَبُّدَاً لِسِيَادَتِهِ ، وَمِن هَؤلَاءِ مَنْ قِيْلَ فِيهِمْ :
{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً } الفرقان 63 ، وَهُمْ طَبَقَةُ التَّالِيَاتِ ذِكْرَاً .
وَمِنهُمْ مَنْ يَذْكُرُ الرَّحْمَنَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَالِقِيَّتِهِ مِنِ اسْمِهِ الخَالِقِ ، وَمِن هَؤلَاءِ المُتَوَجِّهُونَ لِلرَّحْمَنِ لِطَلَبِ الوَلَدِ وَالإنجَابِ .
وَمِنهُمْ مَنْ يَذْكُرُ الرَّحْمَنَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى حَضْرَةِ الحِفْظِ وَالحِمَايَةِ ذِكْرَ الْتِجَاءٍ وَاسْتِعَاذَةٍ كَمَا ذَكَرَ لَنَا اللهُ تَعَالَى فِي حَالِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ عِنْدَ الظُّهُورِ الجِبْرِيْلِيِّ لَهَا مُتَمَثِّلَاً بَشَرَاً سَوِيَّاً حَيْثُ قَالَتْ : { إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } مَرْيَم 18 .
وَمِنهُمْ مَنْ يَذْكُرُ الرَّحْمَنَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى أَسْمَاءِ الجَمَالِ فِيْهِ ، لِيَتَشَرَّبَ أنْوَارَ الرَّأفَةِ ، وَمِن أَهْلِ هَذَا التَّوَجُّهِ أَهْلُ الْحَنَانِ وَاللُّطْفِ .
وَمِنهُمْ مَنْ يَذْكُرُ الرَّحْمَنَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى حَضْرَةِ الفَتحِ فِيهِ مِنِ اسْمِهِ الْفَتَّاحِ ، وَمِن أَهْلِ هَذَا التَّوَجُّهِ طُلَّابُ الكَرَامَاتِ وَأصْحَابُ الضِّيْقِ ؛عِلْمَاً أنَّ أَهْلَ الضِّيْقِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَوَجَّهُوا إلَى ذِكْرِ الرَّحْمَنِ مِنْ حَيْثُ وُسْعِ الرَّحْمَةِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ لَا مِن حَضْرَةِ الفَتْحِ ؛ إِلَّا أَنَّ التَّوَهُّمَ الْقَائِمَ فِي عُقُولِ بَعْضِهِمْ يُشَوِّشُ عَلَيْهِم صِحَّةَ التَّوَجُّهِ فَتَرَاهُم يَطلُبُونَ بِغَيْرِ حِكْمَةٍ ، – رَزَقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ تَوَجُّهَ الحِكْمَةِ وَحِكْمَةَ التَّوَجُّهِ – آمِيْن .
وَمِنهُمْ مَنْ يَذْكُرُ الرَّحْمَنَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى حَضْرَةِ العِلْمِ لِيَفْتَحَ لَهُ طَاقَاتِ التَّعَلُّمِ ، وَقَدْ كُنْتُ أَنْصَحُ طُلَّابَ العِلْمِ بِهَذَا التَّوَجُّهِ الرَّحْمَانِيِّ فَيَذْكُرُونَ اللهَ تَعَالَى ثَلَاثَمَائَةِ مَرَّةٍ قَبْلَ أيِّ مَجْلَسٍ عِلْمِيٍّ عَلَى نِيَّةِ فَتْحِ طَاقَاتِ التَّعَلُّمِ ، فُيُكْرِمُهُمُ الرَّحْمَنُ بِذَلِكَ وَلِلَّهِ الحَمْدُ .
وَقَدْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ مُفَصَّلَاً فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتُهَا : ( رِسَالة طَاقَاتِ التَّعَلُّمِ ) .
وَمِنهُمْ مَنْ يَذْكُرُ الرَّحْمَنَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى حَضْرَةِ العَطَاءِ ، فَيَكُونُ ذِكْرُهُ طَلَبَاً بَيْنَمَا يَذْكُرُ الرَّحْمَنَ تَسبِيْحَاً ؛ أُولَئِكَ الَّذِيْنَ ذَكَرْتُهُمْ سَابِقَاً وَهُمُ التَّالِيَاتُ ذِكْرَاً .
وَمِنهُمْ مَنْ يَذْكُرُ الرَّحْمَنَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى حَضْرَةِ الثَّنَاءِ ، وَهُوَ تَوَجُّهُنَا فِي الصَّلَاةِ بِثَنَائِنَا عَلَى أُلُوهِيَّتِهِ تَعَالَى بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ عِنْدَ قَوْلِنَا : { الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيْمِ } حَيْثُ وَرَدَ فِي الحَدِيْثِ الشَّرِيْفِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ : « أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي » .
وَمِنهُمْ مَنْ يَذْكُرُ الرَّحْمَنَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى حَضْرَةِ الرَّحْمَانِيَّةِ العُظْمَى ، وَمِن هَؤلَاءِ الْمُتَحَقِّقُونَ بِالرَّحْمَانِيَّةِ حَيْثُ أَنَّهُمْ أَهْلُ الرَّحْمَةِ بِالكَوْنِ ، يَرْحَمُونَ الْخَلْقَ فَيَرْحَمُهُمُ الحَقُّ ، يَرْحَمُونَ الخَلْقَ بِالْحَقِّ فَهُمْ مَعَ اسْمِ سَيِّدِهِمْ عَلَى صِفَتِهِ ، يَأخُذُونَ مِن رَحْمَانِيَّتِهِ وَيُفِيْضُونَ بِهَا عَلَى الخَلْقِ رَحْمَةً بِهِمْ .
وَلتَعْلَمْ يَاوَلِيِّي فِي اللهِ تَعَالَى أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ لَكَ إنَّمَا هُوَ مِن بَابِ التَّعْرِيْفِ بِالتَّوَجُّهَاتِ ، فَإنَّ التَّوَجُّهَاتِ الرَّحْمَانِيَّةَ بِذِكْرِ اللهِ الرَّحْمَنِ تَعَالَى كَثِيْرَةٌ جِدَّاً جِدَّاً عَلَى حَسَبِ البَواعِثِ الحَقَّانِيَّةِ فِي الخَلْقِ ، فَاذْكُرِ الرَّحْمَنَ ذِكْرَاً كَثِيْرَاً فَإنَّكَ لَا مَحَالَةَ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهِ بِتَوَجُّهٍ مَا ، حَسَبَ الحَالِ الَّذِي أَنْتَ لَابِسُهُ وَالْبَاعِثِ الْمُحَرِّكِ لَكَ عَلَى التَّوَجُّهِ إلَيْهِ لَحْظَةُ الذِّكْرِ .
وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ
( من كتاب الكتب الخيرة للمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب ) .
أقرأ التالي
22 نوفمبر، 2016
تعريف الروح
2 أبريل، 2020
رسالة تَكْوِيْنُ الْبَرَامِجِ الرُّوحِيَّةِ الْعُلْيَا
16 يونيو، 2020
تحقيق روح الصدق في الحياة
زر الذهاب إلى الأعلى